بدأ العام الجديد في اليمن بركود في الساحة السياسية والعمل السياسي، فالأحزاب في المعارضة والسلطة شبه غائبة الا في صحفها الأسبوعية. والحكومة تبدو كأنها تبحث عن مزيد من مبررات التغيير او التعديل على رغم ان مسؤوليها يؤكدون استمرارها وينفون أياً من هذه الاحتمالات او التوقعات التي يطرحها بعض الصحف المحلية. ولم يظهر بعد، برنامج "استئصال السلبيات" الذي كلّف الرئيس علي عبدالله صالح الحكومة في تشرين الأول اكتوبر الماضي باعداده خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي. وظلت ظاهرة الاختراقات الأمنية وضحايا السلاح الأكثر بروزاً في اوساط المجتمع اليمني والصحافة المحلية. كما ظلت هي الأولى في اهتمام الرئيس صالح من خلال خطابه العام ورسائله الى الحكومة وتوجيهاته الى مسؤولي وزارة الداخلية لمعالجة المشكلة واتخاذ التدابير اللازمة للحد من خطرها، وآخرها حديثه الى قادة وزارة الداخلية في افتتاح مؤتمرهم السنوي العاشر. ومع ما تؤكده اجهزة الأمن من جهود متواصلة في مواجهة الظاهرة وانها القضية الوحيدة التي تطرح على مجلس الوزراء في اجتماعه الاسبوعي من خلال التقرير الدوري الذي يقدمه وزير الداخلية اللواء حسين عرب، الا انها بحسب المراقبين تمثل المبرر الأول في التغيير او التعديل الوزاري المتوقع من قبلهم والنفي من قبل الناطق الرسمي في الحكومة. ضحايا السلاح في هذا الاطار، ظهرت مشكلة السلاح الناري يقدر بأكثر من 50 مليون بندقية أكثر عنفاً واتساعاً وخطراً. فرصدت على سبيل المثال، مصادر صحافية محلية عدداً من حوادث اطلاق النار خلال النصف الأول من كانون الثاني يناير الجاري، منها ستة في ثلاث محافظات، وجاءت حادثة خطف السائح الفرنسي وزوجته فأثارت كثيراً من القلق لدى المسؤولين في الدولة، على رغم انه امكن الافراج عنهما في اليوم الثالث للخطف بمحاولات شملت وساطات وتهديدات ووعوداً بالاستجابة لمطالب الخاطفين ممثلة في اقامة مشروعات خدمية في منطقتهم برط - محافظة الجوف، الا ان الحادثة في حد ذاتها كشفت عن ضعف الاحتياطات التي اتخذتها اجهزة الأمن لحماية السياح، ومثلت تحدياً لكل التهديدات التي يرددها المسؤولون المعنيون وللعقوبات الواردة في قانون الاختطاف، وأكدت من ناحية اخرى، الحاجة الى مزيد من الحزم والشدة في مواجهة الظاهرة،والدليل على ذلك خطف سائح اميركي بعد اطلاق سراح الفرنسيين. ومن ثم فان قضية السلاح واختراقات الأمن تحظى باهتمام مختلف الاجهزة والسلطات في الدولة وبمناقشات واسعة، الا انها تدور في حلقة مفرغة حسبما قال مصدر حكومي ل"الوسط"، "لأنها تنتهي بنا الى نقطة البداية وهي التأكيد على ان الحل الوحيد هو محاكمة الخاطفين". وتساءل المصدر "لماذا لا يقدم المتهمون الى المحاكمة؟ لا ندري". وعن مشكلة انتشار السلاح أكد المصدر ان مشروع القانون الذي يناقشه حالياً مجلس النواب البرلمان سيصدر قريباً، وهو "قانون تنظيم حمل الاسلحة وحيازتها والاتجار بها" واستدرك قائلاً: "لكنه لن يحل المشكلة اذا لم يجد تطبيقاً دقيقاً فضلاً عن وجود ثغرات فيه قد تنعكس سلباً على تطبيقه". وأشار الى قانون لتنظيم حمل السلاح وحيازته والاتجار به كان قد صدر العام 1992، لكنه لم يجد فرصة للتطبيق. ومن هنا يتوقع مراقبون لهذا المشروع الجديد ان يلقى المصير نفسه نظراً الى انه يواجه معارضة جزئية او كلية ممن يحتاج الى تعاونهم في تطبيقه، سواء ممن هم قادة في السلطات المحلية او الاحزاب او مشائخ القبائل او حتى من النواب انفسهم طبقاً لقيادي في المعارضة. وهذا واضح من القيود التي تضمنها المشروع وكشفت عنها تسميته، وهو انه "لتنظيم حمل الاسلحة وحيازتها والاتجار بها" وليس لمنع اي من هذه الجوانب او الحالات الثلاث، "لأن السلاح اصبح واقعاً قائماً في اليمن لا يمكن منعه". كما قال رئيس الكتلة البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي العام. وطرح الشيخ النائب سلطان البركاني ل"الوسط" ما يشبه التعليل لعدم تطبيق القانون الأول بأنه جاء في الدرجة الأولى "لتنظيم حمل السلاح، بينما ركز هذا المشروع على تنظيم حيازته"، مؤكداً ان قضية الحيازة هي المشكلة "فالمسؤولون في اجهزة الأمن يشكون من انها تواجههم عند محاولة التعرف على مالك السلاح المستخدم في الحادثة". وعبّر البركاني عن تصوره لصعوبة عملية تسجيل حيازة الاسلحة، "خصوصاً ان كثيرين يعتقدون بأن الغرض منها فقط ان تعرف الدولة عدد الاسلحة التي يملكونها". وتابع: "لكن العملية ستبدأ بالمدن ولندع الأرياف لمرحلة لاحقة". وفي ما يتعلق بالجانب او الهدف الثالث للقانون المعد من قبل وزارة الداخلية، قال: المجلس البرلمان غير موافق على عملية الاتجار بالأسلحة فهي ليست واردة بالنسبة الينا اصلاً، مشيراً الى "ان الخطوة الأولى في تطبيق القانون تتمثل في تحديد الفئات التي يحق لها حمل السلاح بموجب تراخيص ثم يأتي تنظيم الحيازة". ويعتقد النائب البركاني بأن تطبيق القانون الذي توقع له ان يصدر خلال شهر امر ممكن "الا انه يحتاج الى فترة زمنية كافية وجهود كثيرة"، وانه سيحد من حوادث القتل والاختراقات الامنية "لأن توفر السلاح دون تنظيم هو السبب الأول والمحرض الأكبر على ارتكاب الجريمة". مشكلة التقنين من جانب آخر وكما يلحظ مراقبون، فإن تخوف هذا الفريق من تنظيم عملية الاتجار بالسلاح ومحاولة استبعادها من القانون ينطلق من موقف يرى ان تقنين هذه العملية يمنح شرعية لتجارة السلاح ويزيد بالتالي من انتشاره. فيما يرى نواب وقانونيون ان هذه النظرة جزئية وغير صحيحة، "لأن عملية الاتجار بالسلاح تنفصل عن حمله وحيازته، سواء في الاستيعاب التشريعي لجوانب الظاهرة او التطبيق العملي للقانون او الغرض منه"، حسبما قال قانوني اكاديمي ذكر ل"الوسط" ان بقاء هذا الجانب خارج اطار القانون "يفتح المجال للاتجار بالسلاح بكل الطرق الممكنة". وأضاف ان صعوبة التطبيق تكمن اولاً في ان مُلاك الاسلحة سيكونون المصدر الوحيد لتحديد ما بحوزتهم، كما ان عملية تنظيم حمله بواسطة التراخيص "ستُدخل القانون في دوامة سابقة ويحصل على الترخيص من لا يستحقه". وتجدر الاشارة الى ان قرار وزارة الداخلية اليمنية بمنع حمل السلاح الصادر في آب اغسطس 1999 حقق نجاحاً من خلال الحملة العسكرية لضبط وسحب الأسلحة غير المرخصة في العاصمة صنعاء وبعض المدن الكبيرة، على رغم ما نتج عن الحملة من حوادث. وبلغ عدد قطع السلاح التي ضبطتها حتى نهاية تشرين الأول اكتوبر الماضي نحو 20 قطعة حسب تصريحات مسؤولي الأمن. الا ان الحملة تلاشت حتى توقفت تقريباً نتيجة ما لقيته من معارضة شديدة من اكثر من جهة. ويأتي مشروع القانون الجديد بديلاً عن القرار في اتجاه الغرض نفسه ولكن على المدى الطويل. فهل يخفف عن كاهل المجتمع اليمني من اعباء وضحايا حوادث وكوارث السلاح؟