اشتهرت في السنوات الأخيرة عمليات النصب والاحتيال بواسطة الرسائل المرسلة من نيجيريا، والتي كانت الحكومات وغرف التجارة في جميع البلدان تحذر من الوقوع في شباكها. وكانت هذه العمليات تصيب في أغلب الأحيان رجال الأعمال والتجار، أما في عصر العولمة وشبكة الانترنت فإنها باتت تصيب الأفراد المتعاملين بالشبكة. ولم يعد أبطال هذه العمليات الفريدة محصورين في نيجيريا، بل توسعت شبكتهم لتشمل أكثرية بلدان أفريقيا الغربية. تغيرت الأحوال وتغيرت الوسائل واتسعت رقعة الدول التي تنطلق منها عمليات الاحتيال هذه لكن الطرق المتبعة بقيت على المبدأ نفسه، فالذي يقف وراء عمليات الاحتيال هذه "يدغدغ" أحلام الربح السريع لدى ضحاياه، ويلعب على وتر الجشع الكامن في أعماق العديد من المتربصين بفرص الربح السريع. ومبدأ عمليات الاحتيال المعروفة لدى أجهزة الشرطة في العالم باسم "رسائل نيجيريا"، سهل جداً ومبني على أساس إرسال رسالة "شخصية" يطلب كاتبها مساعدته على إخراج "كمية كبيرة من الأموال غير النظيفة" من بلده في مقابل نسبة معينة من المبلغ المهرب. ويكمن "سر عملية الاحتيال" في هذا العرض حيث يبرز الاعتراف بعدم قانونية العملية منذ بداية "نشوء العلاقة" بحيث يضفي على التعامل إذا تم نوعاً من "الصراحة" من جهة، ويظهر مرسل الرسالة في موقع ضعف "يشجع الضحية" على المجازفة. غير أن طريقة العرض هذه تشكل بحد ذاتها فخاً لكل من يقبل بالدخول في تفاصيل الأمر، حتى ولو كان من باب الحشرية فقط. ذلك أن قبول العرض أو حتى قبول مناقشته. هو قبول بالدخول في عملية غير قانونية، ومجرد تجاوز هذا الخط يفتح باب الابتزاز، ويقفل باب إمكانية اللجوء إلى الشرطة أو القضاء في المرحلة التالية. ويؤكد أحد مسؤولي شرطة زوريخ، التي تعتبر من المدن المفضلة لرجال عصابات نيجيريا وهدف "موجات الرسائل" هذه في السنوات الماضية، أنه يصعب جداً على المواطن أن يتوجه إلى مركز الشرطة ليعترف بأنه كان يتفاوض على عملية مخالفة للقانون، حتى وإن عرف لاحقاً أنه كان ضحية عملية احتيال. أرقام كبيرة وتعتمد عمليات الاحتيال بالرسائل على قاعدة "الأرقام الكبيرة" المعروفة لدى العاملين في التسويق والإعلان والكازينو وألعاب القمار، وتقول القاعدة أن عدد الذي يتجاوبون مع "الرسائل" مرتبط بعدد الرسائل الإجمالي المرسلة، وأن النسبة هذه تتزايد بطريقة هندسية ثابتة. لذا يتم إغراق المدن الأوروبية وغيرها في السنوات الأخيرة وصلت موجات من هذه الرسائل إلى منطقة الخليج وأطلقت في حينها غرف التجارة في المنطقة تحذيرات بمئات آلاف الرسائل الموجهة إلى أشخاص يتم اختيارهم بعناية حسب قدراتهم المالية. أما تقنية الاحتيال فلم تتغير، وتعتمد السيناريوهات على وقائع حقيقية يمكن لمن يتابع أخبار العالم، ولو بشكل سطحي، أن يكون ملماً بها. وهذا الإلمام يطمئن الضحية من حيث لا تدري ويسهل وقوعها في الفخ. وأشهر نوع استعمل لسنوات خلت هو سيناريو "عملية بيع باخرة نفط". وحسب هذا السيناريو تعلن الرسالة المرسلة من المحتال وشركائه عن اسم باخرة موجودة في مرفأ ما قريب من بلد التحميل نيجيريا في أغلب الأحيان لنقل "نفط مهرب بأسعار مخفضة". ويطلب كاتب الرسالة مساعدته على دفع أجور عالقة لسبب ما، يكون غالباً مقبولاً، مثل تأخير في وصول تحويل ما يقدم رقمه ويكون هذا التحويل حقيقياً مئة في المئة. ويقدم في مقابل هذه المساعدة نسبة مئوية من حمولة الباخرة. وإذا أراد الضحية الاستعلام عن الباخرة في المرفأ المشار إليه تجد أنه توجد باخرة وأن حمولتها نفط كما ذكرت الرسالة. وإذا أرادت الضحية، زيادة في الحرص، الاستعلام عن التحويل المالي المتأخر، وكان ذلك بمقدورها، تجد أن التحويل المالي أصيل لا لبس فيه. وفي حال قبل متلقي الرسالة الدخول في مفاوضات حول طريقة حصوله على نسبة من مردود بيع الحمولة، يكون قد وقع في الشرك ويصعب عليه بعد ذلك التراجع. وإذا اتصل بالرقم المشار إليه فاكس أو هاتف يكون محدثه محامياً أو رجل أعمال يعطيه مواعيد في أكبر الفنادق. وتكون عادة ضمانة الدفع إما الباخرة وحمولتها وفي أغلب الأحيان يكون أصحاب الباخرة لا يدرون بما يدور حول اسم باخرتهم ولا يستطيع الضحية ملاحقتهم جزائياً . وإما أن يكون بمثابة كتاب ضمانة معطوف على التحويل المشار إليه. وفي معظم الأحيان يكون التحويل أو رسالة الضمان أو الكفالات المصرفية منتهية الأجل في لحظة التوقيع وكل الأسماء المستعملة من قبل المتعاملين غير صحيحة ويختفي المحامي من مكتب يكون قد استأجره لأسبوع أو أقل للزوم عملية الاحتيال. ومنذ انطلاق شبكة الانترنت واتساع العمل بها انفتحت آفاق الوصول إلى قطاعات واسعة من المستهدفين في شتى أنحاء العالم. وقد استعملت الشبكة الالكترونية في آخر عملية تحقق بها الشرطة الفرنسية، وذهب ضحيتها المئات من الراغبين بالكسب السريع. والطرافة أن محتالي الشبكة استعملوا هذه المرة اسم هنرييت زوجة رئيس جمهورية شاطئ العاج المخلوع هنري كونان بيديه، من دون علمها بالطبع. واستندت الرسائل الإلكترونية المرسلة إلى العديد من المصرفيين ورجال الأعمال والأشخاص العاديين الى وقائع السياسة اليومية في شاطئ العاج ونزاع السياسيين مع الطبقة العسكرية الحاكمة ومناسبة الانتخابات الرئاسية لانتخاب رئيس يحل مكان بيديه المخلوع. وقائع حقيقية لأهداف كاذبة وتقول خلاصة الرسالة "الموقعة" من هنرييت أنه بعد هروبها إلى المنفى الفرنسي عقب الإنقلاب العسكري وقائع صحيحة قام النظام الجديد بوضع يده على أموال الرئيس المخلوع المنقولة وغير المنقولة داخل البلاد وخارجها وقائع صحيحة نقلتها الصحافة، وهي تعيش الآن مع زوجها وأطفالها وجميع من رافقهم في المنفى في حالة مادية صعبة، بل وفي ضائقة مالية وقائع حقيقية تتكلم عنها الصحف أحياناً. وتتابع "الرسالة-الفخ" نصب الفخ الذي يمكن أن تقع فيه الضحية فتصف الظروف الطارئة وحالة الفوضى التي رافقت عملية خروج الرئيس من البلاد وهذه أيضا من مقتطفات الصحافة إبان الإنقلاب وبعده، لتصل إلى بيت القصيد فتذكر الرسالة أن ظروف خروج الرئيس لم تسمح له بنقل أموال مخبأة في صناديق حديدية متواجدة في شركة نقل معينة اسم الشركة فينانشيل ترست أند سيكوريتيز الموجودة في كوتونو العاصمة التجارية لبينين، وصورة عن إيصال استلام الصناديق مع بيان بمحتوياتها والبالغة 35 مليون دولار وتم رفق صورة عن شروط الإيداع والتي تنص على وجوب تسديد "قيمة حفظ الصناديق والبالغة 1 في المئة من القيمة المودعة" قبل استرداد الصناديق موضع الإيصال. وعرضت الرسالة المساعدة على استرداد هذه الصناديق لتوفير الأموال اللازمة للرئيس المخلوع لتنظيم صفوف المعارضة التي يسعى الى لم شملها. وتنتهي الرسالة إلى عرض 5 في المئة من قيمة المبالغ المودعة في مقابل هذه المساعدة. وتنتهي باعطاء رقم هاتف محامي زوجة الرئيس في كوتونو لتنسيق العمل معه في حال الرغبة بمساعدة الديموقراطية. وعلى رغم رائحة الاحتيال التي تطفو من رسائل كهذه ووضوح هدف السرقة فإن العديد من الأشخاص يقعون في فخ هذه الشبكات...ويدفعون الكثير من الأموال ركضاً وراء سراب ربح سريع. وتتحدث الصحافة عن سيناتور بنسلفانيا السابق إدوارد ميزفينسكي الذي وقع ضحية رسالة مماثلة على رغم أنه محام بارع. فقد حول مبلغ مليون دولار الى بنك إسباني للمشاركة بتخليص "ثروة المارشال موبوتو" من زائير في مقابل 200 مليون دولار. وذكرت "واشنطن بوست" أن المحامي البارع اضطر بعد إعلامه الشرطة ورفع دعوى على مجهول إلى إعلان إفلاسه. خطف طوعي ويشير ضابط شرطة في باريس يهتم بملاحقة هذه القضايا الى أن شبكات "الاحتيال الأفريقية" تلجأ في بعض الأحيان إلى استدراج الضحايا إلى أفريقيا بواسطة دعوات على الأنترنت، وما أن تصل الضحية إلى الدولة الأفريقية حتى يتم احتجازها وابتزاز عائلتها بواسطة الهاتف، وهذا نوع من "الخطف الطوعي". ويقول الضابط أنه في بعض الأحيان، خصوصاً حين يتبين للشبكة أن الضحية أو عائلتها لا تملك الكثير من المال، يتم نقل الضحية إلى منطقة نائية وتركها في الطبيعة بعد سلبها أموالها ومتاعها. ويؤكد أن هذه العمليات أصبحت روتينية منذ بدء استعمال الأنترنت على نطاق واسع. ويقول ضابط الشرطة ان بعض هذه العصابات منظم بشكل هرمي ويتم التعامل مع الضحايا حسب إمكاناتها المالية، وأن لهذه الشبكات مكاتب ومراسلين في العالم يجمعون المعلومات عن عادات وطبائع ضحاياهم المقبلة، حتى أن بعضهم يشتري بنوك معلومات من شركات التسويق والإعلان وأن تجهيزات بعض هذه العصابات الأفريقية حديثة ومتقدمة جداً بحيث تسمح لها بقرصنة العديد من المواقع والحصول على المعلومات التي تعتبر مادتها الأولية قبل البدء بخط الرسائل