ألاحظ منذ فترة ان الصحافة العربية تركّز على الاوضاع البائسة في العراق لتتحدث عن معاناة الشعب العراقي وعن الجوع والفقر والموت الذي يصيب الاطفال الرضّع هناك. صحيح اننا امام مأساة جديدة تضاف الى مآسينا العربية وتزيد منها. ولم تكن بحاجة، طبعاً، الى مثل هذه المأساة حتى تكتمل مأساتنا العربية العامة. والشعب العراقي الطيب لا يستحق بالطبع مثل هذا المصير، لا سيما انه كان يسير بخطوات كبيرة قبل اكثر من عشر سنوات ليبني واحدة من اهم الامم العربية وأقواها. وفي اعتقادنا ان الحصار المفروض على العراق والذي لا يطال سوى الشعب العراقي، كما نستشف من خلال التحقيق المميز الذي نشرتموه في العدد 341 من "الوسط"، هذا الحصار امر سيء، وخصوصاً لأنه لا يطال سوى الشعب وفقرائه. فالمسؤولون العراقيون، كما نفهم، هم في منأى منه، يعيشون كما يحلو لهم، بل ان هناك حديثاً متزايداً عن شراء بعض كبار المسؤولين العراقيين، لممتلكات في الخارج. ويجري الحديث في بيروت عن قرب انشاء دار صحافية كبيرة في احدى العواصم الغربية وربما يشمل نشاطها التلفزة ايضاً لحساب عراق صدام حسين، في مقابل عشرات ملايين الدولارات. ان هذا يجعلنا نتساءل: ترى أفلم ننسَ ما هو أساسي؟ أفلم ننسَ السبب الحقيقي الذي يقف وراء المأساة العراقية، أعني بذلك السلطات العراقية وعلى رأسها الرئيس صدام حسين؟ ان علينا ألا ننسى هذا، وان نتذكر دائماً انه اذا كان العراق، وشعبه تحديداً، قد وصل الى هذه الدرجة من البؤس والجوع، فان ذلك نتيجة جريمة اقل ما يمكن ان يُقال عنها ان المسؤولية فيها يمكن ان تقع على رأس الطرفين الرئيسيين: الولاياتالمتحدة الاميركية التي لا تزل مصرّة على معاقبة الشعب العراقي بدلاً من ان تعاقب "عدوها" المفترض صدام حسين، وهذا الاخير نفسه الذي لا تأخذه بشعبه رأفة. انني اعتقد ان الرئيس العراقي، لو كان صادقاً في حبه لشعبه وفي غيرته على مصلحته، لكان استقال ورحل منذ زمن بعيد، تاركاً واشنطن امام اكاذيبها. ولكن في زمن بلغ فيه العهر السياسي أقصى درجاته، ها هو الشعب العراقي يقع وحده ضحية لصراع "وهمي" بين واشنطن وبغداد. واعتقد ان على الصحافة العربية الا تغفل هذه الحقيقة او تسكت عنها ولو للحظة، لأن اغفالها والسكوت عنها مشاركة في واحدة من اكثر جرائم نهاية القرن العشرين بشاعة وايلاماً. خليل صافي بيروت - لبنان