سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قيادي اخواني سابق يفتح ل "الوسط" دفاتر الجماعة ماضياً وحاضراً . فريد عبد الخالق : رفضت العودة الى "الاخوان" لأن القيادة السرية أقوى من العلنية البنا والتلمساني اشتكيا من سيطرة التنظيم الخاص
"قال لي البنا عن الجهاز الخاص: "أنا أبني وهم يخربون"... وقد رأيته وهو مذهوب العقل يشد شعر رأسه يوم حادث الخازندار. والاستاذ عمر التلمساني مرشد الإخوان في السبعينات اشتكى لي من أنهم يغيرون قراراته، وعندما استفسر عن السبب، أخذه أحد الاخوة إلى غرفة مجاورة واستدعى أحد الشباب وسأله: "إذا أمرتك أمراً، وأمرك المرشد أمراً، أي أمر تنفذه، فقال امرك يا افندي". ان تصرف قيادة "الإخوان" مع مجموعة حزب الوسط مُدان إسلامياً. ذلك بعض ما رواه وقاله المفكر الإسلامي المعروف فريد عبدالخالق في حواره مع "الوسط". وعبد الخالق كان عضوا في مكتب الارشاد للجماعة عندما كان حسن البنا مرشداً عاماً، ثم سكرتيراً لمكتب الارشاد، وقد حل اليوم محل الراحل الشيخ محمد الغزالي في القاء خطبة العيد في أهم ساحة ميدان مصطفى محمود تشهد أكبر تجمعات في مصر في هذا اليوم. في هذا الحديث يروي عبدالخالق قصة رفضه الانضمام مجدداً للجماعة بعد الخروج من السجون في السبعينات، ويذكر كيف كان عمر التلمساني "واجهة مقبولة" وضعتها قيادات الجماعة، من دون أن تكون له الصلاحيات الكاملة، وأن تنظيم "الإخوان" كان حصاناً برأسين، واحدة خفية. ويشرح فكر البنا كما عايشه، وكما اختلف معه. يمر سبعون عاماً على تأسيس جماعة "الإخوان المسلمين" كيف تقيّم حصاد السنين للحركة الإسلامية، وكيف تراها مستقبلاً؟ - على رغم أن مفكرين آخرين سبق لهم أن تكلموا كلاماً لا يختلف عن ما قاله البنا، إلا أن الأخير حوّله إلى واقع عملي وقام بتربية أجيال تؤمن بهذا وتصبح قضية الدعوة قضية شخصية حياتية ... الجديد الذي قدمه البنا، وكان ذلك السبب في عدم تركه كتابات كثيرة بقلمه، لكنها كانت كبيرة قدمت رؤية جديدة للإسلام تطالب المسلمين بأن يتسلموا أسباب الحضارة وان يكون لهم دور. الجديد هو أن البنا أكد ان باستطاعتنا أن نقيم صروح العلم، وأن ندفع بالمؤسسات التي تتولى تنمية الحياة من واقع مترد إلى واقع حسن من دون أن يعني هذا اقامة دولة دينية بالمفهوم الغربي، فقد كان البنا يدعو لإقامة دولة مدنية، لكن الدين أساسي فيها، فالاسلام لا يعرف الدولة الدينية حسب المفهوم الغربي،والمرجعية العليا في الاسلام هي لله وحده، ومن ثم فإن الحاكم والمحكوم سواسية.... هذا أهم ما نجح في تثبيته حسن البنا، بدراسته وتقديمه كفكر. حالياً لا يوجد مكان في العالم ليس فيه أحد من "الإخوان المسلمون"، ليس بالمفهوم التنظيمي أو السياسي، ولكن في إطار الفكرة التي تجد مقتنعين بها يعملون من أجلها، والنجاح الذي تحقق للحركة الإسلامية في حياة حسن البنا، اعتبره رصيداً سيظل ممتداً، فقد تربى على هذا الفكر جيل كامل، كما امتد أثره إلى الأزهر، فتربى عليه علماء كبار من أمثال يوسف القرضاوي، ومحمد الغزالي وخالد محمد خالد رحمهم الله، وكثيرون من الأزهريين النابهين الذين نجحوا في تحقيق ما لم يحققه الأزهر كمؤسسة دينية مع احترامنا لها ... وأنا أقول إن الحالة الإسلامية اليوم هي نتاج البذور التي بذرها ... هذا عن الماضي، لكن كيف تقيّم أوضاع الحركة الآن، وكيف تنظر الى مستقبلها؟ - السؤال منطقي، لقد بلغت فترة جهاد البنا عشرين عاماً، وأعقبه الهضيبي رحمة الله عليه، الذي تولى أمر الدعوة باقتدار ويشهد له عمله، لأنه عاصر الدعوة في المحنة، حيث تولى مع الثورة في عام 1952، وسرعان ما دخلنا في قصة المحن منذ العام 1954، والتي عاش هو أكثرها، أي أنه جاء في ظل ظروف صعبة. لقد بنى البنا هذا البناء العالي حتى أقام هضبة، أما مهمة الهضيبي فكانت الصلابة والوقوف ضد هذا التيار، ولذلك جاءت صلابته في وقت كانت الحركة في حاجة إليها، وكانت الدعوة في حاجة إلى هذا الرجل الصلب، حتى أن الثورة لم تستطع معه حيلة، حتى أصبح هو العدو اللدود لجمال عبدالناصر، وهنا جاءت السجون والمحاكم المعروفة والشهداء المعروفون ... وكلهم عناصر مؤمنة صلبة، نصبت لهم المحاكم وعلقت لهم المشانق. بعد ذلك جاء عمر التلمساني رحمه الله، وكان وجهاً مقبولاً لدى شرائح كثيرة من المفكرين ومن الشعب، فهو صاحب فكر مستنير، ثم جاءت ظروف لم يكن فيها من السهل الاحتفاظ بمثل هذه المستويات، ربما كان ذلك لظروف داخلية، أو بسبب الضغوط من هنا أو هناك. نحن الآن نعيش حالة جديدة أكبر من التيار الإسلامي المحترف ومن الإطار التنظيمي. اليوم هناك ظاهرة تَديُن عامة. فنحن نعيش حالة مد أو صحوة إسلامية تنمو نمواً ذاتياً وليس "الإخوان" هم الذين يوجدونها، مع عدم انكارنا لوجودهم ونشاطهم ومبرر وجود حركة اسلامية منظمة اليوم هو الترشيد والتوجيه والتربية. الوضع العام الآن مختلف كثيراً عن الماضي، هناك دور يجب أن تؤديه الحركة الإسلامية لكنه دور مختلف عن الماضي، فدورها هو التوعية للقضاء على الأمية الدينية وتقويم الإسلام بفهم مستنير منفتح على العالم الخارجي بغير انغلاق، يتعامل مع الآخر ولا يذوب، ولذلك قال حسن البنا كلمتين مهمتين قبل أن يلقى ربه، اعتقد بأنهما يجب أن تكونا محل مراجعة من المشتغلين بالعمل الإسلامي والمهتمين بالحالة الإسلامية بحثاً عن طرق ترشيدها. هاتان الكلمتان قالهما علناً ولم تنقصه الشجاعة، قال لو عاد الزمن فسأعود إلى دعوة الناس وتربيتهم على الإسلام، وأما السياسة والاشتغال بها، فقد وجدتُ أن المجهود فيها لا يأتي بحصيلته، الأهم هو إعداد الإنسان وتوعيته وتربيته بحيث يصبح رجل دعوة وصاحب فكرة مستعداً لأن يدفع الثمن من ماله ونفسه لإقامة هذا الاصلاح. وهذا لا يعني أن اقول إن السياسة صفر، لكن أنا اعطيها حجمها أي أن القضية هي ترتيب أولويات ويمكن في مرحلة لاحقة تغيير الأولويات. أما المقولة الثانية، فهي أنه دان أي عمل له طابع سري وقال ذلك علناً. صحيح أن البنا هو الذي أنشأ النظام الخاص في أواخر الثلاثينات واوائل الاربعينات، لكن الدواعي التي جعلته يقيم النظام الخاص كانت واضحة، وأنا اقول هذا كشهادة أمام الله، فهي لمواجهة قوات الاحتلال الانكليزي وايضا لمواجهة العصابات الصهيونية في فلسطين، ولهذا أنشئ، ولكن هذا النظام الخاص خرج عن طاعته بعد ذلك. فبعدما وجد السلاح في يديه، بدأ يتصرف كما يرى من دون أخذ رأيه. كيف؟ - كما حدث في واقعة الخازندار والنقراشي وغيرها من التصرفات التي أساءت للدعوة ولا زلنا حتى الآن ندفع ثمنها. ألم يكن البنا على علم بأي من هذه الأحداث قبل القيام بها؟ - إطلاقاً، وأنا أقطع بهذا كواحد قريب من الأحداث ومسؤول وأعلم أن الله سيسألني. الرجل لم يكن يعلم بكل هذا، وإلا لما وجد الشجاعة ليقول عن مرتكبي هذه الأفعال إنهم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين. البنا عارض كل هذه التصرفات التي تعتبر اليوم اخلالاً بالأمن وتؤدي إلى إهدار دماء. وهل قرر حل النظام الخاص؟ - نعم هو قرر حل النظام الخاص، وترك لنا حقيقتين في الدعوة، أنه لا عمل إلا العمل العام وأنه لا يصح أن يكون هناك أي وجه سري للعمل على الإطلاق، مهما كانت المبررات ومهما كان البلاء، والحقيقة الثانية هي التربية وتوضيح حقائق الدين كدين حضاري وإقامة دولة لها مرجعية عليا في الحلال والحرام والتزام أمر الله. لقد كان لك دور كبير في هذه الجماعة ودخلت السجون لهذا السبب، لكنك لم تنضم إليها في السبعينات على رغم إنك فوتحت في هذا الأمر، فلماذا رفضت؟ - بعد حركة الافراج العام من المعتقلات في أيام السادات، حدثت انفراجة، وأنا لا أدخل هنا في تفسيراتها وما إذا كانت لضرب الشيوعيين. لكن الظروف لم تكن مواتية تماما للعمل حيث لم تكن هناك حرية كاملة للعمل، فالجماعة كانت لا تزال محظورة بصفة رسمية، المهم أنه في هذا الظرف كانت أنشط العناصر من الناحية التنظيمية العناصر التي عملت في التنظيم والنظام الخاص القديم، فتم تجميع العناصر بعد غيبة، ولا بأس في ذلك، بطريقة أو بأخرى، لكن عندما بدأت الممارسة المؤسسية للإخوان في العمل والنشاط وتوزيع الأدوار لم تكن الحرية أو الشورى مكفولة بالقدر اللازم داخل الجماعة، وقيل عمن كانوا في المسؤولية أن المناخ لا يسمح، وانهم يعملون بقدر ما هو ممكن، ولما كنتُ أحد الذين لا يفرطون في الشورى ولا أعرف فيها ممكناً وغير ممكن، ولا بد أن تتوافر الشورى والحرية في اختيار الأشخاص بنسبة 100 في المئة، حتى لو قيل إن الوضع الرسمي لا يتيح عقد اجتماعات موسعة تسمح بالتداول العام. لم أكن أقبل أي مبررات من هذا النوع. وقد اعتنقت الجماعة في فترة عمر التلمساني وما قبلها فكرة مؤداها اننا نستطيع التغلب على هذه الحالة بوضع شخصية ما كواجهة مقبولة، ويكون للذين اقاموا هذا النشاط دور قيادي، وكنت أنا أحد الذين رأوا أنه لا يستطيع أن يؤدي الحصان دوره في الحلبة وله رأسان. وماذا تقصد بفكرة الرأسين؟ - قلت لهم، أنا لا استطيع أن أتعامل مع هذا الوضع، قالوا إننا لو أتينا بواحد تتوافر فيه الصلاحية الكاملة، فلن يُسمح له وقد يلقى مصير حسن البنا، فقلت إذا اضطررنا ان يكون منّا في كل يوم مَنْ يلقى مصير البنا، فلا يمكن التخلي عن إعمال الحرية والشورى، وان يكون هناك شخص واحد مسؤول علانية داخل الجماعة وخارجها، واحد فقط وليس هناك أحد غيره، هو القائد في السر والعلن، واضح وظاهر، وألا تكون هناك واجهة، وألا يوجد في الاسلام شخص يعتبر واجهة، وأما أن يكون هذا الشخص قادرا على تحمل المسؤولية حتى لو قُتل في اليوم الثاني، وحتى لو قدمت الجماعة شهيدا في كل يوم، أي 365 شهيدا في السنة فإنني لا أقبل إلا حصاناً برأس واحدة. ماذا تقصد بحصان برأس واحدة؟ - المعنى واضح. قيل إن عمر التلمساني دعاك للعودة إلى الجماعة، وكان اللقاء في مقر الجماعة في التوفيقية، وإنك للتدليل على صحة رأيك بالرفض، سألت احد الموجودين، إذا اعطاك التلمساني تكليفاً، وكان وقتها المرشد العام، واعطاك كمال السنانيري تكليفاً آخر، فأي التكليفين سينفذ؟ فأجاب بأنه سينفذ تكليف السنانيري؟ - القصة بهذه الطريقة تنقصها الدقة، فمن سمع القصة غير الذي رآها. اثناء الانتخابات البرلمانية الأولى في عهد السادات اتجه "الإخوان"، بسبب عدم وجود متنفس شرعي، إلى دخول البرلمان للإطلال على الناس والدعوة إلى الحزب. وقتها طلبني الاستاذ التلمساني ونحن اصحاب معرفة وثيقة، حيث كنا اعضاء في مكتب الارشاد مع الاستاذ البنا، وقال لي: "أنا أفهم ما تعنيه في شأن ترشيد العمل في الإخوان. وأنا معك في هذا، فتعال نتعاون في الداخل بدلاً من وجودك في الخارج، فلنقم بعملية الترشيد، ونحن لسنا أعداء لأحد منهم وكلهم أخوة وأعزاء علينا، وأنا حتى الآن ليست لي خصومة مع أحد منهم". وهل كان التلمساني على خلاف معهم؟ - نعم كان على خلاف معهم، وقال لي هذا، وكان يرى اشياء لا يرضاها مما رأيتها أنا وابتعدت، وكان يتميز عني بهذا، وقد اشتكى لي قائلا: "انت شديد عليهم شويه... طوّل بالك عليهم شويه، انت أكبر تجربة وسنّاً". قال لي اصبر عليهم، قلت له اصبر في ما يتعلق بشخصي، لكن إذا كان هناك افتئات على مبادئ الدعوة أو مبادئ الإسلام، يعني عدالة لا تتحقق أو شورى لا تقوم أو مساواة لا أجدها، فلماذا أعمل أنا، أنا لا أبحث عن مصلحة، وهذه جماعة لا تسعى للوصول الى الحكم، والعمل الإسلامي يجب أن يكون بعيداً عن السعي للوصول الى الحكم كهدف، وهذا لا يجب أن يكون كلاماً يقال، بل يجب أن يكون حقيقة تؤيدها كل الأعمال والتصرفات، وقلت له جزاك الله خيراً، وأنت لك طبيعة تمكنك من الصبر. فقال لي تعبيراً عامياً: "لازم تبلع"، فقلت له أنا طوال عمري لا أبلع لأحد، وعندما كنتُ مع البنا، لم أفعل هذا. هل اختلفت مع البنا؟ - نعم اختلفت معه، عندما كنت عضوا في مكتب الارشاد، بل هاجمته في أحد الاجتماعات. كنت أميناً للسر وسكرتيراً لمكتب الارشاد، ومسؤولاً عن وضع جدول أعمال المكتب، وكانت هناك قضية معروضة للحوار، فقال: "اطرحها يا فريد". وكان ذلك في حوالي عام 1946 فقلت إن المرشد وضع نقطة على جدول الأعمال تتعلق ببحثه عن منفذ للعمل السياسي كآلية للدعوة. وكانت تلك النقطة الأولى في جدول الأعمال، وهي البحث في امكانية التعاون مع الحزب الوطني حافظ رمضان وفتحي رضوان، وكان حاضراً الاجتماع الاستاذ عمر التلمساني، وبدأت المناقشة، فطلبت الكلمة، فقال الاستاذ البنا: "اعط الفرصة للآخرين يا فريد فأنت معي طوال الوقت". فقلت أنا سأتحدث في الشكل ووجهت له سؤالاً قائلا: هل السؤال المطروح هو سؤال من ناحية المبدأ، أم أنك قمت بالاتصال مع الآخرين من خارج الجماعة في هذا الشأن. وأنا كنت أعلم أنه سبق وأجرى اتصالاً سياسيا بهذا الشأن. فما كان منه إلا أن قال: "اشطب هذا الاقتراح"، وشطبته فعلا، وقال: "لقد تجاوزت مسؤولياتي كمرشد. لقد كانت المبادئ هي التي تسودنا". تصدر تلميحات بطريقة أو بأخرى، بأن الجهاز الخاص لپ"الإخوان" مسؤول عن ظاهرة العنف الحالية؟ - لا شك أنه إذا لم تكن ذات أثر عضوي، فهي أمر يستغل من الخصوم، أي أنها إذا لم تكن بطبيعتها مؤدية إلى ما آلت إليه من المآلات التي حدثت، فقد اتخذت كسلاح فعلا، ومع هذا أقول إن الذين اتخذوها سلاحاً ضد التيار الإسلامي، كانوا سيتخذون اسلحة أخرى، لأنه عندما يوغل شخص في علمانيته - والإيغال هو المعيب - سيفتش عن الأسلحة التي سيستخدمها. ماذا تقصد بالغلو؟ - الله سبحانه وتعالى نهى عن الغلو في الاسلام، والغلو من أي جهة يمنع فرص بناء الجسور، ونحن في زمن الالتقاء، الغلو هو السيئ في العلمانية كما في الإسلام، أنا مثلاً أرحب بالحوار مع العلماني إذا كان معتدلاً، أي إذا كانت لديه فكرة بأن طريقه يوصّل بطريقة أفضل على المستوى السياسي، لكنه في الوقت نفسه مسلم يحترم دينه، فأنا هنا أرى أنه يمكن التفاهم معه والاستفادة من بعضنا البعض، وفي تصوري للأوضاع الراهنة في الحركة الإسلامية، أرى أن هناك عنصراً لم يأخذ حقه بعد، وهو أن المناخ السائد الآن لا يمكّن الإسلامي من التعبير عن نفسه بحرية، ودائما إذا سلبت من الإنسان حرية التعبير عن الرأي من خلال الأبواب الشرعية يتجه إلى النوافذ، فلا يقبل الإنسان أن يموت، والفكرة لا تموت، وهذا ما يميز الغرب عنا، أنه أدرك قيمة الحرية واهميتها. هل توافق على فكرة التعددية الحزبية؟ - الإسلام، الدين الخاتم، وقد قضت حكمة الله أن الناس يختلفون ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة. هذا يوجب التعددية، فهي ليست منّة نمن بها على الناس، والاعتراف بها ليس تغييراً في الإسلام للتواؤم مع العصر. الإسلام يؤمن بالتعددية وبحرية الفكر، ويرفض مصادرة الرأي، ويقرر أن الحقيقة الكاملة لا يمتلكها أحد، وهذا هو اساس الشورى، فالشورى في فلسفتها الاساسية هي البحث عن الحقيقة، وكيف أبحث عن الحقيقة إذا لم تكن الآراء متعددة؟ بما في ذلك الآراء الماركسية؟ - أي رأي يقال أنا استمع له كمسلم، ولا يحق لي أن اصدر عليه حكماً من دون سند شرعي، وإذا لم أجد نصاً واضحاً فبإمكاني من خلال الكليات وفهم روح الإسلام أن أوجد حكماً يتلاءم مع الحالة، ويحقق المصلحة، والشريعة كلها، مبنية على تحقيق المصلحة ودرء المفسدة. أي شخص ينتمي لأي فكر اسمعه، فما كان منه لا يصادم أصلاً من أصول ديني فأهلاً وسهلاً. والشرط الوحيد أن لا أحل حراماً ولا أحرم حلالاً. لماذا لم يقدم "الإخوان المسلمون" برنامجاً سياسياً؟ - أين هو البرنامج السياسي، سؤال سمعته أيام حسن البنا، انه سؤال قديم، و"الاخوان" كان لهم خطوط عريضة وردت في رسائل حسن البنا، فيها من الناحية السياسية العناصر الأساسية للحكم في الإسلام، مثل الشورى وعدم الاستبداد في الإسلام، وعدم امتلاك الحكم بطريقة أبدية، فإذا وُجدت الشورى والعدالة والحرية الكاملة غير المنقوصة لأي سبب من الأسباب وانتفى الاستبداد، فما يأتي بعد ذلك هو قضية الآليات، مجلس شعب واحد، أو برلمان، مجلس شعب ومجلس شورى سمه ما شئت، فالآليات ليست الأمر المهم. البنا كان يرسخ مبادئ الإصلاح، أما الآليات فهي يمكن الكتابة عنها بسهولة، الشعب هو الذي يملك السلطة وليس الحاكم، والأمة هي مصدر السلطات وهي التي تسأل الحاكم ويسمع لها ويستجيب بلا حرج، تلك هي المبادئ. والأمر نفسه في الاقتصاد، فأموال الاغنياء ترد على الفقراء، ولدينا القرآن والأحاديث عن الإنفاق. وهناك فلسفة الزكاة، ونحن لدينا دخول بالمليارات ولو أخذنا منها العشور فلن يكون هناك من هو غير قادر على الزواج، أو لا يجد مسكناً أو عملاً. تحدثت عن التعددية، هناك مجموعة من شباب "الإخوان" حاولت إنشاء "حزب الوسط" فشن بعض قياديي "الإخوان" حرباً ضدهم، كيف تقيم الأمر؟ - هم يُسألون عن هذا التصرف، وأنا لست مشاركاً في قرارهم، وإلمامي بالأمر يأتي من خلال الرؤية العامة للإسلام، فأنا لست مطلعاً على التفاصيل، أنا أدين تصرفهم ولا اقبله، وأرى ضرورة إعطاء الفرص للشباب لكي يتحرك، ولا أتصور ضرراً في ما أقدم عليه هؤلاء الشباب. كانت تعجبني مدرسة البنا السياسية في فهم الاسلام، ومما سمعته منه بصوت عال هو اعتراف، وكان ذلك في أواخر الاربعينات، إذ كان يقول لي: "يا فريد احنا تنقصنا الكوادر السياسية". لقد حاول ضم أعضاء الحزب الوطني، نظراً الى ما يتمتعون به. وكان يقول لي: "هم ساسة بلا شعب، ونحن لدينا شعب بلا ساسة، ماذا يحدث لو جاؤوا معنا؟". وكان البنا معجباً بفكر الفابيين في تربية الكوادر وتركها للعمل بحرية من دون ارتباطات تنظيمية، فهؤلاء ليس لديهم توفيقية يشير المتحدث إلى مقر الجماعة السابق البنا لقي ربه وهو يفكر في كيفية ممارسة العمل السياسي من خلال دعوة "الاخوان" لكنه رزأ بالاخلال بالامن على يد النظام الخاص، كما لم يرزأ احد غيره. ولقد شاهدته يوم مقتل الخازندار في حالة لم أره فيها من قبل، لدرجة أنه شد شعره وقال: الذي ابنيه يهدمونه، أنا أبني وهم يخربون، لماذا يُقتل قاضٍ مهما كان حكمه؟ لقد حاول وقف هذه الأعمال وأبلغهم بتعليمات أنا أعلمها، لكنهم للاسف لم ينفذوا تعليماته وخرجوا عن طاعته، ومن خلال تجربتي أنه ما من حركة سياسية ذات شق عسكري، إلا وأصبح الشق العسكري مؤسسة مستقلة وأصبحت الحركة حصاناً برأسين