تستعد منطقة الشرق الأوسط لدخول الألفية الثالثة وهي لا تزال في غمرة سباق تسلح متعدد الأطراف والأهداف تخوضه دولها الساعية الى تعزيز قواتها العسكرية وتحديث معداتها الهجومية والدفاعية، على رغم المؤشرات الأخيرة الى اقتراب تحقيق السلام بعد استئناف المفاوضات السورية - الاسرائيلية. وعلى رغم مضي حوالي عقد كامل على أحداث سياسية وعسكرية أساسية كان يفترض ان تشكل مدخلاً نحو تخفيف حدة التوترات والنزاعات في المنطقة، وحافزاً للتخفيف من وتيرة التسلح الاقليمي فيها، وخفض أحجام الانفاق العسكري لها، فإن شيئاً من ذلك لم يحدث. وعلى العكس، فإن تطورات من قبيل انتهاء الحرب العراقية - الايرانية العام 1988، وتحرير الكويت في حرب الخليج الثانية العام 1991، وبدء عملية السلام العربية - الاسرائيلية في وقت لاحق من العام نفسه، لم تؤد، كما كان متوقعاً الى كبح جماح جهود البناء العسكري في المنطقة، أو الى وضع حد للبرامج التسليحية المتنامية. وحتى الآن على الأقل، فإنه لا توجد دلائل تشير الى احتمال حدوث تغير في هذا الوضع خلال المستقبل المنظور. فمنطقة الشرق الأوسط لا تزال تشكل السوق الدولية الأكبر حجماً للاسلحة في العالم، وهي مرشحة لأن تظل كذلك حتى اشعار آخر. وبات واضحاً ان برامج تعزيز القدرات العسكرية التي تعمل دول هذه المنطقة على تنفيذها مرشحة للاستمرار والتصاعد خلال الفترة المقبلة، بغض النظر عن التطورات السياسية التي قد تشهدها المنطقة. وينطبق ذلك على ساحة الصراع العربي - الاسرائيلي، بقدر انطباقه على الوضع القائم في الخليج، وعلى دول الجوار المحيطة بالمنطقة. ويمكن القول ان سباق التسلح الاقليمي في المنطقة يجري حالياً في صورة موازية، ومنافسة، للسباق الجاري فيها بهدف التوصل الى تسويات سياسية للأزمات المزمنة التي طالما شكلت بؤراً للنزاعات والصدمات العسكرية بين دولها. بل قد لا يكون مستبعداً ان تكون الجهود التي تبذلها هذه الدول في الوقت الحاضر، لتعزيز قواتها المسلحة وتحديث معداتها، مصممة أساساً لتشكل الرديف الموازي لمساعي التسوية السياسية الجارية حالياً، بحيث تأتي هذه التسوية، عندما يتم التوصل اليها، معبرة عن توازن القوى العسكري والاستراتيجي الذي سيكون قائماً في المنطقة، وعلى المستوى الاقليمي العام. وتقدر المصادر الدفاعية الدولية ان دول منطقة الشرق الأوسط سترصد خلال السنوات العشر المقبلة حوالي 80 مليار دولار، وربما وصل الرقم الى 100 مليار دولار، لبناء قواتها العسكرية وتحديثها. وحسب هذه التقديرات، فإن معدلات الانفاق الدفاعي في دول هذه المنطقة ستظل محافظة خلال العقد المقبل على نسبها الحالية، أي ما يتراوح بين 7 و10 في المئة من الناتج القومي الاجمالي في دول المنطقة، بالمقارنة على سبيل المثال مع هذه النسب في مناطق اخرى من العالم، حيث لا تتجاوز عادة 3-5 في المئة. وهناك حالياً برامج تسليحية ضخمة عدة تعمل دول شرق أوسطية وخليجية على تنفيذها في اطار خطط خمسية وعشرية تغطي العقد الأول من القرن المقبل، وتصل تكاليفها الاجمالية الى عشرات المليارات من الدولارات. وتبرز في هذا المجال خصوصاً خطط البناء العسكري الاسرائيلية التي تتضمن صرف أكثر من 10 مليارات دولار خلال السنوات الخمس المقبلة على تطوير القوات المسلحة وتحديث معداتها في مجالات حيوية عدة، تأتي على رأسها تلك المتعلقة بالدفاعات الصاروخية الاستراتيجية المضادة للصواريخ الباليستية، وكذلك تطوير القدرات الجوية الهجومية، واستكمال بناء الوحدات القتالية البحرية وتزويدها سفناً وغواصات جديدة. وتخطط تركيا لتنفيذ برامج تسليحية رئيسية يقدر ان تصل تكاليفها الى أكثر من 30 مليار دولار على امتداد السنوات العشر المقبلة، وتشتمل على تطوير جميع جوانب القوات العسكرية ومجالاتها. وتركز ايران من ناحيتها على تنفيذ برامج تتعلق بتعزيز قدراتها الصاروخية الباليستية الاستراتيجية، وتوسيع قاعدة انتاجها العسكري المحلي، وتحديث معدات قواتها الجوية والبحرية والمدرعة. وتسعى سورية بدورها الى إدخال تحسينات شاملة على ترسانتها العسكرية عن طريق الحصول على أسلحة ومعدات جديدة وتحديث أنواع الأسلحة والمعدات السوفياتية الأصل التي لا تزال تعمل لدى قواتها منذ الحصول عليها من موسكو أيام الاتحاد السوفياتي السابق. وتستمر مصر في هذه الاثناء بتنفيذ برامج شاملة تهدف الى تطوير قواتها المسلحة، لا سيما على صعيد القوات الجوية والبحرية والمدرعة والدفاعات الجوية والصاروخية. وينطبق هذا ايضاً على دول مجلس التعاون الخليجي التي تتواصل جهودها في هذا المجال، والتي تخطط بدورها لتنفيذ برامج دفاعية رئيسية عدة خلال السنوات المقبلة. وعلى المستوى التفصيلي، تندرج أبرز الخطط التي تعمل دول المنطقة وجوارها على تحقيقها في مجال تعزيز قدراتها العسكرية وتحديث وسائلها القتالية في الوقت الحاضر على الشكل الآتي: اسرائيل تأتي اسرائيل منذ عقود عدة على رأس الدول المتلقية للدعم العسكري والمالي الاميركي في المنطقة والعالم. وهي تحصل حالياً على 3.2 مليار دولار من المساعدات التي ترصدها لها الولاياتالمتحدة سنوياً. وعلى الصعيد الاستراتيجي، يعمل الاسرائيليون على تطوير الصاروخ الباليستي أرض- أرض الجديد "جريكو - 3" أريحا - 3 الذي سيضيف بعداً نوعياً على قدراتهم الهجومية الاستراتيجية بفضل مداه الذي يقدر بحوالي 3500 كلم، أي ما يزيد عن ضعف مدى صواريخ "جريكو - 2" العاملة حالياً، والتي يصل مدها الى 1500 كلم. ومن المفترض ان يصبح هذا الصاروخ الجديد عماد قوات الردع النووي الاستراتيجي الاسرائيلية اعتباراً من الفترة 2002 - 2003. ومن المقرر ايضاً ان تبدأ خلال العام الحالي عملية ادخال نظام الدفاع الجوي الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية "هتز" أرو الذي تم تطويره بالتعاون مع الولاياتالمتحدة وبتمويل منها في برنامج استغرق العمل عليه حوالى 15 عاماً وبلغت تكاليفه الاجمالية حوالى 5 مليارات دولار. وستصبح القوات الاسرائيلية عندئذ الأولى في المنطقة والعالم المالكة لنظام دفاع جوي وصاروخي استراتيجي مخصص تحديداً للعمل ضد الصواريخ الباليستية أرض - أرض المتوسطة المدى، على خلاف صواريخ "باتريوت" الاميركي و"اس - 300" الروسية التي تستخدم حالياً في هذه المهمات لكنها مصممة أساساً كصواريخ دفاع جوي مضادة للطائرات. وسيشكل النظام "أرو" حلقة واحدة من شبكة دفاعية استراتيجية شاملة ومتعددة المراحل والطبقات ضد الصواريخ الباليستية تعمل اسرائيل على انشائها بهدف تزويدها قدرة متكاملة على مواجهة التهديدات الناجمة عن هذه الصواريخ خلال القرن المقبل. وتشتمل هذه الشبكة، التي يتم العمل على تطوير اجزاء أساسية منها بالتعاون مع الولاياتالمتحدة، على نظام رصد وانذار ومتابعة وإدارة عمليات متطور يعرف باسم "هوما" الوطن، وعلى سلسلة من الاقمار الصناعية المخصصة للاستطلاع ورصد عمليات اطلاق الصواريخ وتعقب مساراتها تعرف باسم "أموس"، إضافة الى نظام دفاع جوي يعمل بواسطة أشعة "ليزر" ويعرف باسم "نوتيلوس". وفي هذه الاثناء، اتخذ سلاح الجو الاسرائيلي الخطوة الأولى في برنامج شامل يهدف الى تحديث معداته على امتداد السنوات الخمس المقبلة، عندما وقع اختياره على المقاتلة "ف - 16 فالكون" لتزويد أسرابه القتالية 50 طائرة اضافية منها بطراز محسن يحمل اسم "ف - 16/60". وتم الاتفاق على هذه الصفقة قبل اشهر مع الولاياتالمتحدة بموجب عقد بلغت قيمته 2.5 مليار دولار. وستكون هذه الطائرات مزودة أنظمة رادارية والكترونية اسرائيلية الصنع، وسيتم تسليحها بصواريخ جو - جو اسرائيلية جديدة من طراز "بايثون - 4"، واخرى اميركية متطورة من طراز "أمرام"، وصواريخ جو - أرض اسرائيلية من طراز "بوباي" يصل مداها الى 100 كلم. وسيبدأ سلاح الجو الاسرائيلي باستلام هذه المقاتلات الجديدة تباعاً اعتباراً من عام 2002، في الوقت الذي سيحتفظ فيه بحق الحصول على 60 مقاتلة أخرى منها في دفعة لاحقة لاستكمال حاجاته المحددة بموجب برنامج تحديث معداته. لكن المرجح ان يقع الاختيار في المرحلة التالية من هذا البرنامج على المقاتلة الهجومية "ف - 15 إي سترايك ايغل" التي ترغب اسرائيل في الحصول على المزيد منها، بعدما استكملت عملية تسلم 25 طائرة من هذا الطراز المخصص لأغراض القصف الاستراتيجي البعيد المدى كانت تعاقدت على شرائها من الولاياتالمتحدة العام 1994 بموجب صفقة بلغت قيمتها 2.2 مليار دولار، وتم تمويلها بالكامل عن طريق المساعدات العسكرية الاميركية. ويفترض ان تشتمل الدفعة الثانية من مقاتلات "ف - 15 اي" على 30 طائرة تصل قيمتها الى 2.5 مليار دولار، على ان يبدأ تسليمها خلال 2004 - 2005. ويستعد الجيش الاسرائيلي من ناحيته للبدء بإدخال الطراز الجديد المعروف باسم "مركافا - 4" من هذه الدبابة التي يتم انتاجها محلياً الى الخدمة الفعلية اعتباراً من العام المقبل، فيما يستكمل سلاح البحرية عملية تسلم الغواصات الهجومية الجديدة الثلاث من فئة "دولفين" التي تم انتاجها لحسابه في المانيا بتمويل ألماني - اميركي. وستكون هذه العواصات، التي ستصبح قيد الخدمة الفعلية الكاملة خلال العام المقبل بدورها مجهزة لإطلاق صواريخ جوالة كروز هجومية استراتيجية بعيدة المدى من طراز لم يكشف النقاب عنه بعد، لكنه يرجح ان يكون من صنع اسرائيلي، ومشابهاً من حيث المواصفات والمهمات للصاروخ الاميركي الشهير "توماهوك". مصر تمكنت القوات المسلحة المصرية من استعادة موقعها التقليدي كالقوة العسكرية العربية الأفضل تجهيزاً واعداداً والأكبر حجماً، بفضل مجموعة متتابعة من برامج التطوير والتحديث وجهود التسليح المتواصلة التي بذلتها القاهرة على امتداد العقدين الماضيين، وتمكنت بواسطتها من اعادة بناء ترسانتها وتزويدها بعض أكثر أنواع الأسلحة والمعدات تقدماً وفاعلية من مصادر عدة اشتملت على الولاياتالمتحدة وأوروبا والصين وحتى روسيا نفسها، مع الاهتمام في الوقت نفسه بتعزيز قدرات الانتاج الحربي المحلي وتوسيع قاعدته والارتقاء بمستوياته. وساهم أيضاً في اعادة إبراز الآلة العسكرية المصرية وتكريس مكانتها في المنطقة، لا سيما خلال السنوات الماضية، أفول نجم القوة العسكرية العراقية نتيجة الخسائر التي منيت بها في حرب الخليج، وبعد ذلك بفعل العقوبات الدولية التي لا تزال مفروضة عليها منذ ذلك الحين، اضافة الى المصاعب التي عانت منها سورية خلال الفترة نفسها نتيجة انقطاع الدعم التسليحي الذي كانت دمشق تحصل عليه من موسكو أيام تحالفها الاستراتيجي مع الاتحاد السوفياتي السابق. وتأتي مصر في المرتبة الثانية بعد اسرائيل على قائمة الدول المتلقية للمساعدات العسكرية والمالية الاميركية في المنطقة والعالم. وهي تحصل حالياً من واشنطن على 2.1 مليار دولار من هذه المساعدات، موزعة على 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية المباشرة و815 مليون دولار من المعونات الاقتصادية التي يمكن استخدامها للاغراض العسكرية. ومن المفترض ان تحافظ هذه المساعدات على مستوياتها في المجال العسكري خلال السنوات الخمس المقبلة، مع تخفيضات بسيطة ستطرأ على المعونات الاقتصادية لتستقر على مستوى 700 مليون دولار سنوياً خلال الفترة نفسها. اما حجم المصاريف العسكرية المصرية فاستقر بدوره خلال السنوات الماضية على ما يتراوح بين 2.5 - 3 مليار دولار سنوياً وهذا المجموع لا يتضمن المساعدات العسكرية الاميركية المرصودة لمصر، أي ما يشكل نسبة تتراوح بين 4 و5 في المئة من اجمالي الناتج الوطني العام، وهي نسبة ينتظر ان تظل على حالها عموماً خلال السنوات المقبلة. وتشتمل جهود البناء الدفاعي المصري التي يتم تنفيذها منذ سنوات، وسيستمر العمل عليها خلال العقد المقبل، على جميع مجالات العمل العسكري الجوية والبرية والبحرية. وتم خلال الصيف الماضي التعاقد مع الولاياتالمتحدة على صفقة تسليحية رئيسية جديدة، بلغت قيمتها الاجمالية نحو 3.2 مليار دولار، وتضمنت تزويد سلاح الجو المصري 24 مقاتلة اضافية من طراز "ف - 16 فالكون" سيبدأ تسليمها العام 2001، فيما يستمر تسليم 21 طائرة اخرى من هذا الطراز تم التعاقد عليها العام 1996، بعدما كان اكتمل آنذاك تسليم 46 طائرة من هذا النوع كانت مصر اتفقت عليها مع واشنطن العام 1991 وتم انتاجها لحساب سلاح الجو المصري على يد الصناعات الجوية التركية. وسيرتفع مجموع عدد المقاتلات المصرية من طراز "ف - 16 فالكون" عند اتمام تسلم جميع الطائرات الموصى عليها من هذا الطراز بحلول العام 2003، كما هو مقرر حالياً، اي نحو 250 طائرة بالمقارنة مع نحو 300 طائرة ستكون عاملة لدى سلاح الجو الاسرائيلي من هذا الطراز في ذلك الوقت. كما تضمنت الصفقة المصرية - الاميركية الأخيرة تزويد الجيش المصري 200 دبابة قتالية رئيسية حديثة من طراز "م - 1 أبرامس"، ما سيرفع عدد هذه الدبابات لديه الى نحو 750 دبابة، بعدما أتمت الصناعات العسكرية المصرية انتاج 555 دبابة منها محلياً خلال الفترة 1992 - 1998، وهو ما يجعل الجيش المصري المستخدم الأكبر لهذه الدبابات المتطورة في المنطقة. ومن المقرر ان تحصل القوات المصرية خلال الفترة المقبلة ايضاً على 12 طائرة هليكوبتر هجومية جديدة من طراز "أباتشي" لإضافتها الى 36 طائرة تم الحصول عليها في أواسط التسعينات. وترافق ذلك مع حصول الوحدات الجوية التابعة للاسطول المصري على 10 طائرات هليكوبتر بحرية هجومية مضادة للسفن والغواصات من طراز "سي سبرايت" من الولاياتالمتحدة، واستأنفت القاهرة في هذه الاثناء تعاونها العسكري مع موسكو، فحصلت قواتها الجوية على 20 هليكوبتر ناقلة متوسطة من طراز "ميل - 17"، وتم الاتفاق مع روسيا على تحديث جزء من أنظمة الدفاع الجوي السوفياتية الأصل التي لا تزال تعمل لدى القوات المصرية. وفي مجال الدفاع الجوي ايضاً، سيبدأ الجيش المصري خلال العام المقبل الحصول على صواريخ "باتريوت" الاميركية أرض - جو المضادة للطائرات وللصواريخ، التي كانت القاهرة أوصت عليها في صفقة تم التعاقد عليها مع واشنطن العام 1998 وتضمنت 8 بطاريات تشتمل على 48 منصة اطلاق مع 384 صاروخاً، الى جانب 50 منصة اطلاق لصواريخ أرض - جو "أفنجر" المخصصة لمهمات الدفاع الجوي المضاد للطائرات على المسافات القريبة والارتفاعات المنخفضة. أما بالنسبة الى القوات البحرية، فإن الاسطول المصري يعدّ اليوم الأقوى والأكبر حجماً على الإطلاق بين سائر أساطيل بلدان المنطقة، لا سيما بعدما استكمل عملية تسلم 9 فرقاطات صاروخية من الولاياتالمتحدة خلال النصف الثاني من التسعينات، اشتملت على 3 من فئة "بيري" و6 من فئة "نوكس"، جميعها مزودة صواريخ سطح - سطح مضادة للسفن من طراز "هاربون" وصواريخ سطح - جو مضادة للطائرات وللصواريخ من طراز "ستاندارد"، وأتم ايضاً عملية تحديث 4 غواصات هجومية صينية من فئة "روميو" تضمنت تزويدها بدورها صواريخ من طراز "هاربون" المضادة للسفن. سورية تراجعت وتيرة الجهودالسورية للبناء الدفاعي خلال العقد الماضي بالمقارنة مع المستويات العالية التي كانت بلغتها في الثمانينات، بسبب عوامل سياسية واستراتيجية واقتصادية، في مقدمها طبعاً انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان يشكل في السابق مصدر الدعم العسكري والتسليحي الرئيسي لدمشق، وأدى ذلك الى الحؤول دون تنفيذ القوات السورية برامج تطوير أساسية كانت ترغب في تحقيقها منذ مطلع التسعينات، لا سيما في مجالات حيوية كالقوات والدفاعات الجوية والوحدات المدرعة والمضادة للدروع. لكن ذلك لا يعني ان خطوات التسلح السوري توقفت تماماً خلال السنوات الماضية، اذ تعاقدت دمشق أثناءها على صفقات عدة حصلت بموجبها على كميات من الدبابات والعربات المدرعة والذخائر الأخرى المتنوعة من دول مثل اوكرانيا وسلوفاكيا وتشيخيا. واهتمت سورية بتعزيز القدرات الاستراتيجية، خصوصاً تطوير قواتها الصاروخية الباليستية وذخائر الدمار الشامل المعدة لتشكيل قوة سورية استراتيجية رادعة في مواجهة التهديدات الاقليمية. وتم ذلك من خلال التعاقد مع الخارج للحصول على أنواع جديدة من الصواريخ، وتنفيذ برامج تهدف الى تعزيز قدرات الانتاج المحلي وتمكينها من تصنيع هذه الصواريخ والذخائر بغية تحقيق قدر من الاكتفاء الذاتي في هذا المجال بالتعاون مع دول صديقة مثل ايرانوكوريا الشماليةوالصين ودول اخرى من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة. وفي الوقت الذي يظل من الصعب التأكد من صحة هذه المعلومات، فإن ما ورد فيها تحدث عن حصول دمشق على صواريخ "سكاد - سي" التي يصل مداها الى 550 كلم من كوريا الشمالية، وربما ايضاً على صواريخ "م - 9" التي يصل مداها الى 600 كلم من الصين. كما أشارت هذه المعلومات الى قيام الصناعات السورية بانتاج نسخ عن هذه الصواريخ أو تجميعها محلياً في اطار برامج تعاون مشتركة يتم العمل على تنفيذها مع ايران، وبدعم تقني من كوريا الشماليةوالصين. ومع ان هذه المعلومات تبقى غير مؤكدة، الا ان تقديرات المصادر الدولية تتفق على اعتبار الوحدات الصاروخية السورية الأكبر والأقوى بين سائر الدول العربية، وعلى انها تحل في المرتبة الثالثة من حيث الحجم والقدرات في المنطقة ككل بعد اسرائيل وايران. كما تتفق هذه المصادر على اعتبار القوة العسكرية السورية عموماً الثانية بين القوى المسلحة العربية، من حيث الحجم والتجهيز، بعد القوات المسلحة المصرية. وتقدر النفقات الدفاعية السورية بنحو 2.75 مليار دولار سنوياً، وهي تشكل 7.5 في المئة من الناتج الوطني العام في البلاد. ومن المنتظر ان تحافظ هذه النفقات على مستواها ونسبتها من الناتج العام في المستقبل القريب ما لم تصل مفاوضات السلام الى تسوية نهائية للصراع العربي - الاسرائيلي. وتخطط دمشق منذ مدة لتنفيذ برنامج شامل لتحديث ترسانتها التقليدية وتزويدها أسلحة ومعدات جديدة. ويبدو ان هذا البرنامج أصبح الآن مرشحاً لأن يتحقق فعلاً بعدما أفادت التقارير خلال الأشهر الماضية عن تقدم على صعيد إزالة العراقيل التي كانت حالت حتى الآن دون البدء فيه، لا سيما ما تردد عن تسوية مع موسكو في شأن الديون العسكرية العالقة بين البلدين منذ أيام الاتحاد السوفياتي السابق، وهي ديون تقدرها المصادر الدولية بنحو 12 مليار دولار كانت القيادة الروسية تطالب بسدادها قبل الموافقة على عقود تسليحية جديدة مع سورية. واذا ما صح ذلك، فمن المرجح تنفيذ البرنامج السوري خلال فترة تتراوح بين 3 و5 سنوات. وكانت روسيا وافقت العام الماضي على صفقة تبلغ قيمتها حوالي 200 مليون دولار وتضمنت تزويد القوات السورية 1000 صاروخ جديد مضاد للدروع من طراز "أ.ت - 8 كورنيت"، لتكون بذلك أول أسلحة جديدة تحصل عليها هذه القوات من روسيا منذ أيام الاتحاد السوفياتي، في خطوة اعتبرت بادرة رمزية على عودة الاستعداد الروسي لتزويد دمشق أسلحة ومعدات عسكرية على نطاق واسع. وبمقتضى البرنامج الجديد، الذي يقدر ان تبلغ قيمته بين 2 و3 مليارات دولار، تعتزم سورية الحصول من روسيا على 12 مقاتلة جديدة من طراز "سوخوي - 27" وعدد مماثل من مقاتلات "ميغ 29" من طراز جديد محسن يعرف باسم "ميغ - 29 س.م.ت"، مع تحديث 48 مقاتلة من هذا النوع تعمل حالياً لدى سلاح الجو السوري وتحويلها الى هذا الطراز المذكور. كما تتضمن بنود هذا البرنامج تزويد الجيش السوري 200 دبابة قتالية رئيسية حديثة من طراز "ت - 80"، الى جانب حصول دمشق على صواريخ "اس - 300" أرض - جو البعيدة المدى المعدة لمهمات الدفاع الجوي الاستراتيجي ضد الطائرات والصواريخ، والتي تعتبر مشابهة من حيث المهمات والمواصفات لصواريخ "باتريوت" الاميركية. كما ينص جانب رئيسي من هذا البرنامج على تحديث جزء من الأسلحة والانظمة القتالية السوفياتية الأصل التي لا تزال تعمل لدى القوات السورية وادخال تحسينات تقنية وعملياتية عليها بهدف إطالة حياتها الفعلية في الخدمة، لا سيما الطائرات المقاتلة من طراز "ميغ - 21" و"ميغ - 23" ودبابات "ت - 72" وانظمة الدفاع الجوي، وأسلحة ومعدات اخرى متنوعة لا تزال تشكل حيزاً اساسياً من الترسانة العسكرية السورية. ايران كانت الجمهورية الاسلامية الايرانية بين أكثر دول المنطقة اهتماماً بتطوير قدراتها العسكرية في السنوات العشر الماضية، وقدّر مجموع ما صرفته طهران لهذا الغرض خلال تلك الفترة بما يزيد عن 50 مليار دولار، في الوقت الذي تصل المصاريف العسكرية الايرانية حالياً الى 6 مليارات دولار سنوياً، أي ما نسبته 12 في المئة من الناتج الوطني العام. وليس هناك ما يشير الى احتمال ادخال أي تخفيضات على هذه المستويات المرتفعة من الانفاق العسكري، بل ان المرجح هو استمرارها وتصاعدها خلال السنوات المقبلة. ومنذ انتهاء الحرب مع العراق في أواخر الثمانينات، عقدت ايران العزم بوضوح على اعادة بناء قواتها المسلحة وتأهيلها وتنظيمها في صورة شاملة، بغية تعويض الخسائر الضخمة التي لحقت بها بفعل الحرب، والآثار السلبية التي نجمت عن المقاطعة التسليحية التي فرضتها الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الغربية على طهران في أعقاب قيام الجمهورية الاسلامية، بعدما كانت هذه الدول تشكل مصادر التسلح الايراني الرئيسية في أيام الشاه السابق. ولا تزال هذه العملية مستمرة وهي تشتمل على برامج رئيسية عدة يجري العمل على تنفيذها في مختلف فروع القوات المسلحة البرية والجوية والبحرية. والواضح في هذه العملية الواسعة النطاق ان طهران تسعى من خلالها الى تحقيق هدفين اساسيين، الأول يتركز على اعادة بناء القوات التقليدية وتجهيزها وتأهيل وحداتها وتشكيلاتها وتحديث أسلحتها ومعداتها، لا سيما تلك التي كانت الأكثر تأثراً بخسائر الحرب وانعكاسات المقاطعة وغير ذلك من تطورات سلبية، مثل القوات والدفاعات الجوية والوحدات المدرعة والقوات البحرية. أما الهدف الثاني فيتعلق بانشاء قوات استراتيجية فاعلة ومتكاملة تكون قادرة على منح ايران رادعاً هجومياً يتمتع بالصدقية ويقوم على شبكة من الصواريخ الباليستية، وذخائر الدمار الشامل الملحقة بها. كما تضمنت هذه العملية بشقيها التقليدي والاستراتيجي، اهتماماً متميزاً بتطوير قاعدة الصناعات الحربية المحلية وتوسيعها وتمكينها من توفير الحد الأقصى الممكن من الاكتفاء التسليحي الذاتي للبلاد في أوقات السلم والحرب على حد سواء. وبالفعل، خطا الايرانيون خطوات اساسية. ففي المجالات التقليدية، تمكنت طهران من تنفيذ برامج عدة لبناء قواتها الجوية، تضمنت اعادة تأهيل وتشغيل جزء غير قليل من الطائرات والمعدات الاميركية الصنع التي كانت ايران حصلت عليها أيام الشاه، مثل مقاتلات "ف 14 تومكات" و"ف 4 فانتوم" و"ف - 5 تايغر" وطائرات الهليكوبتر الهجومية "كوبرا" وانطبق الأمر على الدبابات والعربات المدرعة والأسلحة المدفعية. وكان الوضع، مماثلاً بالنسبة الى تجهيزات الأسطول الايراني ووحداته القتالية الرئيسية من سفن وزوارق هجومية، وذخائرها الصاروخية. كما حرص الايرانيون على تزويد قواتهم أنواعاً جديدة من الأسلحة والمعدات من دول صديقة لتخفيف الاعتماد على المعدات الاميركية والغربية. ولعبت كل من روسياوالصينوكوريا الشمالية دوراً رئيسياً في هذا المجال، فحصلت القوات الايرانية خلال السنوات الماضية على مقاتلات حديثة من طراز "ميغ - 29" ومقاتلات هجومية استراتيجية من طراز "سوخوي - 24" ودبابات من طراز "ت - 72"، وأنواع عدة من أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية والمدفعية والصواريخ المضادة للدروع. وغير ذلك من معدات وذخائر متنوعة. كما حصلت البحرية الايرانية من روسيا على 3 غواصات هجومية من فئة "كيلو" هي الوحيدة من نوعها العاملة في منطقة الخليج حالياً. وعززت هذه البحرية ترسانتها من الصواريخ المضادة للسفن بفضل شحنات من طرازات حديثة عدة حصلت عليها من روسيا وأوكرانيا والصين. وتخطط ايران للحصول على المزيد من الأسلحة الروسية الجديدة، بما في ذلك مقاتلات "سوخوي - 27" وصواريخ "س - 300" المضادة للطائرات والصواريخ. كما تعمل صناعاتها المحلية على انتاج نسخ معدلة من هذه الأسلحة. مثل الدبابة "ذو الفقار" والعربة المدرعة "بوراق" وأنواع عدة من المدافع والراجمات والصواريخ المضادة للدروع والذخائر من مختلف الفئات. أما على الصعيد الاستراتيجي، فإن البرامج الايرانية الهادفة الى تطوير وحداتها الصاروخية الباليستية، تستمر منذ سنوات من دون هوادة. وهي تتم عن طريق انتاج هذه الصواريخ محلياً، ومن خلال التعاون الوثيق مع دول مثل كوريا الشماليةوالصينوروسيا. ويشتمل الانتاج الايراني من هذه الأسلحة حالياً على سلسلة كاملة من الصواريخ والقذائف الصاروخية القصيرة المدى حتى 150 كلم، وعلى عائلة صواريخ "شهاب" الباليستية المتوسطة المدى، وتضم الطراز "شهاب - 1" وهو نسخة من الصاروخ "سكاد - ب" الذي يصل مداه الى 300 كلم، والطراز "شهاب - 2" الذي يعد نسخة من الصاروخ "سكاد - سي" ويصل مداه الى 550 كلم، والطراز الأكثر أهمية المعروف باسم "شهاب - 3" الذي يعتقد بأنه نسخة من الصاروخ الكوري الشمالي "نو دونغ - 1"، وهو يتمتع بمدى يصل الى 1300 كلم. كما تشتمل الصواريخ الايرانية المتوسطة المدى على عائلة اخرى يجري العمل على تطويرها محلياً تحت اسم "زلزال" ويعتقد بأنها مشتقة من عائلة الصواريخ الصينية المعروفة باسم "م"، وتضم 3 طرازات تعرف باسم "زلزال - 1" و"زلزال - 2" و"زلزال - 3" تتراوح أمدية عملها بين 300 و800 كلم على التوالي. وفيما أعلنت طهران رسمياً عن دخول صواريخ "شهاب - 3" الانتاج والخدمة العام الماضي، فإن المعلومات الدفاعية الدولية تتحدث عن صاروخ جديد آخر تعمل طهران على تطويره ويحمل اسم "شهاب - 4"، ويعتقد بأنه مشتق من الصاروخ السوفياتي المعروف باسم "س.س -4 ساندال" وان مداه الأقصى يصل الى نحو 3600 كلم. وتشير هذه المصادر الى ان ايران حصلت على مساعدة روسية في جهودها لانتاج هذا الصاروخ الذي يفترض ان يبدأ بدخول الخدمة خلال العام 2002. ولا يبدو ان الجهود الايرانية ستقف عند هذا الحد، اذ تتحدث المعلومات ايضاً عن برنامج تعمل طهران على تنفيذه بالتعاون مع كوريا الشمالية، ويهدف الى تطوير صاروخ باليستي عابر للقارات يحمل اسم "شهاب - 5" ويقدر مداه الأقصى بحوالى 5000 كلم. ويفترض ان يكون هذا الصاروخ نسخة عن الصاروخ الكوري الشمالي "تايبو دونغ - 1"، وان يبدأ بدخول الخدمة الفعلية اعتباراً من العام 2005، واذا ما تم ذلك فعلاً، فإن ايران واسرائيل ستصبحان آنذاك الدولتين الوحيدتين في منطقة الخليج والشرق الأوسط المالكتين قدرات صاروخية استراتيجية هجومية رادعة عابرة للقارات. بكل ما سيعنيه ذلك من تحولات بالغة الحيوية في موازين القوى الاقليمية وامتداداتها السياسية والاستراتيجية على المستوى العالمي خلال العقد الأول من القرن الجديد