هل كانت الحرب في الشيشان مجرد مقدمة لسلسلة من الحروب ستؤدي الى طلاق كامل بين الاقاليم ذات الغالبية الاسلامية والسلطة المركزية في موسكو؟ بماذا سترد السلطات الروسية على اعلان جمهورية اسلامية في داغستان وتعيين شامل باسييف زعيم الحرب الشيشاني قائداً للقوات التي "اعلنت الجهاد ضد الروس"؟ هل يمكن حصر الحريق في منطقة القوقاز التي تختزن كل عوامل الانفجار؟ أم ستطاول النار مصير ملايين المسلمين الذين يعيشون في روسيا؟ وهل يجد العالم نفسه امام روسيا غارقة في حروب دينية تعيش في ظل رئيس مريض يبدل رؤساء الحكومات كما تخلع الحسناء جواربها، فيما البلاد غارقة في الفساد والتردي الاقتصادي؟ وهل تنجب بدايات تفكك الاتحاد الروسي اكثر من شيشان واكثر من كوسوفو؟ اسئلة كثيرة طرحت نفسها بعد الشرارة التي انطلقت من داغستان وترافقت مع اشتداد المعارك في افغانستان وتصاعد التوتر الهندي - الباكستاني وكلها مؤشرات تنذر بالمزيد من التفتيت الدامي. لعل حرباً قوقازية جديدة هي الثالثة بعد حرب "الامام شامل" الكبرى في القرن التاسع عشر وحرب "الجنرال دوداييف" منتصف التسعينات اندلعت اخيراً… فقد زحف من الجبال الشيشانية على ناحية بوتليخ في داغستان حوالى الفي مجاهد من جيش الامام الثائر واحتلوا ثلاث بلدات - انسالتا وراحاتا وشدرادا - مما حمل اهلها من النساء والاطفال على مغادرة ديارهم ليلاً، من دون الرجال الذين احتجزهم المجاهدون رهائن. وأكد اهالي البلدات المحتلة ان القوات الزاحفة تتكون من الشيشانيين والعرب والطاجيكيين والروس وان عدد الداغستانيين قليل نسبياً. وكان على رأس تلك القوات القائد الشيشاني المعروف شامل باساييف رئيس مجلس الشورى التسمية الجديدة لمؤتمر الشعبين الشيشاني والداغستاني. وقال ناطق باسم المجلس ان هذه القوات دخلت داغستان تلبية لطلب الاسلاميين الداغستانيين. وجاء توقيت الحملة لمناسبة مرور 140 عاماً على هزيمة الامام شامل امام القوات الروسية في الحرب الشيشانية الاولى، بعدما اسس دولة الامامة الشيشانية - الداغستانية التي ظلت 20 عاماً حتى قضى عليها الروس في نهاية تلك الحرب. واضاف الناطق ان هدف "جيش الامام الثائر" في داغستان اليوم: احياء الامامة. وعلى مدى الايام التالية عزز المجاهدون مواقعهم وقصفوا بالمدفعية مطار بوتليخ ، واحرقوا عدداً من المروحيات. وكانوا يستهدفون الجنرال اناتولي كفاشنين رئيس اركان الجيش الروسي الذي وصل الى هناك اثر اندلاع الحرب. وفي 10 آباغسطس اعلن مجلس الشورى الشيشاني - الداغستاني استقلال داغستان وقيام دولة اسلامية فيها وطالب بجلاء جميع القوات الروسية من البلاد، ورفض التفاوض مع الروس. وقطع رئيس الوزراء الروسي السابق الجنرال سرغي ستيباشين جولة له في اواسط روسيا وتوجه الى داغستان، وعندما عاد منها الى موسكو في اليوم التالي قال: "الوضع هناك خطير جداً ويمكن ان نفقد داغستان" لكنه وجد في انتظاره مرسوم الرئيس بوريس يلتسن القاضي باقالة الحكومة وتعيين امين مجلس الامن ورئيس مديرية الامن فلاديمير بوتين رئيساً للوزراء بالوكالة. وتضاربت الآراء في شأن اسباب اقالة ستيباشين، ذلك ان الكرملين لم يذكرهاعلى وجه التحديد. وفي تلك الاثناء اعلن يلتسن اسم خليفته في انتخابات الرئاسة للعام 2000، وهو فلاديمير بوتين نفسه، مما اثار استغراب المحللين الذين لا يعتقدون بأن احداً سينصت الى دعوة رئيس الجمهورية لتأييد بوتين، طالما انه استنفد شعبيته منذ مدة. الا ان ثمة من يربط عزل ستيباشين بالاحداث في القوقاز مباشرة. فمنذ ان عقدت حكومته جلستها "النقالة" في عاصمة داغستان حين لاحت بوادر التصعيد هناك قبل شهرين لم تتمكن هذه الحكومة من احتواء الاحداث. وجاء زحف جيش باساييف الاخير ليسوق الدليل على ان ستيباشين عاجز عن معالجة الموقف. اما رئيس الوزراء المعين فلاديمير بوتين فهو من طينة اصلب، على رغم انه يتحاشى الظهور في دائرة الضوء. واذا صح هذا الرأي واستخدم الكرملين "عضلات" بوتين فان الحرب في القوقاز الروسي قد تستمر الى ما لا نهاية. في آخر تصعيد للأحداث في شمال القوقاز، أعلن القائد الشيشاني شامل باساييف عن فضح مؤامرة جديدة ضد الشيشان أعدت لها مديرية الأمن الفيديرالية الروسية التي قال إنها كانت تنوي "تنفيذ سلسلة من العمليات التخريبية والارهابية لتصفية كبار المسؤولين ومنهم الرئيس أصلان مشهدوف"، في شهر آب اغسطس الجاري. ومن جهة أخرى كشفت صحف روسية النقاب عن مخطط إسلامي أدعت أنه سينفذ لإسقاط السلطة العلمانية في داغستان. وعلى صعيد ثالث عزل الكرملين موقتاً رئيس جمهورية قرة شايفو الشركسية المنتخب وعيّن وصياً روسياً بدلاً منه. ويرى باساييف ان حرباً أهلية كانت ستقوم في الشيشان بعد تصفية القادة الميدانيين على يد رجال الأمن الروس. إلا أنه شخصياً تمكن من انقاذ البلاد حينما قبض على 38 رجل أمن عرض على الصحافيين 18 منهم في 28 تموز الماضي. واعترف أربعة من هؤلاء بأنهم موظفون في مديرية الأمن الروسية برتبة مقدم. واستنتج باساييف أن الحادث دليل على أن "روسيا امبراطورية الشر وهي الدولة الارهابية الأولى في العالم التي تشن ضد جمهورية اتشكيريا الشيشانية حرباً واسعة النطاق". وكذب ناطق باسم مديرية الأمن في موسكو كل المزاعم في شأن عمليات تعدها الهيئات الأمنية الروسية، بما فيها مكافحة الجاسوسية ضد الزعماء الشيشانيين والرئيس مشهدوف، وأكد ان تصريحات باساييف استفزازية، الهدف منها إفشال اللقاء المنتظر بين الرئيسين الروسي والشيشاني. وعلى كل، فإن العلاقات بين روسيا والشيشان هذا الصيف أشبه بالمناوشات. بدأت حامية ساخنة ثم انتقلت إلى وضع آخر أقل سخونة، لكنه أكثر غرابة. فبدلاً من تبادل الأسرى، جرى ما يشبه تبادل خطف الرهائن، وعلى الصعيد الأول وقع 73 هجوماً بالهاونات والمدفعية شنها الشيشانيون، أو مجهولون محسوبون على الشيشان منذ بداية العام الحالي على مخافر حدودية روسية، خصوصاً في اقليم ستافروبول روسيا ومنطقة الحدود مع داغستان، ووقع عدد من القتلى والجرحى بين رجال الشرطة وجنود المخافر الروس والداغستانيين. ورداً على ذلك، قرر وزير الداخلية الروسي فلاديمير روشايلو الذي زار المنطقة مراراً ان يهاجم "الارهابيين" بقصف مكثف بالصواريخ براً وجواً. ثم خيّم هدوء، انتقلت المناوشات بعده إلى خطف الرهائن من الجانبين. حرب جرثومية؟ وأثناء ذلك، تفشى مرض مجهول المنشأ في قرية في محافظة روستون أودى بحياة ستة أشخاص في غضون عشرة أيام، ونقل إلى المستشفى ثمانون آخرون. وفي اقليم ستافروبول، المحاذي للشيشان على بعد ألف كيلومتر عن روستوف توفي شخص واحد بهذا المرض نفسه، مما جعل المسؤولين يفكرون باحتمال عمل ارهابي جرثومي. وكان الليفتنانت جنرال فالنتين يفستيغنييف مدير إدارة الوقاية الجرثومية لدى وزارة الدفاع الروسية كتب في إحدى المجلات "ان قائداً ميدانياً شيشانياً هدد باستخدام السلاح الجرثومي". ولم تنشر بعد نتائج التحقيق في الحادث، ويعتقد المسؤولون ان تلك القرية الصغيرة اختيرت بقعة تجريبية للتأكد من مفعول هذا المرض الأشبه بجرثومة "ايبولا"، فهو يجمع بين اعراض الحمى النزفية والتهاب السحايا والإسهال، وهو أمر مستحيل حدوثه، إلا إذا كانت نتيجة لفيروس اصطناعي. وقد أثارت أنباء المرض ضجة في روسيا لا تزال تغذيها الاشاعات لغياب المعلومات الرسمية الدقيقة. وعلى الصعيد الثاني استمرت عمليات خطف الرهائن في الشيشان وحواليها، إلى جانب الافراج عن بعض المخطوفين سابقاً. وكانت الحلقة الأخيرة في مسلسل الخطف اقتياد الاب زكريا سادن الكنيسة الارثوذكسية في العاصمة الشيشانية غروزني في 25 تموز الماضي ومعه اثنان من العاملين في الكنيسة. وكان الاب زكريا استلم أبرشية غروزني قبل شهرين وعمد إلى تقليص عدد حراسه ومرافقيه من ثمانية إلى اثنين عجزا عن حمايته أمام عشرة مسلحين اقتحموا الكنيسة في وضح النار وكانوا مكشوفي الوجوه، ما عدا ملثم واحد. وأشارت وزارة الأمن الشرعي في الشيشان إلى احتمالين لخطف الاب زكريا أحدهما من أجل الفدية، والآخر بتدبير من "مجموعة تخريبية تتكون من أفراد الاستخبارات الأجنبية اختطفته لتستثير المشاعر ضد الشيشانيين وتفشل المحادثات بين روسيا والجمهورية الشيشانية". وقبل ذلك خطف مجهولون اثنين من آباء الكنيسة الارثوذكسية في انغوشيتيا تعرضا لضرب مبرح وأمكن الافراج عنهما بشق الأنفس. وكان ممثلو الكنيسة اعترفوا بأن الافراج عن القساوسة المخطوفين تم بالفدية. ويتوقع المراقبون استمرار خطف رجال الدين طالما هو الأسهل وطالما أن الكنيسة غنية وقادرة على الدفع. وقبل ذلك وقع في الأسر تسعة فنانين في مدينة نزران انغوشيتيا كانوا في جولة فنية إلى مدينة أوروس - مارتان الشيشان فخطفهم "المجاهدون". وقبض على الشيشانيين رستم ميرجييف ورمضان كوزورويف بعد مناوشة مع رجال الشرطة في أوسيتيا الشمالية، وكانا في مهمة تخريبية لمهاجمة الوحدة العسكرية الروسية المرابطة هناك. وقتل أربعة من رفاقهم برصاص الشرطة. وقد أحيلا إلى المحاكمة فحكم عليهما بالأشغال الشاقة 15 عاماً. ويعتبر ذلك أول حادث تمكن فيه الروس من مطاردة "المجاهدين" . إلا أن أشهر حادث لتبادل خطف الرهائن هو توقيف وزير الأمن الشرعي الشيشاني طربال علي اتغيريف في أحد مطارات موسكو وحبسه يوماً، مما أثار رد فعل شديداً من جانب غروزني. وعمد رئيس الممثلية الشيشانية في موسكو إلى اغلاق جميع ممثليات الشيشان في روسيا وعددها 20، وهدد باغلاق الممثلية المركزية أيضاً ما لم يعتذر الكرملين ويقدم توضيحات لأسباب توقيف الوزير الشيشاني. وكانت جهات عدة اعتبرته رهينة خطف من أجل مبادلته بالجنرال شبيغون أحد كبار موظفي وزارة الداخلية الروسية الذي لا يزال في أسر شيشانيين مجهولين منذ شهور. وإذا كان الموقف في الشيشان يعتبر هادئاً نسبياً ولا يتعدى حدود المناوشات الساخنة والباردة، فالحال في الجارة داغستان أخطر بكثير. استناداً إلى تحليل حوالي ثمانين هجوماً على مخافر الشرطة وقوات الداخلية الروسية التي تحمي الحدود الداغستانية، وقراءة تكتيك عمليات المقاتلين الإسلاميين ضدها، استنتج بعض المحللين أن المقاتلين تمكنوا من تحديد عدد تلك القوات وقوامها التركيبي وشبكة دفاعاتها ونقاط الضعف فيها، مما يمكنهم من التسلل إلى داغستان من الأراضي الشيشانية وتجميع القوى هناك لتسديد الضربة إلى مؤخرة القوات الروسية عندما تأتي الإشارة في ساعة الصفر. وعندها يتوقع تسديد ثلاث ضربات جبهوية لتقطيع أوصال المؤخرة من جهة قزلار وخاسافيورت وبويناكسك. وفي الوقت ذاته تقوم فصائل المقاتلين التي اتخذت مواقع لها في "محج قلعة" وضواحيها بمحاولة للاستيلاء على العاصمة الداغستانية، خصوصاً مباني الحكومة ووزارة الداخلية ومديرية الأمن والاذاعة والتلفزيون . ومن الأدلة على خطورة الموقف زيارة الجنرالات الثلاثة سيرغي ستيباشين رئيس الوزراء السابق وفلاديمير روشايلو وزير الداخلية وأناتولي كفاشنين رئيس أركان الجيش الروسي إلى "محج قلعة" نهاية حزيران يونيو الماضي وتفقد المواقع العسكرية الروسية في داغستان. واللافت ان الحكومة الروسية عقدت جلسة طارئة في "محج قلعة" وشددت على المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي لا يمكن الخروج من الأزمة من دون حلها. إلا أن حل تلك المشاكل يتطلب تدابير أكثر وأوسع من التمويل الاضافي، فلا بد من تأمين استقرار الأوضاع في البلاد عموماً وحل الاشكالات الداخلية والخارجية الأخرى. وهو أمر مستبعد في المستقبل المنظور لغياب الامكانات اللازمة. والمشكل الاجتماعي القومي والديني هو الذي يغذي الموقف المتفجر في داغستان التي تبلغ مساحتها 3.50 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانها 1.2 مليون نسمة العام 1996 ويشكل المتقاعدون 32 في المئة منهم، وعدد القادرين على العمل حوالي نصف السكان، ولا يتجاوز معدل العمالة السنوي 600 ألف نسمة، وتبلغ نسبة الدخل الشهري للفرد الواحد حوالي 60 دولاراً العام 1997 فيما كان يبلغ في روسيا عموماً 120 دولاراً. وداغستان من اكثر بلاد الدنيا تنوعاً من حيث القوميات. ففيها 38 قومية معظمها اسلامية واكبرها الافاريون وهم سنيون عددهم الاجمالي في الاتحاد السوفياتي السابق يتجاوز 600 ألف، يقيم حوالى 500 الف منهم في داغستان، ثم الدارغان، وهم سنيون ايضاً 280 الفاً والكوموك 230 ألفاً واللزغيار 400 الف واللاك 90 الفاً والتاباساران 80 الفاً والنوغاي 30 الفاً والروتول 15 الفاً. واضافة الى هذه القوميات الاصلية يقيم في داغستان روس 250 - 300 الف واذربيجانيون 70 - 80 الفاً وشيشانيون 60 - 70 الفاً وغيرهم. ولهذه الفسيفساء القومية عشرات التنظيمات والجمعيات الاسلامية. وفي مقدمها حزب "الاحياء الاسلامي" الذي أسس العام 1990 واميره الطبيب الداغستاني احمد قاضي اختايف. وكان هذا الحزب اول تنظيم سياسي لمسلمي الاتحاد السوفياتي، الا انه تفكك مجموعات سياسية غير مترابطة، اكبرها مجموعة داغستان ومجموعة موسكو ومجموعة طاجكستان ومجموعة اوزبكستان. وتقيد الحزب بالمبادئ الاصولية ودعا الى تحويل داغستان دولة اسلامية مما اثار نقمة شيوخ النقشبندية التقليديين. وفي العام 1994 انتهت رخصة الحزب في روسيا، ولم يعمد أحد من اعضائه إلى تجديدها. وفي 1955 تأسس "اتحاد مسلمي روسيا" الذي انتخب الداغستاني نادر شاه حاجيلاف اميناً عاماً له. وهناك ايضاً "الحزب الاسلامي الداغستاني" الذي أسس العام 1994 بعد انقسام "الحزب الديموقراطي الاسلامي" وكذلك "مركز القوقاز الاسلامي" الذي أسسس في بداية العام 1996 ومنظّره محمد بهاء الدين. وهناك ايضاً حزب "النهضة الاسلامي" و"جماعة المسلمين" وهما يناديان بتأسيس دولة اسلامية موحدة في داغستان والشيشان. وحتى الآونة الأخيرة كان في داغستان ثلاثة مراكز متطرفة، إلا أن اكثر اجنحة الداغستانيين تطرفاً يوجد في مدينة استراخان الروسية ويتزعمه السيد ايوب الداغستاني. وتفيد الاحصائات ان في داغستان حوالى ثلاثة آلاف اصولي مسلح. وعلى مدار السنوات الاخيرة كانت هناك صراعات بين المسلمين ايضاً، اذ دخل انصار الصوفية التقليدية في مواجهة حادة ومسلحة مع المتشددين فكان من نتائجها مقتل مفتي الديار الداغستانية الشيخ محمد حاج ابو بكروف في ايلول سبتمبر 1998. وافادت وسائل اعلامية روسية انه في حال قيام نزاع مسلح واسع بين الطرفين فإن متشددي الشيشان سيتدخلون لنصرة اخوانهم في داغستان. والعامل الاسلامي يلعب الدور الاول في كل ما يجري اليوم في داغستان التي يدين بالاسلام اكثر من 70 في المئة من سكانها. وما من حزب سياسي او حركة وطنية في هذه البلاد، الا واستعان بالاسلام. وتفيد الاحصاءات الرسمية ان في داغستان حتى الاول من كانون الثاني يناير 1999 حوالي 1670 مسجداً و25 مدرسة دينية و9 مؤسسات تعليمية اسلامية عالية وثلاثة احزاب اسلامية رئيسية و11 مركزاً اسلامياً. ويقوم على خدمة المساجد ثلاثة الاف وخمسمئة امام ومؤذن. وهناك 1230 طالباً داغستانياً يتلقون التحصيل العلمي في 10 اقطار اسلامية، ويؤدي عشرات الآلاف من الداغستانيين الحج سنوياً. والاتجاه السائد في الحياة الدينية هو الاصولية التي تدعو الى الجهاد وتعمل على اجتذاب سائر الحركات الوطنية. وتلعب الورقة العرقية مستخدمة اياها في بلوغ الاهداف الاستراتيجية مع مراعاة مصالح هذه القومية الاثنية او تلك. وتشدد الاصولية على كسب ودّ زعماء الحركات الوطنية التي لديها فصائل مسلحة خاصة بها. والى ذلك فالسلام في وسط القوقاز الشمالي ايضاً في حالة مائعة مترجرجة تتوقف بالكامل على التدابير التي تتخذها موسكو لمعالجة الخلافات بين القرشيين والشركس هذه المرة. فتلك الخلافات مرشحة للتحول الى نزاع مسلح سافر في اي لحظة. وللمرة الاولى في تاريخ روسيا المعاصر لجأ الكرملين الى اسلوب جديد لتهدئة الاوضاع هناك: فرض الوصاية او الحكم الرئاسي المباشر على المناطق التي تنوي الخروج من طاعته. ومعروف ان لرئيس الجمهورية ممثلين اداريين دائمين في جميع انحاء البلاد يتجاوز عددهم 400، وهم مخوّلون التدخل مباشرة في تسوية الخلافات المحلية. الا ان للحكم الرئاسي المباشر تدابير أشد خطورة، وهي أقرب الى الاحكام العرفية. بؤرة اخرى وغدت جمهورية قرة شايفو الشركسية اول ميدان لتجريب هذه الوسيلة الى جانب "التهدئة" من خلال الحرب السافرة او القصف الموضعي كما حدث في الشيشان، او زقّ الجرعات المالية وفتح الاسواق الحرة كما في انغوشيتيا او نشر قوات وزارة الداخلية كما في داغستان. وتقع جمهورية قره شايفو الشركسية في القسم الاوسط من شمال القوقاز، وتحدّها جورجيا وابخازيا جنوباً، وروسيا شمالاً وغرباً ستافروبول وكراسنودار، وتقع في الشرق منها البقع الساخنة جداً في القوقاز: اوسيتيا وانغوشيتيا والشيشان وكاباردينو - بالكاريا. وتبلغ مساحة الجمهورية 14.2 الف كليومتر مربع وعدد سكانها يقارب نصف مليون نسمة 433.7 الفاً حسب احصاء العام 1977 معظمهم في الارياف. وهي بلاد متعددة القوميات يشكل القرشيون 30 في المئة من سكانها، والشركس 10 في المئة، والأبازيون ربما الاباظيون 6.6 في المئة والنوغائيون 3 في المئة فيما يشكل الروس حوالي 40 في المئة من السكان. وكان التشويش الاداري يرافق هذه البلاد على مدار القرن العشرين لاختلاف قوامها السكاني والقومي، فقامت تركيبة إدارية باسم محافظة قره شايفو الشركسية ذات الحكم الذاتي في كانون الثاني 1992 وفي العام 1926 قسمت الى محافظتين قره شايفو والشركس، وفي العام 1944 الغيت محافظة قره شايفو، ثم في العام 1957 تألفت محافظة قره شايفو الشركسية من جديد، وفي فترة احتضار الاتحاد السوفياتي تحولت جمهورية العام 1990. وتعد جمهورية قرة شايفو الشركسية الآن آخر دمل متقيح ينفجر في القوقاز الروسي. كانت الاوضاع فيها هادئة حسب الظاهر، في ظل الرئيس فلاديمير حبييف على رغم انه لم يكن منتخباً، الى ان جرت الانتخابات الرئاسية الاولى في تاريخ الجمهورية في 16 أيار مايو الماضي وسجل فيها الجنرال فلاديمير محمود سيميونوف قرشي فوزاً ساحقاً ب 70 في المئة من الاصوات على المرشح الآخر ستانيسلاف ديريف شركسي. ويذكر ان الجنرال سيميونوف شخصية معروفة في الجيش الروسي، كان قائداً للقوة البرية وعزله يلتسن من منصبه. ولعل ذلك وفر له فرصة الفوز بسهولة على غريمه. الا ان انصار محافظ العاصمة ديريف احتجوا على نتيجة الانتخابات ونظموا مظاهرات جماهيرية استمرت اياماً متواصلة بلياليها وطالبوا بالانفصال وتشكيل جمهورية شركسية خاصة بهم، حتى نظرت محكمة الجمهورية في النتائج وأقرت شرعيتها، الا ان المحكمة العليا في موسكو لم تصادق على القرار وقضت باعادة الدعوى الى المحكمة المحلية للنظر فيها مجدداً. وعلى هذا الاساس اصدر بوريس يلتسن مرسوماً بوقف صلاحيات الجنرال سيميونوف رئيس الجمهورية الشركسية المنتخب وتعيين السيد فالنتين فلاسوف رئيساً بالوكالة. فقامت مظاهرات جماهيرية من الجانب الآخر هذه المرة تنادي بوقف التطاول على الحق الانتخابي والاعتراف بشرعية عهد الجنرال سيميونوف. ولا تزال جمهورية قره شايفو على حافة البركان تحت وصاية الكرملين. ويعد فلاسوف خبيراً في شؤون القوقاز كان ممثلاً شخصياً للرئيس يلتسن في جمهورية الشيشان، الا ان مجهولين اختطفوه وظل رهينة في الأسر الشيشاني عدة اشهر الى ان انقذ بشق الأنفس. وتولى في الفترة الاخيرة مهمة النائب الاول لرئيس اللجنة الانتخابية الدائمة في روسيا. وقبل ان يوافق على "تعيينه" رئيساً للجمهورية الشركسية بالوكالة اصر، حسب المصادر الرسمية، على ان يوضح الكرملين للجنرال سيميونوف اسباب التعيين ويقنعه بعدم الاعتراض عليه الى ان ينجلي الموقف. ويقال ان الجنرال سيميونوف ناشد انصاره الحفاظ على السكينة والهدوء، الا ان كأس الصبر طفحت، فلم ينصت الجمهور الى دعوة زعيمه. وطالب المتظاهرون باحترام الحق الانتخابي واكدوا ان تعيين فلاسوف رئيساً بالوكالة خرق للدستورين الروسي والشركسي ومعاهدة فصل الصلاحيات بين الحكومة المركزية والحكومة الشركسية. وقرر المتظاهرون ان يوجهوا طلباً الى المحكمة الدستورية لمراجعة قرار المحكمة العليا، وهددوا بأنهم سيناشدون السكان بتشكيل فصائل المتطوعين. واللافت ان المراقبين سجلوا مخالفات كثيرة اثناء الانتخابات في جولتها الثانية عند كلا المرشحين للرئاسة. ولا يستبعد ان يصدر قرار باعتبار الانتخابات لاغية واعادتها من جديد، وفي هذه الحال لا يتوقع توافر الفرصة لكلا المتنافسين في الفوز، مما يؤدي الى تصعيد الأحداث. وإذا اعتبرت نتائج الانتخابات في الجمهورية الشركسية مزورة وألغيت نهائياً فسيكون ذلك سابقة خطيرة بالنسبة الى موسكو، وستواجه مسلسلاً من ردود الفعل المماثلة في كثير من الجمهوريات المتعددة القوميات. ففي كل منها قوميات محظية واخرى غاضبة على حظها التعيس، وفي كل منها رئيس من أبناء قومية لا يرضى عنه أبناء القوميات الأخرى. ويرى المحللون ان قرار السلطة القضائية العليا في روسيا 23 تموز 1999 في شأن إلغاء قرار المحكمة العليا في جمهورية قره شايفو الشركسية التي اعترفت بشرعية الانتخابات الرئاسية في ايار 1999 أقرب الى الفعل السياسي منه الى الاستنتاج الحقوقي غير المتحيز. ويبدو ان الكرملين يريد ان يكسب الوقت ويماطل في الاعتراف بشرعية الانتخابات، والى ذلك يبدو ان الكرملين لا يميل الى تأييد الجنرال فلاديمير سيميونوف. وقد قرأ المراقبون تلميحاً لذلك في تصريح رئيس الوزراء السابق سرغي ستيباشين عن "ضرورة حل مسائل الانتخابات الجديدة وتهيئة الظروف الطبيعية للانتخابات بموجب الدستور". وكان ستيباشين قد زار الجمهورية الشركسية نهاية أيار عندما كانت على شفير الحرب الأهلية، وأسفرت الزيارة عن إقالة سلطات الجمهورية. أما الاحداث الأخيرة المرتبطة بفرض الوصاية الروسية على هذه الجمهورية القوقازية فتسوق الدليل على أن زيارة ستيباشين كانت الخطوة الأولى في محاولة الكرملين إطالة أمد المرحلة الانتقالية هناك. ومع أن موسكو لم تجرؤ في أيار الماضي على فرض الإدارة الرئاسية المباشرة في هذه الجمهورية، فإن تشكيل ما سمي بالحكومة الموقتة آنذاك، وهو اجراء غير دستوري، جاء دليلاً على التوجه الجديد في سياسة الكرملين القوقازية والقومية عموماً. كما ان موسكو، لم تلجأ مرة الى إلغاء نتائج انتخابات الرئاسة في أي من أطرافها، خصوصاً في الجمهوريات القومية والاسلامية الصغيرة حتى تلك التي يشكل الروس أغلبية سكانها. إلا ان تكتيك موسكو الجديد في تأييد الصفوة السياسية المحلية المغلوبة ضد الفائزين الشرعيين لمجرد الرغبة في تفادي الصدامات القومية ينطوي على خطر تأجيج تلك الصدامات ليس في جمهورية قره شايفو الشركسية وحدها، فإن اصطفاف القوى داخل هذه الجمهورية يتوقف على جيرانها أيضاً، ذلك ان جبهة الجنرال سيميونوف تتكون من القرشيين والروس، فيما يشكل الشركس والاباظيون جبهة غريمه ديريف، وإذا لم يعترف الطرف الآخر بفوز سيميونوف فقد يؤدي ذلك الى انفجار الحركة الانفصالية في كاباردينو - بالكاريا المجاورة. ومن جهة أخرى يؤمل ستانيسلاف ديريف في تضامن أبناء جلدته الشركس المقيمين في كاباردا وفي آديغيا. وقد يستفيد الشيشانيون من التناقضات بين الآديغيين والقرشيين والبلكاريين، كما حدث العام 1996 حين أيد القادة الميدانيون الشيشانيون حركة البلكار في احدى محاولاتهم للانفصال عن الكاباردينيين. ويشير بعض المصادر الى اهتمام قوى في الخارج بالنفط الذي تفيد المعطيات الأولية بوجوده في قرة شايفو الشركسية في طور التنقيب حالياً. كما تشتهر الجمهورية بصناعة المشروبات التي يقال ان السيد ستانيسلاف ديريف يسيطر عليها. ويؤكد خصوم ديريف انه اعتمد اثناء الانتخابات الرئاسية على المعارضة الشركسية ومجموعة بوريس اكباشيف ومراد خاتوكايف ومحمد قبلة وغيرهم من مبعوثي "الرابطة الشركسية الدولية" التي اسستها الجاليات الشركسية السورية والأردنية والتركية العام 1989 ومقرها هولندا. وكان رئيس الوزراء الروسي السابق سرغي ستيباشين حذر أكباشيف من خلال تلفزيون موسكو بألا يزيد الوضع في الجمهورية تأزماً حقائق أساسية الاسم: جمهورية داغستان العاصمة: ماخشكالا. المساحة: 50 ألفاً و 300 كيلومتر مربع. تعادل مساحة جمهوريتي جورجيا وأرمينيا. الوضع الدستوري: إحدى جمهوريات الإتحاد الروسي. أنشأها الروس العام 1920 ، وظلت تشهد ثورات واضطرابات منذ عهد القياصرة بسبب احتجات السكان المسلمين على الخضوع لدولة مسيحية. تعني كلمة داغستان "البلاد الجبلية". وقد اخترقتها روسيا منذ القرن الخامس عشر، لكنها ضمتها إليها رسمياً العام 1813 باتفاق مع إيران. يبلغ عدد العرقيات في داغستان 30 ويزيد عدد القوميات هناك على 80 قومية. الثروات الطبيعية: الغاز والنفط والفحم والحديد وعدد من المعادن النادرة. غير أن التضاريس الصعبة تعرقل الإفادة من تلك الموارد.