من الصعب تصور تاريخ السينما العربية ان لم يدمج فيه الفيلمان اللذان حققهما مصطفى العقاد الأميركي - السوري المقيم في الولاياتالمتحدة الأميركية والمنخرط في السينما الهوليوودية كمنتج في المقام الأول. فهذان الفيلمان، وهما "الرسالة" و"عمر المختار" يعتبران الأضخم والأكثر كلفة بين الأفلام العربية التي انتجت، من فجر السينما العربية الى اليوم. طبعاً قد يكون من العسير ادراج الفيلمين في قائمة الافلام العربية الأفضل. والمؤكد أن ما من احد من أهل المهنة، أو حتى من أفراد الجمهور الواعي ،يدخل مثل هذا الأمر في حساباته. ومع هذا يعتبر الفيلمان علامتين من حيث الضخامة والتعاطي مع التاريخ، وأيضاً من حيث رغبتهما - اي رغبة مخرجهما المنتج - في اضفاء طابع هوليوودي على السينما العربية، أو في شكل موارب في ادخال شيء من الحس العربي التاريخي في سينما هوليوودية يرى كثيرون انها تعاملت مع المواضيع العربية بازدراء واحتقار، وآن الأوان لتلقينها "درساً في طريقة التعاطي مع الموضوع والتاريخ العربيين". والحقيقة أن الذين دافعوا عن سينما مصطفى العقاد في سنوات الثمانين، وجلّهم من اصدقائه المقربين، لم يفتهم ان يؤكدوا هذا الأمر، قائلين ان النجاحات العالمية للسينما التي يحققها هذا الرجل كفيلة بأن تقلب الصورة رأساً على عقب. لكن هذا لم يحصل بالطبع. وظل "لورانس العرب" للانكليزي دايفيد لين على مدى التاريخ النموذج الأفضل في تلقين سبل التعاطي مع العرب للسينمائيين العالميين، كما ظل - من طريق تمكنه من ادخال عمر الشريف عالم النجومية العالمية - النموذج الأفضل لسينما تنصف الفنان العربي. ومصطفى العقاد نفسه عاد ونسي تينك المغامرتين وأجل طموحاته لينخرط من جديد في السينما الهوليوودية منتجاً فيها افلاماً تجارية ناجحة الا انه ظل يحن الى افلام الضخامة. والى بعث هوليوود عربية من طريق مشاريع لم يكف عن الحديث عنها والسعي الى تحقيقها، حيناً عن طارق بن زياد واحياناً عن صلاح الدين الأيوبي أو عن الاندلس وما شابه. والحقيقة ان تفحصاً منصفاً لمشاريع مصطفى العقاد يؤكد أنها مشروعة وذات بعد عربي - اسلامي لا شك فيه. لكن التوقف عند التجربتين اليتيمتين لهذا الفنان المتطلب - انتاجياً على الأقل - سيقول لنا ان من الصعب ان نتوقع نجاحاً، منذ الآن لمشروعاته العتيدة، أياً تكن قيمتها الفنية والتاريخية. فإذا ادركنا ان مصطفى العقاد يقترح الحصول على ما بين 70 و80 مليون دولار للانفاق على فيلم واحد من هذه الأفلام، وهو، كما يقول، عن صلاح الدين الأيوبي، يصبح من حقنا ان نتساءل: اذا كان مصطفى العقاد يحب السينما الى هذا الحد أو يحب وطنه الى هذه الدرجة، واذا كان حتى اليوم اثبت انه كمنتج أفضل بكثير منه كمخرج، لماذا نراه لا يوجه عنايته واهتماماته ناحية اخرى؟ لماذا لا ينظر بعين الايجابية الى عشرات من المخرجين العرب الشبان والطموحين وأصحاب المشاريع الرائعة القابعة في الملفات المغلقة في انتظار الفرج، ويقرر في لحظة تكون أشبه بلحظة وعي مفاجئ، ان مهمته الأفضل والأنبل قد تكمن في الحصول على ربع هذا المبلغ الذي يريد انفاقه على صلاح الدين، وهو يعرف ان في امكانه بهذا الربع ان يحقق طموحات عشرات المخرجين الشبان، اذ يصبح راعياً وعراباً لهم ومنتجاً لأعمالهم؟ "عين