موهبة الملحن المصري حلمي بكر لا يختلف عليها إثنان، فهو فرض نفسه في زمن لم يكن فيه مكان لانصاف الموهوبين، لكنه اعطى ظهره لكل هذا، مكتفياً بأن يكون مجرد "قاذفة قنابل" يلقي بجمراته على معظم العاملين في مجال الغناء، واصبح من النادر ان يفلت مطرب او ملحن من اتهاماته وكان احدث من وقع في مرمى نيرانه المطرب عمرو دياب. التقته "الحياة" لتطمئن منه الى حالة الغناء العربي، وتسأله: هل هي حقاً بهذه القتامة؟ - فأكد بكر مخاوفنا، وارجع هذا التردي الى الانقلاب الحاصل في المجتمع المصري عموماً، وفي كل مجالاته، فالمجتمع المصري - في رأي بكر - يعاني ازمات عدة، مثل غياب الضمير، وفساد الذوق العام، وسيادة منطق الفهلوة، وكل ذلك ينعكس على عالم الغناء. ويركز بكر هجومه على الاغنيات الجديدة التي يشبهها بوجبة "التيك اواي" تغري لكنها لا تشبع، ففور ان تنتهي من سماعها تنسى كلماتها وألحانها. ويضيف بكر على هجومه ذلك بقوله إن 80 في المئة من اغنيات المطربين الحاليين متشابهة في الكلمات والالحان، إذن فالمسألة ليست في اختلاف الاذواق ولكن في غياب الابداع وتآكل المواهب". خشيت "الحياة" ان يلغي بكر بذلك موهبة مطربين امثال علي الحجار ومحمد الحلو وموهبته نفسها، لكنه سارع بالدفاع عن نفسه. وقال: انا موجود نعم، لكنني خارج المنافسة لسبب بسيط انني لا اجد من هو اهل لمنافستي من بين الموجودين على الساحة، اما الاعمال التي اقدمها فتلقى نجاحاً ملحوظاً ويكفي للدلالة على ذلك مثل اصالة السورية". قررت "الحياة" ان تدخل مع بكر مضماراً اكثر حساسية، وواجهته برأي عمرو دياب فيه من انه لم يفعل طوال عشر سنوات سوى الكلام. ولم يأت رده مفاجأة، إذ قال: "انه لا يصح للتلميذ ان ينتقد اساتذته او يوجههم". ولو كان عبدالوهاب او الموجي او الطويل هم الذين قالوا هذا الكلام، لكنت ناقشتهم، وعموماً فقد اعتذر لي واقسم انه لم يكن يقصد ما قاله". لكن "الحياة" صمّمت على استفزازه، واتهمته ان موقفه هذا يعد مصادرة لجيل بكامله، فقال بكر ان الرجل - قاصداً عمرو دياب - في غمرة فرحته بحصوله على ما تصورها جائزة عالمية، افلت لسانه من لجامه، فقال وكلاماً غير مسؤول، ثم اعتذر عنه، بعد ما فكر بكر في اللجوء الى القضاء. ولم ينكر بكر انه قليل الانتاج، لكنه علل ذلك بأن جيل الشباب يقيس حياته بالكم وليس بالكيف، واصبح التنافس في الالبومات التي يصدرها كل مطرب وليس بما يقدمه، واصبح الكسب المادي هو الهدف المنشود بغض النظر عن الاسلوب. ونسأله عن رأيه في المطربين المتمتعين بمواهب، لكنهم يفضلون التعامل مع ملحني الجيل الجديد، فأجاب بسرعة انه ايضا يحب التعامل مع مطربين جدد، وعلل ذلك بأن اكتشاف صوت جديد موهوب يعطيه احساس الصياد حينما يكتشف لؤلؤة وسط مئات من المحار. ويفخر بأنه قدم للساحة الغنائية اصواتاً جميلة مثل أصالة، ومدحت صالح، وسميرة سعيد، ومحمد ثروت، واخيراً منال، وهذا يرضيني ومن حين لآخر أتعاون مع وردة وهاني شاكر لأنهما - كما يعترف - يمثلان قمة الغناء في هذا العصر. ونسأله عن منال التي اختفت بعد صدور ألبومها الاول فيقول ان المسألة لم تعد تقاس بجودة الصوت وجمال الألحان، وإنما بقدرة المطرب على "التربيط" مع شركات انتاج الكاسيت، وعلى علاقاته مع وسائل الاعلام، فأغنية عمرو دياب الاخيرة مثلا تذاع ما لا يقل عن عشر مرات في اليوم في التلفزيون المصري، ويسأل: الا يعد هذا دعاية للألبوم؟ وتشعر "الحياة" بنبرة هجومية من حلمي بكر على التلفزيون المصري، فتسأله إن كان السبب هو من لجنة اعتماد المطربين الجدد، فيقول ان هذه تفاصيل لا يريد الخوض فيها، وأضاف: إنه يتمنى أن يبادر المسؤولون عن هذا الجهاز الخطير بمراجعة ما يقدم على شاشته بدلا من اتباع سياسة "الانكار افضل وسيلة للدفاع". ويؤكد بكر ان مصر كانت ومازالت زعيمة الاغنية المصرية، ويقول انها ستظل الحصن الاول للاغنية العربية، ويضيف ان الدليل على ذلك ان اي مطرب عربي، مهما حقق من نجاح في اي دولة اخرى، يظل حريصاً على ان يحصل على شهادة اعتماده من القاهرة، ومسألة وجود منافسين من معظم الدول العربية للمطربين المصريين ظاهرة صحية، لأنها تعكس اتساع المجال وتنوع الاذواق في مصر، وتزيد من صعوبة المنافسة، وهو ما يؤدي الى زيادة التجديد. ولما كان بكر قد صرح غير مرة بتصريحات معادية للفيديو كليب، فقد سألته "الحياة" عن سبب هذا العداء، فقال إنه يعارضه، لأنه "الفيديو كليب" ساهم بشكل فعال في تهميش قيمة الكلمة واللحن والصوت لصالح الابهار، فأي شخص يمكن ان يحقق نجاحاً عظيماً في الكليب، إذا تعاون مع مخرج جيد وممول سخي، وهذا سرب الى الوسط الفني اصواتاً عدة ليست على مستوى المنافسة، هذا فضلا عن ان الكليب ابتكار غربي اصلا يتناسب مع قيم مجتمعاتهم، وظروفها، لكنه لا يتناسب معنا، ولهذا لا يفسر قيمة اغانينا العربية ويجعلها مجرد مسخ للاغنيات الاجنبية. ويقول بكر: إن مقياس نجاح المطرب هو مدى تفاعل الجمهور معه، واقباله على حفلاته وايضا القيمة التي يقدمها في اغنياته وصمودها عبر الزمن. وهو يؤكد ان التفاعل ليس الرقص والتمايل، وهز الوسط في المسرح فهذه يصفها بأنها هيستيريا شبابية، انتقلت عدواها الى مجتمعاتنا من اوروبا واميركا، ويؤكد ان هذه النوعية من الجمهور سترقص مع اي مطرب واي اغنية. ونسأله: اقمت دعوى ضد عمرو دياب ثم سحبتها، وهناك دعوى من كمال الطويل على نجاة، وشركة صوت الفن موضوع نزاع قضائي بين ورثة عبدالوهاب وعبدالحليم والعمروسي، الا تعتقد ان كل هذا يساهم في تكريس حالة التردي الفني الحالية؟ ويقول بكر: إنه من المؤسف ان ينتقل الفنانون من استديوهات التسجيل الى ساحات القضاء، ومؤسف اكثر ان تكون رموز زمن الفن الجميل عناصر بارزة في هذه المنازعات القضائية، لكن المؤسف اكثر من كل هذا ان يتطاول الشباب على اساتذتهم وان يسرق البعض جهود الآخرين. وتختتم "الحياة" حوارها مع بكر بسؤال استفزازي آخر حول عضويته في معظم اللجان والمهرجانات الرسمية حتى قيل عنه "ملحن حكومي"، فرد بانفعال، نعم انا عضو في كل اللجان وكل المهرجانات الغنائية في مصر، لكن قبل ان يثرثر احد بكلام غير مسؤول، دعنا ننظر للمسألة بموضوعية، فكم موسيقي أو مطرب او ملحن او شاعر من الموجودين حاليا على الساحة يمكن ان نقول عنه انه فاهم ودارس وموهوب ومتابع للموسيقى العربية والعالمية ولأحدث انتاجها. بالتأكيد قليلون والحمد الله انني واحد منهم، ولهذا فشيء طبيعي ان يستعين بي الجميع للمشاركة في لجان الاستماع او المهرجانات الغنائية. ومن ناحيتي لا املك رفاهية الاعتذار لإحساسي بأن هذا واجب تفرضه عليّ مكانتي الفنية.