جناح رقمي للتمور السعودية على منصة علي بابا    السلبية تخيّم على مواجهة الرياض والاتفاق    برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة يقيم لقاءً علميًا عن مناسك العمرة    بيولي: اعتدنا على ضغط المباريات وهذه الحالة الوحيدة لمشاركة رونالدو    نائب وزير الخارجية يستقبل المبعوث الأمريكي الخاص للسودان    صلاح يقلب تأخر ليفربول أمام ساوثهامبتون ويقوده للتحليق في قمة الدوري الإنجليزي    الجولة 11 من دوري يلو: ديربي حائل وقمم منتظرة    حلبة كورنيش جدة تستضيف برنامج فتيات    بعد أداء مميز في قطر والقصيم.. معاذ حريري يتأهب للمشاركة في رالي دبي    شتوية عبور" تجمع 300 طفل بأجواء ترفيهية وتعليمية بمناسبة اليوم العالمي للطفل    تعليم الطائف يطلق برنامج ممارس الإدارة المدرسية للمكاتب الخارجية    تجربة استثنائية لزوار "بنان"    موجة نزوح جديدة في غزة.. إسرائيل تهجر سكان «الشجاعية»    أمير الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    انطلاق معسكر "إخاء الشتوي" تحت شعار "فنجال وعلوم رجال" في منطقة حائل    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    الأمير سعود بن نايف يفتتح مؤتمر الفن الإسلامي بمركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء»    شركة سناب تعزز حضورها في السعودية بافتتاح مكتب جديد وإطلاق «مجلس سناب لصناع المحتوى»    وكالة الفضاء السعودية تدشن "مركز مستقبل الفضاء"    مستشفى أبها للولادة والأطفال يُقيم فعالية "اليوم العالمي للإلتهاب الرئوي"    هل تؤثر ملاحقة نتنياهو على الحرب في غزة ولبنان؟    برنامج الغذاء العالمي: وصول قافلة مساعدات غذائية إلى مخيم زمزم للنازحين في دارفور    أمير القصيم يستقبل الرئيس التنفيذي لهيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    الجوال يتسبب في أكثر الحوادث المرورية بعسير    أمير الرياض يفتتح المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    موقف توني من مواجهة الأهلي والعين    تحت رعاية ولي العهد.. السعودية تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي في الرياض    «هيئة الإحصاء»: ارتفاع الصادرات غير النفطية 22.8 % في سبتمبر 2024    "السجل العقاري" يبدأ تسجيل 90,804 قطع عقارية بمدينة الرياض والمدينة المنورة    التدريب التقني والمهني بجازان يفتح باب القبول الإلكتروني للفصل الثاني    «التعليم» تطلق برنامج «فرص» لتطوير إجراءات نقل المعلمين    أمر ملكي بتعيين 125 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    اقتصادي / الهيئة العامة للأمن الغذائي تسمح لشركات المطاحن المرخصة بتصدير الدقيق    الأرصاد: أمطار غزيرة على عدد من المناطق    يلتهم خروفا في 30 دقيقة    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    فعاليات متنوعة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    القِبلة    توقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج ..وزير الصناعة: المحتوى المحلي أولوية وطنية لتعزيز المنتجات والخدمات    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    المدى السعودي بلا مدى    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من ايران وتركيا الى العراق والأردن وفلسطين واسرائيل . قوس العواصف والمخاوف يطوق الشرق الأوسط
نشر في الحياة يوم 25 - 02 - 1999

طوت المملكة الأردنية نصف قرن من تاريخها مع وفاة الملك حسين. ويمكن القول ان الشرق الأوسط سيفتقد رجلاً لعب دوراً كبيراً في المنعطفات التاريخية التي شهدتها المنطقة، من حرب 1967، الى احداث ايلول سبتمبر 1970، الى حرب اكتوبر 1973، الى دعم العراق في حربيه، الى توقيع اتفاق وادي عربة 1994، الى "المشاركة الفعالة" في المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية.
لقد أطلع الملك حسين، طوال فترة عهده بأدوار عدة فهو حارب اسرائيل، ثم وقف على الحياد، ثم وقع معاهدة سلام معها. أيد الرئيس العراقي صدام حسين ثم ابتعد عنه. اقترب من مصر وابتعد عنها. حالف سورية مرة واشتبك سياسياً معها. وكذلك امره في القضايا الداخلية. لقد انتقل من الضبط الصارم الى الانفتاح الديموقراطي. اجرى انتخابات حرة ثم عدّل في القوانين. تسامح مع الصحافة وراقبها.
وبناء على ما تقدم بات السؤال مشروعاً حول طبيعة المرحلة المقبلة التي سيتولى القيادة فيها ابنه البكر عبدالله. وتتعزز مشروعية هذا السؤال من الاعتبارات الكثيرة التي يأتي على رأسها ان الملك الجديد عسكري أصلاً، وغير مختبر، فالسياسة، مثل البشر، تخاف من المجهول. وعندما يقال ان الملك عبدالله سيمشي على خطى الملك الحسين يستذكر الكثيرون ان الملك الراحل سلك سبلاً كثيرة، فأيها سيختار الابن؟
ولا يقتصر الامر على شخص الملك الجديد. فالسؤال يطاول، ايضاً، فريق الحكم الجديد. فلقد سبق للحسين ان نجح في تحويل اختيار رئيس الوزراء الى عنوان لسياسات ينوي اتباعها. ولكن الوضع اختلف الآن. فما لا شك فيه ان انتقالاً سيحصل من جيل الى جيل وان الملك الجديد تربى في بيئة تختلف عن تلك التي نشأ والده فيها. لقد كان عمره خمس سنوات فقط عندما "ضاعت" الضفة الغربية ومعها القدس. وهو لم يعايش "تحدي" الوجود الفلسطيني المسلح في الأردن ولا موجة القومية العربية والأنظمة الراديكالية. وهو، بحكم تربيته العسكرية، لم يختلط كثيراً بالأوساط السياسية في بلاده ولا بالقيادات العربية.
صحيح انه سيواجه اسئلة قادمة من ماضي المنطقة وعلاقة اسرته بها، لكن التحدي الرئيسي امامه ربما يكون داخلياً. فالوضع الاقتصادي الأردني في غاية الصعوبة خصوصاً ان السلام مع اسرائيل لم يأت بالثمرات المرجوة. والمعارضة التي تمنحه فترة سماح ستعود بسرعة لرفع مطالبها بتوسيع قواعد اللعبة الديموقراطية وصولاً الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة. والصحافة تنتظر تنظيماً لأوضاعها اكثر تسامحاً. والتوازن الديموغرافي في البلد يحتاج الى عناية خاصة. وإذا كان الملك الجديد يملك مصادر قوة منها صلاته بالجيش والقبائل وعلاقته بالفلسطينيين وارتياح رجال الأعمال اليه، وإذا كانت جنازة والده تحولت الى تظاهرة دعم عربية ودولية له فان ذلك لا يمنع من طرح السؤال: في اي وجهة سيصار الى استخدام هذه "القوة"؟
لا يعيش الأردن في بؤرة استقرار. فالمنطقة مقبلة على تطورات تعنيه بصورة مباشرة. اهمها تلك الحاصلة على الجبهة الفلسطينية - الاسرائيلية السلمية، وتلك المتوقعة على الجبهة الاميركية - العراقية "الحربية". ففي الحالين ستكون عمان "محاصرة" بالاحداث غرباً وشرقاً وستكون مضطرة الى تحديد سلوكها فيها. فالاسرائيليون راغبون في حد اقصى من الدور الأردني في تقرير المصير الفلسطيني والاميركيون راغبون في حد اقصى من الدور الأردني في تقرير المصير العراقي. وإذا كان مطلب الأوائل هو فوق ما يستطيع الملك الجديد تلبيته فان مطلب الآخرين يفوق طاقات الأردن. لذا فان العهد الجديد سيشهد ضغوطاً بمجرد انتهاء اللحظات العاطفية التي واكبت التشييع.
ولا شك ان هذه القضايا كانت في ذهن الكثيرين الذين جاؤوا الى عمان لوداع رجل ولپ"ربط النزاع" مع آخر. لقد كان الحضور الاسرائيلي كثيفاً انما مبعثراً. والوجود الاميركي طاغياً. ولكن الرئيس السوري حافظ الأسد جاء ايضاً، ونائب الرئيس العراقي. وكان واضحاً، في الأيام الاخيرة، ان الدول الخليجية تبدي اهتماماً استثنائياً بالوضع عن طريق تقديمها الرعاية والدعم المادي.
لقد كان الملك حسين محكوماً بالجغرافياً ومهجوساً بالتاريخ. ولذا حوّل موقعه الى دور واستمد من الوظيفة التاريخية لبلاده قوة. ولما بدا ان الموضوع الفلسطيني استقل استمر الأردن يتصرف وكأن له دوراً اقليمياً يتجاوز قدراته.
اسرائيل
لا يستطيع احد ان يؤكد اين سترسو السياسة الأردنية بعد سنة، لكن هل هناك من يجرؤ على القول اين ستكون السياسة الاسرائيلية؟
تتقدم اسرائيل نحو انتخابات مجهولة النتائج. صحيح ان استقصاءات الرأي العام تشير الى ان رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو سيتعرض لهزيمة، لكن المعروف ان هذه الاستقصاءات اعتادت على "ظلم" الرجل. ثم انها تشكو عطلاً بنيوياً باعتبار ان اليهود والمتدينين، وهم من انصاره في العالم، يرفضون الجواب على الاسئلة ويعني ذلك ان التوقعات الراهنة قد تنقلب.
اذا نجح اليمين هذه المرة فان نتانياهو سيمارس نهج "عودة المنتقم". فهو يدرك جيداً الائتلاف الساعي الى اسقاطه وسيلعب على هذا الوتر. هذا هو معنى شعاره "زعيم قوي لأمة قوية". اذا اسفرت انتخابات 17 ايار مايو عن انتزاع نتانياهو منصب رئاسة الحكومة فمن الارجح ان يضطر حزب الوسط الى الائتلاف معه. ويعني ذلك ان الضغط على الفلسطينيين سيزداد من اجل المزيد من الاضعاف في انتظار مفاوضات الحل الدائم. اما المساران السوري واللبناني فسيبقيان في البراد الا اذا جرى اخراج الثاني من وقت لآخر للمناورة.
ويفتح سقوط نتانياهو الباب امام حكومة يسار - وسط اكثر انفتاحاً على التسوية. لذا سيتم الاسراع في تنفيذ اتفاق "واي ريفر". وبما ان مفاوضات الوضع النهائي هي بند من بنوده فانها ستبدأ وتتسارع تحت ضغط التلويح الفلسطيني باعلان دولة من جانب واحد. ويمكن الرهان ايضاً على انتعاش المساعي لتحريك المسارين السوري واللبناني. وإذا حصل ذلك فان المنطقة ستدخل في مرحلة غليان وشد وجذب يصعب تقدير العوامل المتدخلة فيها.
فلسطينياً لن يكون الشريك الأردني بالقوة نفسها التي كان عليها، ستتراجع طموحات عمان سواء لجهة ما يتعلق بالأماكن المقدسة او بصياغة الكونفيديرالية. واذا كانت العلاقات الفلسطينية - الاردنية اكثر انفراجاً فان "توحيد الاجندة" بين الطرفين قولاً يقود الى تسهيل "التنازلات" الاسرائيلية.
غير ان الانتخابات قد تحمل مفاجأة ليست بالحسبان من نوع انتاج توازن يجعل الحسم صعباً والجمود هو الحل المفروض.
فلسطين
تتصرف سلطة الحكم الذاتي وكأنها سلمت بأن لا جديد على جبهة التسوية قبل 17 أيار مايو. ولكن الصدفة شاءت ان يكون 4 ايار مايو قبل 17 منه. ليست الصدفة تماماً بل القرار الاسرائيلي. لذا فان السؤال المطروح على القيادة الفلسطينية هو كيفية التصرف ب "ورقة 4 ايار". فياسر عرفات يعرف انها ثمينة وهو يريد المقايضة عليها بسعر مرتفع جداً.
يتلقى الفلسطينيون نصائح اميركية، وأوروبية، وعربية ايضاً لعدم الاقدام على تصرف من جانب واحد. ولكنهم لا يعدون بذلك علناً ويستدرجون العروض. يريدون ضمانات للمستقبل. يريدون دعماً اقتصادياً وتطويراً في المواقف السياسية لمصلحتهم. غير انهم، من جهة ثانية، يخشون نوعاً من التأجيل الى امد غير محدد. والسيناريو المرعب بالنسبة اليهم هو ان يفعلوا ذلك في 4 ايار مايو فيفوز نتانياهو بعد اسبوعين!
ان هذا هو المجهول الأول بالنسبة الى الفلسطينيين.
المجهول الثاني هو مصير التفاوض على الوضع النهائي. فالعناوين، في هذا المجال، تؤكد القدرة على توفير اجماعات اسرائيلية وزيادة الانقسامات الفلسطينية. ان افضل تحالف يصل الى السلطة في تل أبيب سيكون ملتزماً بلاءات عدة ابرزها: لا عودة للاجئين، لا تفكيك للمستوطنات. لا انسحابات الى حدود 5 حزيران، لا تقسيم للقدس. هل يمكن لأي مفاوض فلسطيني ان يرضى بذلك؟ وهل يمكن، بسهولة، حل قضايا اخرى من نوع: مصادر المياه والمواد الاولية، الحدود النهائية، التوقيع على اتفاقية السلام، التعويضات، حدود السيادة، الخ...
يستطيع عرفات، بهالته التاريخية، وعلى رغم الحملات عليه، ان يقنع شعبه بحل لا يكون ملبياً لتطلعات الحد الادنى. وسيضطره ذلك الى تشديد الضغط على المعارضة وارغامها على ان تكون سياسية لا عسكرية. ولكن السؤال الخطير، طالما ان الاعمار بيد الله كما تذكر وفاة الحسين، هو عن مصير الخارطة السياسية الفلسطينية في حال غياب ابو عمار. ربما كان هذا الموضوع يشغله، لكنه لا يتصرف كمن يطرح القضية على نفسه. فهو، حتى الآن، من دون ولي عهد معين او مرجح. فكل من محمود عباس او احمد قريع لا يملك القدرة على ضبط الوضع العام ولا الوضع في حركة "فتح". وقادة الاجهزة الامنية لا يملكون الشرعية التاريخية والسياسية، واذا كانت التحالفات واردة فان الغموض يلف القوى التي قد تشملها. ما هو دور مصر في هذه الحالة؟ دور الأردن؟ دور الولايات المتحدة؟ دور اسرائيل؟ دور المعارضة؟
تبقى علامات الاستفهام معلقة وتزيد المستقبل غموضاً. هذا مع العلم ان الامور داهمة ولا تحتمل تأجيلاً.
العراق
اذا كان الملك عبدالله بن الحسين مضطرا الى التفكير بالقضايا الفلسطينية المتشعبة فانه مضطر، ايضاً، لأن يواكب ما يجري في العراق وحوله. فمستقبل هذا البلد المهم جداً بالنسبة الى الأردن، يتراوح بين الرمادي والأسود.
الرمادي على درجات. الدرجة الأولى هي اضطرار مجلس الأمن الى رفع الحصار. ولكن ذلك يعني انفراجاً عراقياً محدوداً وتأزماً اقليمياً جدياً. اما الانفراج فمحدود لأن العراق المدمر لن يستطيع بناء نفسه بسهولة. فهو لا يملك الطاقة لتصدير كميات وافية من النفط، ثم ان الاسعار شديدة الانخفاض، والقسم الأكبر من العائدات سيحول الى دفع الديون والتعويضات. الدرجة الثانية هي رفع الحظر عن المواد الانسانية فقط. ويعني ذلك ابقاء الحصار والتفتيش واحتمالات الاحتكاك في منطقتي الحظر الجوي. الدرجة الثالثة هي تطبيق الافكار الفرنسية وهي اقل مردوداً من الاحتمال الأول المشار اليه.
اما الأسود فهو استمرار تحرر واشنطن من ضوابط القرارات الدولية وتغليبها العمل الانفرادي على ما عداه وسعيها الى تطبيق "قانون تحرير العراق". يمكن لذلك ان يديم الوضع الراهن لبرهة. ولكن يمكنه ان يعني اكثر: فتح مواجهة بين المعارضة المسلحة وبين النظام. وإذا استثنينا تصريحات عدد من قادة المعارضة فان الميل الكاسح هو القول بأن هذه المواجهة ستقود الى حرب اهلية وتقسيم مع ما قد يعنيه ذلك من امتداد الشرارة الى خارج الحدود. هذا هو، على الأقل، رأي انطوني زيني قائد القوات الاميركية في المنطقة. فلقد أعلن ان النظام العراقي المحاصر هو حالة افضل من التقسيم والفوضى. الوضع الأول قابل للضبط والادارة، اما الثاني فيساوي خروج الشياطين من القمقم. ولقد تسبب له كلامه بهجمة شرسة شنها اللوبي الصهيوني في اميركا مطالباً الادارة بعزله او اسكاته.
تركيا
تراقب تركيا بقلق الوضع في العراق. فاستمرار المواجهة لا يرضي حكومتها. ولكن التصعيد يخف. فعندما يقول رئيس الوزراء بولند اجاويد بأن تركيا هي المتضرر الأول من تقسيم العراق فانه يكون يشير الى المشكلة الكردية. ان نشوء دولة كردية في شمال العراق انطلاقاً من المحمية الموجودة عملياً الآن هو السيناريو - الكارثة بالنسبة الى انقرة. فهي تبذل جهداً استثنائياً لمطاردة زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله اوجلان من عاصمة الى اخرى وليس من مصلحتها انطلاقاً ان يطرق "الخطر الكردي"، المحمي اميركياً، ابوابها. وحتى لو وعد الاكراد العراقيون باضطهاد الاكراد الأتراك فان المرجح هو انتقال العدوى، خصوصاً ان اوجلان نجح في تقديم موقع قضيته في الوجدان الغربي.
غير ان تركيا تعيش هموماً اخرى. فهي امضت اسابيع من دون حكومة. وتوالى مرشحون كثيرون لأداء مهمة التشكيل وفشلوا. ونجح، اخيراً، اجاويد في توليف حكومة اقلية. ومهمته هي قيادة البلاد نحو الانتخابات المبكرة القريبة. غير انه من الواضح، منذ الآن، ان هذه الانتخابات ستعيد انتاج الازمة. فحزب "الفضيلة" الرفاه، سابقاً ما زال يتمتع بالدعم الشعبي اياه وربما زادته "العلمانية العدوانية" للعسكر شعبية. وقيادات الاحزاب الاخرى تعاني، فوق عجزها المرضي عن الاتفاق، من تهم فساد وصلات مع المافيا. ولذا فان النتيجة قد تكون نسخة طبق الأصل عن الحالة السابقة التي رفضتها المؤسسة العسكرية. ما العمل والحال هذه؟ الانقلاب العسكري العلني شبه ممنوع لأسباب ذات صلة بطلبات تركيا من الاتحاد الأوروبي. وتسلم الحزب الأول رئاسة الحكومة ممنوع لأسباب تتعلق برفض الجيش. وتشكيل ائتلاف جديد صعب نتيجة الخلافات المعروفة وغير المفهومة. ومن الطبيعي، والاستقرار ممنوع، ان تنمو القوى النابذة وتتدعم.
يجب ان نضيف الى ذلك التوزع التركي الدائم بين الانشداد شرقاً او غرباً، والبحث الدؤوب عن وظيفة اقليمية ودولية لمرحلة ما بعد "الحرب الباردة"، يجب ان نضيف ذلك من اجل القول بأن هذا البلد المهم والاستراتيجي معرض، في المدى المنظور لعواصف جامحة.
ايران
لقد احتفلت ايران، قبل ايام، بالذكرى العشرين لثورتها. غير انها احتفالات كان لها طعم المرارة. فالانقسام في البلاد واضح بين تيار شعبي، هلامي، اكثري يؤيد الرئيس محمد خاتمي ونهجه الاصلاحي، ومؤسسات راسخة ومنظمة وقوية يسيطر عليها المحافظون. لقد انتقل هؤلاء الى الهجوم. وعبروا عن ذلك بموجة الاغتيالات التي كادوا يتبنونها علناً والتي طاولت كتاباً ومثقفين. وقد لوحظ ان مدير الاستخبارات المركزية الاميركية جورج تينيت كاد ينعى في شهادته الاخيرة امام مجلس الشيوخ التيار الاصلاحي والرئيس خاتمي.
والملاحظ في المواجهة الايرانية الداخلية انها تتم فوق ارض ثقافية انما بأدوات امنية. فالسجال يتناول طبيعة السلطة الحاكمة، وأساسها الايديولوجي، وصلاتها بالثقافة الخارجية، ووضع الحريات، ومصير الكتاب، وحرية الاعلام... ولكن ادوات هذا السجال هي العصي والسكاكين وكواتم الصوت. ويبدو الوضع، احياناً، وكأن الامور ستفلت في لحظة وتتحول الى مواجهة واسعة.
واذا كانت العلاقة مع الولايات المتحدة تحتل موقعاً متميزاً في هذه المعركة الداخلية فان الوجه الآخر لذلك هو الصلات التي يفترض بإيران ان تقيمها مع العالم العربي. فالتيار المعتدل يدعو الى التعاطي مع العرب كما هم حالياً، اما التيار المنشود فيعتبر انه صاحب رسالة ثورية لديهم تجعله يأنف من العلاقات مع الانظمة العربية.
غير ان طهران تواجه تحديات اخرى ايضاً. فهي كادت تصل الى الحرب مع "طالبان" واضطرت الى التراجع على رغم الاهانة التي تلقتها. وكان واضحاً لديها ان محاولات اشغالها على هذه الجبهة هدفه اضعافها على الجبهات الاخرى كلها، لذلك تراجعت خطوة الى الوراء.
ستشهد ايران معركة حامية بمناسبة الانتخابات البلدية. ولكن اذا كانت وظيفة الانتخابات حل التوترات عبر صناديق الاقتراع فانها، هنا، تفقد معناها لأن التوترات تفيض كثيراً عن الصناديق.
لقد لاحظ الجميع ان كلمة "استقرار" ترددت كثيراً في الحديث عن الأردن بعد الملك حسين. ولكن الاستعراض السريع لأحوال منطقة الشرق الأوسط، بمعناها الواسع، يدل على ان التخوف على الاستقرار يتجاوز الأردن كثيراً. ان بلداناً عدة داخلة في منطقة عواصف والمطلوب، طبعاً، "ربط الاحزمة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.