أبرز الأحداث الفكريّة في "موسم أصيلة" كان "المؤتمر الأول لكتّاب افريقيا" الذي احتضن حواراً متعدد الأبعاد والأصوات، حول وضع الأدب في القارة السمراء. والتظاهرة المعروفة التي احتفلت بميلادها العشرين، كانت كعادتها اطاراً للحوار والتفاعل بين مختلف الأصوات والاتجاهات والانتماءات. كما أعاد قصر الريسوني فتح أبوابه، بعدما استعاد تألقه وبريقه القديم، وشهد الفنّ التشكيلي حركة لافتة في ربوع المدينة المغربيّة. وفي الذكرى العاشرة لرحيل تشيكايا أوتامسي، منحت الجائزة التي تحمل اسمه إلى الشاعر والوزير الكونغولي جان باتيست تاتي لوتار. إذا كان لأصيلة من رمز، فهو حتماً قصر الريسوني. هذا الفضاء يختصر تاريخ المدينة المغربيّة الشماليّة المتربّعة خلف أسوارها على المحيط، ويمثّل نموذجاً معماريّاً فيه ما فيه من غنى التراث المغربي، ومن معالم الهندسة العربيّة - الأندلسيّة. هذا القصر بناه سيّد المدينة ذات يوم من التاريخ الصاخب لهذه البقعة من افريقيا، حين قرّر الاستقلال عن البرتغال. ثم استوطنته "جمعيّة المحيط" التي تنظّم "موسم أصيلة" الشهير، وقد باتت منذ العام الماضي جمعيّة أهليّة، وصار اسمها "مؤسسة منتدى أصيلة". مع السنوات تغيّر اسمه، فصار "قصر الثقافة". محمّد بن عيسى عمدة المدينة، ووزير الثقافة السابق في بلاده، قبل أن يصبح سفير المملكة المغربيّة في الولاياتالمتحدة، شرّع أبوابه للفنّانين والأدباء فاصطفوه جمهوريّة فاضلة. أرواح كثيرة ما زالت تهيم في ممرات قصر الريسوني، تتنقّل بين الباحات والغرف عابقة بالذكريات والانفعالات. فهذه الجدران المزيّنة بالفسيفساء التي تعلوها نقوش الجبس، احتضنت مغامرات ولقاءات وتجارب ولحظات فنيّة نادرة. وفي محترفات القصر عمل جنباً إلى جنب مئات الفنّانين المغاربة والعرب والأوروبيين والأميركيين والأفارقة، ثم وهبوا أعمالهم لأصيلة التي تملك اليوم أكبر مجموعة من الأعمال الفنيّة والحفريّة والتشكيليّة في العالم العربي. وعندما أغلقت أبواب القصر قبل سنوات ثلاث، بسبب تدهور حالة المبنى الأثري العريق، لبس روّاد الموسم الحداد، وقلقوا على المستقبل. فأصيلة ليست أصيلة من دون قصرها. وها هي المدينة التي خلعت امتياز "المواطنة" على أبرز الكتّاب والمفكّرين والمبدعين العرب، فصاروا من رعاياها... ها هي تحتفل باعادة افتتاح القصر بعد عمليّات ترميم دقيقة. وجاءت هذه الهديّة في وقتها، و"موسم أصيلة" يحتفل بعيد ميلاده العشرين. ومحمد بن عيسى، أبرز شركاء المغامرة التي ابتدأت قبل عقدين تحت "شعار الثقافة في خدمة التنمية"، لم يخفِ فرحته في خطاب افتتاح هذه الدورة. فقد أعلن أمام جمهور من المفكّرين والمبدعين وأهالي أصيلة يتصدّرهم الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز رئيس مجلس أمناء مؤسسة منتدى أصيلة، محمد عوّاد مستشار العاهل المغربي الملك الحسن الثاني، هنري لوبيز نائب مدير عام منظّمة الأونيسكو سابقاً، شريف الخزندار مدير "دار ثقافات العالم" شريكة أصيلة، الفنّان محمد المليحي رفيق درب التجربة، أنه "حلم يتحقّق" بعودة "أبرز المرافق الثقافيّة والتراثيّة في المدينة". هكذا عاد الفنّ التشكيلي معزّزاً إلى ربوع الموسم. عاد جورج البهجوري إلى الأزقّة التي تعرفه جيّداً، فكأنّه جزء من ديكورها الأبدي. لكن محمد عمر خليل لم يظهر هذا العام بطيفه الطويل، ولا مروان قصاب باشي ولا فريد بلكاهية وبقية روّاد الساعات الأولى... ربّما في الموسم المقبل؟ أما المحترفات ومشاغل الصباغة الزيتيّة والنحت، فأمّها هذا العام عشرون فناناً من المغرب والسعوديّة والسنغال وسيراليون، وغانا والطوغو وبنين واليابان وكوريا وباكستان واسكتلاندا والولاياتالمتحدة. واحتضن فضاء مركز الحسن الثاني للملتقيات الدوليّة، وهو المحطّة الأساسيّة الأخرى في أصيلة، مجموعة معارض لافتة. الأميركيّة هيلدا ثوروب عرضت لوحاتها التي تعكس تفاعلاً مع ضوء المغرب ومنازله وناسه. وعرض فنّانو "مدرسة داكار" من السنغال بعض أعمالهم: طوني أكوجيني، شريف تيام، دياتا سيك، مودو نيانغ، سكينة كمارا، أغوسو فوليكوي، عثمان فاي، عيسى ماخون ديوب، إيبو ضيوف، عمر كاتا ديالو، وشارلي دالميدا. كما سلّطت هذه الدورة الضوء على "مجموعة عين السبع" الآتية من الدار البيضاء، والتي تعكس حيويّة جديدة في الحركة التشكيليّة المغربيّة، تذكّر بالعصر الذهبي لمدرسة الدار البيضاء الشهيرة. أفراد المجموعة: حسن الضرسي، رشيد لمودن، محمد آيت الصغير، محمد فريجي، وخديجة كارتي، تتركّز تجربتهم على الفنّ الادراكي، وتنحو "انشاءاتهم" باتجاه حداثة تصويريّة وتشكيليّة تسعى إلى تجاوز الاطار التقليدي للوحة. يعمل هؤلاء على تضاريس الفضاء، وتجاعيد المادة، ومكوّناتها المتباينة... أما معاد الجباري، يونس الخراز، سهيل بنعزّوز، محمد عنزاوي، فنّانو أصيلة الذين ترعرعوا ونضجوا فيها، فقدّموا أعمالهم على هامش الموسم، في فضاء خاص بهم هو "المرسم" خارج المدينة القديمة، على خطوتين من الكورنيش. وتجدر الاشارة إلى أن المهرجان الفنّي الثقافي الضخم، شجّع ظهور نشاطات جانبيّة مستقلّة، من معارض اللوحات في الهواء الطلق، إلى معرض كتب مرتجل في كشك كبير في أحد شوارع المدينة اشتمل على عناوين ومؤلّفات قيّمة، مغربيّة وعربيّة... الجدران الكلسيّة البيضاء في المدينة القديمة، استضافت بدورها نفراً من الفنّانين الجدد الذين واصلوا تقليداً عريقاً شكّل خصوصيّة "موسم أصيلة". رسم هؤلاء جداريّاتهم الجديدة، كما فعل قبلهم المليحي والبهجوري وشبعة وبلكاهية والميلودي ورحّول... جاعلين من مدينة الصيادين المنسيّة في الشمال الفقير متحفاً في الهواء الطلق. وانبثقت الولادة الجديدة للمكان من لحظة التفاعل والتواشج بين الفنّ الصرف، الخارج على نخبويّته، وسكّان تلك البيوت التي لم تكن تحلم قبل عقدين بأن تصبح مركزاً يستقطب أنظار العالم، وينال جائزة الآغا خان للعمارة مرّتين، وصار يؤمّه المثقّفون للتداول في شؤون الفكر والحضارة والاقتصاد والتنمية والفنّ والسياسة، في مناخات من الحريّة والحوار واحترام الآخر وحق الاختلاف. أصيلة عادت إلى نفسها إذاً. عادت وجوه كثيرة إلى موعدها الدائم، لكنّ شيئاً ما كان يدفع هذا الصيف إلى شعور غامض بعدم الاكتفاء. هل هو حنين "القدامى" إلى ليال مشتعلة بالأعياد والأحاديث والخناقات والغواية والفرح والمشاريع؟ هل هو الحلم إذ بات واقعاً ملموساً، وعفويّة البدايات التي تنازلت عن مكانها لعقليّة "مؤسّساتيّة" لا تسمح بالارتجال؟ هل هو غياب وجوه كثيرة صنعت مجد أصيلة، من الشعراء والفنانين الذين انقطعت أخبارهم... إلى الذين رحلوا على حين غرّة مثل تشيكايا أوتامسي وبلند الحيدري وإميل حبيبي ومنير بشير ومحمود أمين العالم ومحمد عزيز الحبابي وصلاح أحمد ابراهيم...؟ لا أحد يستطيع أن يجزم، كما لا يمكن لأحد أن يوقف حركة الأشياء. يكفي لمن يشعر بالغربة، أو بالقلق، من تغيّر الأحوال في أصيلة أن يدلف من باب الحومة ليهيم على وجهه في الأزقّة، فإذا عبر بزاوية سيدي محمد بن مرزوق، ليس عليه سوى أن ينعطف يساراً ويمشي في اتجاه حائط سيدي منصور. هناك يمكنه أن يتأمّل أمواج المحيط المتلاطمة التي جعلها المليحي شعاراً للموسم والمدينة، ويفكّر في أحوال الدنيا. وربّما كان الوقت قد حان كي يهبط من باب البحر، عند برج سيبستيان الذي تمّ ترميمه أيضاً، ليجلس أمام فنجان "تاي" في "مقهى الصيّادين"، يدخّن ويستمع إلى المغنّي الضرير، ويتفرّج على الغروب. أليست قيمة الأشياء، في المحصلة الأخيرة، ما نضع فيها من نفوسنا؟ "دار ثقافات العالم" باتت شريكة رسميّة، ثابتة، ل "مؤسسة منتدى أصيلة" في تنظيم التظاهرة، ما انعكس غنىً وتنوّعاً على برنامج المهرجان. فقد حرص شريف الخزندار على اشراك أسماء وفرق وتجارب منوّعة، هي ثمرة متابعته الدقيقة للثقافات والفنون النائية التي ينساها أو يتناساها المركز الأوروبي. كما كان يصعب على الضيوف والمشاركين أن يتفادوا مساعِدته الزميلة أرواد إسبر المثابرة في الكواليس، تتابع التفاصيل الكبيرة والصغيرة، وتراقب بعين خبيرة حسن سير النشاطات. مفاجأة سعوديّة وإذا كان لندوات الأدب الافريقي والموسيقى الأندلسيّة والفنّ المعاصر ومشاكل العولمة حصّة الأسد من برنامج "موسم أصيلة"، إضافة إلى تسليم جائزة تشيكايا... فإن الليالي "الزيلاشيّة" كان لها أيضاً نصيبها من الحيويّة والامتاع، بفضل مجموعة من الفنانين من المغرب والسعودية وغينيا وافغانستان ولبنان والارجنتين. وكانت مفاجأة أصيلة هذا العام المطرب السعودي محمد عبده الذي لم يكن قد أعلن عنه في البرنامج. وما أن سرى نبأ حفلته حتّى تدافع الجمهور من أهل المدينة والمصطافين، ومن المشاركين، على قاعة المسرح لابتياع التذاكر التي قفز ثمنها إلى 50 درهماً، فيما يراوح سعرها العادي بين 10 و20 درهماً للحفلات الأخرى. وكان الفنان السعودي على مستوى التطلّعات، فغنّى ورقص الناس وهتفوا، وتذوّقوا الطرب الأصيل من خلال أغانيه القديمة والمواويل العربيّة التي أدّاها... وأجمع روّاد الموسم على كون تلك الأمسية من اللحظات النادرة التي ستدخل السجل الذهبي للمهرجان. وقدّم الموسيقي الافغاني الشاب هيومان فرزان نماذج من موسيقى بلاده والموسيقى المتحدرة من شمال الهند. كما جاء اللبناني نداء ابو مراد مع كمانه، ليحيي سهرة "سماع العاشقين" مصحوباً بصوت سيلفي حداد ومحمد سعيد الشامي. أدّت المجموعة قصائد لرابعة العدوية، والحلاج، وفريد الدين العطار، ومحيي الدين بن عربي... مروراً بنصوص لفرنسيس الاسيزي، وميخائيل نعيمة. فيما شارك عازف البيانو ذو الشهرة العالمية مغيل انخيل استريا الارجنتيني من اصل لبناني بمختارات من الموسيقى الكلاسيكية. وككلّ عام أحيت فرقة الكناوى حفلتها، كما صفّق الجمهور طويلاً لفرقة تقليديّة آتية من البينين. مؤتمر الأدب الافريقي أما أبرز الأحداث الفكريّة في "موسم أصيلة"، فكان "المؤتمر الأول لكتّاب افريقيا" الذي احتضن حواراً متعدد الأبعاد والأصوات، حول وضع الأدب والكتاب في القارة السمراء،. شارك في أعمال المؤتمر عشرات الأديبات والأدباء من مختلف الدول الافريقيّة، ونظّمته "جامعة المعتمد بن عبّاد" بالاشتراك مع الأونيسكو واتحاد كتاب آسيا وافريقيا الذي غاب رئيسه لطفي الخولي من دون سبب معلن، كما غاب أحمد عبد المعطي حجازي وعبد الفتّاح كيليطو ومحمد الفيتوري صاحب "أحزان إفريقيا" وبعض الكتّاب العرب الأفارقة الذين كنا نتمنّى مشاركتهم في هذا الحدث المهمّ. واشكاليات الأدب الافريقي والحضارة الافريقيّة لم تكن يوماً بعيدة عن أصيلة. فالمدينة التي أرادت لنفسها أن تحتضن حوار الشرق والغرب، الشمال والجنوب، المشرق والمغرب، كما سعت لأن تكون جسراً بين المغرب واسبانيا بين العرب وأوروبا وأميركا... خصّت افريقيا بموقع الصدارة منذ شارك الشاعر والرئيس السنغالي السابق ليوبولد سنغور في تأسيس "المنتدى الثقافي العربي الافريقي" مطلع الثمانينات. وجاء اقتران مصير الموسم بأحد رموزه، الشاعر الكونغولي فليكس تشيكايا أوتامسي الذي تمرّ هذا العام الذكرى العاشرة لرحيله، وتخصيص جائزة للشعر الافريقي تحمل اسمه، ليعززان هذا الموقع ويؤكدانه. لكنّ انعقاد المؤتمر، وهو مبادرة فريدة من نوعها، يجيء في مرحلة صعبة، بعد انفجاري نيروبي ودار السلام، وعشيّة زحف المتمردين على كينشاسا، ليذكّرنا بأن إفريقيا هي قارة المجاعات والويلات والأمراض والحروب والكوارث. القارة التي حاز أدباؤها على نوبل ثلاث مرّات، شنق أيضاً أحد كتّابها بالأمس لتَعارض كتاباته مع مصالح احدى الشركات العالميّة الكبرى. وها هم هؤلاء الكتّاب يلتقون ليتساءلوا حول دورهم وموقعهم من المجتمع... ليخوضوا في قضايا الالتزام والهويّة والعالميّة. ليتذكّروا أنّ بعضهم يجهل البعض الآخر، وأن تشتت القارة من تشتت لغاتها ولهجاتها، بحيث تبدو الفرنسيّة والانكليزيّة من اللغات الافريقيّة الجامعة. ما المسافة الفاصلة بين التقاليد الشفاهية والأدب المكتوب، تساءل بعض المشاركين؟ هل الهمّ السياسي يجب أن يطغى على الشاغل الجمالي والابداعي؟ آلكونغولي هنري لوبيز كان محرّك الجلسات ومنشّطها، وبدا الطيّب صالح في موقع الحكيم الذي يسهر على دفع النقاش في اتجاه معيّن، أو على التوقّف عند الدروس والعبر. فؤاد العروي الذي برز في باريس تناول العلاقة الجدليّة باللغة، فيما تكلّم عزّوز بكاك باستفزازيّة عن تجربة أبناء الجيل الثاني للهجرة في أوروبا. وشارك ستانيسلاس سبيرو أدوتيفي بينين في مناقشة المحليّة، وإليزابيت مودينفي كونغو في تسليط الضوء على سلطة المتخيّل. فيما خاض ولسون كاتيو زيمبابوي في دور الكاتب في المجتمع، وتانيلا بونيي ساحل العاج في لاجدوى الكتابة. وأصرّت كاليكس بيالا على الخصوصيّة الافريقيّة، متّهمة الذين يرفعون لواء العالميّة بالرزوح تحت عبء مركّبات نقص. وكان بين أبرز المشاركين السينمائي والكاتب السنغالي عثمان سمبين. وخاض كثيرون في مسائل الزنوجة باحثين عن نقاط الالتقاء والافتراق بين سنغور وإيميه سيزير وول سوينكا من جهة، ومحمد ديب وكاتب ياسين ونجيب محفوظ من الجهة الأخرى. ولوحظ ضعف التمثيل المغربي في النقاش، فعبد القادر الشاوي ظهر سريعاً في القاعة مع الجمهور، وإدريس الخوري تدخّل من القاعة أيضاً ليشير سريعاً إلى أزمة الكتاب في المغرب. ووجّه حسّونة المصباحي اصبع الاتهام إلى اللغة المغشوشة، فيما تناول ابراهيم عبد المجيد قضايا الأدب الافريقي انطلاقاً من تجربته المصريّة. وبين المداخلات التي لفتت الانظار وأثارت الاهتمام، تأملات إدوار الخرّاط في دور الكاتب: "أيمكن أن يكون لهذا الكاتب وظيفة في مجتمع يزداد فيه القهر وطغيان وسائل الاعلام الجماهيريّة؟ مجتمع تزداد فيه وطأة غسيل المخ، يوماً بعد آخر..." في حين ما تزال رواسب المعتقدات والتقاليد حاضرة بقوّة؟ كما قدّم الثنائي المصري محمود حسين بهجت النادي وعادل رفعت مداخلة قيّمة بعنوان "واجب الحريّة": "مواجهة الحياة من دون المباركة الأبويّة، يعني بالضرورة التخلّي عن مناعة الطفولة وامتيازاتها، لخوض مغامرة الحريّة". ودعا الثنائي إلى احلال لغة العقل وقيم الحريّة في المرتبة الأولى من أهداف الكاتب العربي والافريقي. وتوصّل المؤتمر إلى قائمة من المقرّرات والتوصيات، أبرزها تأسيس "البيت الافريقي للكتّاب"، على أن يكون مقرّه أصيلة، ليشكل نقطة التقاء وتواصل وضيافة، ويتوالى عليه الكتّاب الأفارقة في اقامات ابداعيّة، ويتولّى التعريف بالأدب الافريقي عبر نشره وترجمته وترويجه وتسويقه في العالم. ومن المفترض أن يتولّى البيت الافريقي للكتّاب، مهمّة استحداث موقع انترنيت لتبادل المعلومات والابداعات ووجهات النظر وتسهيل التواصل وتوفير المعطيات والنصوص. حديقة تشيكايا وكانت جائزة تشيكايا أوتامسي للشعر الافريقي من نصيب مواطنه الشاعر الكونغولي جان باتيست تاتي لوتار الذي يشغل منصب وزير الطاقة والنفط في بلاده منذ العام 1997، بعدما كان وزيراً للثقافة والتعليم العالي. أقيم احتفال تسليم الجائزة في حديقة تشيكايا عند دور المدينة القديمة، حيث أعلن لوبيز اسم الفائز، ووجه محمد بن عيسى تحيّة للفائز ولذكرى تشيكايا، وألقى الشاعر التونسي الطاهر البكري قصائد في المناسبة. وكانت اللحظة المؤثرة هي قيام فرقة افريقيّة بالانشاد والرقص تحيّة لتشيكايا ولتاتي لوتار. بعدها عاد المؤتمرون والجمهور إلى قاعة المؤتمرات، حيث تمت قراءة البيان الختامي. وتعاقب على الكلام هنري لوبيز الذي عرّف بالشاعر الفائز وبتجربته، ثم تاتي لوتار الذي شكر أصيلة على هذا الشرف، وألقيت قصائد له بالعربيّة والفرنسيّة. وتكلّم الطيب صالح بأسلوبه العذب، وصوته الهادئ ليذكّر "أن العام يبدو ناقصاً إذا لم يأتِ المرء إلى أصيلة. أصيلة التي تدخل عامها العشرين، فتاةً جميلة مورّدة الخدود، استوت وأصبحت فتنة لناظريها. إنّها من الأماكن النادرة في العالم العربي حيث يبذل جهد لمواجهة القضايا الصعبة التي يهملها الناس...". وكانت الكلمة الأخيرة لمحمّد بن عيسى: "أصيلة مدينة المشاغبين وغير المرغوب فيهم"، قال، "لم نكد نتعارف حتّى آن وقت الفراق. لكن ستكون لنا لقاءات كثيرة لاحقة. نشعر بالغصّة ربّما، لكن روحيّة أصيلة ينبغي أن تستمرّ". وانفضّ الجمع، في انتظار مواعيد أخرى، وأحلام جديدة