يفتقر الأردن شأنه شأن دول الشرق الأوسط الى اهم مورد للحياة البشرية على الاطلاق، المياه. لكنه يختلف عنها، إذ ليست فيها أنهار أو ينابيع او امطار غزيرة، ولا مصادر مائية تأتيه عبر الحدود من بلدان الجوار. ومن المفارقات ان التجمعات المائية في جوف الأرض، او ما يعرف بالمياه الجوفية، في مناطق مثل سواقة والديسي جنوب البلاد تقع في مناطق بعيدة عن تلك المأهولة، ما يعني ان جرها الى المناطق المأهولة لحل المشكلة المائية يرتب اكلافاً باهظة لا قبل للأردن بها. ويقدر العجز المائي في الأردن، على ابواب القرن ال21 بنحو 550 - 600 مليون متر مكعب، وهي نسبة كبيرة، خصوصاً اذا اخذنا في الاعتبار الزيادة السكانية في البلاد التي تزيد على 3.5 في المئة سنوياً. وقدر الدكتور منذر حدادين وزير المياه والري الأسبق، نصيب الفرد الأردني من المياه سنوياً ب170 مترا مكعبا، وهو "من أدنى المعدلات في العالم"، اذ ان حاجة الفرد، في تقديره، تصل الى 1400 متر مكعب. وقدر حدادين نصيب الفرد من الأراضي الزراعية البعل بما يقل عن دونم واحد، وهو نصيب يتناقص مع مرور الزمن. ولا تتجاوز طاقات المملكة من الانتاج الغذائي الناتج من الزراعة المروية والبعلية ال30 في المئة من حاجات السكان للغذاء. اذ يعجز القطاع الزراعي عن تغطية جزء معتبر من اجمالي الناتج المحلي، وما عدا الشريط الاخضر الذي يحاذي نهر الأردن من اقصى الشمال حيث الحدود السورية، وحتى البحر الميت، لا توجد في الأردن اراض صالحة للزراعة، وليس هناك في الأردن سوى الصحراء التي تغطي الجزء الأعظم من اراضي المملكة. لهذه الأسباب يعتمد الأردن اساساً على مياه الأمطار لسد حاجاته المائية، غير ان نحو 85 في المئة من مياه الامطار تضيع نتيجة التبخر او الجريان في الأودية الجانبية في حين لا تتغذى المياه الجوفية الا بنحو خمسة في المئة فقط منها. وقدر الدكتور حدادين حجم الانفاق المطلوب لحل هذه المشكلة بنحو 3.5 بليون دولار، تصرف على سياسة ادارة مياه الري وتوزيعها على المناطق وادارة المياه الجوفية التي تشكل المفاصل الرئيسية لخطة خمسية وضعت لتطبق في السنوات الخمس المقبلة في مجال الري، لكن القليل من تفاصيل هذه الخطة معروف على نطاق واسع حتى الآن. شبكات مهترئة ويزيد من عمق المشكلة المائية في الأردن ان شبكات المياه في المدن مهترئة وان التلف لحق بأجزاء واسعة من هذه الشبكات في المدن الرئيسية، ما يجعل نسبة الفاقد من مياه الشرب في عمان، مثلاً، نحو 30 في المئة. ومنذ عام 1993 تطبق الاردن برنامجاً لاصلاح الشبكات التالفة في المدن الرئيسية مثل عمان والزرقاء وإربد. وفي محاضرة قبل اعوام للمهندس سمير قعوار وزير الري السابق قدر انفاق الدولة على قطاع المياه منذ العام 1973 بما يزيد على 200 مليون دينار. ويعتمد الأردن على الآبار ومياه الأمطار التي تحفظها السدود لسد حاجة المواطنين من مياه الشرب، غير ان ما هو موجود في البلاد من الآبار والسدود لا يكفي لسد هذه الحاجات المتزايدة للسكان الذين يتزايدون بنسبة تعتبر من بين اكبر النسب في العالم. لذلك حرص الأردن على تضمين اتفاق وادي عربة للسلام مع اسرائيل بنداً ينص على حق الأردن في الحصول على 50 مليون متر مكعب من مياه الامطار التي تخزنها اسرائيل من امطار الشتاء في بحيرة طبريا، وتضخها الى عمان في فصل الصيف حين تشتد الحاجة الى المياه. ولكن، على رغم ان المعاهدة وقعت عام 1994 فإن المياه المتفق عليها لم تصل الا في صيف العام الماضي، وبدلاً من ان تحل المشكلة زادتها تعقيدا. ففي منتصف صيف عام 1998، الذي كان حاراً وجافاً نتيجة قلة الأمطار، بدأ المواطنون يلاحظون ان رائحة ولونا غريبين لمياه الشرب، وحين نصح المسؤولين بغلي الماء قبل استخدامه زاد الأمر سوءاً، اذ زادت الرائحة وتحول لون الماء الى السواد. ووصل الأمر الى مجلس النواب الأردني الذي اكتشف ان تلوث مياه الشرب عائد الى ان المياه التي تضخها اسرائيل الى الاردن "ذات نوعية رديئة، ومليئة بالطحالب". ولم تكن تلك غير البداية في واحدة من اكبر الفضائح التي شهدها الأردن وعرفت ب"فضيحة المياه الملوثة". وتتلخص القضية في ان "محطة زي"، وهي اكبر محطة لتنقية المياه في البلاد بدأت في التعرض "لأحمال عضوية كبيرة ممثلة بزيادة اعداد الطحالب في محلة المأخذ في قناة الملك عبدالله"، وهي القناة التي تضخ عبرها مياه بحيرة طبريا. أما السبب الذي ذكر رسمياً لذلك فهو ان "محطة زي لا تصلح لتنقية المياه الراكدة" وكانت النتيجة ان تفاقمت ازمة المياه، ما دفع المواطنين الى الاتجاه الى مياه الآبار التي ارتفع سعرها اضعافاً حتى وصل الى 100 دينار للصهريج الواحد، في حين انه كان يباع في الأحوال المشابهة بما لا يزيد على 18 ديناراً. من جهة اخرى فتحت الحكومة الطريق امام استيراد زجاجات المياه المعدنية من المملكة العربية السعودية وسورية والامارات العربية المتحدة، بعدما اضحت كمية المياه التي تنتجها الشركات الخمس العاملة في المملكة لا تفي حاجة السوق الأردنية. وكانت تلك مناسبة للدولة لبحث موضوع الحماية الاغلاقية التي تتمتع بها الشركات الأردنية الخمس غدير وفرات وحياة والكوثر والسبيل. وفي اواسط الشهر الماضي رفعت الحماية الاغلاقية عن صناعة المياه المعدنية وسمح باستيراد المياه من الخارج، خصوصا ان ازمة المياه التي حدثت العام الماضي مرشحة للتكرار هذه السنة وفي صورة اكثر سوءاً. فموسم الأمطار السنة الجارية كان من اسوأ المواسم على الاطلاق. وقدر المهندس دريد محاسنة المدير العام لسلطة مياه الأردن نسبة انخفاض الأمطار في الموسم الحالي مقارنة بما كان عليه في الموسم الماضي بنحو 65 في المئة. فيما قدر رئيس الوزراء عبدالرؤوف الروابدة نسبة النقص في المياه المتوافرة في البلاد هذا العام بنحو تسعة في المئة، مشيرا الى ان مايتوافر في الأردن من المياه هو 254 مليون متر مكعب من المياه مقابل 385 مليوناً العام الماضي. إجراءات حكومية وفي مطلع نيسان ابريل الماضي اعلنت الحكومة الاردنية خطة لتوزيع المياه على المدن الاردنية المختلفة الصيف المقبل، الذي يتوقع ان يشهد ازدحاما بسبب عودة السياحة الخليجية الى الأردن وما يشهده الصيف عادة من زيارات للمغتربين، واخيرا بسبب انعقاد دورة الألعاب الرياضية العربية السابعة التي ستقام في عمان. وما يزيد الأمور سوءاً ان اسرائيل تذرعت بجفاف فصل الأمطار الماضي وأبلغت الأردن انها لن تضخ له هذا العام الكمية المقررة من المياه المتفق عليها، بل ستكتفي بضخ ثمانية ملايين متر مكعب فقط. وأثارت هذه التصريحات ردود فعل أردنية، اذ صرح الروابدة قائلاً، ان الأردن "لن يفرط بنقطة واحدة من حقوقه المائية، وقال ان حق الأردن في مياه بحيرة طبريا تحكمه اتفاقات بين دول وليس الأحوال الجوية". وكان موضوع المياه واحدا من ابرز المواضيع التي بحثها الملك عبدالله اثناء زيارته لسورية منتصف الشهر الماضي. ومعروف ان الأردن وسورية يشتركان في واحد من اهم المصادر المائية في المنطقة، وهو نهر اليرموك. الذي يوصف دائما بأنه نهر عربي. اذ كان هذا النهر حتى العام 1967 عربيا 100 في المئة، غير ان احتلال اسرائيل هضبة الجولان والأراضي الشمالية من الأردن وفلسطين حرم الأردن تحديداً من حصة كبرى من مياه هذا النهر تقدر بنحو 135 مليون متر مكعب. وطرح الطرفان موضوع اعادة بناء سد الوحدة، وهو مشروع كان الأردن وسورية اتفقا عليه عام 1987. وفي تشرين الثاني اكتوبر العام الماضي اتفق البلدان على البحث عن تمويل لبناء السد الذي تبلغ طاقته التخزينية نحو 225 مليون متر مكعب من المياه، وتصل كلفته الى نحو 400 مليون دولار اميركي. لكن هذه المشاريع جميعا لا تحل مشكلة المياه في الأردن بشكل جذري، لذلك يدعو بعض الأوساط الى تنفيذ مشروع جر مياه الديسي من منطقة الديسي التي تبعد نحو 200 كلم جنوبعمان قرب الحدود السعودية، واقامة عدد من السدود في مناطق التنور والواله والموجب، وهي أودية جنوبالأردن. لكن المشكلة تبقى في التمويل، اذ بحسب تقديرات حدادين، يحتاج الأردن الى نحو 3.5 بليون دولار لحل المشكلة المائية. لكن هذا الامر يبدو صعباً في ظل مديونية اردنية تصل الى 8.2 بليون دولار؟