تتجه ايران والمملكة العربية السعودية الى تطوير جدي للعلاقات بينهما بعد أن قررتا زيادة حجم مبادلاتهما التجارية اثر انعقاد الدورة الثانية للجنة الاقتصادية المشتركة في طهران. وجاءت زيارة وزير التجارة السعودي اسامة فقيه للعاصمة الايرانية لحضور اجتماعات اللجنة واللقاءات المكثقة التي عقدها مع الزعماء الايرانيين لتجعل العلاقات الايرانية - السعودية تتحرك ميدانياً بلغة الأرقام. وكان لافتاً حرص طهران على تنظيم لقاءات للوزير السعودي شملت الرئيس محمد خاتمي ورئيس مجمع تشخيص النظام هاشمي رفسنجاني ورئيس البرلمان علي أكبر ناطق نوري، مما عكس جدية طهران في تطوير علاقاتها الثنائية مع الرياض، وبالتالي توسيع العلاقات مع العالم الاسلامي على حد تعبير خاتمي الذي رأى في تبادل الوفود الرسمية بين البلدين، مفصلاً حيوياً مشيراً الى المناخ الجيد الذي يسود في المنطقة واصفاً تنمية العلاقات وتعزيزها بين ايران والسعودية بأنها مؤثرة ومهمة في ايجاد هذا المناخ. وقبل زيارة الوزير السعودي لطهران اتفق البلدان أثناء اجتماع لجنتهما المشتركة على تشجيع المشاريع المشتركة وإقامة المعارض التي من شأنها زيادة التعاون التجاري بعد أن قررا أيضا مناقشة تطوير التعاون بين الشركة السعودية للصناعات السعودية سابك، والشركة الأهلية للبتروكيمياويات الايرانية، ودراسة اقامة خط ملاحي بحري يربط الموانئ السعودية والايرانية لتيسير نقل الركاب والبضائع بين البلدين بعد أن دشنا في أيلول سبتمبر الماضي الرحلات الملاحة الجوية، وذلك في اطاراتفاق لاستئناف تسيير هذه الرحلات مرة واحدة كل اسبوع، بعد توقف دام زهاء 18 عاماً، ما يشيرالى رغبة ايرانية سعودية متكافئة في تحسين العلاقات الثنائية التي تركت آثاراً واضحة وايجابية على مجمل علاقات ايران العربية لما للسعودية من دور يمكن ان تلعبه خصوصاً على صعيد تحسين علاقات ايران مع بقية دول الخليج العربية. ويقول مسؤولون ايرانيون إنهم يأملون في أن تقوم الرياض بدور لمصلحة تطويرعلاقات طهران مع أبو ظبي من خلال الاسهام في الجهود نحو حل أو تجميد الخلاف في شأن الجزر الثلاث طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى ولكنهم يدركون أن من شأن هذا الخلاف أن ينسف في لحظة أي مساع ترمي الى التهدئة وترجمة الأقوال الايرانية الى أفعال تؤكد الرغبة في تطوير علاقات ايران الخليجية ودفعها باتجاه ايجاد منظومة اقليمية جديدة، وترتيبات أمن مشتركة. وتخشى ايران أن يستمرالتأييد العربي للامارات، وهي لذلك ألقت بكل ثقلها باتجاه تطوير علاقاتها مع السعودية. ويبدو أنها نجحت حتى الآن، وهو ما حصل مجسداً في الزيارة التاريخية التي قام بها للرياض الرئيس خاتمي وسبقتها في ايار مايو من العام الماضي زيارة الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران في المملكة العربية السعودية وهي زيارة نجحت بكل المقاييس. وقد استقبل الرئيس الايراني الأمير سلطان بعيداً عن البروتوكول وقال له: "زيارتكم لنا هدية كبيرة ستنهي الى الأبد أي سوء فهم بين بلدينا". وجاء ترحيب خاتمي وهو يتخلى عن كل التحفظات الديبلوماسية كأنه وضع عنواناً عريضاً قدم به لزيارته المهمة والنوعية للرياض، بما سمح للمراقبين وصفها مع زيارة الأمير سلطان لطهران، بأنها الحدث الأبرز في تاريخ العلاقات الايرانية - السعودية. وقبل كل ذلك، كان للرئيس السابق رفسنجاني قصب السبق في التحرك صوب السعودية بل في كل ما جناه الرئيس خاتمي من ثمار سياسة الانفتاح، خصوصاً أن رفسنجاني زار السعودية ودأب على القول ان حل المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها ايران رهن التعاون بينها وبين الرياض. وإذا كان التعاون بين البلدين داخل منظمة "اوبك" اظهر امكان تجاوز الصعوبات وحقق مكاسب كبيرة لكل دول المنظمة المصدرة للنفط، فان الأوساط الايرانية الرسمية ترفض أن تحصر التعاون الايراني - السعودي والعلاقات المتبادلة في جوانب المنفعة المادية فقط، لأن لتطور العلاقات بين ايران والمملكة تأثيرا ملموسا على نظام العلاقات الاقليمية والدولية وهو يعود بمنافع مضاعفة على المسلمين والمنطقة بشكل خاص. وهو ما شدد عليه خاتمي خلال لقائه المسؤولين السعوديين الذين زاروا طهران ومنهم وزير التجارة السعودي. ولفت المراقبين أن وفداً من 60 شخصاً بينهم رجال أعمال رافقوا الوزير السعودي الذي أكد أن اللجنة الاقتصادية المشتركة وفرت للبلدين فرصة لكشف السبل الكفيلة بتعزيز العلاقات بينهما داعيا الى دعم تعاون القطاع الخاص واقامة المعارض التجارية والاقتصادية لتفعيل الصادرات بعد أن وصف حجم التبادل التجاري بين البلدين بأنه لايتناسب مع امكاناتهما. فيما أكد وزير التجارة الايراني محمد شريعتمداري ضرورة إزالة العراقيل التجارية عن طريق غرف التجارة، معلنا استعداد بلاده للتعاون في مجال تبادل السلع والاستثمارات المشتركة وارسال القوى العاملة وتصدير منتوجات الثروة السمكية مقترحاً تشكيل لجان اقتصادية وعلمية وصناعية وثقافية اضافة الى لجان تعنى بشؤون النقل والمواصلات والتجارة. وبلغ حجم التبادل التجاري بين ايران والسعودية في 1997 نحو 195 مليون دولار وبلغ عدد المشاريع المشتركة 12 مشروعاً استثمارياً، وبلغ اجمالي رأس المال المستثمر فيها حوالي 280 مليون دولار