على النقيض من التوقعات التي ذهبت الي ان الرئيس الكونغولي لوران كابيلا يوشك على ان يشرب من الكأس ذاتها التي ارغم خصمه الراحل موبوتو على ان يتجرعها قبل حوالي 15 شهراً، نجح في تعزيز وضع قواته مستفيداً من اعادة خلط التحالفات الاقليمية. ولكن هل يكفي ذلك لرسم خريطة واضحة التفاصيل لمستقبل منطقة البحيرات الكبرى وسط القارة السمراء؟ استطاع "تحالف القوى الديموقراطية لتحرير الكونغو" الذي قاده لوران كابيلا قبل عام ونصف العام، اطاحة حكم الرئيس موبوتو الذي دام 32 عاماً، في قتال استمر نحو سبعة اشهر، وبدأ بسقوط اقليم بوكافو الشرقي بيد مسلحي التوتسي البانيامولونغي المنحدرين من اصل رواندي الذين اقاموا بمحاذاة الحدود الزائيرية - الرواندية نحو 200 عام. واعدت يوغندا ورواندا تحالف القوى الديموقراطية لتحرير الكونغو بقيادة كابيلا الثائر اللومومبي السابق ليقود ثورة عاصفة على نهج استاذه تشي غيفارا، وجدت الدعم من دول الاقليم والغرب على السواء، ليكون الرئيس كابيلا احد فرسان القارة الافريقية الجدد الذين نُظر اليهم باعتبارهم حاملي بيارق النهضة والاصلاح السياسي، حتى قالت مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الاميركية تصف كابيلا: "لقد التمست فيه اميركا قيادة جديدة قوية ومحطاً للآمال". وثمة تساؤلات تدور في خلد المراقب: من يطلب رأس كابيلا المحاصر الآن؟ وما هو مصير الكونغو الذي تبلغ مساحته ضعف مساحة اوروبا الغربية مجتمعة حال استمرار الحرب الدائرة الآن؟ وكيف كان اداء كابيلا إبان حكمه المستمر منذ 15 شهراً؟ وكيف ولماذا تبعثر التحالف العرقي الذي حمله الى السلطة في ايار مايو 1997؟ استقبلت الدوائر الحضرية في العاصمة كنشاسا التي يقطنها حوالي ستة ملايين نسمة انتصار كابيلا باعتباره بطلاً حقيقياً ازاح عنهم كابوس موبوتو الذي عول على تزكية عرقية الانغاندي الصغيرة في اقصى الشمال الغربي حيث معقله في غبادوليت. كذلك انتفض جنوبالكونغو القلق عبر تاريخه الانفصالي حين تولى السلطة احد ابناء الاقليم القادم من كاتنقا الحرونة والغنية جداً. بدأت الازمة الراهنة عندما عاد الرئيس كابيلا من زيارة رسمية الى كوبا، وشرع في تموز يوليو الماضي في احداث تغييرات جذرية في الهرم القيادي لجيشه، مبعداً كل العناصر الرواندية، وعلى رأسها جيمس كاباري رئيس هيئة الاركان ليوكل المنصب الى ساليستان كيغوا من اقليم كاتنقا، وذلك اثر الإشاعات التي ترددت في كنشاسا وذكرت ان نظام كيغالي اوعز الى قائد الجيش المعزول بأطاحة كابيلا. وفي 27 تموز اصدر كابيلا قراراً يقضي بعودة كل العناصر الرواندية داخل الجيش الى بلادها. فأثار هذا القرار موجة عارمة من "الوطنية" الكونغولية التي تمقت "الاجانب"، اي الروانديين، ولاسيما التوتسي البانيامولونغي، فاستهدف اكثرهم في الشوارع مما دفع النظام لحجزهم في مراكز وسط ظروف قاسية، واطلقت النار على بعضهم، وجذب مستشار الرئيس كابيلا للشؤون المالية الرواندي الاصل من سيارته ليقتل. وجاءت هذه الاحداث في وقت بلغت فيه العلاقات المميزة سابقاً بين الكونغو وجارتيها رواندا ويوغندا درجة كبيرة من التردي. وشرع نائب الرئيس الرواندي ورجل رواندا القوي بول كاغامي والرئيس اليوغندي يوري موسيفيني في كيل الاتهامات لكابيلا لتفريطه في اتخاذ التدابير الامنية في المواقع الحدودية المحاذية لبلديهما، وهو امر افادت منه المعارضة اليوغندية المسلحة جيش الرب للمقاومة وكتائب الهوتو المسلحة الانتراهاموي، فشنت هجماتها عبر تلك النقاط الحدودية. في غضون ذلك، عمل كابيلا على تعزيز الاجراءات الامنية في منطقة كيغو باعتبارها نقطة الضعف الامنية التي استغلها تحالفه من قبل لشن الثورة المسلحة على جيش موبوتو. وفي بداية آب اغسطس الماضي بدأت نذر التمرد العسكري في ثكنات الجيش في كنشاسا، خصوصاً تلك التي شهدت تمرداً قادته عناصر البانيامولونغي احتجاجاً على طرد رفاقهم من قادة الجيش. ورموا من وراء ذلك الى تصفية كابيلا، فاضطر بدوره الى اعلان حال الطوارئ في العاصمة وتصدت القوات الموالية له للتمرد المسلح. واعلن البانيامولونغي على الاثر في اقليم كيفو شرق البلاد عزمهم على فصل الاقليم وادارته، لوجودهم هناك منذ القدم، وقدرتهم العسكرية المميزة. وساندتهم وحدات من الجيش الرواندي، فتمكنت من السيطرة على الاقليم واحتلال عاصمته كيسنغاني. ومن غوما عاصمة اقليم شمال كيفو نقل الجنود الروانديون جواً الى مدينة كيتونا عند منبع نهر الكونغو التي تعتبر من المواقع العسكرية المهمة جنوب غرب كنشاسا، وهي المدينة التي نقل اليها كابيلا بقايا جيش موبوتو المهزوم بعد ان جرّد من السلاح حوالي 30 الف جندي. وهذه هي المرة الأولى يباغت فيها مركز السلطة في كنشاسا بهجوم عسكري من جهة الغرب والجنوب الغربي، باعتبارهما اقرب الطرق الى العاصمة، ولا سيما موانئ متادى وبوما. ودفعت سرعة تقدم الثوار بأحد الديبلوماسيين الغربيين في كنشاسا الى القول: "ان الثوار الجدد حققوا في اسبوع ما حققه كابيلا في سبعة اشهر". وأفاد البانيامولونغي من تعاطف الفرقة العاشرة في غوما، وهي اقرب نقطة تماس حدودية مع رواندا. ووضع استهداف الموانئ المهمة المطلة على المحيط الاطلسي، خصوصاً متادى وبوما، سد إنجا - اكبر مصدر لتوليد الطاقة الكهرومائية في افريقيا - تحت رحمة الثوار، فأضحت كنشاسا نفسها تحت رحمتهم. وسبق ان تمردت قوات البانيامولونغي بداية العام الحالي عندما اراد كابيلا نقلها خارج اقليم كيفو. وكانت تطمح الى ان يعطيها كابيلا وضعاً مميزاً داخل هرم الجيش، اشبه بفرقة الحرس الرئاسي في عهد موبوتو، لكنهم اشاروا الى انهم يقبلون الاندماج في الجيش الوطني. غير ان قادتهم التقليديين بعثوا مذكرة شديدة اللهجة الى كابيلا، يلفتونه فيها الى واقع "التعايش" السياسي بينهم وبين نظامه، وطلبوا مراجعة قراره نقل وحداتهم العسكرية خارج الاقليم، وفي حال عدم استجابته فانهم سيعملون على فض التعايش القائم. واثناء ذلك، فر بيزيها كاراها وزير خارجية كابيلا وهو رجل يوغندا داخل حكومة كابيلا، ولجأ الى جنوب افريقيا وتبعه ديوغراسياس وزير شؤون الرئاسة وهو رجل رواندا في الحكومة. وقال وزير الخارجية الهارب، وهو طبيب من اصل توتسي، ان كابيلا حكم البلاد بديكتاتورية مارست في عام واحد ما لم يمارسه موبوتو في 32 عاماً، واتهمه باعاقة مسار الديموقراطية وتعليق الانتخابات. ولكن في كنشاسا ينظر المواطنون الى الوزير الهارب باعتباره مجرد "جاسوس" لنظام رواندا الذي كان متربصاً بانتظار ساعة الصفر لضرب الرئيسي كابيلا كي تسيطر البانيامولونغي التوتسي على كل السلطة في الكونغو. وانضم الى البانيامولونغي آرثر زاهيدي نغوما رئيس حركة "قوى المستقبل" الذي سجنه كابيلا حتى ايار الماضي، وهو رجل فرنسا في الكونغو، ويدعم الثوار ايضاً جوزيف اولنغاكوي رئيس حزب "القوى الجديدة للاتحاد المقدس" وهو رفيق سابق لنغوما في السجن. كذلك تسند الثوار فلول نظام موبوتو على رغم عجزهم عن تقديم قيادة جديدة، وان بزغ نجم احد قياداتهم وهو امباديا وامبا اخر وزير خارجية لموبوتو. ورفض زعيم حزب "الوحدة من اجل الديموقراطية والتقدم الاجتماعي" ايتيان تشيسيكيدي الانضمام الى التحالف الجديد بعد عودته الى العاصمة من مقره الريفي في حزيران يونيو الماضي. ووصف السيناريو الدائر الآن بأنه "ثورة قصر" واعتبره "عراكاً قبلياً" بين التوتسي وقبيلة البالوبا التي ينتمي اليها كابيلا. كما لم ينضم الى التحالف فرانسيس لوممبا ابن الزعيم السابق باتريس لوممبا الذي عمل مع كابيلا حتى سقوط موبوتو، لكنه مستاء من عدم ترسيخ الديموقراطية، فبدأ انتقاد النظام ورفض عرضاً من كابيلا لتولي منصب حاكم كنشاسا. كذلك برز قائد التحالف العسكري للثوار جان بيير اوندكاني، وهو عسكري محترف، ولا ينتمي الى التوتسي، وهو من مجموعة عسكرية ناقمة على عدم صرف الرواتب الشهرية، ويشكو بعضهم من انه اعان كابيلا ابان ثورته، ولكن عندما آل اليه الامر عمل على تهميشهم. ويتهم كابيلا الغرب بحبك مؤامرة ضد نظامه لانه "لم يدعم مصالح الدول الغربية". ولكن كيف يقوّم خصوم كابيلا اداءه قبل اشتعال الثورة المضادة لنظامه؟ انهم يرون انه اخفق في المجالات الآتية: - فشل في توسيع قاعدة حكمه واجراء الاصلاح السياسي والاقتصادي المنشود. - لم يمنح اقلية البانيامولونغي حق المواطنة. - اعربت انغولا صراحة، على رغم وقوفها الحالي مع نظامه، عن استيائها من فشله في ايقاف الدعم المسلح لمقاتلي حركة "يونيتا" عبر اراضي الكونغو. - اعربت يوغندا عن استيائها من عجز كابيلا عن السيطرة امنياً على اقليم كيفو. - لم تخف رواندا ضيقها من اخفاقه في لجم هجمات الهوتو المسلحة عبر الحدود ومن طرده العناصر الرواندية داخل الجيش الكونغولي. - ترددت اتهامات في شأن مصير الاموال التي جلبت من الشركات والمستثمرين الاجانب وشركات التعدين، وفي شأن تهريب الاموال مستفيداً من المؤتمرات الاقليمية. - أوكل كابيلا المناصب الرئيسية لاشخاص من اقليم كاتنغا، بما في ذلك تكليف عمه غايتان كاكوجي حقيبة الداخلية، وتنصيب عمه الآخر موبتري كونغولو وزيراً للعدل، وتخصيصه منصب نائب قائد الجيش لابنه جوزيف كابيلا. ويشير الخصوم الى ان قادة الشرطة والجيش وحاكم البنك المركزي وكل اعضاء الحرس الرئاسي ينحدرون من اقليم كاتنغا الجنوبي. - اجمع سكان كنشاسا على انهم لم يلاحظوا اي تحسن في معاشهم، الى درجة انهم اعتبروا ان سنوات حكم موبوتو وفساده الذي استمر 32 عاماً زادت عاماً آخر! - اغلق كابيلا الصحف اليومية وحظر الاحزاب السياسية وسجن ناشطي منظمات حقوق الانسان. - رفض التعاون مع بعثة التحقيق التابعة للامم المتحدة في شأن ابادة لاجئي الهوتو الذين قدر عددهم بپ180 الفاً. هكذا انفض التحالف القديم الذي قاد كابيلا الى الحكم، وأثر ذلك في عدد من التناقضات الكفيلة باحراج اي حاكم للكونغو. فقد تجددت الحرب الانغولية بعد توقف. ويبحث عشرات الآلاف من اللاجئين عن ملجأ في زامبيا. وأدى الى انفراط الامن هناك ان جوناس سافيمبي زعيم حركة يونيتا وهو احد اكبر "لوردات" الحرب الافارقة يباشر نشاطه المسلح في مناطق تسيطر عليها حركته قرب الحدود الكونغولية. ومن التناقضات الناجمة عن الممارسة السياسية الاقليمية انه عندما عزمت رواندا على توفير فرق من جيشها لتكون رأس حربة في الاطاحة بموبوتو في 1996 اعترض الرئيس موسيفيني بدعوى انه عندما شنت تانزانيا هجوماً عسكرياً استهدف اطاحة الرئيس السابق عيدي امين في 1979 بتهمة انتهاك الجيش الاوغندي لحدودها، تعرضت تانزانيا للشجب والادانة من المجتمع الدولي باعتبار ان ذلك يتناقض مع ميثاق الاممالمتحدة. وبقيت القوات التانزانية لترعى نظام الرئيس ميلتون اوبوتي حوالي ستة اعوام قبل ان يتمكن موسيفيني نفسه عبر "جيش المقاومة الوطني" من اطاحة اوبوتي العام 1986. ولكن كان هو الآخر محمولاً على أسنة الرماح التوتسية التي شكلت حجر الرحى في جيشه الذي انبثق منه بول كاغامي رجل رواندا القوي حالياً وحليف موسيفيني في طموحاته الاقليمية. وكان احد الاسباب التي حدت بموسيفيني الى مساعدة التوتسي على اطاحة النظام الرواندي السابق بروز دورها داخل الجيش اليوغندي حتى عدّها اليوغنديون "قوات اجنبية" في جيشهم الوطني. ذلك هو ما حدث تماماً لكابيلا في الكونغو، فهو لم يعول على اعادة القوات الرواندية الى كيغالي بالطرق الودية المعتادة لكنه اصدر قراراً بطردها من الجيش، بسبب للضغوط الناجمة عن موجة الوطنية العارمة في الكونغو، لا سيما لدى الجيل الجديد وطلبة الجامعات. وفيما كسب كابيلا ورقة الوطنية ليعزز شرعية حكمه، دبرت رواندا مكيدة التدخل بسند يوغندي، ورضاء اميركي، وغضب فرنسي اججته محاربة كابيلا لمصالح باريس عقاباً على دعمها لنظام موبوتو وحليفه الاقليمي السابق في رواندا نظام الهوتو. لذلك حرمها كابيلا من اي دور اساسي يتلاءم مع ماضيها وثقلها الفرانكوفوني في المنطقة كالذي قامت به العام 1994 من الاراضي الزائيرية لحماية اللاجئين الهوتو. ولذلك حرضت فرنسا على الاطاحة بكابيلا في لقاءات سرية مع العناصر الناقمة عليه. التحالف الاقليمي الجديد أوجدت الثورة المضادة التي دعمتها يوغندا ورواندا باعتبارها مركز الثقل الجديد الذي يحظى بدعم اميركي في منطقة البحيرات واقعاً جديداً وصفه احد الديبلوماسيين الافارقة بأنه "تكرار لمحاولة فاشلة لصياغة مستقبل الكونغو بالقوة"، وهي فتنة شطرت وحدة الاقليم وحرضت بعض دول المنطقة على بعضها. ولذلك تناقضت مصالح رواندا ويوغندا مع مصالح غالبية دول وسط وجنوب افريقيا التي ترفض التدخل في شؤون دول الجوار. وستناهض كتلة وسط وجنوب افريقيا التدخلات الرواندية - الاوغندية وسيلة لحماية المصالح، وتعارض قيام العلاقات مع الدول المجاورة باسلوب المغامرات السياسية غير المحسوبة النتائج. ان هذه التدخلات تزيد تحويل ثقل الدول الاقليمية الكبرى في هذا الحزام الى متفرج على الاحداث، لا سيما زيمبابويوانغولا التي تناهض جعل التوتسي "اقلية عظمى". وهذا من شأنه زعزعة امن المنطقة في مستقبلها القريب. ان غياب زيمبابويوانغولا عن قمة الفرصة الاخيرة لدول منظمة تنمية دول جنوب افريقيا يؤكد انشطار وسط وجنوب افريقيا الى كتلتين حول مصير الكونغو. واعلن روبرت موغابي رئيس زيمبابوي عقب اجتماع في هراري حضره وزراء الدفاع في 14 دولة "اننا سنأخذ موقفاً ايجابياً لدعم حكومة كابيلا لاعادة السلام والاستقرار". وبعدها شرعت زيمبابوي في ارسال الطائرات والاسلحة الى كابيلا المحاصر. وتعوّل جنوب افريقيا على "كاريزما" نيلسون مانديلا، وتريد ان تلعب دوراً ديبلوماسياً، اذ تجد نفسها متنافسة مع زيمبابوي، ولذلك صرح الرئيس مانديلا بپ"اننا لن ندفع الموقف الى الاسوأ بارسال وحدات عسكرية، لاننا نعمل من اجل السلام". واضطرت انغولا للتدخل مثل زيمبابوي بسلاحها الجوي الفعال مثلما فعلت في حزيران يونيو الماضي في الكونغو برازافيل لمصلحة قوات الرئيس الحالي دونيس ساسو نغيسو. وترفض انغولا اجتياح القوات الرواندية المدعومة يوغندياً، اضافة الى اعتقادها بأن رواندا صارت بؤرة لزعزعة استقرار اقليم وسط وجنوب افريقيا. ولذلك احتلت دباباتها كيتونا في غرب الكونغو لتقطع على الثوار خط امداداتهم. مستقبل الكونغو وكابيلا وعلى رغم ان الوضع العسكري الراهن ادى الى محاصرة كابيلا الذي يتنقل بين معقلين في كنشاسا وكاتنغا، فانه استطاع ان يجيّر دعم الشعب بلعبه على ورقة "العدوان الرواندي الاجنبي"، وان يعطي الفرصة لدول وسط وجنوب افريقيا للاختيار بين الوقوف معه او العبور الى المجهول مع نظام حكم تفرضه معادلة اقليمية غير مقبولة لديها. ولذلك استطاع ان يحظى بدعم انغولاوزيمبابوي، ولذلك غير ثوار التوتسي موقفهم واعربوا عن ترحيبهم بالتفاوض. كذلك اضطرت رواندا ويوغندا الى المشاركة في القمة الاقليمية برئاسة مانديلا للعثور على حل سلمي، لان المعادلة العسكرية تشطر القارة وهذا سيعصف بحكم التوتسي ويؤدي إلى سيطرة الهوتو خصمهم التاريخي. واذا استمرت الحرب الراهنة فانها حتماً ستلتهب، مستدرجة دول الوسط والجنوب ضد يوغندا ورواندا. وفي قراءة استراتيجية، يهدف السيناريو الراهن الى اعادة رسم خريطة منطقة البحيرات والقارة في حزام يمتد من جنوب السودان مروراً بيوغندا ورواندا وبوروندي انتهاء بشرق الكونغو. وليس غريباً ان يقول احد الخبراء الافارقة ان الحرب الراهنة ربما كانت ارهاصاً لتغيّر "اعظم كثيراً مما حدث حينما تداعت اوروبا الى افريقيا قبل 120 عاماً" الكونغو... "دومينو" القارة الافريقية كنشاسا: تعبئة المواطنين والضرب على وتر الوطنية باثارة المشاعر ضد العدوان الرواندي. قوات كابيلا ترابط على الطريق الوحيدة المؤدية من متادي صوب العاصمة. ستة ملايين نسمة يقفون بمشاعرهم ضد رواندا في الظلام الدامس. متادي وكيتونا غرب الكونغو: محاصرة كتائب ثوار التوتسي المتحالفة مع بقايا جيش موبوتو في طريق تمتد 500 كيلومتر من مصب نهر الكونغو. شرق الكونغو: قوات موسيفيني ترابط في مدينة أسيرو في الشمال الشرقي على بعد 400 كيلومتر من العاصمة. وحدات رواندية احتلت كيسينغاني وتحرض فرق كابيلا على التمرد، فيما هدد الرئيس اليوغندي بتدخل شامل في الكونغو. رواندا: اعتبرت انه يحق لها التدخل في القتال الدائر. سبع رحلات جوية يومياً من شرق الكونغو الى غربه. 40 شاحنة عسكرية رواندية عبرت الحدود لتتوغل في شرق الكونغو. تانزانيا: حوالي 600 مقاتل تانزاني نشروا في مدينة كامينا في اقليم كاتنغا جنوبالكونغو. غير ان دار السلام سحبتهم اخيراً. زيمبابوي: تفضل الخيار العسكري. ارسلت شحنة سلاح قدرت بپ21 طناً، اضافة الى فرقة يراوح قوامها بين 600 و900 مقاتل لتدافع عن كابيلا، لاقتناعها بأن تفكك الكونغو سيعصف بأمن وسط وجنوب القارة. اربع طائرات ميغ من سلاحها الجوي ترابط في مطار كنشاسا. انغولا: بادرت بارسال وحدات مقاتلة. تهمها حماية كابيلا لقطع مؤخرة خطوط امداد جوناس سافيمبي. تعمل في تنسيق تام مع زيمبابوي لدعم كابيلا. قطعت قواتها خط امدادات الثوار في كيتنونا على حدودها مع الكونغو. سقوط كابيلا سيعصف بنظامها. وسط وجنوب افريقيا: انغولا وناميبيا وزامبيا وتانزانيا تقف مع زيمبابوي خلف الخيار العسكري لسحق التمرد الكونغولي. اما جنوب افريقيا وبوتسوانا فتقفان مع خيار الحل السلمي وتكوين حكومة وحدة وطنية عريضة القاعدة. ووجدت ليسوتو وسوازيلاند ومالاوي وموزمبيق وموريشوس نفسها بعيدة عن الصراع.