تسارعت خطى التحالف الاسرائيلي - التركي وتنامت أوجه التعاون بوتيرة فاقت التوقعات. وفي الوقت الذي تصف الأوساط السياسية والعسكرية الاسرائيلية والتركية الخطوات التي تحققت على صعيد تكريس التحالف بأنها "تجاوزت كل الطموحات والآمال"، فإن هذه الخطوات، وتلك التي يعتزم الجانبان تنفيذها مستقبلاً، اثبتت صحة مشاعر القلق التي أثارها هذا التحالف منذ ظهور بوادره الأولى لدى أطراف اقليمية عدة، مثل سورية وايران والعراق ومصر واليونان. وليست المناورات البحرية المشتركة التي بدأتها وحدات اسرائيلية وتركية وأميركية في شرقي حوض البحر الأبيض المتوسط الأسبوع الماضي، والتي أطلق عليها اسم "عروس البحر الموثوق بها"، سوى تعبير واحد، وان كان على قدر كبير من الأهمية والدلالة، عن الاطار العريض الذي يميز علاقات التعاون الوثيق التي تربط بين المؤسستين العسكريتين الاسرائيلية والتركية، وعن المباركة القوية التي تتمتع بها هذه العلاقات من جانب الولاياتالمتحدة. كما ان هذه المناورات تأتي لتكمّل جوانب اخرى بالغة الحيوية من انماط التعاون والتنسيق التي بدأها الجانبان وعقدا العزم على السير قدماً بها في مجالات دفاعية وتسليحية وعملياتية وتكنولوجية عدة. والثابت الآن ان ما بدأ قبل حوالي عامين على شكل اعلان "متواضع" تحدث عن رغبة الجانبين الاسرائيلي والتركي في اقامة "علاقة تعاون عسكري محدودة وجزئية تمليها الاعتبارات اللوجستية ولا تتعدى غاياتها مجالات التدريب والتشاور" كان في واقع الأمر مؤشراً على ما هو أبعد من ذلك بكثير. وعلى خلاف الحرص المتميز الذي أبدته آنذاك كل من تل أبيب وأنقرة على التخفيف من وقع اعلانهما والحد من الآثار السياسية الناجمة عنه اقليمياً. فإن ابعاد العلاقة ما لبثت ان اتضحت بينهما لتصبح اطاراً لتحالف وثيق يغطي جميع مجالات العمل والاهتمام الثنائي الدفاعية والأمنية والتسليحية، ولتعاون واسع ومتنام يتجه بسرعة نحو التحول الى شراكة سياسية واستراتيجية شاملة تهدف الى تحقيق تكامل عضوي ثابت وبعيد الأمد بين المؤسستين العسكريتين وامتداداتهما في البلدين. وكان هذا السعي الى تحقيق التكامل العسكري والاستراتيجي بين البلدين بارزاً خلال العام الماضي حيث تم التوصل الى وضع خطط وتصورات مشتركة على مستويات عملياتية وانتاجية وتسليحية سيكون من شأنها ربط المؤسستين العسكريتين الاسرائيلية والتركية بمجموعة واسعة من المشاريع والبرامج والأهداف لسنوات وحتى عقود عدة. كما يظهر هذا التوجه في صورة خاصة من خلال الاهتمام المتميز الذي أبدته القيادات العسكرية في البلدين بالنواحي المتعلقة بالتوصل الى تحديد مشترك للأولويات الدفاعية ومصادر التهديد والخطر المحتملة والكامنة والوسائل والأساليب المطلوبة لمواجهتها بشكل ثنائي مشترك. وربما كان هذا الجانب بالذات الأكثر أهمية بين سائر الجوانب التي تشكل حالياً أساس التحالف الاسرائيلي - التركي وخلفيته الاستراتيجية والسياسية النظرية. فالواضح ان الجانبين ينطلقان في صياغة هذا التحالف من نظرة مشتركة لطبيعة التهديدات المحتملة التي يواجهانها. وتتلخص هذه النظرة في "البعد الاقليمي" الذي يحتل حيزاً جوهرياً من الاطار العام للتوجهات التي تحكم علاقات البلدين الثنائية، لتصبح هذه العلاقات مدخلاً الى وضع استراتيجي جديد في المنطقة ككل. ومع ان الجانبين كانا حريصان حتى الآن على عدم اظهار تحالفهما بمظهر "عدائي"، وتأكيداتهما المتكرّرة بأنه "ليس موجه ضد أي طرف"، فإن الواقع يثبت عكس ذلك، ويدلّ على رغبة مشتركة في رسم خريطة اقليمية ذات طابع محوري يشكل فيه التحالف الاسرائيلي - التركي نواة استقطابية تحظى بتأييد الولاياتالمتحدة ودعمها، في مواجهة مجموعة من الأعداء والخصوم الاقليميين الذين يشكلون بالتالي النواة الاستقطابية المضادة التي لا بد من احتوائها والحد من تهديدها. وتندرج كل من سورية وايران في مقدم هذه المجموعة المعادية، كما ان دولاً أخرى قد تكون في عدادها وان بدرجات متفاوتة. ولا بد ان يشكل هذا الفرز المحوري تحولاً استراتيجياً في المنطقة وتبدلاً أساسياً في موازين القوى القائمة بين دولها. كما ان يفرض على هذه الدول امراً واقعاً جديداً ومجموعة مختلفة تماماً من التحديات الدفاعية والأمنية. وينطبق هذا الوضع في المقام الأول على دولة مثل سورية باتت تجد نفسها الآن في مواجهة اختلال كبير في موازين القوى مع خصمين اقليميين لدودين يجمعهما تحالف سياسي وعسكري واستراتيجي شامل وفعّال. ولم يكن مستغرباً ان ترد دمشق على مثل هذا التحول السلبي في موازين القوى الاقليمية المحيطة بها بخطوات لتوثيق تحالفها الاستراتيجي مع ايران من جهة، وتعزيز علاقات التضامن والتنسيق التي تربطها بالدول العربية الأساسية، اضافة الى اعادة احياء علاقات تعاونها العسكري والتسليحي مع روسيا. لكن هذه الخطوات، على أهميتها، لم تصل بعد الى مستوى التعاون والتكامل كما في التحالف الاسرائيلي - التركي. فالجانبان يرتبطان باتفاقات وبرامج ومشاريع مشتركة تتضمن التدريب والاستطلاع وتبادل المعلومات والخبرات والتخزين المسبق للأسلحة والمعدات والاستخدام المشترك للقواعد والمنشآت، وصولاً الى الخطط العملياتية والقتالية المشتركة ونواحي القيادة والتحكم، والاستخدام المشترك للأجواء والمياه الاقليمية. وأصبح لزاماً على أي تخطيط دفاعي سوري مستقبلي ان يأخذ في الاعتبار جدياً فرضية الاضطرار الى خوض أي مواجهة عسكرية قد تنشب في المنطقة في أي وقت من الأوقات على جبهتين اسرائيلية وتركية في آن واحد. واذا ما أضيف الوضع اللبناني الى هذه المعادلة، يصبح الأمر أكثر تعقيداً، اذ ستكون مثل هذه المواجهة الاقليمية عندئذ على ثلاث جبهات. وهناك في الوقت الحاضر هيئة عسكرية عليا مشتركة تضم كبار القادة في القوات المسلحة الاسرائيلية والتركية، بمن فيهم رئيسا أركان البلدين ورئيسا شعبة العمليات والمسؤولين في اجهزة التخطيط والاستطلاع والاستخبارات العسكرية. وتجتمع هذه الهيئة دورياً في كل من اسرائيل وتركيا بمعدل مرة كل ستة أشهر. وتعمل الى جانبها هيئة ثانية تضم كبار المسؤولين عن الصناعات الحربية ومراكز البحث والتطوير. وبموجب الاتفاقات المعقودة بين البلدين، ترابط طائرات مقاتلة اسرائيلية بشكل دائم في قواعد جوية تركية، كما تقوم طائرات مقاتلة تركية بزيارات دورية للقواعد الجوية الاسرائيلية. وتنفذ طائرات الجانبين طلعات تدريبية ومهمات استطلاع ودورية مشتركة. كما ينطبق الوضع نفسه على الوحدات والقواعد البحرية. ولا يمكن التكهن بالاجراءات المشتركة المماثلة التي ربما كانت قائمة حالياً بين قوات البلدين البرية نظراً الى عدم الاعلان عنها رسمياً، لكن احتمال وجود مثل هذه الترتيبات على الصعيد البري يظل وارداً بشدة، خصوصاً في النواحي المتعلقة بعمليات القوات الخاصة والاستطلاع ومراقبة الحدود وحقول الأمن والاستخبارات. عقود تسليح وانتاج مشترك واضافة الى هذه المجالات القتالية والعملياتية واللوجستية الحيوية، تركز انقرة وتل أبيب على الجوانب المتعلقة ببرامج التسليح والتحديث والانتاج والتطوير المشترك. وفي هذا الاطار بالذات، اتخذ التعاون بين البلدين طابعاً متميزاً. فاسرائيل تطمح حالياً الى الفوز بحصة أساسية من الخطط الضخمة التي قررت تركيا تنفيذها لتجهيز قواتها المسلحة وتحديث معداتها، والتي رصدت لها مبلغ 30 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة. ولا يبدو مستبعداً ان تفوز الصناعات العسكرية الاسرائيلية بالحصة الكبرى من هذه الخطط والبرامج اذا ما استمرت وتيرة التعاون التسليحي والانتاجي بين البلدين في الوقت الحاضر على حالها مستقبلاً. وتقدر القيمة الاجمالية لعقود التسليح والتعاون التطويري والانتاجي التي وقعتها تل أبيب وأنقرة بأكثر من مليار دولار، وتشتمل على الآتي: - عقد بقيمة 640 مليون دولار تنفذه مؤسسة "الصناعات الجوية الاسرائيلية" الحكومية لتحديث 54 مقاتلة تركية من طراز "ف - 4 فانتوم". وهو العقد الأول من نوعه بين البلدين في اطار تعاونهما العسكري والتسليحي، اذ تم توقيعه مطلع العام 1996. وينص على قيام الصناعات الجوية الاسرائيلية باجراء عمرات كاملة على هذه المقاتلات الأميركية الصنع التي يستخدم سلاح الجو التركي نحو 180 طائرة منها حالياً. وسيتم تزويد هذه المقاتلات أنظمة رادارية والكترونية ومعدات ملاحية اسرائيلية، كما سيتم تسليحها بذخائر جوية صاروخية اسرائيلية، وتحويلها الى الطراز المعروف باسم "فانتوم 2000" على غرار طائرات سلاح الجو الاسرائيلي التي تم تحويلها الى هذا الطراز قبل أعوام. - عقد بقيمة 75 مليون دولار لتحديث 48 مقاتلة تركية من طراز "ف - 5 تايغر" وتزويدها أنظمة رادارية والكترونية ومعدات ملاحية وذخائر اسرائيلية الصنع، سيبدأ العمل على تنفيذه خلال الشهرين المقبلين بعدما فازت به "مؤسسة الصناعات الجوية الاسرائيلية" ضمن عرض مشترك قدمته مع الصناعات الجوية السنغافورية. - عقد بقيمة 200 مليون دولار سيحصل سلاح الجو التركي بموجبه على 200 صاروخ جو - سطح اسرائيلي الصنع من طراز "بوبآي". وستستخدم هذه الصواريخ الهجومية البعيدة المدى حتى مسافة 100 كلم والدقيقة التوجيه، التي تقوم بانتاجها هيئة تطوير الأنظمة القتالية التابعة لوزارة الدفاع الاسرائيلية والمعروفة باسم "رافائيل"، لتسليح المقاتلات التركية من طراز "ف - 16 فالكون" و"فانتوم - 2000" و"ف - 5 تايغر" المعدلة. كما ان هذا العقد يمنح الصناعات العسكرية التركية ترخيصاً بانتاج هذه الصواريخ محلياً بالتعاون مع الصناعات الاسرائيلية، لتصبح سلاح القصف الجوي الأساسي على متن الطائرات القتالية التركية خلال القرن المقبل. عقد بقيمة 200 مليون دولار لتزويد سلاح الجو التركي صواريخ جو - جو من طراز "بايثون - 4" التي تنتجها ايضاً هيئة "رافائيل" التابعة لوزارة الدفاع الاسرائيلي. وتنوي أنقرة اعتماد هذه الصواريخ لتسليح جميع طائراتها، لتصبح سلاح القتال الجوي الرئيسي على المقاتلات التركية مستقبلاً. ويعتبر "بايثون - 4" أحد أكثر طرازات الصواريخ جو - جو تقدماً وفاعلية في العالم حالياً، وهو مخصص لمهمات القتال الجوي التلاحمي على مسافات قريبة، ويتميز بقدرته الفائقة على المناورة والتسارع وبنظام توجيهه الحراري بواسطة الأشعة تحت الحمراء الدقيق الذي يتيح له إمكان اللحاق بالهدف من مختلف الجهات عوضاً عن الاقتصار على اللحاق به من الخلف كما هي الحال مع الطرازات السابقة من الصواريخ جو - جو الموجهة حرارياً. وينص الاتفاق التركي - الاسرائيلي في شأن هذه الصواريخ أيضاً على الترخيص للصناعات الجوية التركية بانتاجها محلياً بالتعاون مع نظيرتها الاسرائيلية. - عقد بقيمة 100 مليون دولار لتزويد سلاح الجو التركي ذخائر جوية اسرائيلية متنوعة تشتمل على قنابل ذكية دقيقة التوجيه من طرازي "بيراميد" و"غيوتين"، وقنابل عنقودية من طراز "تال" لاعتمادها بدورها تسليحاً رئيسياً على متن الطائرات القتالية التركية في مهمات القصف والهجوم الأرضي ذات الطابع الخاص ضد الأهداف الحيوية العالية القيمة. وفيما يجري العمل على تنفيذ هذه العقود والخطط الانتاجية المشتركة، فإن آفاق التعاون المستقبلي بين البلدين تشير الى احتمال توصلهما الى اتفاقات لاحقة ربما بلغت قيمتها الاجمالية خلال السنوات العشر المقبلة ما لا يقل عن 10 مليارات دولار. والأهم من ذلك ان هذه الاتفاقات، في حال التوصل اليها فعلاً كما هو مرجح، ستحقق درجة استثنائية من التوحيد والتكامل التسليحي والتجهيزي بين قواتها. وتندرج أبرز البرامج التي يجري التفاوض عليها والتخطيط لها في هذا المجال حالياً كالآتي: - برنامج يرغب سلاح الجو التركي في تنفيذه لتحديث دفعة ثانية من مقاتلات "ف - 4 فانتوم" العاملة في صفوفه وتحويلها بدورها الى الطراز الاسرائيلي المحسن "فانتوم - 2000" ليرتفع بذلك مجموع الطائرات التركية المعدلة الى هذا الطراز الى 108 طائرات. وينتظر الجانبان التركي والاسرائيلي انجاز العقد المتعلق بتحديث الدفعة الأولى من هذه المقاتلات قبل الاتفاق على بنود العقد الثاني الذي ينتظر ان يشتمل بدوره على 54 طائرة وان تصل قيمته الى مبلغ مماثل لقيمة العقد الأول، أي حوالي 640 مليون دولار. كما لا يستبعد ان تتولى الصناعات الجوية التركية نفسها هذه المرة تنفيذ العمل على هذا البرنامج بعد اكتسابها الخبرات التقنية له، على ان تقوم الصناعات الجوية الاسرائيلية بتوفير المساعدة والأنظمة والمعدات والذخائر التي يشتمل عليها برنامج تحديث هذه الطائرات وتعديلها. - مفاوضات يجريها الجانبان لتزويد سفن الأسطول التركي نظام الدفاع الجوي الاسرائيلي المضاد للطائرات وللصواريخ "باراك". وسيشكّل هذا البرنامج، في حال الاتفاق عليه، واحداً من أهم بنود التعاون العسكري والتسليحي بين تل أبيب وأنقرة خلال السنوات المقبلة، اذ سيعني اعتماد "باراك" نظام الدفاع الجوي الصاروخي الرئيسي على متن السفن الحربية التركية مستقبلاً، ما سينتج عنه صفقات لمصلحة الصناعات العسكرية الاسرائيلية تزيد قيمتها عن مليار دولار، وربما اشتملت ايضاً على الترخيص لتركيا بانتاج هذا النظام محلياً. ويعمل "باراك" على متن السفن الحربية الاسرائيلية، كما حصلت عليه بحريات دول عدة، وهو مخصص لتوفير الدفاع الجوي للسفن المجهزة به ضد الهجمات الجوية والصواريخ المضادة للسفن على مختلف الارتفاعات وحتى مسافة 10 كلم. - رغبة تركيا في الانضمام الى برنامج تطوير النظام الصاروخي المضاد للصواريخ الباليستية "هنتر" أرو الذي يجري العمل على تنفيذه حالياً بالتعاون بين اسرائيل والولاياتالمتحدة. وكانت أنقرة ابلغت الجانب الاسرائيلي اهتمامها بالحصول على هذا النظام العام الماضي ونقلت اسرائيل هذه الرغبة التركية الى الولاياتالمتحدة باعتبارها مشاركة رئيسية في هذا البرنامج وتتحمل أعباء القسم الأعظم من نفقات تطويره وانتاجه التي بلغت حتى الآن نحو 2 مليار دولار منذ بدء العمل عليه قبل حوالي 10 سنوات. وتفيد المعلومات ان الجانب الأميركي لم يبد ممانعة في حصول القوات التركية على هذا النظام الذي يفترض ان تبدأ عملية انتاجه فعلياً خلال النصف الثاني من العام الحالي . وسيشكل حصول القوات التركية على نظام "هتز" أرو تكريساً عملياً للأولوية الاستراتيجية الأساسية التي حددتها المؤسسات العسكرية الاسرائيلية والأميركية والتركية لنفسها خلال القرن المقبل، وهي مواجهة امتلاك الدول المجاورة في المنطقة، وتحديداً سورية والعراق وايران وليبيا، لصواريخ أرض - أرض باليستية مثل "سكاد" وغيره من الطرازات المشابهة، كما ان هذه الخطوة ستكرس الربط العضوي والمباشر بين شبكة الدفاع الجوي الاستراتيجي التركية ونظيرتها الاسرائيلية والأميركية. - البرنامج الضخم الذي يخطط الجيش التركي لتنفيذه خلال السنوات العشر المقبلة لتحديث وحداته المدرعة ويتضمن حصول القوات المدرعة التركية على ما يراوح بين 800 و1000 دبابة قتالية رئيسية جديدة وتحديث عدد مماثل من الدبابات التركية، اما قيمته الاجمالية فتقدر بحوالي 5 مليارات دولار. ومع ان المنافسة الدولية على الفوز بهذا البرنامج التسليحي التركي الرئيسي لا تزال قائمة وتشارك فيها أطراف عدة من الولاياتالمتحدة وأوروبا، فإن العرض الذي قدمته الصناعات العسكرية الاسرائيلية يبدو الأوفر حظاً بالنجاح، ويتضمن تزويد الجيش التركي 800 دبابة جديدة من طراز "ميركافا"، بنموذجها المحسن المعروف باسم "ميركافا - 4"، على ان يتم انتاج دفعة أولى منها في اسرائيل ثم تتولى الصناعات العسكرية التركية انتاج الدفعات التالية محلياً بموجب ترخيص اسرائيلي. وفي الوقت نفسه، تتولى الصناعات الاسرائيلية والتركية تحديث 1000 دبابة اميركية الصنع من طراز "م - 60" و"م - 48 باتون" تعمل حالياً لدى الجيش التركي، وتحويلها الى الطراز المحسّن المعروف باسم "ماغاش - 7" الذي تم تحويل الدبابات الاسرائيلية من هذين الطرازين الأميركيين اليه خلال السنوات الماضية. وتشتمل عملية التحديث هذه على تزويد الدبابات المذكورة مدافع جديدة أكثر قوة من تلك التي كانت مزودة بها أصلاً، وأنظمة تدريع اضافي متطور قادر على مقاومة تأثير الصوارخي المضادة للدروع، ومحركات جديدة بقوة أكبر وكفاءة ميكانيكية أفضل، وشبكة كاملة من اجهزة التصويب والتهديف وادارة عمليات الرمي والرؤية والملاحة. واذا ما فازت اسرائيل بهذا البرنامج، فإن العمل على تنفيذه سيبدأ في اواخر العام الحالي، ويستمر على امتداد عقد كامل ليكون بذلك الأضخم من نوعه على الاطلاق في تاريخ العلاقات التسليحية بين البلدين. ويتضح تماماً من كل ذلك ان دخول الجانبين التركي والاسرائيلي في مثل هذه البرامج التسليحية الثنائية ذات الطابع الشمولي والبعيد الأمد يتجاوز كثيراً مجرد الرغبة في الارتباط بعلاقات تعاون وتنسيق، أو حتى تحالف. فهو يدل في الواقع على سعي جدي مشترك نحو تحقيق شراكة ثابتة والتوصل الى صيغة تكامل شامل بين المؤسستين العسكريتين تؤمن مستوى لا سابق له من التماثل والتوحيد في الأنظمة السلاحية والأطر الانتاجية والهيكليات اللوجستية، وصولاً الى توحيد النظريات القتالية والأولويات الدفاعية والأهداف الاستراتيجية والسياسية. وسيكون من شأن ذلك خلق كتلة اقليمية لا يمكن الا ان تعيد رسم خريطة المنطقة واعادة صياغة موازين القوى العسكرية والاستراتيجية فيها بالكامل الى ما بعد مطلع القرن المقبل.