فازت النجمة الفرنسية فاني أردان بجائزة "سيزار"، وهي بمثابة "الاوسكار" الفرنسية كأحسن ممثلة للعام 1997، وقبل ذلك بشهر واحد مُنحت جائزة مماثلة اسمها "لوميار" اضواء في حفلة رسمية في مقر بلدية باريس ونظمته لجنة الصحافة الاجنبية العاملة في العاصمة الفرنسية. وأدت فاني أردان اخيراً بطولة مسرحية "درجة أولى" التي اخرجها رومان بولانسكي عن نص كتبه البريطاني تيرنس ماكنالي عن فترة من حياة نجمة الأوبرا الراحلة ماريا كالاس. وتعود شهرة أردان الى بداية الثمانينات حين اكتشفها السينمائي الفرنسي الراحل فرانسوا تروفو الذي تزوجها فيما بعد وأعطاها مجموعة من أجمل الادوار التي تحلم بها اي ممثلة مما ساعدها على تسلق سلم الشهرة واثبات موهبتها على الشاشة الكبيرة وفي التلفزيون والمسرح وتحت ادارة فئة من افضل المخرجين. وتألقت اساساً في الادوار الدرامية ولهذا السبب حققت مفاجأة فعلية عندما قامت ببطولة الفيلم الفكاهي "بيدال دوس" دواسة خفيفة في 1996 التي كانت دليلاً واضحاً على انها تتمتع بطاقة كوميدية جبارة. وبين الادوار البارزة في مشوارها السينمائي شخصية أدتها الى جوار النجم جيرار دوبارديو في فيلم "الجارة" من اخراج تروفو. فهي عرفت من خلال تأديتها دور امرأة ممزقة بين حبها لرجل متزوج ومبادئها السامية، كيف تصل الى قمة الدراما من دون ان تقع في فخ الميلودراما الخفيفة التي تهدف الى اثارة مشاعر المتفرج. وعلى عكس ذلك مثلت فاني دورها برقة وحساسية وعبرت عن أحاسيس شخصيتها من خلال الصمت والحركة الخفيفة المدروسة التي بدت أشبه بفقرات من باليه راقص، مع مراعاة عنصر العفوية الذي ينقذ كل ممثل من تهمة المبالغة، علة الميلودراما الرئيسية. وجاء هذا الفيلم بمثابة البداية في حياة فاني أردان الفنية، اذ حولها من ممثلة جيدة يحبها النقاد الى نجمة قديرة يعشقها الجمهور العالمي، علماً ان المتفرج الفرنسي كان قد لاحظها سالفاً في المسلسل التلفزيوني الناجح "سيدات الساحل". وعندما وقفت فاني فوق خشبة مسرح "ادوارد السابع" الباريسي في 1983 تؤدي بطولة مسرحية "الآنسة جولي" الشهيرة لستريندبرغ أثارت شائعات كثيرة لأنها حلت خلال اسبوعين مكان ايزابيل ادجاني زميلتها المعتزلة لأسباب تتعلق بخلافاتها المستمرة مع مخرج العرض جان بول روسيون. ورفعت أردان التحدي مؤدية الدور بطريقة مختلفة عما فعلته ادجاني سابقاً فاستحقت التصفيق الحاد كل ليلة والثناء اليومي في الصحف. سافرت النجمة اخيراً الى انكلترا لتمثل احد الادوار الاولى في فيلم "اليزابيث الأولى" التاريخي من اخراج الهندي شيكار كابور الذي أثار فيلمه "ملكة اللصوص" الاهتمام في مهرجان "كان" 1995. وفي الفيلم الجديد تشارك فاني أردان ريشارد اتنبره وجيوفري راش بطل "شابن" وكاثي بورك أفضل ممثلة في كان 1997 احداثاً ومغامرات عاشتها اليزابيث الأولى ملكة انكلترا في القرن السابع عشر وتؤدي دورها الفنانة البريطانية كيت بلانشيت. وفاني أردان رُزقت بثلاث بنات الأولى، في العشرين والثالثة عشرة والخامسة، تتميز بملامح سمراء جذابة وصوت يتميز بنبرة غريبة صعبة التحديد يساهم في زيادة شعبيتها العريضة. "الوسط" التقتها وكان الحديث الآتي: كيف تشعرين بعد فوزك بجائزتين متتاليتين في فترة قصيرة عدا نجاحك المسرحي اليومي في دور ماريا كالاس؟ - فرحت كثيراً بحصولي على جائزة "لوميار" التي تمنحها الصحافة الاجنبية لأن هدفي كفنانة هو الوصول الى المشاهد في انحاء العالم. وبالنسبة الى جائزة "سيزار" فهي طبعاً أكبر تكريم تقدمه السينما لأهلها، وشعرت لحظة تسلمي التمثال الصغير بأني طفلة نجحت في امتحان آخر السنة الدراسية، وكدت ان أبكي من الفرحة الممزوجة بالدهشة. ولكني لم احضر الحفل لأني كنت اعمل في المسرح. غير أن الكاميرا التلفزيونية زارتني في غرفتي في المسرح عقب العرض وتم تصويري وأنا ألقي كلمة شكر لتبث على الهواء مباشرة. وربما كان ذلك أفضل بالنسبة لي نظراً لأني امرأة خجولة جداً لا أحسن التصرف في المناسبات العامة. اما العمل المسرحي فهو أقرب الى قلبي من كل النشاطات المهنية، وأنا اشتغلت في الماضي تحت ادارة عمالقة وبصحبة ممثلين مسرحيين مرموقين، ولكن هذه المرة الأولى التي اقف فيها وحدي تقريباً طوال اكثر من ساعتين متقمصة شخصية عاشت في الحقيقة وتعتبر من اهم نجمات الغناء في ميدان الأوبرا على الصعيد العالمي، وعاشت حكاية غرام طويلة مع المليونير اليوناني أوناسيس قضت عليها مهنياً لأنها كانت امرأة تضع عواطفها في المرتبة الأولى. ورومان بولانسكي مخرج المسرحية غني عن التعريف بما ان افلامه تحقق منذ ربع قرن نجاحات عالمية باهرة. انت تشبهين ماريا كالاس الى حد ما في العرض، فهل لعب مظهرك دوراً اساسياً في حصولك على الدور؟ - لا اعتقد ذلك، لأني خارج المسرح لا أشبه هذه المرأة، وانما تقمصت شخصيتها في أدق التفاصيل وقمت بدراسة حركاتها وطريقتها في الكلام وتعبيرات وجهها ورحت ادخل في الدور تدريجياً عبر الاشرطة المسجلة التي شاهدتها وأصغيت اليها ايضاً برفقة بولانسكي ومجموعة من الناس الذين عرفوها. وأنا سعيدة بسماع حكاية التشابه بيننا لأنها تدل على مدى نجاحي في تقمص الدور، اذ اني لم أسمع في حياتي قبل ذلك بوجود أي نقطة مشتركة بيني وبين ماريا كالاس. والمهم ايضاً ان الاحداث تدور بعدما توقفت كالاس عن الغناء وتحولت الى معلمة خاصة مما يعفي صاحبة الدور من الغناء فوق المسرح والا لما حصلت على الدور ابداً لأني لست مغنية على الاطلاق. يقال عموماً ان اللون الكوميدي نادراً ما يفوز بجوائز لأن أهل المهنة لا يقدرونه التقدير الكافي ويفضلون عليه الدراما، وها انت قد حصلت على جائزتين عن دورك في فيلم فكاهي هو "بيدال دوس". فكيف تفسرين ذلك؟ - صحيح ان الكوميديا نادراً ما تحصد الجوائز مع انها تتطلب جهداً اكبراً من الدراما، لكن الامور بدأت تتغير في الاونة الاخيرة وهذا شيء جيد. واعتقد ان فوزي بالجائزتين يعود الى أني أدهشت الجمهور وأهل المهنة والصحافة لأنهم لم يعرفوني ممثلة قادرة على الاضحاك، وعندما اكتشفوا ان لدي هذه الموهبة قرروا ان يكرموني. وأنا في الحقيقة اعتقد ان مخرج فيلم "بيدال دوس" غابريال اغيون المولود في الاسكندرية هو الذي يستحق الجائزة لأنه صاحب الفضل في فوزي بالدور ثم بالجوائز، اما طاقتي فهي كامنة في داخلي منذ سنوات طويلة منتظرة من يلمحها ويخرجها الى النور، وهذا بالتحديد ما فعله اغيون. وافقت في الثمانينات على الحلول محل ايزابيل ادجاني عندما قررت الانسحاب من مسرحية ناجحة عنوانها "الانسة جولي"، فهل تشعرين بأنك مدينة اليها بشيء من نجاحك؟ - اعتقد ان هذا افتراض مبالغ فيه، لأن ايزابيل لم تقرر من التي ستأخذ مكانها على الخشبة واكتفت بترك العمل لأسباب شخصية وخلافات نشبت بينها وبين سائر افراد الفرقة من المخرج الى الممثل الرئيسي مروراً بمهندس الديكور ومدير الاضاءة. واذا نظرنا الى المسألة بطريقة ثانية من دون الاشارة الى ادجاني في شكل مباشر، قد اقول اني كنت فعلاً محظوظة حين تلقيت عرضاً للقيام ببطولة المسرحية من بعدها، لأن الدور من اجمل الادوار في المسرح الكلاسيكي ولأني نجحت فيه. ولولا اعتزال ادجاني لما حدث ذلك. يظل اسمك مرتبطاً باسم الراحل فرانسوا تروفو الذي اكتشفك سينمائياً، فما رأيك بما يقال ويكتب عن علاقتكما هذه؟ - تربطني بفرانسوا تروفو علاقة وثيقة من الناحيتين المهنية والشخصية، فأنا أم ابنته وأرملته ومدينة له بالادوار التي سمحت للجمهور العريض بالتعرف اليّ، فلا اعترض على ما يقال ويكتب عن الموضوع، بل على العكس أنا سعيدة لأني استطعت مواصلة عملي بنجاح عقب رحيله مما يعتبر خير دليل على حاسته الفنية، علماً ان هناك عشرات الممثلات يتوقفن عن العمل نهائياً بعد انفصالهن عن الرجل الذي اكتشفهن. ولم يكن اكتشاف فرانسوا لي مجرد نزوة غرامية بل كانت حياتنا الخاصة منفصلة عن عملنا، ولولا اقتناعه بمواهبي كممثلة لكان اكتفى بالزواج مني ولما أعطاني أدواراً في افلامه. أين تعلمت التمثيل أساساً؟ - نشأت في موت كارلو، ثم جئت الى باريس لأتعلم فن التمثيل في معهد متخصص وعملت في مسلسلات تلفزيونية جيدة الى ان رآني فرانسوا وقدمني على الشاشة الكبيرة. هل تنوين الاستمرار في أداء الادوار الكوميدية؟ - نعم ولكن لن اهجر الدراما الجادة، اذ ان التخصص في لون محدد يزعجني ويثير فيّ الملل، واتمنى الا يعتقد اهل المهنة اني تحولت فجأة الى فنانة كوميدية وحسب 0