أجمعت الاوساط السياسية قبل حوالي شهر على ان "عطلاً" اساسياً اصاب الحكومة الاولى للعهد الرئاسي الجديد على رغم حداثة عمرها، وأعادوا هذا العطل الى أسباب متنوعة ابرزها، الآتي: 1 - الهجمة الدفاعية التي قام بها الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري بعدما لمس ان الهدف الحكومي والرئاسي في آن واحد هو تحميله، منفرداً، مسؤولية التعثر والفساد اللذين تخبطت بهما البلاد خلال الاعوام الماضية، واشاعا جواً من التذمر والنفور في اوساط شعبية معينة أديا بطبيعة الحال الى سلسلة تراجعات حكومية نظراً الى الاهمية التي يعلقها رئيس الحكومة على تأييد هذه الاوساط. 2 - عدم امتلاك الحكومة الحديثة العمر برنامجاً محدداً واضحاً لمعالجة "تركة الماضي الثقيلة" كما سماها اخصام الحريري، وتسرعها في اتخاذ اجراءات معينة انعكست سلباً عليها ولطخت صورتها امام الرأي العام لا سيما بعدما ظهرت فيها ملامح محاصصة ومحسوبية سياسية. 3 - رفض حلفاء العهد الجديد وحكومته وفي مقدمهم رئيس حركة "أمل" رئيس مجلس النواب نبيه بري شمول القرارات الاصلاحية جماعته، واصراره على الاحتفاظ بمواقعه الادارية سواء بالاسماء الحالية أم بأسماء اخرى جديدة. 4 - الطابع العام غير السياسي للحكومة الذي دفع السياسيين المبعدين عنها الى انتظار أول هفوة لها، وعدم المبادرة الى مساعدتها وقت الشدة، وافتقاد بعض تكنوقراط الحكومة الخبرة اللازمة، ليس في الحقائب التي تولوا بل في اصول التعاطي السياسي في البلاد ولافتقاره الى الواقعية. 5 - عدم ممارسة مجلس الوزراء الذي هو السلطة التنفيذية في الدولة دوره كما يجب. وانحصار العمل السياسي داخل الحكومة بوزير واحد بتغطية كاملة من سيد العهد الامر الذي اوقعها وأوقعه في مطبات كثيرة لا يزالان يعانيان من آثارها. كيف يعالج هذا "العطل" الحكومي؟ الأوساط السياسية اجمعت في حينه على ان تغيير الحكومة ليس المعالجة الناجعة لاعتبارات عديدة، منها انه ينطوي على ظلم لها ولرئيسها، ويصيب العهد الرئاسي الجديد ورعاته الاقليميين بنكسة مهمة. لكنها لفتت الى ان الوسيلة الانسب لإزالة هذا العطل هي تسييس الحكومة الحالية على نحو كاف عن طريق ادخال تعديل مهم عليها يؤدي الى توزير سياسيين يبلغ عددهم ستة ويتسبب ربما بتعديل معين في الحقائب الوزارية. وأسباب ذلك عدة منها ان التسييس يؤمن للحكومة الغطاء السياسي الفعلي المفقود. ومنها ايضاً انه يساهم في تعزيز خبرة الوزراء الجدد من غير السياسيين، ومنها ثالثاً انه يخفف من استئثار احد الوزراء السياسيين جداً او بالاحرى احتكاره العمل السياسي داخل مجلس الوزراء بتغطية معينة. الا ان المصادر السياسية المطلعة استبعدت في حينه ايضاً التعديل الحكومي لأنه سيكون ترقيعاً لثوب تمزق في اكثر من مكان. والترقيع لا يعيد الثوب جديداً، كما انه لن يحظى على الارجح بقبول السياسيين خصوصاً من اصحاب الاوزان القادرين على توفير التغطية المطلوبة لأنهم يدركون انهم لن يحدثوا تأثيراً كبيراً، لاعتبارات كثيرة، ولأنهم ليسوا مستعدين للمخاطرة بوضعهم السياسي وإن لمصلحة البلاد ولأنهم يعرفون ان الحكومة الحالية سواء سيست او بقيت على حالها لن تنجح في اصلاح الادارة وان مهمتها الاساسية الآن هي معالجة الوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب من خلال مشروع قانون الموازنة العامة الذي تعده. والمعالجة الناجعة، وان جزئياً، هي التي توفر اموراً عدة اهمها تقليص عجز الموازنة الذي يقتضي موارد مالية مهمة لا يمكن تأمينها من دون اتخاذ الحكومة قرارات غير شعبية على الاطلاق. وطبيعي ان لا يجد احد ميلاً الى المشاركة في قرارات لا يمكن تلافيها وتلحق ضرراً بالغاً بوضعه السياسي. واستبعدت المصادر التعديل نفسه ايضاً لأن الحكم ورعاته الاقليميين لم يبدوا ميالين الى فتح الموضوع الحكومي وان جزئياً لأن احداً لا يعرف كيف يغلق اذا تفاقمت الخلافات في الداخل، وهو أمر محتمل جداً. ولأن احداً لا يعرف ماذا ستحمله الانتخابات الاسرائيلية في شهر أيار مايو المقبل الامر الذي يفرض تلافي التعرض لأزمات بالوقاية وبالقيام بالمعالجة الاقتصادية المطلوبة. وبعد ذلك وفي ضوء الظروف المحلية والاقليمية يستطيع الجميع ان يخوضوا في الموضوع الحكومي وان يضعوه في صدارة الاهتمامات محلياً واقليمياً. هل استبعاد التعديل الحكومي لا يزال قائماً؟ الاستبعاد لم يعد قائماً، او بالاحرى لم يعد جازماً، يجيب قريبون من الحكم. لكنهم يختلفون على طريقة التعديل. فبعضهم يعتقد بأن التعديل سينطوي على زيادة عدد الوزراء بحيث يصبح 22 فيضفي الوزراء الجدد نكهة سياسية تفتقدها الحكومة الحالية. ومن شأن ذلك تسييس مجلس الوزراء الذي يكاد ان يتحول مجلس ادارة في نظر جهات معينة تقتصر مهماته على امور محددة وان مهمة ولا تشمل اموراً اخرى مساوية في اهميتها او اكثر اهمية، مثل الوضع السياسي العام بكل تشعباته وتعقيداته. وفي هذا المجال يتداول القريبون من الحكم اسماء معينة مثل النائب السيد حسين الحسيني "عرَّاب" اتفاق الطائف والرئيس السابق لمجلس النواب لمدة قاربت العشرين سنة وصاحب الخبرة الطويلة في الوضع اللبناني وفي العلاقة مع سورية وفي عمل المؤسسات. ومن شأن توزيره مد الحكومة الحالية بزخم سياسي وتمكينها من تلافي ثغرات ومطبات كبيرة. ومن شأنه ايضاً جعل منافسه السياسي رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري يجري حسابات متنوعة قد تجعله اكثر تقبلاً لاجراءات اصلاحية تقوم بها الحكومة. وهو لم يكن فعلاً كذلك على رغم مواقفه المعلنة المخالفة، ذلك ان انتخابات رئاسة المجلس لم تعد بعيدة. وفي المجال نفسه يتداول هؤلاء اسم النائب تمام صائب سلام لدخول الحكومة الحالية اولاً لأنه اظهر منذ انتخابه نائباً عن بيروت اعتدالاً وحكمة بارزين، وثانياً لأن توزيره يخفف الاحباط او "النرفزة" في الشارع السنّي الذي اعتقد قسم منه انه استهدف بالتغيير الحكومي الاخير. ووزن آل سلام البيروتي والسنّي معروف على رغم المحاولات المتنوعة التي شهدتها الاعوام الأخيرة لتخفيفه من اكثر من جهة. اما بالنسبة الى اسماء المسيحيين المرشحين للانضمام الى الحكومة الحالية فإنها كثيرة، ولا يبدو انها وصلت الى مرحلة الحسم على الاقل حتى الآن. اما بعضهم الآخر من القريبين من الحكم فيعتقد بأن التعديل سينطوي، اضافة الى ادخال وزراء جدد الى الحكومة، على اخراج بعض الوزراء منها. ومن هؤلاء نائب رئيسها ووزير الداخلية فيها المهندس ميشال المر ويعزو اعتقاده هذا الى جملة اسباب، منها الضرر الذي تسبب فيه المر للحكومة وللعهد الرئاسي عندما تصرف على اساس انه السياسي الوحيد في الاولى فاستفز عدداً من زملائه الوزراء الذين أبدوا تذمرهم في حلقات ضيقة. كما استفز المعارضين وجهات سياسية وشعبية، خصوصاً عندما أثار مسائل فضائحية انعكست سلباً على الحكومة والعهد لأنه لم يتعمق فيها كفاية ولأن فضائحيتها غابت بعد رد المستهدفين. ومنها ايضاً الموقف المزمن لرئيس الحكومة سليم الحص من الوزير المر، فهو اعتبره دائماً سياسياً محترفاً، بالمعنى اللبناني، تحركه مثل معظم اقرانه اللبنانيين المصالح السياسية وغير السياسية. ففي الماضي مثلاً وقبل حل مشكلة الاتصالات السلكية واللاسلكية في لبنان كان الحصول على خط هاتفي يقتضي توقيعاً مباشرة من الوزير المختص الذي كان يستعمل السلطة الممنوحة له لتعزيز وجوده السياسي والانتخابي، خصوصاً في ظل عجز الدولة ومؤسساتها في ذلك الحين عن توفير خط هاتفي لكل من يطلبه. ويؤكد الذين واكبوا الرئيس الحص اثناء ترؤسه احدى حكومات الرئيس الراحل الياس سركيس ان خطاً هاتفياً له او اكثر تعطل في منزله في الدوحة وبقي من دون تصليح فترة طويلة لأنه لم يطلب من وزير الهاتف في ذلك الوقت ميشال المر تصليحه، ولأن المر لم يبادر الى الإيعاز بإصلاحه. ولم يكن جائزاً وقتها التذرع بعدم معرفة هذا الموضوع نظراً الى الحاجة الى الاتصال الدائم بين رئيس الحكومة وأحد اعضائها. وعندما كلف الرئيس الحص تشكيل الحكومة في عهد الرئيس الياس الهراوي بعد اتفاق الطائف واستناداً اليه جرى ترشيح المر لدخولها من جهات محلية وكذلك من سورية المعنية مباشرة بالوضع اللبناني، لكن الحص رفض ذلك ولم تفلح اللقاءات التي عقدها معه لهذا الغرض اكثر من مسؤول سوري رفيع فضلاً عن الرئيس الهراوي في اقناعه بتغيير موقفه. فغاب يومها المر عن الحكومة. اي اعتقاد من الاثنين المذكورين اقرب الى التحقيق؟ التعديل الحكومي الذي يقتصر على زيادة عدد اعضاء الحكومة الحالية اقرب الى الواقع في رأي العارفين. لأن الوزراء الآخرين، خصوصاً التكنوقراط، لم يقترفوا اي خطأ. واذا اخطأوا فبسبب نقص خبرتهم وممارستهم السياسية، اما الوزير المر فإن خروجه من الحكومة الاولى للعهد الجديد ليس وارداً، لأن ما حصل معه وبسببه ليس ناجماً عن سوء تصرف او عن عدم درس الملفات قبل طرحها على الرأي العام فحسب بل هو ناجم ايضاً عن سوء نية المعارضين الذين يبذلون كل ما في وسعهم لعرقلة عمل الحكومة والعهد، وثانياً لأن خروجه سيكون نكسة معنوية قوية او ربما ضربة للحكومة والعهد في آن واحد وسيقوي عزيمة المعارضين ويدفعهم الى الهجوم وسيضع الحكم والحكومة في موقع دفاعي في الوقت نفسه. وهذا الامر لا يقبله الحكم والحكومة ولا تقبله معهما سورية وثالثاً لأن توزير المر أصلاً في الحكومة الاولى للعهد الرئاسي الجديد كانت وراءه ثلاثة عوامل: الاول الخبرة الكبيرة التي اكتسبها المر من خلال تعاطيه السياسة بشكل مباشر، خصوصاً في العمل الحكومي وفي الوزارات وفي ادارات الدولة، وهي خبرة مهمة خصوصاً لمن وصل الى رئاسة الجمهورية من موقع غير سياسي ولديه برنامج اصلاحي تغييري او بالاحرى تصحيحي وتطويري في كل المجالات. وهي تصبح ضرورية في ظل حكومة معظم اعضائها من الخبراء والتكنوقراط. والعامل الثاني هو العلاقة الوثيقة التي قامت بين المر وسورية، خصوصاً عندما ساهم بدور مهم، وان بحجم اقل مما يقول، في التوصل الى الاتفاق الثلاثي بين ميليشيات "القوات اللبنانية" وحركة "أمل" والحزب التقدمي الإشتراكي. واستمرت هذه العلاقة لا بل توثقت على رغم عدم صمود ذلك الاتفاق. اما العامل الثالث فهو رغبة سيد العهد الرئيس إميل لحود في الافادة من التأييد الشعبي له ولطروحاته التغيرية لإجراء انتخابات نيابية مبكرة تسمح لهذه الاكثرية بتمثيل نفسها في مجلس النواب الجديد الامر الذي يؤمن تناغماً في العمل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ويسهل تالياً القيام بالاصلاح المنشود، سواء على الصعيد الاداري أم على الصعيد السياسي أم على الصعيد الاقتصادي. وللمر خبرة مهمة في اجراء الانتخابات والاشراف عليها وتحديداً انتخابات العام 1996 التي حصل بسببها على كثير من الثناء في الداخل وبعض الخارج. طبعاً لا يبدو الآن، استناداً الى المعلومات المتوافرة، ان الانتخابات النيابية المبكرة ستجرى لاعتبارات متنوعة. ويبدو على العكس من ذلك انها ستجرى في موعدها. لكنها ستجرى، الامر الذي يبقي الحاجة الى المر في وزارة الداخلية مستمرة. اما وجوده في نيابة رئاسة الحكومة فلا شيء يمنع تبديله اذا قضت المصلحة العليا بذلك. هل يعني ذلك ان التعديل الحكومي كما هو مطروح اعلاه صار حتمياً؟ انه وارد. لكنه لم يصل الى درجة الحتمية. وحدها الظروف العامة التي ستسود بعد انتهاء الحكومة من وضع مشروع قانون الموازنة العامة وانتهاء مجلس النواب من اقرارها هي التي تقرر هذا الامر