في تشرين الأول اكتوبر 1994 كانت "الوسط" اول مطبوعة عربية تلتقي لطيف يحيى الصالحي "بديل عدي" عشية صدور كتابه "كنت ابناً للرئيس". روى لطيف يومها قصة الشبه بينه وبين عدي صدام حسين والتي دفعت المخابرات العراقية الى اختياره للعب دور البديل لضمان سلامة عدي الذي كان يُعدّ ليكون الوريث. يومها قال لطيف ان صدام لن يسقط لأنه يملك نظاماً محكماً من الاجراءات الامنية ليبقى حيّاً ولأنه يملك شبكة معقّدة لإدارة اموال العراق في الخارج على رغم اجراءات الحصار. قبل ايام وفي فندق في باريس التقت "الوسط" لطيف يحيى فسارع الى تذكيرها بأنه استبعد سقوط صدام محذّراً هذه المرة من ان قتل الرئيس العراقي سيقود الى حرب اهلية طاحنة. بين الموعدين تحوّل "بديل عدي" نجماً ظهرت صورته واحاديثه في كبريات الصحف العالمية وشاشات التلفزيون. مواقفه زادت قصته الغامضة غموضاً وبعضهم اتهمه بأنه ضابط في الاستخبارات العراقية أُرسل في مهمة وكانت هذه التهمة بين الاسئلة التي حملناها اليه. وهنا نص الحوار: هناك حديث عن ضربة اميركية قوية للنظام العراقي هل تتوقع سقوط صدام حسين من جرائها؟ - لا، صدام حسين سيبقى في السلطة الى ان يقتل. ولا اعتقد بوجود قرار بقتل صدام شخصياً لأن عواقب مقتله خطيرة على الاميركيين والمنطقة. ماذا تقصد تحديداً؟ - في العراق ثلاث قوى فعلية: صدام وآلته العسكرية والامنية، القوة الكردية، والقوة الشيعية التي يمكن ان تحظى بدعم ايراني. السيناريو الذي يقول ان الضربة يمكن ان تدفع ضابطاً الى ازاحة صدام والاستيلاء على السلطة سيناريو غير واقعي ولا يأخذ في الاعتبار الاوضاع الحقيقية في العراق سواء داخل الجيش او خارجه. هذا السيناريو مستبعد. اما اذا حصلت مفاجأة من نوع قصف هدف معين وصودف وجود صدام هناك وقتل فان العراق سيتجه نحو كارثة جديدة اكبر من الكارثة الحالية. ردّ الفعل الاوّلي سيكون إبادة منطقة تكريت ومن ارتبط بالنظام في الحزب والجيش. القوة الكردية لا تستطيع ان تحكم العراق وسيقتصر طموحها على المحافظة على مناطقها او السعي الى توسيعها قليلاً. تبقى القوة الشيعية التي ستحاول حسم الصراع لمصلحتها وهذا يعني اندلاع حرب اهلية طاحنة تفوق في خطورتها وعدد ضحاياها ما حصل في لبنان. واذا عجزت القوة الشيعية عن حسم الصراع ستنشأ ثلاث دويلات: كردية وسنية وشيعية. اعتقد بأن من اسباب قوة صدام حسين، على رغم كل ما لحق بنظامه، شعوره ان احداً لن يستطيع تحمّل نتائج حرب اهلية في العراق او قيام نظام يشبه النظام الذي قام في ايران بعد سقوط الشاه. وقد تكون مصلحة اميركا في بقاء صدام ضعيفاً مع تأديبه بين فترة واخرى والاستمرار في استنزاف طاقات العراق والمنطقة. كيف تقوّم وضع صدام حسين؟ - الطريقة التي يتعامل بها الاميركيون مع الوضع العراقي زادت شعبية صدام. نجح النظام في اقناع كثيرين ان العراق هو المُستهدف. ثم هناك خوف الناس من المجهول. ليست هناك فرصة لتغيير ديموقراطي. كثير من الذين يكرهون النظام باتوا الآن يؤيدون استمراره خصوصاً اذا كان البديل المطروح من النوع الذي ظهر في الانتفاضة التي اعقبت حرب الخليج الثانية وما رافقها من عمليات قتل مذهبية وسلب ونهب. يُضاف الى ذلك ان اغتيال صدام ليس عملية سهلة، اذ لا أحد باستثناء حفنة من المقرّبين الكاملي الولاء يعرف اين يقيم. انه لا يقيم في القصور ولا يستخدم الهاتف ويرتدي اللباس العراقي التقليدي ويظهر فجأة ويغيب. كيف تفسّر الحادث الذي وقع في عمان وكان بين ضحاياه القائم بالأعمال العراقي؟ - انها قصة مالية. طالبت الحكومة العراقية أحد الذين يتولون تشغيل اموالها في الخارج بإعادة جزء من الاموال وحين امتنع جاء الرد على هذه الصورة. هناك اموال حسين كامل وهناك اموال في عهدة مسؤول عراقي في الخارج. كلامك عن صدام يضاعف الشكوك عن علاقتك بالنظام؟ - اذا كان الخيار بين نظام صدام وقيام طغيان مذهبي او اندلاع حرب اهلية فإني أفضّل بقاء النظام. من هو "الرجل القوي" حالياً بعد صدام؟ - نجله قصي. لماذا أصيب عدي في محاولة اغتياله؟ - كان دوري ان أصاب عنه، غياب "البديل" سهّل كشف حركته. هل لا يزال بديل صدام عاملاً؟ - نعم انه فواز العماري وهو يعمل منذ الثمانينات. وهناك بديل لقصي اسمه قصي وهو من العشيرة نفسها ومن تكريت وكان مسؤول المرآب في القصر الجمهوري واختاره قصي بنفسه. هناك حديث متزايد عن شبكة واسعة من المخبرين للنظام العراقي في الغرب، فهل هذا صحيح؟ - منذ عودة البعث الى السلطة في 1968 أولى صدام حسين اهتماماً لعملية زرع عناصر الاستخبارات العراقية في الخارج. ونجح في الحقيقة في العثور على عملاء اوفياء تولى تحسين امكاناتهم وظروف عملهم بعد توليه الرئاسة في 1979. بعد اندلاع الحرب مع ايران في 1980 تزايدت الحاجة الى عملاء في الخارج ولمهمات متعددة فأرسل صدام اعداداً جديدة الى الخارج. لكن اكبر موجة لإرسال عملاء عراقيين الى الخارج حصلت بعد حرب الخليج الثانية. أُجريت دورات في كلية الامن القومي، وللمرة الاولى سُمح للمتخرجين منها والعاملين في الخارج بانتقاد الرئيس العراقي اذا استلزمت مهمتهم ذلك او أُخضعوا لتحقيقات. المراقبة الشديدة والحصار المفروض وشحّ المصادر المالية دفعت الاستخبارات العراقية الى اسلوب آخر وهو دفع العملاء الى اللجوء في بلدان اخرى والافادة من التقديمات المالية التي توفرها للاجئين. في العام 1994 أُرسل نحو 500 شخص مع عائلاتهم الى الخارج الى هولنداوالمانياوبريطانيا وفرنسا. وأُجريت لاحقاً دورة شملت 720 شخصاً غالبيتهم من النساء وتم تسريبهم عن طريقي الاردن وتركيا وتوزعوا على المانياوبريطانيا وفرنسا وحصلوا على اللجوء. مهمات هؤلاء تتفاوت حسب الظروف والبلدان: جمع معلومات ورصد معارضين واختراق مجموعات اخرى تعمل في الغرب وبعضهم مدرّب على اعمال التخريب او الاغتيال اذا صدرت الاوامر بذلك، وبعض هؤلاء توجه فعلاً الى عمان ومنها الى بغداد بواسطة السفارة العراقية، وعاد الى العاصمة الاردنية ثم الى مقرات اللجوء. في 1997 ارسل النظام اكثر من 130 شخصاً مستفيداً من سهولة اجراءات اللجوء الى بلدان كألمانيا او غيرها. بعض الوافدين الجدد يتصل بعملاء قدامى يعملون تحت لافتات معارضة للنظام العراقي فتتكامل حلقات جمع المعلومات. وأنا أقول هنا ان "المؤتمر الوطني العراقي" أخطر على العراق من صدام. هل تعتبر ان "المؤتمر الوطني العراقي" مُخترق من قِبَل اجهزة صدام؟ - بنسبة 65 في المئة. هذه تهمة، لكن ما الدليل؟ - كل اجتماع يعقده المؤتمر الوطني تنقل مجرياته سريعاً على الفاكس الى بغداد. هناك اعضاء في المؤتمر الوطني يعملون اصلاً في المخابرات العراقية. هناك 320 عميلاً في بريطانيا وانحاء اخرى من اوروبا سأورد اسماءهم في كتابي المقبل وأكبر تجمع هو في بريطانيا. والاختراق على مستوى مسؤولين في "المؤتمر الوطني" وفي "حركة الوفاق" ايضاً. من يدير حالياً شبكة الاستخبارات العراقية في الخارج؟ - يديرها ... والمركز الاساسي في فيينا. الحقيقة ان هناك من يتّهمك بأنك ضابط في الاستخبارات العراقية وأُرسلت في مهمة بين اهدافها النيل من المعارضة؟ - لو كنت ضابطاً في الاستخبارات العراقية لأسست حزباً وصرت من وجهاء المعارضة. هذه التهمة سببها انزعاجهم مني، فأنا معارض للنظام لكنني لا أقف ضد شعب العراق ولا اقبل ان تؤدي المعارضة الى الخيانة. كيف تفسّر قدرة النظام العراقي على الصمود مالياً على رغم سبع سنوات من الحصار؟ - اولاً هناك نفط يُباع في السوق السوداء عن طريق ايران وتركيا وبكميات كبيرة. ثانياً ان صدام يملك مليارات الدولارات في الخارج ويتولى ادارتها رجال أعمال بتسميات مختلفة. والحادث الذي وقع اخيراً في عمان اكد ما كنا نقوله. أين وُضعتْ هذه الاموال؟ - في سويسراوالنمسا والبرازيل وحتى في الولاياتالمتحدة المبالغ موضوعة في تصرف رجال اعمال عرب وغربيين يتولون تشغيلها وتقاضي عمولات. المشكلة انه اذا غاب صدام فجأة سيخسر العراق كل هذه الاموال. هذه لائحة بأسماء الشركات المتورطة في عمليات مع صدام وأخرج اللائحة من محفظته. هل كانت لك علاقات مع حسين كامل؟ - لا، كانت لي علاقة مع شقيقه صدام كامل وشقيقهما الصغير حكيم. عندما خرجوا الى عمان اتصل بي صدام كامل وعاتبني على بعض ما جاء في كتاب "كنت ابناً للرئيس". بعدها تكلّمت مرتين مع حسين كامل ولم تعجبني لهجته التي بدت لي متعالية. ولاحقاً اتصل بي صدام كامل وقال ان اثنين من مسؤولي المعارضة يتقرّبان مع حسين كامل للحصول على اموال منه وبحجة دعم حركته "فبماذا تنصحنا"؟ أجبت: انا لا أنصح بشيء انتم تعرفون ان الشخصين حصلا على اموال النظام وتنكّرا له وغداً يتنكرون لكما. توالت الاتصالات مع صدام كامل وطرح عليّ فكرة الذهاب الى عمان فاعتذرت. قال لي ان "السي. اي. ايه" عرضت علينا الخروج الى فيينا. فقلت له ما قصة فيينا انا ايضاً أخرجوني اليها. قال: "انا غير مرتاح اليهم لقد أخذوا المعلومات من ابو علي حسين كامل ولم يتصلوا بعدها". وحتى اولاد عمنا الاسرائيليين جاؤوا وتكلمّوا معه واعطوا وعوداً ولم يُنفذّوها". سألته عن اسماء الشركات التي تتعامل مع العراق. بعد أيام تلقيت على الفاكس لائحة بأسماء عدد من الشركات. قال صدام كامل ان هناك الف ومئة شركة وقد كتبت لك الاسماء التي أذكرها. ذات يوم اتصل بي صدام كامل وقال: ابو علي يريد التحدث معك. امسك حسين كامل بالهاتف وقال: "انتم جماعة المعارضة في الخارج…" فقاطعته: "انا لست من هذه المعارضة". قال: "هذا... رجل بوجهين أخذ الفلوس وذهب والآخر... يريد فلوساً ايضاً. كان متوتراً، واضاف: "لماذا تهاجمني في الصحافة، من الافضل ان توقف هذا الكلام". قلت: "انا في بريطانيا ولست في تكريت فكيف تهددني". قال: "نحن رفاق واصدقاء" فقلت: "لم نكن اصدقاء يوماً". قال: "نحن خرجنا الآن وصرنا في طريق واحد". فقلت: "كل منا في طريقه". قال: "في اي حال أنا أحذّرك من مهاجمتي". فقلت: "غداً لديّ لقاء مع وسائل اعلام يابانية وسأتحدث كما أريد". التقيت صحافيين يابانيين وحملت عليه. في اليوم التالي اتصل بي حسين كامل: "هل قليل ما اخذته انت من العراق وهل نسيت الملايين التي حصّلتها من الحكومة". اجبته: "انا وصلت الى النمسا وليس معي سوى 50 دولاراً". قال: "كيف اذن تتجول مرة في سيارة بورش او سيارة مرسيدس". أجبت: "هذا كله من تعبي". قال: "انتم خونة جماعة "السي. اي. ايه". اجبته: "الخيانة الوحيدة في حياتي هي انني اضطررت الى اللجوء الى "السي. اي، ايه" لإخراجي من العراق وبعدها لم تكن لي علاقة بهم". قال: "يقولون عنك انك جاسوس لل "سي. اي. ايه" و... يؤكد ذلك". اجبته: "هذا الرجل تعرفونه أخذ اموال عدي وفي الخارج صار رئيس حزب". هل حصل العراق على اسلحة بعد الحصار؟ - نعم حصل على دبابات من احدى الجمهوريات التي كانت منضوية في الاتحاد السوفياتي لكنني لا اعرف كيف وصلت الى بغداد. كيف استقبل عدي صدور كتابك عن دور البديل؟ - أصيب بما يشبه الجنون. عرفت ذلك من فتاة خرجت من العراق وجاءت الى بريطانيا وهي كانت تعمل لدى عدي، وهي لبنانية الاصل وولدت في العراق. قالت انها دخلت مكتب عدي ووجدت الكتاب "كنت ابناً للرئيس" فسألته ما هذا الكتاب، فأجاب: "هذا ألّفه واحد...". فقالت له: "لماذا تضعه على مكتبك اذاً؟". فأجابها: "سأبقيه هنا الى ان أجيء برأس لطيف وأضعه مكانه". قبل شهور من تعرّضه لمحاولة الاغتيال حصل عدي على رقم هاتفي واتصل بي. ففوجئت بصوته وكانت لهجته عدائية وسوقية. قال لي: يا كلب سترى ماذا سأفعل بأمك…". كيف ترى مستقبل النظام العراقي؟ - صدام باقٍ على رغم ان الاميركيين أعدوا حكومة بديلة. المعارضة في الخارج لا تملك صدقية و"السي. ايه ايه" كانت وراء تركيبة "المؤتمر الوطني العراقي"