لعب الملحن المصري حلمي بكر دوراً مؤثراً في ساحة الموسيقى العربية على مدى ما يقرب من ربع القرن، قدم خلاله ألحاناً كثيرة لمطربين كبار وشبان. وآخر الأعمال التي قدمها مغناة أوبريت "الحلم العربي" التي شارك فيها مطربون ومطربات من مختلف الدول العربية. وعلى رغم ذلك تعرض حلمي بكر الى الكثير من النقد القاسي بسبب انتقاده لما يسمى الأغاني الشبابية التي لم يتوقف عن فتح النار عليها. وفي هذا الحوار مع "الوسط" يدفع حلمي بكر الاتهامات الموجهة إليه قبل أن يواصل هجومه. حدثنا عن بدايتك؟ - منذ صغري وأنا أحب الفن. وكنت - وما زلت - أحب قراءة الشعر، بل وكتبته. وأثناء دراستي في كلية التجارة التحقت بمعهد الموسيقى، وكنت في ذلك الوقت أكتب الأغاني وألحنها وأغنيها لنفسي، الى أن اعتمدت ملحناً في الإذاعة المصرية العام 1960. وكتبت في أعقاب ذلك بعض المذاهب لأغنيات مثل أغنية "فكرة" لنجاة الصغيرة، ووضعت مقدمات موسيقية لمسرحيات وأفلام وبرامج ومسابقات عدة. ثم اختارني رئيس الإذاعة المصرية الراحل محمد محمود شعبان بابا شارو عضواً في لجنة الاستماع، وكانت تضم جهابذة التلحين أمثال مدحت عاصم واحمد صدقي وعبدالعظيم عبدالحق وعبدالحليم نويرة، واستمرت عضويتي في تلك اللجنة حوالي 20 سنة، ثم تركتها أنا والاذاعي وجدي الحكيم عندما لمسنا أن الجو العام غير صحي. بمن تأثرت من الملحنين؟ - تأثرت بالكبار كلهم تقريباً من عبدالعزيز محمود وعبدالعظيم عبدالحق مروراً بعبدالعظيم محمد والموجي وكمال الطويل ومحمد عبدالوهاب وغيرهم، الملحن لا بد أن يستمع كثيراً الى الألحان العالمية والكلاسيكيات لتكون لألحانه بعد ذلك شخصية مستقلة عندما يمزج بين العلم والاستماع. أما إذا كان الملحن موهوباً واكتفى شبالاستماع الى ألحان الآخرين، فسيكون نسخة مكررة من غيره، ومن ثم فإن عمره الفني سيكون محدوداً، لأن الثقافة هي أساس الإبداع، وما دام يوجد مبدعون في الموسيقى فلا بد من ألوان موسيقية متعددة. كيف ترى الساحة الموسيقية الآن؟ - باختصار شديد هي مثل ملعب الكرة، ولكن اللاعبين في المدرج والجمهور في المستطيل الأخضر، وهذا في حد ذاته كارثة، لأن الفوضى عمت وانقلبت الحال، وأصبح الجمهور هو المطرب. أي اسم تطلق على الاغنية الآن اسم "الشبابية" كما يرى البعض أم "التيك أواي" كما يرى البعض الآخر؟ - الاسماء التي تخطر في بالي لا تختلف عن مسميات المخدرات صباح الخير يا فل، مساء الخير يا جميل، يجعل صباحك نادي. إن الاغنية الحقيقية هي تلك التي تنقل صورة صادقة للمجتمع، لكننا حولناها الى مسميات شخصية اغنية شبابية، أغنية هبابية، لكي يروج النوع. انحياز ضد الجيد لماذا تراجع تأثير بعض المطربين الجيدين أمام زحف هذه الموجة؟ - من المؤكد أن الجيد هو الذي يطرد السيئ، ولكن نتيجة للسكوت على السيئ اصبح هذا السيئ هو السائد، هو الكثرة، والكثرة تغلب الشجاعة فانقلبت الحال، والذي يساعد على ذلك هو الإعلام سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً، فهو يقدم الرديء على أنه أفضل الموجود في الساحة. في الماضي كان يقود الجهاز الموسيقي في الاذاعة المصرية اشخاص مثل مدحت عاصم ومحمد حسن الشجاعي وعبدالحليم نويرة. بعد ذلك تحولت المسألة الى درجات وظيفية ليس لشاغليها علاقة بالموسيقى. من هنا بدأ التحيز ضد الجيد الذي لم يعد يجد من يحميه من هذه الهجمة الهمجية، فانزوى الى أن يأذن الله بشيء أفضل، والانزواء هنا ليس هروباً. لماذا تحظى الأصوات العربية في مصر بشعبية أكثر من التي تحظى بها الأصوات المصرية؟ - الجسم القوي عندما ينهزم تتكاثر عليه الطفيليات، ولو عدنا الى الوراء سنجد أن اسمهان كانت ناجحة في ذروة نجاح ام كلثوم، وصباح ونجاح سلام وسعاد محمد ووديع الصافي وفريد الأطرش نافسوا عبدالحليم حافظ وعبدالوهاب ونجاة، فالمنافسة هذه كانت خالصة لوجه الموسيقى والغناء، فانتشر هؤلاء جميعاً في المنطقة العربية كلها، وكان يطلق على مصر "جمهورية الفن العربي"، والأمر لم يكن يقتصر على الغناء بل تعداه الى المسرح والسينما، وظلت الحال كذلك إلى ان حدثت هزيمة 1967، ومنذ ذلك الحين صار الجيدون قلة والسيئون كثرة.. وحدث الانزواء. السرقات الفنية.. ما رأيك فيها؟ - في الماضي كان اللص يسرق ويجري، ولكننا كنا نجده بسهولة ونقبض عليه، أما الآن فمن يسرق هو الذي يتهم الشرفاء وبكل تبجح بأنهم لصوص، مثل ذاك الذي اتهم الشاعر نزار قباني بسرقة قصيدة "اغضب" منه، علماً أن هذا المدعي لم يكن ولد بعد حين كتب نزار قصيدته. نحن نعيش الآن عصر السرقة، لأنها الأسهل، ونحن، مع الأسف، نسكت عن السارق ولا نحاسبه، وفي هذا السكوت مشاركة للسارق أو جهل بما يفعله، وهذا أسوأ. مشهيات غير فنية هل ترى أن "الفيديو كليب" هو السبب في انتشار بعض الأصوات الرديئة؟ - مفهوم "الفيديو كليب" يعني مجموعة لقطات للمطرب خارج حيز المسرح، بغرض الإبهار، ولذلك قد لا يخلو هذا النوع الفني في الغرب من بعض المشهيات الجنسية، وبما ان هذا غير متوافر عندنا فإن ما يناسبنا نحن هو الأغنية الفيلمية في إطار يناسب قيم المجتمع، فأغانينا يتضمن كل منها بداية ووسطاً ونهاية، الآن يغلب على "الفيديو كليب" العربي الجنس وكل ما يخاطب العين وليس الأذن. هل لجان الاستماع في الاذاعة والتلفزيون مسؤولة بدرجة ما عن ذلك؟ - ممكن، ومع هذا نلاحظ ان لجنة الاستماع ليست دائماً صاحبة القرار النهائي بل يوجد من هو أقوى منها، اذ يحدث لها ان ترفض مطربين ثم نفاجأ بإذاعة أغانيهم في التلفزيون والإذاعة، وعندما نخبر المسؤولين بأن هؤلاء المطربين مرفوضون، يأتينا الرد بأنه يصعب تجاهل شعبيتهم. ما رأيك في حفلات "ليالي التلفزيون" المصرية؟ - الى الآن لم تضطلع بما ينبغي عليها القيام به، وهو أن تطلق أصواتاً جديدة، وهذا لم يتحقق بعد، كما كان يتحقق في الماضي من خلال حفلات "أضواء المدينة". ما سر خلافك مع الفنانة وردة؟ - وردة فنانة عظيمة، ولها الفضل في أنني بدأت من خلالها، لكنها ركبت موجة "الهوجة الجديدة"، أرادت أن تجرب، فكانت النتيجة انها انقصت من رصيدها الفني ولم تضف إليه جديداً. لماذا اتهمك عمرو دياب بأنك لم تفعل شيئاً طوال 10 سنوات؟ - الحقيقة تقول غير ذلك، ولهذا فإنني قررت اللجوء الى القضاء لوقف هذا التطاول وعندما اعتذر عمرو دياب في مؤتمر صحافي تراجعت عن قراري. مغناة "الحلم العربي" كانت لمطربين معينين أبدلوا بعد ذلك بغيرهم كما يقال فما هو ردك؟ - أولاً، لا يستطيع أحد أن يستبعد صوتاً جيداً حتى لو كان مخرج العمل، والذين اختاروا هذه الأصوات هم الملحنون، واختيارنا لها جاء من واقع خبرتنا وفهمنا لتلك الأصوات، وهناك اصحاب أصوات رفضوا الاشتراك في هذا العمل معتذرين بحجة انهم ليس لهم مكان فيه يوازي حجم النجومية التي يحظون بها. والبعض الآخر رفض لأنه علم ان المشاركة لن يقابلها أجر، ولا بد من الاشارة الى ان جميع المشاركين لم يتقاضوا أجراً. يتهمونك بأنك مغرور، لأنك دائماً تقول "إنك خارج المنافسة"؟ - من حق كل إنسان ان يؤكد وجوده، ومن حقه البحث عن وجوده. وأنا إنسان متواضع جداً وإذا كنت أبحث عن وجودي لأؤكده فإنني أعتقد أن تأكيد الوجود ليس غروراً كما يعتقد البعض. يتهمونك أيضاً بأنك "ملحن حكومي" لأنك عضو في لجان معظم المهرجانات الرسمية؟ - ليست هذه المهرجانات الموسيقية حكومية، بل انها تعتمد على ممولين افراد لا علاقة لهم بالحكومات، وهذا أمر يحدث في العالم كله. المطرب مؤسسة أين المطربة منال التي أعلنت عن اكتشافك لها منذ فترة؟ - ليس المطلوب مني بعد تقديم أي صوت جيد جديد أن أظل وراءه، أنا أضعه على الطريق فقط وعليه هو ان يكمل مشواره. وبالنسبة الى منال فإن ألبومها نجح، والناس عرفتها على مستوى مصر والعالم العربي. وهي صاحبة صوت جميل واخذت جائزة وصورت أغنيتها في منزلي، لكن المطرب ليس صوتاً فقط، بل إنه مؤسسة كاملة داخل حيز عقله. والمكتشف صوتاً جديداً يقدمه لمصلحة المجتمع وليس لحسابه الشخصي، وبالاضافة الى منال اكتشفت أخيراً "نسرين رشدي"، وهي صاحبة صوت رائع ولها شخصية مستقلة. ما رأيك في كل من علي الحجار وهاني شاكر ونادية مصطفى؟ - علي الحجار صوته جميل جداً، ولكن أرجو أن ينتهي من تدريبات التاكواندو والكاراتيه حتى يعود ويتفرغ للغناء. هاني شاكر، أصفق له دائماً، لكني بعد التصفيق اقول "بس يا خسارة...!!". نادية مصطفى.. مطربة جيدة جداً، بشهادة الجمهور