وصل متوسط دخل الفرد في مصر الى 1100 دولار سنوياً، ما يؤدي حسب معايير البنك الدولي الى خروجها من قائمة الدول الفقيرة التي تحصل على قروض من المؤسسة الدولية الايدا والتي يقل دخل الفرد فيها عن 965 دولار سنوياً، وقد اعلن ذلك كمال درويش نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الاوسط وشمال أفريقيا. واذا كان الاقتصاد المصري سجل نمواً بمعدل 7.5 في المئة العام 1997، فإن المعونة الاميركية لمصر ستكون، حسب رأي جون ويسلي مدير الوكالة الاميركية للتنمية الدولية، اقل ضرورة عندما يصل معدل النمو الى حدود تتراوح بين 7 و8 في المئة. وبنظرة تفاؤلية نحو المستقبل اعلن الدكتور يوسف بطرس غالي وزير الاقتصاد المصري ان مصر تهدف الى تحقيق معدل نمو يصل الى 8 في المئة عام 2002. هل يمكن تحقيق ذلك؟ تبلغ معدلات الاستثمار الحالية 18 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الذي تقدر قيمته بنحو 70 مليار دولار، ويرى الوزير غالي ان تحقيق نمو اقتصادي سنوي بمعدل 8 في المئة يتطلب رفع معدلات الاستثمار الى نحو 27 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وهناك وسائل عدة تسعى الحكومة المصرية من خلالها الى تحقيق هذا الهدف، ومنها تطوير قطاع التأمين الذي يستطيع ان يضيف نسبة اربعة في المئة الى الناتج المحلي الاجمالي، خصوصاً وان قطاع التأمين في مصر ينقصه الكثير من الآليات الحديثة ولا يزال يتعامل مع الادوات المستعملة منذ الخمسينات ولم يطور نفسه، كما انه ينتج 5.0 في المئة فقط حالياً من الناتج المحلي الاجمالي، مع العلم انه في حال تطوير صناديق التأمين الخاصة، يمكن تحقيق زيادة بمعدل اثنين في المئة الى الناتج المحلي الاجمالي، وأكد وزير الاقتصاد المصري ان هذه العملية ليست معقدة وتحتاج فقط الى ادخال بعض الادوات واستحداث مجالات جديدة لجذب مزيد من المدخرات وزيادة معدل الادخار الذي يصل الآن الى 20 في المئة من الداخل. الإستثمارات الأجنبية كذلك تسعى الحكومة المصرية الى زيادة الاستثمارات الاجنبية التي تقدر بملياري دولار، نصفها في القطاع النفطي، وفي حال زيادتها الى ثلاثة مليارات دولار، من شأن ذلك ان يساهم في زيادة معدلات الاستثمار في الناتج المحلي الاجمالي، وأشار الوزير غالي الى ان مصر تحتاج في المرحلة المقبلة الى الاستثمار الاجنبي المتطور الذي ينقل اليها التكنولوجيا الحديثة والمتطورة، خصوصاً ان معظم المشاريع الاستثمارية الاجنبية الموجودة حالياً في مصر، متوسطة التكنولوجيا. وتستفيد مصر في تحركها الاستثماري عربياً ودولياً، من شهادة حصلت عليها اخيراً من مؤسسة "ايبكا" الاوروبية لتصنيف المراكز الائتمانية، وقد منحتها درجة "بي.بي.بي." ناقص للاهلية الائتمانية على المدى الطويل، ودرجة "ايه - 3" في ما يتعلق بالمركز الائتماني للسندات القصيرة الاجل بالعملة الاجنبية التي لا يزيد اجلها عن عام واحد، وكذلك درجة "ايه ناقص" فيما يتعلق بسندات العملة المحلية طويلة الاجل. وبذلك حسمت "ايبكا" الخلاف القائم بين مؤسسة "موديز" التي اعطت مصر درجة مخاطرة، وبين مؤسسة "ستاندرد اند بورز" التي اعطتها درجة استثمارية. وتقوم المؤسسات العالمية الثلاث عادة بالتقييم السيادي للدول، وينقسم تقييمها الى درجتين: درجة استثمارية ودرجة مخاطرة. وتعكس شرائح الدرجة الاستثمارية المختلفة مدى انخفاض مخاطر الاستثمار والاستقرار السياسي والتوازن الاقتصادي المحلي والخارجي بالاضافة الى مدى الاستقرار الاجتماعي وتطور الخدمات الصحية والاجتماعية. وقد رحب الوزير غالي بتصنيف "ايبكا" ووصفه بأنه "اتى ليؤكد استحقاق الاقتصاد المصري لدرجة الاستثمار ولطمأنة المستثمرين الى جدوى الاستثمار في مصر واستقراره". ووفق معلومات رئيس الهيئة العامة المصرية للاستثمار والمناطق الحرة الدكتور ابراهيم فوزي، فإن حجم الاستثمار الداخلي والمناطق الحرة بلغ في العام الماضي 77.17 مليار جنيه بزيادة نسبتها 192 في المئة، مقارنة بحجم الاستثمار العام 1996 البالغة قيمته نحو ستة مليارات و76 مليون جنيه، ولوحظ ان حصة المصريين زادت من 3.79 الى 7.86 في المئة، في مقابل تراجع حصة المستثمرين العرب من 4.14 الى 9.8 في المئة، وحصة المستثمرين الاجانب من 3.6 الى 4.4 في المئة. واذا كان البنك الدولي قد شدد على الحكومة المصرية باتخاذ الاجراءات التي توفر حوافز لجذب الاستثمارات الاجنبية، فإن من بين الاقتراحات التي قدمتها بعثة البنك التي زارت مصر اخيراً برئاسة الدكتور كمال درويش العمل على ايجاد الوسائل الكفيلة بجذب الاموال الخاصة بالمصريين الموجودة في الخارج والتي قدرها البنك الدولي بحوالى 70 مليار دولار، وطالبت البعثة الحكومة المصرية ايضاً بضرورة خفض الضرائب والرسوم الجمركية وقالت انها لا تزال مرتفعة ومتعددة اذا ما قورنت بدول اخرى حيث تصل نسبتها الى نحو 25 في المئة في مقابل 5 في المئة في ماليزيا ودول جنوب شرق آسيا. المعونة الأميركية والمعروف ان الولاياتالمتحدة تقدم مساعدات لمصر بلغت مليارات الدولارات خلال 1975 - 1996، ويرى جون ويسلي انه من الطبيعي ان لا يشعر المواطن المصري بالمعونة الاميركية لأن حجمها يقدر ب 850 مليون دولار سنوياً، اي ما يعادل اقل من نسبة الواحد في المئة من الناتج المحلي الاجمالي البالغ 70 مليار دولار سنوياً. وأكد ويسلي ان هدف المعونة هو المساهمة في خطة التنمية ودعم الاقتصاد المصري في ايجاد سبل من شأنها ان تسرع معدلات نموه. وعن درجة النمو التي يكون عندها الاقتصاد المصري قادراً على استيعاب وقف المساعدات الاميركية قال ويسلي: "عندما تصل معدلات نمو الاقتصاد المصري الى ما يتراوح بين 7 و8 في المئة، فان ذلك يعني ان هناك مستوى عالياً من الاستثمار المحلي والاجنبي ومن ثم يصبح الدعم الذي تقدمه المساعدات الاقتصادية الخارجية الاميركية اقل ضرورة بشكل كبير". وعلى رغم ان وجهة النظر المصرية تقر بأن الوظيفة السياسية للمساعدات آخذة في التلاشي والخبو، وان وظيفتها الاقتصادية آخذة في الصعود والتألق، كعامل محفز ومحرك لدعم العلاقات الاقتصادية بين واشنطن والقاهرة، الا ان بعض اعضاء الكونغرس الاميركي لا يزال مستمراً في التلويح بالعصا السياسية للمساعدات، الامر الذي يترك آثاراً سلبية على الرأي العام المصري. وفي كل عام يقر الكونغرس المساعدة الاميركية لمصر يدور جدل سياسي حول المواقف السياسية للحكومة المصرية، وهذا ما يتوقعه المصريون في الخريف المقبل. واذا كانت المساعدة الاميركية هي اقتصادية كما يقول جون ويسلي، يتساءل المصريون لماذا لا تفصل عن مجمل العلاقات السياسية بين البلدين؟ ويطالبون بانتشال المعونة من رمال السياسة المتحركة. ويقول الوزير غالي في هذا المجال: "علاقتنا بالولاياتالمتحدة ليست علاقة فلوس فكما ترتكز السياسة الاميركية على اسس ومبادئ ترتكز سياستنا كذلك على اسس ومبادئ وأحياناً ما تلتقي هذه المبادئ وأحياناً ما نختلف. لذلك يجب فض حالة الاشتباك الموجودة بين المعونة وما يمكن ان يعتري العلاقات السياسية بين واشنطن والقاهرة من تغيرات". لكن تصريحات السيناتور الجمهوري جيسي هيلمز التي طالب في الفترة الاخيرة بوقف المساعدات الاميركية لمصر، اذا لم تؤيد الاخيرة سياسة الولاياتالمتحدة تجاه العراق، تؤكد ان وجهة النظر الرسمية الاميركية ترى ان للمعونة وجهين احدهما سياسي والآخر اقتصادي. فما هو تأثير وقف او خفض المعونة الاميركية على الاقتصاد المصري؟ لقد قلل خبير اقتصادي مصري من الآثار المتوقعة على الاقتصاد المصري من جراء ذلك وقال: "ان حجم المساعدة التي تذهب الى قطاعات خدمية لا يزيد عن 815 مليون دولار اميركي وهو ما يعادل 7.2 مليار جنيه مصري، تذهب نسبة كبيرة منها تكاد تصل الى النصف الى الخبراء الاميركيين ومكاتب الوساطة والخبرة التابعة لهيئة المعونة الاميركية، مع العلم ان الايرادات العامة في الموازنة تبلغ 3.65 مليار جنيه، والمعونة الاميركية تشكل نسبة ضئيلة جداً". واعتبر الدكتور ابراهيم فوزي رئيس هيئة الاستثمار المصرية، "الحديث عن الغاء المعونة، فرصة لمصر لكي تبدأ الاعتماد على نفسها". مشيراً الى ان "ازدياد الصادرات يمكنها من الاستغناء عن المعونة" .