بتقدمها الى مجلس النواب ببيانها الوزاري لطلب ثقته، خطت حكومة السيد عبدالرؤوف الروابدة، اولى حكومات عهد الملك عبدالله بن الحسين، الخطوة الدستورية الأساسية قبل شروعها في اجراء التغييرات التي ينتظرها الاردنيون من عهد جديد ومن حكومة يرأسها رجل قوي وخبير بالشؤون الداخلية وينتظر منه الكثير كالروابدة. ويحمل البيان الوزاري مصطلحات ومفردات المرحلة الجديدة وتعتبر مؤشراً واضحاً على "ذهنية" العهد الجديد في التعامل مع الملفات الأردنية داخلياً وخارجياً، وهي ذهنية غير مسبوقة، على الأقل خلال السنوات العشر الماضية نظراً الى ما يتضمنه البيان الوزاري من مكاشفة وشفافية وحقائق يتحدث عنها بصراحة ومن دون مواربة او تلاعب بالالفاظ. فللمرة الأولى في تاريخ الحكومات الأردنية يتحدث رئيس وزراء امام البرلمان والرأي العام عن "التراجع" الاقتصادي وليس عن تباطؤ في ارقام النمو في اقصى حالات التعبير عن حجم المشكلة الاقتصادية في الأردن طوال السنوات الماضية. وللمرة الأولى يتعهد رئيس حكومة بمراجعة كل القوانين والتشريعات الأردنية، خصوصاً قوانين الحريات العامة وبلا أي ضوابط سوى الالتزام بالدولة الأردنية ونظامها الهاشمي وما يرتبه هذا الالتزام من مسؤوليات وطنية. ويعيد الروابدة في البيان الوزاري لحكومته "ديوان المظالم" الذي يرتبط برئيس الوزراء ويستقبل المواطنين للاستماع مباشرة الى شكاواهم من الادارات الحكومية، هذا الديوان الذي ارتبط برئيس الوزراء الأردني الراحل والأكثر شعبية في الأردن حتى اليوم وصفي التل على رغم مرور نحو ثلاثين عاماً على مقتله. تلخص حكومة الروابدة اولوياتها الداخلية بأربع: - المعضلة الاقتصادية المتفاقمة منذ اكثر من عشر سنوات فتعترف ان الاوضاع الاقتصادية تشهد تراجعاً ملحوظاً. وتقول الحكومة ان البطالة تشكل السبب الرئيسي للمشكلة الاقتصادية على رغم ان عدد العاطلين عن العمل يقل عن نصف عدد العمال الوافدين الذين يعملون داخل الأردن. وتتعهد الحكومة بأن تسعى فوراً لاستثمار الدعم العربي والخليجي تحديداً للأردن، الذي عبرت عنه اثر وفاة الملك الحسين بن طلال وبدأت بعض الدول الخليجية بالفعل في استقطاب العمالة الأردنية وهو جزء مهم من الدعم المطلوب اضافة الى جذب الاستثمارات الخليجية للأردن في مشاريع صناعية وسياحية كبرى. - اما الأولوية الثانية فهي مواجهة الازمة المائية الخانقة المتوقعة خلال الصيف المقبل. فقد اعلنت الحكومة الأردنية حالة الجفاف وبدأت بالفعل خطوات ملموسة للتخفيف من آثار الازمة المتوقعة. فقد أعلن رئيس الوزراء الأردني انه لم يجد لدى وزارة المياه والري اي خطة لمواجهة اي نقص طارئ في المياه على رغم محدودية مصادر الأردن المائية، فوضعت الحكومة اول برنامج للتقشف المائي وتأمين مصادر معقولة من المياه. ويعتمد البرنامج على مواجهة الظروف ضمن ثلاثة مستويات بحسب حجم النقص في الموارد المائية. وبسبب ضعف الامطار للموسم الحالي تجمعت في السدود الأردنية نسبة تقل عن 40 في المئة من معدل التخزين السنوي على رغم ان مجمل تخزين السدود لا يزيد عما نسبته 10 في المئة من حاجة الأردن السنوية من المياه. وفوق ذلك فان حصة الأردن من نهر اليرموك والتي لا يأخذها بكاملها نظراً الى نقص جاهزيته لاستقبالها، اضافة الى محاولة اسرائيل التراجع عن تزويد الأردن بكل حصته من المياه المخزنة في مياه طبريا... كل ذلك يؤشر على ان كميات المياه التي ستتوافر خلال الصيف المقبل لن تزيد عن نصف حاجة الأردن. وعليه بدأت الحكومة بتنفيذ برنامج صارم للزراعة التي تحتاج الى 770 مليون متر مكعب سنوياً من اجل تأمين كافة الاحتياجات من مياه الشرب البالغة 250 مليون متر مكعب اضافة الى نحو 70 مليون متر مكعب للصناعة. الأولوية الثالثة هي الادارة الحكومية "المرعوبة" وفقاً لرئيس الوزراء الأردني عبدالرؤوف الروابدة الذي يعتبر مثل هذه الادارات سبباً في الخلل وفي تراجع الأداء العام للدولة. اما الأولوية الرابعة فهي الحريات العامة، خصوصاً بالنسبة الى الصحافة والاحزاب السياسية اذ تعهدت الحكومة بعهد جديد من الانفتاح يشمل أيضاً قانون الصوت الانتخابي الواحد للبرلمان. اما عن الملفات الخارجية تتعهد حكومة الروابدة بتوثيق صلات الأردن مع جميع الدول العربية، خصوصاً مع دول الجوار، ولدول الجوار الأردني، خصوصاً سورية والعراق، قصة طويلة من العلاقات التي تتراوح بين الدفء والفتور. اما العلاقات التاريخية مع الفلسطينيين فقد استخدمت الحكومة الاردنية مصطلح الرئيس ياسر عرفات "الشقيقان التوأم" عند الحديث عن علاقة المصير بين الشعبين. وتعهدت حكومة الروابدة بدعم السعي الفلسطيني لاقامة دولة "كاملة السيادة" على التراب الوطني الفلسطيني مع الاشارة الى حتمية قيام "نوع من العلاقة" بين الدولتين الأردنية والفلسطينية في المستقبل. اما السلام مع اسرائيل فقد ربطته حكومة الروابدة بانجاز السلام مع الفلسطينيين وعلى كل من المسارين السوري واللبناني. وعلى الصعيد الدولي تعهدت حكومة الروابدة باستثمار الدعم الدولي غير المسبوق للأردن بعد وفاة الملك حسين والسعي للحفاظ على المكانة المرموقة للأردن عالمياً. البرلمان الأردني ينتظر ان يصوت على الثقة بحكومة السيد عبدالرؤوف الروابدة مطلع هذا الاسبوع، ومن المرجح فوز الحكومة بغالبية ثلثي المجلس تقريباً، على رغم احتجاج عدد من النواب على وزير الداخلية نايف القاضي بحجة اهانته لبعض النواب في جلسة خاصة ومطالبة النواب للروابدة باقالته وهو امر رفضه الروابدة بشدة. وبعد ثقة البرلمان ينتظر ان تبدأ حكومة الروابدة اجراء سلسلة من التغييرات تشمل القادة الاداريين في جهاز الدولة، خصوصاً في حقلي الاعلام والاقتصاد