تعرضت الملاكمة في الفترة الأخيرة لنكسة لن تتعافى من انعكاساتها في المدى القريب، فعلى حلبة جو لويس في ديترويت نجح البطل اليمني نسيم حامد المنظمة العالمية للملاكمة في توحيد لقب وزن الريشة بعدما فاز بالنقاط على البطل المكسيكي سيزار سوتو المجلس العالمي للملاكمة لكنه فشل في امتاع الجمهور الأميركي الذي دفع لحضور مباراة في الملاكمة فشاهد عرضاً في المصارعة الحرة. وعلى حلبة أحد الفنادق الكبرى في لاس فيغاس عرج ملاكم الوزن الثقيل أورلين نوريس من فكه بعدما أسقطه مايك تايسون إثر انتهاء الجولة الأولى، فأنهى الحكم المباراة ب N.O أي من دون تحديد الفائز، بدل أن ينهيها تايسون على عادته بK.O أي بالضربة القاضية. وفي كلا الحالتين أصيب عشاق الملاكمة بخيبة مريرة مردها الى تدني مستوى الأداء في الحالة الأولى، والى مزيج من الرعونة والغش في الحالة الثانية. وفي عودة الى وقائع المباراتين لا بد من الاشارة الى أن مباراة نسيم حامد وسيزار سوتو لتوحيد اللقب العالمي لوزن الريشة جاءت مخيبة للآمال مع أنها استمرت 12 جولة، وما زاد الطين بلة أن المباراة أقيمت على حلبة تحمل اسم جو لويس وهو من أبطال العالم العظام للوزن الثقيل، وفي مدينة ديترويت التي تبنت هذا البطل وانجبت واحداً من أشهر أبطال الملاكمة هو شوغار راي روبنسون. إن أداء البرنس نسيم لم يرق الى المستوى الذي عهده فيه عشاق الملاكمة، فجاءت المباراة أقرب الى المصارعة الحرة منها الى "الفن النبيل"، ولعل مرد ذلك الى سلبية أداء خصمه الذي آثر نهجاً دفاعياً بحتاً فتقوقع على نفسه، وجرّ "ناز" الى الرعونة، بدل أن تكون لديه خطة بديلة لمعالجة البطل المكسيكي، وقد اضطر حكم المباراة الى حسم نقطتين من رصيد البطل اليمني والى حسم نقطة واحدة من رصيد سوتو بعدما تماديا في انتهاك قواعد الملاكمة. ولم يحل انتصار نسيم الصريح على خصمه باجماع الحكام الثلاثة، دون صيحات الاستهجان والاستنكار. وهذا ما دفع البطل اليمني الى تبرير ما حدث قائلاً: "كان مهماً أن أظهر له قوتي البدنية. كان اللقاء سخيفاً جداً. فأنا قدمت الى هنا لأضرب، لكن سوتو أمسك بي، واستخدم رأسه طوال المباراة. على أي حال، لقد أصبحت بطلاً للعالم حسب تصنيف المجلس العالمي للملاكمة رغم احباطي لسماعي صفير الاستهجان". واعتبر كثير من النقاد الرياضيين ان ما جرى على حلبة جو لويس كان ضرباً من التهريج لم يولد استياء لدى الجمهور فحسب بل لدى المنظمين ولدى الشبكة التلفزيونية الراعية. لقد خاض نسيم حامد ثلاث مباريات في الولاياتالمتحدة كان الفوز حليفه فيها جميعاً، الأولى ضد الملاكم الأميركي كيفن كيلي، والثانية ضد الملاكم الايرلندي الشمالي واين ماكلوف والثالثة ضد سيزار سوتو. صحيح أنه لم يستطع أن يغزو الجمهور الأميركي في مباراتيه السابقتين على غرار ما فعل في بريطانيا لكنه قدم مستوى جيداً. أما في المباراة الأخيرة فقد أهدر ما كان له من رصيد ضئيل في الأوساط الأميركية، وعليه في لقاءاته المقبلة أن يرمم جدياً الصورة التي انطبعت في أذهان المتفرجين إذا أراد أن يدون اسمه في سجل الملاكمين العظام، وهو بلا شك يملك المؤهلات، ولكن يفترض فيه أن يحسن استثمارها وأن يجيد توظيفها. والبطل المكسيكي اريك موراليس بطل العالم لوزن فوق الديك تصنيف المجلس العالمي للملاكمة الذي هزم بالنقاط متحديه واين ماكلوف، وقد سبق لنسيم أن هزمه بالنقاط أيضاً، هو المرشح الأوفر حظاً لمواجهة البطل اليمني، وقد تكون هذه المواجهة فرصة نسيم الأخيرة لغزو أميركا. وفي المواجهة الثانية التي كانت لاس فيغاس مسرحاً لها، شعر المشاهدون بالاحباط أيضاً لأن اللقاء الموعود بين مايك تايسون الذي عاد الى الحلبة بعد انقطاع دام 278 يوماً والملاكم اورلين نوريس انتهى بعد ثلاث دقائق بما يشبه المهزلة... وهي مهزلة يعتبر تايسون مسؤولاً عنها الى حد ما لأنه كان متعطشاً الى الفوز بعد سلسلة من المضايقات التي تعرض لها والحماقات التي ارتكبها، فسدد لكمة الى خصمه طرحته أرضاً بعد انتهاء الجولة الأولى، ما دفع حكم المباراة الى حسم نقطتين من رصيده، لكن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق نوريس الذي وجد في مخالفة تايسون فرصة سانحة للامتناع عن إكمال المباراة مدعياً ان ركبته تأذت، علماً أنه سقط على ظهره. ولدى الكشف على ركبته تبين للطبيب أنها متورمة لكن التورم مرده على الأرجح الى اصابة سابقة عانى منها نوريس جراء ممارسته لعبة كرة القدم. وعند هذا الحد أوقف الحكم المباراة من دون أن يعلن فوز أي من الملاكمين فيها. ويبدو أن ثمة لعنة غامضة تطارد مايك تايسون، قد تكون لعنة ديزيريه واشنطن ملكة الجمال التي اغتصبها، أو لعنة دون كينغ مدير أعماله السابق، أو لعنة تايسون ذاته... على اعتبار أنه ألدّ أعداء نفسه... ثم توالت الأحداث بسرعة فأعلن مارك راتنر مدير لجنة الملاكمة في ولاية نيفادا ان اللجنة ستجتمع لدراسة الأحداث التي رافقت المباراة. وستتم مراجعة الشريط المسجل لمعرفة ان كان تايسون تعمد توجيه الضربة بعدما قرع الجرس معلناً نهاية الجولة الأولى. وفي انتظار ذلك ستحتجز اللجنة حصة تايسون من المباراة وقدرها عشرة ملايين دولار. وقد أثار قرار الحكم الغاء المباراة حفيظة تايسون فقال: "لم أقم بشيء غير قانوني، كنت ألاكم ولم أسمع الجرس، وعلى نوريس ان يخجل من نفسه، لأن الملاكم الحقيقي ينهض ويواصل المباراة. لقد عاد نوريس الى ركنه بعد سقوطه أرضاً، وفجأة أعلن عن اصابة ركبته بالتواء، ولا بد أنه أصيب بعدما جلس". وفي انتظار جلاء الحقيقة، يستمر مسلسل المهازل في عالم الملاكمة ويحرم تايسون حتى اشعار آخر من حصته، وهو أمر من الصعب ان يتحمله، مع أن نتيجة المباراة الفنية لا تقدم ولا تؤخر، كونها ليست على اللقب العالمي وهي مجرد مباراة بين ملاكمين. ترى أما آن الاوان لكي يكف المنظمون عن اضطهاد مايك تايسون وهو حالياً أكثر أبطال الملاكمة شعبية، وفي الوقت نفسه، اما آن الأوان لكي يكف تايسون عن اضطهاد نفسه؟.