لا يرتاح مصطفى العقّاد للغرب كثيراً، غير أنه يقيم فيه بشكل أساسي. ويعتبر هوليوود مرتعاً لأعداء العرب والعروبة، ومع ذلك فهو يفخر بكونه ابن العائلة المتواضعة الذي غادر حلب وفي جيبه مئتا دولار، فإذا به "يغزو هوليوود". ويرفض التمييز بين ما هو "محلّي" وما هو "عالمي"، معتبراً أن القاعدة هي "الثقة بالنفس والتصميم على العمل"، لكنّ قناعاته تلك لا تحدّ من احساسه بالاضطهاد، وبإصراره على "نظريّة المؤامرة" لتفسير العواقب التي تحول دون نجاح الفنّانين العرب على مستوى عالمي. لقد انتقد السينمائي والمنتج السوري خلال زيارة قام بها أخيراً إلى بيروت "الحياة"، 27/1/99، فيلم يوسف شاهين "المصير"، لأنّه "يظهر عيوبنا للغرب"، فيما المطلوب أن نصوّر بطولاتنا وأمجادنا. أما شخصيته المفضّلة فهي صلاح الدين، بطل فيلمه الجديد الذي يعمل عليه منذ سبع سنوات، كما يعمل على "ادخال التقنيات العالميّة إلى العالم العربي". ولمخرج فيلم "الرسالة" الحق في التعبير عن مواقفه كما يشاء، خصوصاً أن الكثير من الانتقادات التي يوجّهها إلى هوليوود لا يخلو من صواب... بل إن بعض المخرجين الأميركيين الكبار، لم يتألّق فنياً وفكريّاً وابداعيّاً إلا من خلال التمرّد على تلك "الآلة الشيطانيّة"، وبفضل الخروج على قواعد اللعبة الهوليووديّة. لكنّ المقلق هنا هو جنوح العقّاد إلى خطاب شوفيني ل "الاستهلاك المحلّي"، قبل أن يعود من حيث أتى ليستأنف اقامته المطمئنّة في الغرب، حيث يتسلّى بالضحك على الأميركيين. فقد روى في ندوته البيروتية كيف زوّر لوحة، كيفما اتفق، ونجح في اقناع ضيوفه بأنّها تحفة فنيّة! ما يدعو إلى التحفّظ في كلام العقّاد هو الاسراف في الديماغوجيّة، بغية استدرار التعاطف الشعبي الذي يحتاجه هذا السينمائي المولع بالانتاجات الضخمة على الطريقة الهوليووديّة!، فيما السينما العربية يصنعها اليوم أمثال الفلسطيني إيليا سليمان واللبناني غسان سلهب بامكانات مادية محدودة، إنّما بحساسيّة فنيّة تضاهي أنضج الأعمال "الغربيّة". وما يزعج هو تلك النزعة إلى التعميم والاطلاق، وتوجيه الاتهامات بصيغة الجمع، أمام جمهور مثقل بالقهر والقلق والخوف من المستقبل. ف "هوليوود عاصمة اليهود، وهؤلاء يتعاملون مع أي كان إذا كانها هناك منفعة مالية". وبعد هذا التهويل الذي يلامس حدود اللاساميّة تارةً، و"كره الذات" طوراً، يسارع السينمائي إلى التأكيد على "احترامه لهم" بسبب ما يفترضه لديهم من الطغيان والتسلّط، ولأنهم "يصلون إلى ما يريدونه". أما العرب فيفشلون "في التعاون في ما بينهم، وهم يدّعون العلم والثقافة لكنّهم لا يحترمون حضارتهم". وفيما كان العقّاد يستنهض الهمم في بيروت، حالماً بأنّه صلاح الدين السينما العربيّة الذي سيطرد اليهود من هوليوود، كان طلاب "المعهد الوطني للادارة" في فرنسا يقررون اطلاق اسم ابن رشد على دفعة خريجي هذا العام، تبعاً لتقليد يقضي بأن تقترن كل دفعة باسم أحد رجالات الفكر العالمي. وأعلن طلاب الأكاديميّة العريقة التي تُخرّج قادة الغد وصانعي قرارات المستقبل، أن اختيارهم وقع على هذا المفكّر العربي لأنّه "يمثّل جسراً بين الثقافات القديمة وثقافات القرون الوسطى، وهمزة وصل بين شمال المتوسّط وجنوبه"...