لم تصاحب جوائز الدولة التقديرية والتشجيعية في مصر الضجة المعتادة التي تثار عادةً فور الاعلان عنها. وهذا الهدوء على الجبهة الثقافيّة القاهريّة، ربما كان مرده إلى كون الأسماء التي وقع عليها الخيار عن عام 1997، لا تقبل أي مجال للأخذ والردّ، وتبدو شرعيّتها أقوى من حملات الاحتجاج التي تتعالى في مثل هذه المناسبة. ذهبت الجوائز هذا العام إذاً إلى مبدعين بارزين، يحققون الاجماع بغض النظر عن معاركهم الكثيرة. مُنحت الجائزة التقديرية، وهي أعلى جائزة تمنح في مصر إلى أحمد عبد المعطي حجازي، أبرز شعراء مصر الأحياء، على الرغم من قلّة انتاجه، بل انعدامه، في الفترة الأخيرة. لكن انجازاته الشعرية ومساهماته الثقافيّة والمعارك النقديّة والفكريّة التي خاضها باسم التنوير والحق في الاختلاف، كانت بلا شكّ من دوافع منحه الجائزة. وفاز بها أيضاً بهاء طاهر، أحد الروائيين المصريين الذين أثاروا اهتماماً واسعاً في السنوات الأخيرة. وفوز صاحب "الحبّ في المنفى" يفتح الطريق أمام جيل الستينات للحصول على هذه الجائزة التي لم بات يوسف القعيد وابراهيم اصلان وجمال الغيطاني ومحمد البساطي وجميل عطية ابراهيم وخيري شلبي وصنع الله ابراهيم ومجيد طوبيا من المرشّحين الضمنيين لها. أما فوز الدكتورة فاطمة موسى بالجائزة لاسهاماتها المهمة في الترجمة آخر مساهماتها "المثنوي" لجلال الدين الرومي، فقد يأتي مثيراً للجدل بالنسبة إلى البعض. اذ تمّ استبعاد كل من رجاء النقاش المعروف بمساهماته النقديّة المتنوّعة التي قدّمت الأدب لعامة الناس، وإدوارد الخراط الذي شكلت كتاباته الابداعيّة والنظريّة العمود الفقري للأدب المصري الطليعي في العقود الماضية. وفي مجال الفنون كانت الجائزة من نصيب توفيق صالح صاحب "المخدوعون" و"درب المهابيل". وهذا السينمائي المقلّ، يحظى بمكانة خاصة على خريطة الفنّ السابع، في مصر والعالم العربي. كما فاز في فرع العلوم الاجتماعيّة وزيران: مفيد شهاب التعليم العالي وحمدي زقزوق الأوقاف. ومن ناحية أخرى فاز 14 أديباً وباحثاً بجوائز الدولة التشجيعية حجبت في 12 فرعاً، بينهم: محمد زكريا عناني عن كتابه "الادب المقارن"، ودرويش حنفي الاسيوطي عن ديوانه "من اسفلت القلب"، ومحمد السيد عيد عن نصه الاذاعي "الصقر"، وعبد الوهاب الأسواني عن رواية "النمل الابيض"... ومن المتوقّع أن ترفع قيمة جائزة، الدولة التقديرية والتشجيعية، ابتداء من العام المقبل. فقد وافق مجلس الشعب على أن تصبح الأولى 50 ألف جنيه بعد أن كانت 5 آلاف جنيه، والثانية 10 آلاف جنيه بعد أن كانت ألف جنيه. ولعلّ ارتفاع القيمة المادية لتلك الجوائز، ليوازي قيمتها المعنويّة، سيساهم في خلق أجواء تنافسيّة أكثر توتّراً وحدّة وتشويقاً!.