زيارة وزير الخارجية الايراني كمال خرازي الى بغداد ليست وليدة وقتها فقد تم الاتفاق في شأنها الشهر الماضي أثناء اللقاء "النادر" في كاركاس بين الرئيس الايراني محمد خاتمي ونائب الرئيس العراقي طه ياسين رمضان على هامش قمة "اوبك". الا أن أهم ما يميز هذه الزيارة التي جاءت بعد أن كررت طهران على ضوء "الغزل" مع الولاياتالمتحدة، أنها غير مستعجلة على تطبيع علاقاتها مع جارها اللدود، هو أنها تمت في وقت ازداد فيه قرع طبول الحرب بين العرب واسرائيل. وحسب مصادر ايرانية، فإن الرئاسة الايرانية أوعزت باتمام زيارة خرازي الى بغداد في هذا الوقت لابلاغ رسالة واضحة لأميركا الداعمة لاسرائيل بأنها لن تترك سورية ولبنان وحيدين في ساحة المواجهة وحسب، وإنما ستتحرك سواء وراء الكواليس أو أمامها بما يمكنها من بلورة موقف عملي يجسد دعمها للبلدين بطريقة فاعلة بالقوات والسلاح عبر الأراضي العراقية. وكان واضحا أن ايران كانت قادرة على تأجيل زيارة خرازي لبغداد بسبب الانشغال وهي رئيسة منظمة المؤتمر الاسلامي بالتطورات الأخيرة فلسطينياً واقليمياً ودولياً، خصوصاً أن ايران لاعب أساسي في كل ما يجري، وقد طلبت الولاياتالمتحدة منها - عبر وسطاء أوروبيين - أن تتدخل لنزع فتيل التوتر في شأن قضية الجنود الاسرائيليين الثلاثة الذين أسرهم "حزب الله"، الا أنها تعجلت الزيارة وقدمت موعدها الزمني ليتزامن مع الجهود التي تبذلها لنزع فتيل أزمة الأسرى، وهي تعمل على أكثر من صعيد، ومنه التوجه نحو العراق الذي فتح مراكز تطوع وطالب بفتح الحدود لمحاربة اسرائيل. وكانت ايران رفضت، قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، عرضاً عراقياً حمله وزير النقل أحمد مرتضى أحمد بأن تخرق الحظر الجوي المفروض على العراق منذ عشر سنوات، في مقابل زيادة أعداد الحجاج الايرانيين الى الاماكن الدينية في العراق، لكنها اكتفت بالموافقة على درس فكرة نقل المسار الجوي لطائراتها المارة بين طهرانودمشق وبالعكس عبر الأجواء التركية، للمرور عبر أجواء العراق وهي خطوة حسبت بدقة للتخلص من قرار تركي يقضي بفرض رقابة مشددة على النقل الجوي الايراني عبر الأجواء التركية. وإذا كانت فرضية أن ايران تدعم "حزب الله" في لبنان ستستمر بقوة إذا نفذت اسرائيل تهديداتها بغزو لبنان أو الاغارة على بيروت، وأن "حزب الله" سيرد، وما يلزم ذلك من استمرار تدفق المساعدات العسكرية من ايران، فإن المراقبين لن يحتاجوا الى معجزة لحل المعادلة وقراءة التحرك الايراني الأخير صوب العراق. ولكي تتمكن ايران من تنفيذ وعودها في ما يتعلق بدعم سورية في عهد الرئيس بشار فإنها بالتأكيد ستكون بحاجة الى توفير طريق امدادات مباشر لسورية يؤمن دعمها ولبنان في أية مواجهة مع اسرائيل، بعدما كان الرئيس خاتمي والمرشد علي خامنئي قد أكدا الوقوف الى جانب القيادة السورية الجديدة، خلال مرافقة قائد الحرس الثوري اللواء رحيم صفوي خاتمي أثناء حضور جنازة الراحل حافظ الأسد، وأيضاً في تعمد ايفاد خامنئي، بعد الجنازة، مستشاره الأعلى وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي الى دمشق ناقلاً رسالة للرئيس بشّار بهذا المعنى. ويمكن أيضا قراءة هذا الهدف الايراني لزيارة خرازي الى بغداد عندما حرص الوزير الايراني على الاتصال بالأمين العام للامم المتحدة كوفي أنان، ليطلب منه بوضوح نقل تحذير ايراني محدد لاسرائيل بأنها ستواجه عواقب وخيمة إذا نفذت تهديداتها واعتدت على سورية أو لبنان، في وقت سربت مصادر أن دمشق التي تعمدت من جهتها خرق الحظر الجوي على العراق وأرسلت للمرة الاولى منذ عشرين عاماً طائرة الى بغداد، عرضت ايجاد محور اقليمي جديد، ولو من دون اتفاق، يضمها وبغدادوطهران. وبدا واضحاً خلال الاتصالات العراقية - الايرانية الأخيرة التي جرت على رغم توتر شديد عاشته مناطق الحدود بعد تبادل المعارضة المسلحة المدعومة من كل من بغدادوطهران ضد الأخرى، أن الجانبين أظهرا للمرة الاولى منذ توقف الحرب في العام 1989، استعداداً غير مسبوق لإنهاء الخلافات وحل المسائل العالقة خصوصاً ملف المعارضتين.