جاءت الحكومة الخامسة في عهد الوحدة اليمنية مجردة من أي تغيير أو تجديد يميزها عن سابقتها، باستثناء ثلاثة وزراء جدد واستحداث حقيبة جديدة ل "وزير الدولة عضو مجلس الوزراء"، وهي الحقيبة الثلاثون، إضافة إلى تعديل في المواقع شمل أربعة وزراء هم عبدالقادر باجمال من التخطيط والتنمية نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية، وعبدالرحمن محمد علي عثمان من التموين والتجارة وزيراً للصناعة، وأحمد محمد صوفان من الصناعة وزيراً للتخطيط والتنمية، وأحمد علي البشاري وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء وزيراً لشؤون المغتربين. وخرج من الحكومة، إلى جانب رئيسها الدكتور فرج بن غانم، وزير واحد هو عبدالله صالح سبعة وزير شؤون المغتربين. وظل 27 وزيراً في الحكومة الجديد منهم 22 في أماكنهم، أي أن التغيير لم يتجاوز 10 في المئة، الأمر الذي أثار انتقاداً واسعاً لدى السياسيين من مختلف الأحزاب والاتجاهات من دون استثناء، لأنهم اعتبروا ان "هذا التشكيل جاء محبطاً ومخيباً للأمل" حسب ما قاله ل "الوسط" مصدر أكاديمي، فيما وصفها ل "الوسط" الأمين العام للحزب الاشتراكي علي صالح عباد مقبل بسخرية واضحة بالمثل الشعبي اليمني "ديمة غرفة المطبخ وقلبنا بابها". بمعنى أن شيئاً لم يتغير فيها سوى رئيسها. وكان الرئيس علي عبدالله صالح قال في أول اجتماع عقدته الحكومة برئاسته: "حرصنا على أن تستمر الحكومة كما هي من دون تعديل نظراِ إلى ما تقتضيه المصلحة العليا وحرصاً على تنفيذ برنامج الاصلاح من دون إرباك". كما أكد قادة المؤتمر الشعبي العام ان كل هذا الانتقاد والاستنكار "لا معنى ولا مبرر له"، حسب رئيس الدائرة الإعلامية في اللجنة الدائمة المركزية. وأوضح محمد يحيى شنيف ل "الوسط" ان التغيير في هذه الحكومة أمر غير وارد ولا مستهدف "لأنها تأتي امتداداً لسابقتها"، معتبراً أن التشكيل الجديد جاء خياراً مفروضاً على الحكومة واجراءاً دستورياً نتيجة استقالة رئيسها بعد عام واحد من فترتها ولم يأت لغرض التغيير "ولو كان التغيير هو الغرض لتم عبر شكل تعديل وزاري من دون حاجة إلى تشكيل حكومة جديدة". وفي هذا إشارة واضحة إلى أبرز الأسباب لإستقالة بن غانم والخلاف على مطالبه التي تقدم بها إلى الرئيس صالح، وفي مقدمها إدخال تعديل على الحكومة يتم من خلاله استبدال بعض الوزراء الذين لم يستطع التعاون معهم، وبالتالي فلو دخل تغيير واسع على التشكيل الجديد لظهر عدم الموافقة على التعديل وكأنه مجرد وسيلة لإزاحة رئيس الحكومة السابقة، وهذا ليس وارداً لدى قادة المؤتمر. ويرى كثيرون ان قادة المؤتمر أضاعوا فرصة سانحة للتغيير "لأن الحكومة السابقة، وهي أول حكومة يشكلها المؤتمر منفرداً، فقدت ثقة الرأي العام بها نظراً إلى عجزها عن أداء مهمتها كما كان منتظراً، حسب الدكتور فارس السقاف رئيس "مركز دراسات المستقبل"، الذي أضاف ان التغيير "ولو بنسبة 50 في المئة كان سيعزز الثقة بحكومة المؤتمر ويبعث على التفاؤل حتى ولو جاء شكلياً، خصوصاً ان اكثر القضايا القائمة إلحاحاً تمس أهم الجوانب في حياة الناس وهي المعيشية والأمنية. وعلى عكس هذا الرأي في ما يتعلق بتغيير الاشخاص، يرى آخرون ان "القضية ليست قضية اشخاص، حسب السياسي والاستاذ في جامعة صنعاء الدكتور محمد عبدالله المتوكل، الذي رأى "انها قضية إرادة سياسية ومشروع وطني ومن دونهما تتحول الحكومة إلى سيف من خشب". وكما يرى فإن الإدارة والمشروع "غير موجودين اطلاقاً، لذا فإن تغييراً لن يحدث مهما تعددت الحكومات والأسماء"، واستدرك قائلاً: "قد يعمل المؤتمر شيئاً من خلال هذه الحكومة، لكنه لن يكون شيئاً ذا بال". وأشار المتوكل إلى أن التشكيل الجديد "راعى في رئيس الحكومة العلاقات مع الأصدقاء وفي وزير الخارجية العلاقات مع دول الجوار". من جانب آخر، يكاد يتفق المراقبون والسياسيون على أن هذه الحكومة تتحمل مسؤولية ثقيلة حيال مهمات صعبة وملحة "وتتجمع أولى الأولويات في عملية الاصلاح الاقتصادي والمالي والإداري واصلاح الأمن والقضاء"، حسب وزير الثقافة والسياحة عبدالملك منصور، الذي تمنى ان تكرس الحكومة جهودها "في اصلاح الأمن والقضاء والإدارة أولاً"، مؤكداً أنها "ستواجه ظروفاً صعبة نتيجة انخفاض أسعار النفط". وذكرت مصادر مطلعة في رئاسة الحكومة ان هناك تركيزاً من قبل القيادة السياسية وقادة حزب المؤتمر على مواجهة القضايا والمشاكل القائمة بقرارات ومعالجات حاسمة "لأن ترك بعضها معلقاً أساء إلى الحكومة وأثار تذمراً لدى قادة المؤتمر وكتلته النيابية". وأشارت المصادر إلى أن "هناك مشاريع خطط لاصلاح القضاء والأمن"، وأنه يترتب على تنفيذها اجراء تغييرات واسعة في كثير من المواقع وتعزيز أجهزة الأمن بقوة، وان تطبيق القانون بحق مرتكبي الخطف والتفجيرات ستبدأ مع بداية تنفيذ الخطة"، كما ان الإعداد لتنفيذها يجري بوسائل ووتائر متنوعة ومنها "تدريب مجموعات من عناصر الأمن على مكافحة الجريمة في أكثر من مكان". وأكدت المصادر اهتمام الرئيس صالح بهذه القضايا وأن تبدأ الحكومة بتنفيذ القرارات التي تم اتخاذها في فترات سابقة بشأن الاصلاح المالي والإداري، "وخاصة قرارات ترشيد الانفاق التي لم تنفذ حتى الآن". وأوضح ان تنفيذها اليوم أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى ضمن بدائل الانخفاض في أسعار النفط الذي فرض على الحكومة تخفيض موازنتها العامة بنسبة تزيد عن 30 في المئة. وبصفة عامة يؤكد اعضاء الحكومة الجديدة والوزراء المعنيون ان "القضية الاقتصادية قضية استراتيجية يدخل في نطاقها ويرتبط بها كل القضايا الأخرى الاجلة والعاجلة"، كما قال ل "الوسط" عبدالرحمن محمد علي عثمان وزير الصناعة، وأضاف ان "برنامج الاصلاح الاقتصادي ينطلق من هذه الحقيقة". وتجمع المصادر السياسية على أن الارياني يتمتع بثقة واسعة من جانب الرئيس صالح بصورة لا ينافسه فيها أحد، وأنه مستشاره الفعلي في شتى المسائل والقضايا والقرارات، كما ترى المصادر ان اختيار باجمال نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للخارجية يفيد في تطوير العلاقات الخارجية مع دول الجوار نظراً إلى علاقته الحسنة وخبرته في هذا المجال وديبلوماسيته المعروفة، وهو "يأتي معادلاً سياسياً وموضوعياً في إطار القيادات الرئيسية لسلطات الدولة الثلاث". وهي معادلة تدخل ضمن التوازنات التي يحرص القادة في صنعاء على وضعها في الاعتبار عند اتخاذ أي قرار بحجم تشكيل الحكومات المتعاقبة، خصوصاً حكومات ما بعد الوحدة، وفي ظل تعدد الأحزاب والأقطاب 0