كانت الساعة الرابعة صباحاً بتوقيت بيشاور حين صدح المؤذن بصوته الندي. والنائمون الذين أراد المؤذن تنبيههم الى صلاة الفجر هم عشرات الشباب في العشرينات من اعمارهم، قدموا من مناطق كشميرية وباكستانية وأفغانية الى هذا المعسكر في المناطق القبلية البشتونية الذي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن بيشاور التي اقترن اسمها طوال الثمانينات بالجهاد والشهادة في أفغانستان. هذا المعسكر لمنظمة "لشكر طيبة" السلفية التي يقودها الحافظ محمد سعيد من اجل "تحرير كشمير وإقامة الدولة الاسلامية على ارضها". قال القائمون على أمر المعسكر، الذين طلبوا عدم ذكر اسمائهم، ل"الوسط": "هدفنا واضح: إقامة الدولة الاسلامية على ارض كشمير بعد تحريرها من الهندوس ...". ويُجنّد المعسكر الشبان الراغبين في الجهاد بعد التيقن من انهم ليسوا الوحيدين لآبائهم، ويُصار الى تدريبهم شهراً ثم يُرسلون الى كشمير الباكستانية التي يتلقون فيها بعض التدريبات التي تناسب طبيعة الأرض ليتسللوا الى كشمير الخاضعة للسيادة الهندية. ويقول شهود ان سيارة او سيارتين تغادران بيشاور يومياً الى كشمير لنقل "المجاهدين" وأحيانا تعود هذه السيارات بعدد من "الشهداء"، الكشميريين الذين قضوا في معارك كارغيل الاخيرة. يتحدث المقاتلون الكشميريون بنشوة وفخر عن الانتصارات التي احرزوها ضد القوة الاقليمية الكبرى في المنطقة التي تسعى الى حجز مقعد لها في مجلس الأمن الدولي، فيما ترفض - حسبما قال المقاتل سعيد الزمان - تطبيق قرارات مجلس الأمن الخاصة بالقضية الكشميرية، الى جانب عجزها عن التعامل مع ظاهرة الكشميريين في كارغيل، على رغم آلتها العسكرية الضخمة التي لا تقارن بالآلة العسكرية البسيطة للمجاهدين. ورفض القادة الكشميريون الذين تحدثت اليهم "الوسط" الاتفاق الذي أبرمه رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف مع الرئيس بيل كلينتون وينطوي على ضرورة سحب المقاتلين الكشميريين من كارغيل. وقال زعيم حركة المجاهدين مولوي فضل الرحمن خليل ل"الوسط": لا بد ان يعي نواز شريف العواقب الوخيمة لتطبيق مثل هذا القرار، فليس هناك حكومة باكستانية تقدر على البقاء في السلطة ان خذلت الكشميريين، فهي مسألة قومية باكستانية. وقال زعيم "لشكر طيبة" الحافظ محمد سعيد: "ان باكستان ليست لها علاقة بقاطع كارغيل، فقوات المجاهدين هي التي تقاتل، وهي لم تدعمنا في الماضي ولا ننتظر منها ذلك في المستقبل، وعليها ان تكف عن الحديث باسمنا". ويأمل المقاتلون الكشميريون بأن يواصلوا التمسك بمواقعهم حتى نهاية الشهر المقبل وحين تهطل الثلوج ويغدو صعباً على القوات الهندية استعادة سيطرتها على تلك المناطق، مما سيعني محاصرة الآلاف من القوات الهندية في مرتفعات سياجن. وقال احد الكشميريين: "اذا استمر الوضع حسب خطتنا فسنوسع دائرة الحرب وحينها سنستولي على اراضٍ جديدة ونفصل القوات الهندية بعضها عن بعض". حرب مواقع ومن مميزات مرتفعات كارغيل ان طريقاً الى الأراضي الباكستانية تشقها، بينما تفتقر الى ذلك من الجهة الهندية المتسمة بانحدارات قاتلة يصعب الوصول اليها الا من خلال الحبال او الانزال المظلي. وعلى هذا الأساس ينفي الكشميريون الادعاءات الهندية في شأن سيطرتهم على تلال تايغر التي يؤكدون انها ما تزال تخضع لسيطرة مجاهديهم. وتحولت كارغيل الى مزار للقادة السياسيين الباكستانيين لا سيما الاحزاب الدينية التي تطمع في زيادة شعبيتها. في بيشاور تعرّفنا على عدد من المجاهدين السابقين الذين يعملون في تجنيد الشباب والمجاهدين الأفغان المتقاعدين للتوجه الى الهند، خصوصاً ان الأفغان يعتبرون انفسهم اوصياء على الاسلام في المنطقة لفتحهم الهند 14 مرة في الماضي، الى جانب مهاجمتهم كشمير في العام 1947 حيث كادوا ان يطردوا الجيش الهندي ايام الانفصال لولا تدخل الأممالمتحدة. كانت القوات الباكستانية حينها مشتتة وغير منظمة إثر الانفصال واستئثار الهند بمؤسسات الجيش، ولهذا تخشى الهند من العامل الأفغاني، خصوصاً ان الأساطير والأمثال الهندية مليئة بالتخويف من الأفغان. ويقول احد الأمثال الهندية المتداولة على نطاق واسع: "يا آلهتنا انقذينا من سُمّ الكوبر وانتقام الأفغان". وحسب المصادر الأفغانية التي تحدثنا معها فان ما لا يقل عن الف من المجاهدين الأفغان انتقلوا الى كشمير، وكلهم من المجاهدين السابقين وليس من حركة "طالبان" حسبما تزعم الأوساط الهندية الرسمية. ويبدو ان هذا هو الذي دفع قيادات هندية متقاعدة الى ضرب قواعد التدريب الكشميرية داخل باكستان لاجهاض اي تحرك كشميري مقبل. العمق الباكستاني وعادة ما تكون افغانستان احد المسارح الرئيسية في الحروب الهندية - الباكستانية، وهذا ما يفسر حرص نيودلهي على اقامة علاقات متينة مع كابول منذ عهد الملك الأفغاني المخلوع ظاهر شاه، اذ ان نيودلهي تدرك ان العمق الاستراتيجي العرضي لباكستان لا يتجاوز 400 كيلومتر، وهو ما يُشكل قلقاً مستمراً لباكستان، ولعل هذا ما يفسر ايضاً إلقاء باكستان بكل ثقلها في الجهاد الافغاني خلف المجاهدين الأفغان ثم دعمها غير المحدود لحركة "طالبان" التي سيطرت على الولايات الأفغانية المحاذية لباكستان وهو ما أمّن حدودها وخفف القلق الباكستاني من احتمالات تعاون الهند مع المعارضة الأفغانية بزعامة احمد شاه مسعود المعادي لباكستان والمتهم بتلقي دعم من الهند. واستناداً الى المصادر العسكرية الباكستانية والطالبانية الأفغانية التي تحدثت ل"الوسط" فان لقاءات عقدت اخيراً بين مسعود ومسؤولين هنود بينهم السفير الهندي السابق لدى افغانستان وحصلت هذه اللقاءات في طاجيكستان وشمال كابول من اجل التعاون بين الطرفين في ظل التطورات العسكرية المتلاحقة على طول الحدود بين الهندوباكستان. ووفقاً لمصادر مقرّبة من مسعود فان الاخير لم يقدم جواباً محدداً الى المسؤولين الهنود ووعد بدرس الامر مع رفاقه في التحالف المناهض ل"طالبان". وحسب بعض التسريبات الخاصة عن اللقاء بين الطرفين، فان الجانب الهندي طالب مسعود بتسليم الهند بعض الاسرى الباكستانيين الذين اسرهم اثناء حربه مع "طالبان" لعرضهم باعتبار انه قبض عليهم اثناء القتال في كشمير لتأكيد الادعاءات الهندية عن وجود مقاتلين باكستانيين الى جانب الكشميريين. ويرى المراقبون ان من الصعب على مسعود ان يوافق على المطالب الهندية في ظل التأييد الافغاني الشعبي العارم لباكستان في حربها ضد الهند لا سيما ان اكثر من مليونين من المهاجرين الافغان يقيمون في الاراضي الباكستانية وهو امر لا بد من اخذه في الاعتبار لكل من يتهم بشعبيته ومصالح بلاده. وجاء الرد الباكستاني سريعاً على التحرك الهندي الذي اراد استغلال المناطق الخاضعة للمعارضة لتقويض الامن الباكستاني والقيام بنشاطات تخريبية داخلية، وطبقاً لمصادر افغانية مطلعة فان اسلام آباد اوفدت بعض القيادات الدينية في مقدمها عرّاب حركة "طالبان" الباكستاني مولانا فضل الرحمن زعيم "جمعية علماء الاسلام" الذي لديه الآن ذراع عسكرية في كشمير ممثلة بحركة المجاهدين، فقد زار قندهار والتقى زعيم "طالبان" الملا محمد عمر لاخذ موافقته على استخدام القواعد الجوية الافغانية، خصوصاً قاعدة شندند، في حال تعرضت القواعد الجوية الباكستانية لغارات هندية. وذكرت المصادر ان الملا محمد عمر وافق على الطلب الباكستاني لان الحرب الدائرة اسلامية وتهدف الى تحرير اراض اسلامية. ويرى كثيرون من الافغان ان عليهم ديناً لباكستان منذ وقوفها الى جانبهم في عهد الجهاد الافغاني. لكن الاوساط الامنية الباكستانية تُبدي قلقاً خاصاً من التعاون الامني بين الهند واسرائيل، اذ انه وفقاً لبعض المصادر فان الاجهزة الامنية الاسرائيلية نصحت الهند باتخاذ خطوات تهدف الى احداث تغيير في التركيبة الديموغرافية في كشمير، اضافة الى استعداد تل ابيب لتدريب 100 عنصر من الاستخبارات الهندية على اساليب التعامل مع الانتفاضة الكشميرية على غرار معالجة اسرائيل للانتفاضة الفلسطينية