سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
هل كتب روايته "الشمعة والدهاليز" دفاعاً عن الاسلاميين ؟ . الطاهر وطار في حوار عاصف حول الأدب والارهاب : فقدان الأمل في التغيير السلمي يولد التطرف والجنون
"المثقف الوحيد المستهدف أو المهدّد في الجزائر اليوم، هو المثقف الذي يخدم السلطة" هذا ما يؤكّده الطاهر وطّار. وليست المرّة الأولى التي يثير هذا الأديب الجزائري الاستغراب، متجرئاً على تبرير أعمال العنف في بلاده، أو على الأقلّ محاولة فهمها. لكن صاحب "اللاز" الذي يحمّل بعض أقرانه مسؤوليّة التعامل مع الحكم، يتميّز في هذا الحديث بموقف نقدي جديد من الجماعات المسلّحة، إذ يعلن أن "جرّ الحركات الاسلامية إلى العنف البشع مؤامرة مدبرة من قبل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد"، بغية إضعاف القوى التي تقاوم مصالح الشركات المتعدّدة الجنسيّات ... الطاهر وطّار كاتب اشكالي، يزال يثير الجدل على أكثر من صعيد. معه الأدب يقود إلى السياسة، والسياسة تردّ إلى الأدب. كلاهما متلازمان في مسيرته الصاخبة، الباحثة عن يقين في قلب مجتمع جزائري هائج، متصدّع، هو أحد رموزه وأصواته المميّزة. مواقفه المعارضة جعلته، في عزّ حكم الحزب الواحد، لا يعرف الوقوف على الحياد... ثم جاءت دوّامة الدم لتضاعف راديكالية مواقفه. فقد فاجأ صاحب "اللاز" أقرانه، إذ غرّد خارج السرب ورفض توجيه اصبع الاتهام الصارمة، بوضوح، إلى الجماعات المتطرّفة، عندما بدأ أهل الاعلام والأدب والفكر والابداع والعلم والفنّ والتعليم يتساقطون برصاص الغدر والارهاب. وأثار وطّار ردود فعل كثيرة، متضاربة، واتهمه عدد من الكتّاب بالخيانة والانهزاميّة والتخلّي، فيما اعتبر آخرون أن صاحب الوعي النقدي يحاول أن يفهم، وأن يبتعد عن الظواهر السطحيّة ليغوص في جراح الداخل المتشابكة. وحين امتنع رئيس "الجاحظيّة" عن توجيه ادانة صريحة للجماعات المسلّحة بعد اغتيال رفيقه يوسف سبتي، ازدادت الانتقادات حدّة. هل تحوّل المثقّف اليساري إذاً، إلى داعية ل "الجماعات الاسلاميّة المتطرفة"؟ في هذا القول شيء من التجنّي والكثير من الاختزال. هل يحاول ايجاد تبريرات للمتطرّفين، بعد أن قارع المثقّفين التقدّميين الذين التجأوا إلى حضن السلطة ليحتموا من العنف، وانقطعوا بذلك عن الشعب بل انقلبوا عليه؟ لا شك في أن الحقيقة الجزائرية الشائكة، المعقّدة، والدامية، لا تسمح بأي حكم نهائي، ولا تتسع لأي يقين. بل ان مواقف وطّار نفسها متناقضة، كما يشهد هذا الحوار العاصف الذي أردناه سجالياً واتهاميّاً على صورة الرجل ومثاله. فهو تارة ينظر إلى الأمور بعقلانيّة، وطوراً يترك نفسه ينجرّ وراء أحكام واتهامات غير منطقيّة وخطيرة. استمعنا إلى صاحب "الشمعة والدهاليز"، وناقشناه في أبعاد ومغزى روايته الأخيرة التي لم تسلم من النقد. فأوضح وجهة نظره، وأكّد أنّه أصبح كثير التأمل في قضايا الموت والحياة والخلق والطبائع البشرية. ولعلّ هذا الحوار سيكون فاتحة نقاشات جديدة، من أجل اشراك أكبر عدد مكن من الأصوات في محاولة الاحاطة بالواقع العربي المتأجّج عند اعتاب قرن جديد. كيف يعيش وينشط مثقفو "الداخل" الجزائري اليوم، في ظل الأوضاع الأمنية والسياسية المتأزمة؟ - دائماً عندما يثار الحديث عن المثقفين، يحدث نوع من التعميم والخلط بين الصحافي والفنان والأديب من ناحية، وبين "المتعلم"، عموماً، طبيباً كان أم جامعياً أم محامياً أم نحو ذلك. في حين أن أوضاع كل واحد من هؤلاء تختلف حسب موقعه وطبيعة وظيفته في المجتمع. وبشكل عام، اذا ما استثنينا من اختاروا الهجرة من الجزائر أو اضطروا إليها لسبب أو لآخر، هناك نوعان من الحياة التي يعيشها المثقفون: الصحافيون بشكل خاص، وبعض الكوادر من محامين وجامعيين ممن اقتربوا كثيراً من السلطة، يعيشون في اقامات محمية في "سيدي فرج" أو "مازفران". أما سائر الأدباء والفنانين والجامعيين والقضاة، فهناك طبعاً مناطق معيّنة يتفادون دخولها، وطرقات يتجنبون سلوكه، لكنّهم يعيشون حياة طبيعية، مثلهم مثل باقي الشعب. ألتقي هنا في مقر جمعية "الجاحظية"، شخصيات وأساتذة وكُتاباً كثيرين يأتون من مناطق بعيدة مثل الجلفة أو عنابة، أو "قسنطينة". وحين أسألهم هل جاؤوا بالطائرة أو عن طريق البر، يجيبونني في الغالب أنهم جاؤوا عبر الطرق البرية بالسيارة أو بالحافلة أو القطار، وهم يقومون بمثل هذه الرحلات، بشكل عادي، مرات عدة في الشهر. وأعود فأقول إن المثقف المستهدف أو المهدّد هو المثقف الذي يخدم السلطة. ربما استثنينا من هم في قطاع الصحافة، فهؤلاء مستهدفون بشكل عام. ولكن يجب ألا نغفل أن الصحافة تُعتبر طرفاً مباشراً في الصراع الجاري… لم تعد الاغتيالات تخضع لأية قاعدة، بل صارت تستهدف جميع الاعلاميين بصرف النظر عن مواقفهم وآرائهم، في حين كانت تستهدف في البدايات 93 -94 الصحافيين الذين اتخذوا موقفاً صريحاً ضد "الجماعات الاسلامية المسلحة". - لا، بالعكس. أعتقد أن هناك عملية انتقائية، وقوائم محددة بدقة. فالعمليات، حسب ما توصّلنا إليه في استقصاءاتنا، تتم بترصد وتتبع وتخطيط مسبق، بحيث يستحيل للأسف على من تصمّم عليه "الجماعات" أن ينجو من التصفية. وإلى جانب مثل هذه الاغتيالات المدبرة بدقة متناهية، هناك الموت العام الذي لا يستثني أحداً. وأنا ضد التمييز بين ضحايا العنف، تبعاً لانتمائهم إلى النخبة الثقافية أو إلى عامة الشعب! لنأخذ يوسف سبتي وبختي بن عودة مثلاً، وكلاهما من أعضاء الهيئة الاداريّة في جمعية "الجاحظية" التي تترأسونها. لم يعرف عن أي منهما أنّه كان مقرّباً من المؤسسة الحاكمة أو مؤيداً لها. بل ان بعض ضحايا الاغتيالات الأخيرة من التلفزة كان من المحسوبين على التيار الاسلامي ذاته، كحسن بن عودة أو رابح زناتي. ألم يكتشف المتطرّفون أن اغتيال مثقّف أو فنّان "مربح" لهم اعلاميّاً، أكثر من اغتيال شرطي مثلاً أو ضابط في الجيش؟ - لا أريد أن يُفهم من كلامي أنني أسعى للدفاع عن القتلة، ولكن العديد من عمليات الاغتيال التي ذكرتها تُثار حولها علامات استفهام كثيرة! فيوسف سبتي، لم يرد حتّى اليوم في أي تقرير أو وثيقة حكومية أو غير حكومية انه تم القبض على مشتبه بقتله، ولم يصدر أي بيان يتبنّى الاغتيال عن "الجماعات المسلحة"، كما يحدث عادة… هذا لا يبرّئ أحداً بالضرورة، ولكن من يدري؟ كان سبتي يعيش وحيداً في حي معزول في "وادي السمار"، وقد يكون قتل من قبل لصوص، أو ذهب ضحية انتقام مدبر من أحد الجيران. أنا شخصياً لا أستبعد أن تكون المخابرات الفرنسية وراء قتله، ولم لا؟ فهو الأستاذ الوحيد الذي كان يقبل مناقشة الرسائل الجامعية المكتوبة باللغة العربية في معهد العلوم الفلاحية في الحراش، حيث كان يدرّس. وهو الوحيد الذي اعترض على تسلط معهد العلوم الفلاحية الفرنسية في مدينة غرونوبل على معهد الفلاحة الجزائري. يوسف سبتي كان أيضاً الوحيد الذي تجرأ على استفزاز السفير الفرنسي بشكل مباشر في ملتقى للفلاحة الصحراوية، انعقد في مدينة غرداية. وكان الجامعي الجزائري الوحيد الذي تجرأ على المشاركة في ملتقى الفلاحة السهبية في تونس: الآخرون قاطعوه لأن مؤسسات ألمانية وراء تنظيمه، لا مؤسسات فرنسية ! هل تعتقد فعلاً أن ذلك يجعل من يوسف سبتي شخصاً بهذه الخطورة، كي تتولّى مخابرات دولة عظمى تصفيته؟ - ليست لدي قرائن ملموسة تسمح لي بتوجيه اتهام صريح لجهة معينة. كما أن هدفي ليس تبرئة أي جهة أخرى. أنا أطرح تساؤلات مبنية على شكوك ومعطيات محددة، تجعلني أرفض وضع كل الضحايا في خانة واحدة، والقاء مسؤولية اغتيالهم جميعاً على "الجماعات المسلحة". فالعديد من الاغتيالات كان في الحقيقة مجرد تصفية حسابات سياسية أو حتى شخصية، كما هو الحال بالنسبة إلى اغتيال مدير التلفزيون الجزائري السابق مصطفى عبادة. الأرجح أن مقتله لم تكن له أية علاقة بالسياسة أو الثقافة، بل هو مجرد "جريمة حق عام"، كما يقال في التعبير القانوني. أما بالنسبة إلى الصحافي والشاعر بختي بن عودة، فأنا أعتبر أن الصحافة الجزائريّة هي التي تتحمل مسؤولية مقتله! وأقولها صراحة، أنا الطاهر وطّار اتهم رسمياً جريدة محليّة واسعة الرواج بقتل بختي بن عودة. فقد شنت عليه حملة شرسة اتهمته فيها بأنه "صهيوني"، لا لشيء الا لأنه نظم في وهران ملتقى حول فكر جاك دريدا! وبناء على تلك الاتهامات وضع على "قائمة المغضوب عليهم" وتمت تصفيته. إنسداد آفاق المستقبل لنعد إلى "حديث الأدب"، وتحديداً إلى روايتك الأخيرة "الشمعة والدهاليز" التي أثير جدل كبير حولها واعتبر بعض من أهل الأدب والقرّاء أنّها، إن لم تشكّل دفاعاً صريحاً عن "الجماعات الاسلاميّة"، فهي على الأقل محاولة لايجاد مبررات وتفسيرات اجتماعية أو سياسية أو ثقافية لنشأة هذه الجماعات وأسباب تبنيها أسلوب العنف. الآن، وبعد كل الدماء التي أُريقت، والمجازر الجماعية التي تُرتكب ضد عامة الناس، أما يزال الطاهر وطار عند رأيه؟ وهل يمكن الاجتهاد لايجاد تفسيرات عقلانية لظاهرة عنف أعمى لم يعد يخضع لأية قاعدة منطقية؟ - "الشمعة والدهاليز" نشرت مرتين في مصر: في جريدة ثقافية واسعة الانتشار هي "أخبار الأدب"، ثم عن "دار الهلال" في طبعة شعبية رائجة هي الأخرى. كما صدرت أيضاً في الأردن عن "مؤسسة الدراسات العربية". ولم يتجنّ عليها أحد كما حصل في الجزائر، مع ان أخواننا في القاهرة وعمّان ودمشق وبيروت يحسنون قراءة العربية! الذين قاموا بهذه الاسقاطات على الرواية، إنما هم بعض "أشباه الكُتّاب" ممن لا شغل لهم سوى محاولة طمس غيرهم من الكتاب. شخوص رواية "الشمعة والدهاليز" من الاسلاميين. وأنا تعاملت معهم بموضوعية، وتحملتهم إلى النهاية، مثلما تحملت بالموضوعية نفسها بطل روايتي "الزلزال" الذي لا أتفق معه في الرأي، فهو من كبار الاقطاعيين. ورأيي واضح وثابت في هذا المجال: لا نستطيع أن نكون أدباء حقيقيين اذا لم نتكئ على مثل هذا الصدق الفني والسياسي والحضاري. انطلقت في روايتي الأخيرة من معادلة منطقيّة معروفة، هي أن العنف لا يمكن أن يولد الا العنف. نظرت من حولي، فلم أجد سوى حكّام يتشبثون بالسلطة مهما كان الثمن. وهذا الأمر لا يمكن ان يدفع بالناس الا إلى الجنون. وإذا تابعنا نشرات الأخبار في أي تلفزيون رسمي، سنجد ان نشرات الأخبار هذه لا تقل عنفاً عن بيانات المتطرفين. وبالطبع، إنسداد آفاق المستقبل بشكل كامل، وفقدان الأمل نهائياً في امكانية التغيير السياسي السلمي، لا يمكن الا ان يدفع بالناس إلى الجنون. هذا ما أقوله في روايتي، حيث أصف "الحالة الجزائرية" بالجنون فعلاً. وأنا لم أدافع عن الجماعات الاسلامية، ولم أبحث عن مبررات للعنف والقتل، كما يشيع البعض ممن يتجنّون على الرواية، ومعظمهم لم يقرأها أصلاً. قلت إن الجنون مبرّر، ومهما كانت درجته، فإنها لا تعفينا من البحث عن دوافع هذه الحالة وجذورها. ما دامت الدوافع قائمة، فإن الجنون سيبقى ماثلاً أمامنا. ربما تتغير أشكاله وتمظهراته، ولكنه سيبقى قائماً ما لم نعالج الأسباب والخلفيات التي كانت وراء نشأته وتغذيته، حتى بلغ هذا القدر من العنف والدموية والبشاعة. ما "خلفيّات" هذا "الجنون" الذي يفضّل آخرون تسميته عنفاً اجرامياً؟ - في ظل ما نشهده حالياً من تطورات في مجال تكنولوجيا الاعلام، يتابع ملايين الناس في بلداننا يومياً أخبار الأمم الأخرى. فيسمعون مثلاً أن المسؤول الفلاني في دولة كبرى مضطر للمثول أمام القضاء. كما يسمعون عن وزراء سابقين أو حاليين يحاكمون ويسجنون في أكثر من دولة أوروبية، بسبب تورطهم في قضايا الفساد. وكل ذلك يدفع بالمواطن البسيط إلى التساؤل عن مصير المتورطين في قضايا مماثلة عندنا. يسأل الجزائريون أنفسهم: هل نحن ننتمي إلى العصر ذاته، أم اننا خارج التاريخ والزمن؟ وحين نتابع كيف لجأ الغرب إلى دعم كابيلا للاطاحة بموبوتو في زائير، ألا يحق لنا أن نتساءل لماذا لم يقدّم لنا هذا الغرب الدعم نفسه؟ كل هذا الاحباط يؤدي إلى افراز حركات ترفض القيم الديموقراطية الغربية التي تكيل لنا بمكيالين، فتسعى إلى ايجاد مرجعيات بديلة… مخاطر العولمة لنعد مرة أخرى إلى الأدب، على رغم صعوبة الفصل بينه وبين السياسة لديك. المعروف عن أعمال الطاهر وطار، من "اللاز" إلى "الزلزال" مروراً ب "الشهداء يعودون..."، أنها انصبّت دوماً على استشراف المستقبل. لكننا لا نجد في "الشمعة والدهاليز" ما ينبئنا بمآل الحركات المتطرّفة. فكيف تتصوّر تطورها؟ وهل كنت تتوقع اثناء كتابة الرواية انها ستنجرف نحو هذه الدموية العمياء؟ - لدى تناول جماعات العنف، علينا ألا نغفل السياق السياسي والاقتصادي العام. فالعالم يشهد منذ انهيار الكتلة الاشتراكية، سباقاً محموماً من قبل الشركات المتعددة الجنسيات للهيمنة على الاسواق العالمية، ودفع الشعوب إلى مزيد من الاستهلاك والتبعية. والاسلام كنمط حياة هو بالاساس ضد التبذير، ويدعو إلى كثير من التقشف وينادي بالاكتفاء بالحد الادنى الضروري من الاحتياجات. وهذا ما يفسر أسباب تحامل اميركا والشركات العالمية في البداية على الحركات الاسلامية، لأنها رأت فيها العدو الاساسي لما يسمى بالنظام العالمي الجديد، لمجرد انها وقفت سداً يحول دون اتمام هيمنتها المطلقة على العالم، بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. فالمد الاسلامي في مجتمعاتنا لا يخدم مصالح الشركات العالمية في المنطقة. الحركات الراديكاليّة لها نظرة مغايرة ومشروع مخالف لمشروع الشركات العالمية التي تريد تحويل شعوب العالم أجمع إلى مجرد تابعين لها، خاضعين تماماً لهيمنتها ومصالحها. لذا أعتقد أن جرّ الحركات الاسلامية إلى مثل هذا العنف البشع، يدخل ضمن استراتيجية الشركات العالمية، وأنه مؤامرة مدبرة من قبل ما يسمى بالنظام العالمي الجديد. وبغض النظر عن كون تفجير الجماعات الاسلامية من الداخل، عن طريق جرّها إلى مثل هذا العنف، يخدم مصالح بعض البورجوازيات المحلية الطفيلية، فاني أعتقد بأن المسألة تكتسي طابعاً أشمل. ولديّ قناعة راسخة بأن بعض الحركات الاسلامية المتطرفة وقع في الفخ المنصوب له، وأصبح اداة بيد الشركات المتعددة الجنسيات، والشركات الاميركية تحديداً. خصوصاً أن أميركا كانت على علاقة وثيقة ببعض هذه الحركات، وكانت تدعمها بشكل خفي في فترة الحرب الباردة. وما يحدث الآن في الجزائر وفي دول عربية أخرى، هو عملية تصفية مخطط لها بدقة، وتدخل ضمن مؤامرة استراتيجية بعيدة المدى، تخطط لخمسين سنة مقبلة على الاقل. والايام كفيلة بأن تكشف لنا حقيقة من يموّل جماعات العنف، ومن يقوم بتدريبهم، ومن يوصل لهم كل هذا الكم الهائل من الاسلحة التي يحتاج عبورها الحدود إلى وسائل تقنية حديثة جداً. مشاغلك الادبية والثقافية والجماليّة والذاتيّة؟ إلى جانب نشاطاتك ضمن جمعية "الجاحظية"، ماذا تكتب، وماذا تقرأ حالياً؟ - أقرأ الكثير، لكنني لا أكتب الا القليل. ومشاغلي الفكرية صارت منصبة أكثر، في الفترة الحالية، على التأمل والتفكير. أقترب الآن من الثانية والستين، وربما بفعل عامل التقدم في السن، أصبحت كثير التأمل في قضايا الموت والحياة والخلق والطبائع البشرية. أنا بصدد التأمل في كل هذه الاوضاع التي نواجهها، وبالطبع لا بد من أن استفيد من كل هذه التأملات في ما سأكتبه مستقبلاً، لكني كعادتي لا أميل إلى الاستعجال في الكتابة. كنت دوماً على قناعة بأن الكتابة لمجرد الكتابة ضرب من ضروب العبث، لذا اتفادى تكرار نفسي. كما أتفادى الانسياق وراء الأحداث الآنية والانفعال بها، بل أحرص على الغوص في عمق الأشياء، والتأمل في جذورها، لفهمها أكثر. حتى لا تكون كتابتي عنها خاطئة أو سطحية أو أشبه بأقوال "شاهد ما شفش حاجة". وهل هناك مشروع رواية جديدة في الأفق؟ - هناك مشاريع كثيرة تتزاحم في ذهني. شرعت السنة الماضية في العمل على مشروع رواية جديدة، لكني اضطررت إلى التوقف مراراً، لأسباب صحية. فأنا أعاني من مشاكل في العمود الفقري، لم تعد تسمح لي بالجلوس أمام الكومبيوتر والاشتغال عليه لمدة 8 أو 10 ساعات متواصلة كما كنت قد اعتدت أن أفعل في السابق. وماذا تتناول هذه الرواية؟ - تدور حول تأملاتي في تكرارية الظواهر التاريخية والكونية. أحاول أن أفهم ما يشهده التاريخ من تكرار و"استنساخ" للأحداث والأشخاص والأفكار، وفق حركات مد وجزر لا تتوقف. أحاول التأمل في كل ذلك، مع مراعاة كون محيطنا العربي يحول، في كثير من الاحيان، دون الذهاب إلى آخر النفق، والدفع بتأملاتنا في قضايا الكون إلى أقصاها. والأمر لا يتعلق بالضرورة بما يسمى "المحظورات"، بل هو خصوصية نابعة من تربيتنا. إنّها طبيعة نفسية وفكرية تتفادى خدش حساسيات الناس أو صدمهم، وتجعلنا نفضّل التسلّل بين السطور، والعبور على أطراف اقدامنا بين الكلمات، لتوصيل ما نود قوله من دون اثارة زوابع لا طائل تحتها. ما النفع من فتح معارك هامشية تشغل الناس عن فهم مع ما نقوله، وتحول دون تجاوبهم معنا؟.