سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
روى ل "الحياة" قصة مطاردة طويلة غيرت وجه العراق وهزت توازنات المنطقة . أحمد الجلبي : صدام لم يظهر نادماً في لقائنا اليتيم معه بعد اعتقاله عثر الأميركيون مع "الرئيس" على أسماء مجموعات نظمها للمقاومة وطرق تمويلها 2
بعد اندلاع الحرب أصرّ الدكتور أحمد الجلبي على التوجه الى مدينة الناصرية على رأس قوة تابعة ل"المؤتمر الوطني العراقي"خلافاً لنصيحة أميركية بعدم الذهاب. وفي 15 نيسان ابريل 2003 عاد الجلبي الى بغداد التي غادرها قبل عقود. موضوعان قفزا الى الواجهة: البحث عن صدام حسين وأركان نظامه وهوية صاحب القرار في عراق ما بعد صدام. في هذه الحلقة يتحدث الجلبي عن القبض على صدام واللقاء اليتيم معه بعد اعتقاله وعن مقتل نجليه عدي وقصي. وهنا نص الحلقة الثانية: دعنا ننتقل الى القبض على صدام حسين. ما هي معلوماتك عن ذلك وعن مقتل عدي وقصي؟ - أولاً، حول قضية صدام. نحن كنا نعرف ان صدام لم يقتل، كما قالوا في اليوم الأول، أي بتاريخ 19 آذار خلال الغارة، ثم في اليوم الثاني أغاروا على مط\عم"الساعة"في المنصور وقالوا انهم قتلوا صدام، لكن ذلك كان غير صحيح. نحن وصلنا الى بغداد وبدأ البعثيون والقيادات يترددون علينا للقول انهم مستعدون للتعاون و"بطلنا"و"خلص"و"أمنوا على حياتنا". كنا نستقبلهم ونكلمهم ونجعلهم يوقعون أوراقاً. وصلتنا ملفات المخابرات وهي كثيرة. كان الأميركيون يقولون ان صدام قتل انه مقتول. في الشهر الخامس من الحرب ذهبت الى نيويورك وعقدت لقاء مع مجلس العلاقات الخارجية وتم بثه حياً على التلفزيون وكان توم بروكو يجري الحوار وسألني عن صدام وقلت له انه على قيد الحياة ينتقل بين تكريت والدور ويذهب مرات في اتجاه الفرات. سمع كولن باول، الذي كان وزيراً للخارجية هذا الكلام فانزعج وأصدر تصريحاً قال فيه ان أحمد الجلبي يتكلم كل يوم شيئاً مختلفاً. إذا كان يعرف اين صدام فيتفضل ويبلغنا. قال ذلك بعصبية. أحد مصادرنا في تكريت أبلغنا ان أحد كبار جماعة صدام موجود في بيت محدد في تكريت، أبلغنا الأميركيين بذلك، وكان عندنا مكتب تنسيق مشترك مع استخبارات وزارة الدفاع، كان هناك تعاون بيننا في هذا المجال، كل طرف لديه إمكاناته وموارده. الأميركيون لم يذهبوا الى البيت المذكور إلا يوم 17 حزيران وكنا أبلغناهم بالخبر في 14 منه دخلوا البيت فوجدوا شخصاً ملتحياً. سألوه أين قصي وعدي وعبد حمود؟ وكان الشخص هو عبد حمود فاعتقلوه. وهو سكرتير صدام، ويخضع للمحاكمة الآن. وفي اليوم الثاني اتصل بنا المصدر نفسه وقال ان صدام حسين شاهد عملية اعتقال عبد حمود، لماذا غادر الأميركيون. هل كان صدام في بيت مجاور؟ - نعم، وأنا خلال فترة وجودي في أميركا كانت لدى صدام حماية أولية من العائلات، وبقي معه ضباط حماية من عائلتي المصلب والحدوشي. حسب التقاليد تصبح مسؤولية العائلة عن توفير الحماية واجباً، ثم يتغير العناصر ويأتي آخرون، وهؤلاء بقوا حتى النهاية. أحد أفراد هاتين العائلتين من الخط الأول لحماية صدام. عندما كنت في الخارج جاء الينا وقال: أنا في الحماية الخاصة لصدام وجئت اليكم لأن ابني مصاب بداء السحايا ويحتاج الى علاج وأنا أخاف أن أكشف عن نفسي، وروى لنا أن صدام خرج من بغداد يوم 13 نيسان، بعد أربعة أيام على دخول الأميركيين، واضاف: كنا نتجول في مناطق بغداد وكان صدام يقود سيارة"بيك آب"ويرتدي"دشداشة"وعقالاً وسترة، ومرة كنا نعبر من الأعظمية الى الكاظمية فوق الجسر، فشاهدنا دبابات أميركية آتية، فعاد بنا صدام أدراجنا، وآخر مرة شاهدته عندما كان في بيت في الدورة، ودخل الى مرآب السيارات وكلم صاحب البيت ثم طلع وجمعنا نحن المجموعة التي معه وطلب منا أن نذهب ونختبئ وأعطانا كل واحد خمسة ملايين دينار. قال انه سيتصل بنا أو يرسل الينا خبراً بعد ثلاثة أشهر. هذا الكلام الذي بلغنا اياه كان في شهر حزيران، يعني أنه كان على قيد الحياة وترك بغداد بعد أربعة أيام على دخول الأميركيين اليها. عندما عدنا الى بغداد عقدنا اجتماعاً مع جماعتنا واتفقنا على أن أفضل طريقة للعثور على صدام هو أن نرسل أناساً يراقبون مجموعة خط الحماية لأنهم يكونون حيث يكون صدام، وبدأنا تنفيذ الخطة بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية الأميركية، وكان عناصرها يأتون الى قصرنا ونتبادل معهم المعلومات وكثيرة هي القضايا التي كشفناها في تلك الفترة. في هذه الأثناء، في الموصل، قتل أولاد صدام في أحد البيوت، وسأروي لك قصة عجيبة. في بداية الشهر التاسع عام 2003 دعانا الجنرال بترايوس الذي كان قائد الفرقة 101، وذهبنا بالسيارات الى الموصل حيث كان مقر الفرقة واستقبلنا مساعده الجنرال هلمك، وهو الآن مسؤول عن تدريب القوات العراقية، استقبلني وقال لي: تمكنا من القضاء على قصي وعدي بسبب مخبر لديه مبادرة، استوضحته الأمر، فقال: قصد رجل احدى الدوريات الأميركية وقال لهم ان قصي وعدي موجودان في منزلي، تعالوا وخذوهما. أرسلته الدورية الى مقر القيادة واخصعوه لجهاز كشف الكذب، ففشل، لكن هذا الشخص توجه الى عريف وأكد له ان عدي وقصي موجودان عنده، فذهب العريف معه. كان عريفاً أميركياً؟ - طبعاً، وذهب معه، وعندما رآه قصي وعدي حصل إطلاق نار، واشتباك وقتل عدي وقصي. يعني بالصدفة؟ - نعم. وقال لي الجنرال، لولا مبادرة هذا العريف لكان عدي وقصي هربا، وصاحب البيت الذي أبلغ عنهما حصل على مكافأة بقيمة 25 مليون دولار ونقل الى أميركا. هل غادر قصي وعدي الى خارج العراق؟ - نعم ذهبا الى سورية، قصدا منطقة ربيعة في شمال غربي الموصل على الحدود العراقية - السورية. وكانت معهما أموال وعبرا الى سورية، الى عند عشائر عربية عراقية لها أقارب في سورية، استقلا سيارات وقصدا دمشق. إلا انهما اعيدا بعدما وصلا الى حماة. باتا ليلتين في منطقة ربيعة وعادا الى الموصل وقتلا هناك. نعود الى صدام. - كنا نتابع الوضع وكان الأميركيون يسألوننا عما نفعله. وقلنا لهم عندما تبحثون عن صدام لا تتركوا المكان سريعاً، يعني لا تفتشوا المكان نصف ساعة وتغادرونه. نحن كان لدينا أشخاص يبحثون عن صدام، وكانت لدى الأستاذ كسرت رسول من"الاتحاد الوطني الكردستاني"مجموعة تبحث عن صدام. وهو ساهم في اعتقال بعض القادة العسكريين في الموصل. ونحن ساهمنا ربما باعتقال أكثر من 16 شخصاً. هل كانوا من الأسماء التي نشرتها الولاياتالمتحدة؟ - نعم من قائمة ال55 شخصاً. عندما تقول"نحن"هل تقصد المعارضة؟ - لا. اقصد"المؤتمر"، حتى ان آخر رئيس لجهاز المخابرات وهو صهر صدام ويدعى جمال مصطفى، شقيق كمال مصطفى أحضرناه، ثم أطلق سراحه وأصبح خارج العراق، هو زوج حلا ابنة صدام. وكل واحد من جماعة صدام اعتقلناه لم يتعرض للأذى وانما حافظنا على حياته وسلمناه ليواجه عملية قانونية وهذه نقطة مهمة. حدثنا عن دور كسرت رسول؟ - يوم 13 كانون الأول 2003 كنت في اجتماع في مجلس الحكم، رن الهاتف وقيل لي يريدك أراس حبيب كريم الذي كان مدير جهاز الاستخبارات في المؤتمر الوطني العراقي، وهو رجل ضليع في قضايا الاستخبارات. قال لي ان لدينا معلومات وكسرت اتصل بي، قال ان الأميركيين اعتقلوا صدام. فقلت له هل أنت متأكد؟ قال: نعم، فاتصلت على الفور بشخص اسمه سكوت كاربنتر وهو رئيس فريق الحكم لدى بول بريمر في العراق. سألته: لماذا لم تبلغونا باعتقال صدام؟ قال: هل تمزح؟ قلت لا أنتم اعتقلتم صدام البارحة في منطقة الدور فرد ان لا علم لديه بالموضوع. فقلت إن لدي موعداً مع بول بريمر في الساعة الثانية عشرة وسأعرف ما هو الوضع. وكانت الساعة الحادية عشرة والنصف، ووصلت الى القصر ووجدت سكوت يبتسم وهو يرفع يده. وقال: لم يبلغنا الجيش قبل أن يتأكدوا من الحمض النووي لصدام. وكان ذلك بتاريخ 13-12-2003 فعدت وأبلغت الناطق باسم المؤتمر كي يذيع في الإعلام أنه تم اعتقال صدام وكنا أول من أعلن الخبر. كيف اعتقل صدام وبفضل ماذا؟ - وصل خبر الى الأميركيين. هل لعب كسرت دوراً في ذلك؟ - هو راقب الموضوع، وجماعته شهدوا على الاعتقال أيضاً. كسرت اقترب من صدام كما اقتربنا نحن، جماعته وجماعتنا شاهدوا اعتقال صدام ونقله بالمروحية. لكن من نقل المعلومات عن وجوده في المكان الذي اعتقل فيه؟ - هذا حصل بفضل شخص من المسلط، اسمه محمد ابراهيم، أو ابراهيم محمد المسلط من مجموعة الحماية، كان اعتقله الأميركيون قبل أسبوع وأبلغهم ان صدام موجود هناك، فدخلوا البيت وفتشوه ولم يجدوا أحداً. عملوا بنصيحتنا وبقوا هناك. أحد الجنود انتبه الى سلك كهرباء داس عليه فتبع السلك ووجده يتجه الى حفرة. وهو سلك كهرباء للمروحة، نزلوا الى الحفرة، وكانت بداخلها حفرة ثانية وجدوا فيها صدام ومعه أوراق و700 ألف دولار ورشاشات ومسدس. نزلوا اليه بالأسلحة فقال لهم: أنا صدام حسين رئيس جمهورية العراق، وكان ملتحياً. ألم يحاول المقاومة؟ - كلا. سحبوه الى خارج الحفرة، وكان الاعتقال في يوم 12 كانون الاول. وبعدما أخضع للفحص وكشفوا على أسنانه أرسلوه الى المطار بواسطة طوافة. يعني ان رواية العثور عليه في الحفرة صحيحة؟ - هو لم يكن يسكن في الحفرة انما في المنزل لكن كانت معه مجموعة تبلغه اذا كانت هناك عملية مداهمة، فيدخل الحفرة. ماذا حصل بعد اعتقاله؟ - بعدما ابلغنا المدنيين باعتقال صدام، اتصل بريمر بي وطلب مني الذهاب معه لرؤية صدام، أخذت مجموعة من مجلس الحكم، أنا والدكتور عدنان الباجه جي والدكتور عادل عبدالمهدي والدكتور موفق الربيعي والجنرال سانشيز قائد القوات الأميركية في العراق وسكوت كاربنتر. ذهبنا الى المنطقة الخضراء، وانتقلنا بمروحية باتجاه مطار بغداد ومن هناك نقلونا الى بناية من طابق واحد، مكتوب عليها"أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة". قد يكون المكان مقراً لحزب البعث، وكان محاطاً بالأشجار وبحماية جنود أميركيين، دخلنا الى البناية، وسأل بريمر: هل تريدون رؤية صدام عن طريق الحلقة التلفزيونية المغلقة؟ قلت: لا يا جنرال، دعني أدخل. دخلت قبلهم الى رواق يؤدي الى غرفة عرضها متر بمستوى الرواق المرتفع نحو 30 سنتم وتمتد الغرفة الى مسافة 5 أمتار وعرضها 3 أمتار. عندما دخلت وجدت صدام نائماً على سرير عسكري أميركي وأحد الجنود الأميركيين يوقظه. عندما رفع رأسه وشاهدني أدخل جفل. أخذت كرسياً وأبقيته على المرتفع وجلست قبالة صدام تفصل بيننا مسافة نصف متر. ثم دخل الآخرون خلفي ووقف بريمر وسانشيز قرب جدار المدخل بين الباب والرواق يتابعان المشهد. لم أتكلم انما راقبت صدام. لاحظت عليه خاصتين، أولاً جهله بالوضع العالمي وبمعيار القوة في العالم وثانياً لم يكن لديه تصور فعلي لتوزيع القوى. كيف استنتجت ذلك؟ - من كلامه وطريقة عرضه للأمور وتصوره لما يجري، والشيء الآخر انه نرجسي. كان يعتقد ان ما يفعله صحيح من دون أي قياس موضوعي وما لا يفعله خطأ. ما شاهدته جعلني آسف على وضع العراق، على ال 35 سنة مضت وكان هو يحكم العراق خلالها. ودعني أقول انني عندما دخلت بغداد فوجئت بحالها، اصابتني صدمة كبيرة جداً، بدت لي مدينة من مستوى آخر كأنها عاصمة دولة فقيرة على الساحل الأفريقي. ماذا قال موفق الربيعي لصدام عندما دخلتم؟ - يضحك قال لصدام: أنت ملعون في الدنيا والآخرة، فقال صدام لموفق: اسكت يا خائن يا عميل. هل كان يعرف موفق؟ - لا. هل عرفك؟ - نعم، منذ دخلت، قال موفق: أنا خائن وعميل؟ رد عليه: نعم ألم تأت مع هؤلاء؟ وأشار الى الأميركيين. هل خاطب عدنان الباجه جي؟ - قال له عدنان: لماذا لم تخرج من الكويت. طبعاً كان صدام قد طلب مني أن أعرفه الى الحاضرين، فقلت: عدنان الباجه جي والدكتور عادل وموفق. ولكن عندما قلت عدنان الباجه جي، التفت اليه وقال: دكتور باجه جي ألم تكن أنت وزير خارجية العراق؟ فقال له: نعم. وتوجه الى صدام قائلاً: لماذا لم تنسحب من الكويت بعد أن خرجت من الحرب مع إيران منتصراً والعالم كان معك وعندك إمكانات، لماذا فعلت ذلك؟ فأجاب: دكتور عدنان، ألم تكن تؤيد أن الكويت جزء من العراق؟ وكان الدكتور ألف كتاباً عن مذكراته في الأممالمتحدة، ودافع فيه عن موقف عبدالكريم قاسم أي أن الكويت جزء من العراق، فارتبك عدنان ورد: سابقاً سابقاً. أما أنا فكنت أتفرج ولم أتكلم أبداً. هل تحدث صدام مع عادل عبدالمهدي؟ - نعم، لكن موفق سأله: لماذا قتلت الصدر؟ فرد صدام: من؟ فقال له: السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى، فقال: الصدر والرجل، كلهم خونة ويستحقون الموت، فقال عادل عبدالمهدي: لماذا أعدمت عبدالخالق السامرائي؟ فقال: عبدالخالق، بعثي. يعني أنت ما دخلك؟ - ثم سأله موفق: لماذا لم تقاتل الأميركيين كما قاتلهم أولادك؟ فقال له: تريدني أن أقاتل هؤلاء؟ يعني استهجن بينما يدعو الآخرين ويدفعهم الى القتال والموت، لكن هو غير مضطر للقتال، هو يعتقد أن ما فعله صحيح. ألم يكلمه بريمر؟ - لا ولا كلمة. هل كان صدام خائفاً؟ - عندما خرجنا خاف، وهو طلب أخيراً التحدث مع السيد الجلبي والدكتور الباجه جي. عندها وقفت وخرجت فقال: يعني خلص، هذه هي؟ هل قيل شيء آخر خلال الحوار؟ - صار كلام منابذات. كان مطمئناً الى أن ما فعله هو الصحيح وكان يكابر ولم تكن لديه أي مراجعة لما جرى. وقال:"قلت إنني أقاتل الأميركيين وأنا أقاتلهم الآن". بالمقاومة يعني؟ لم يتحدث عن سقوط بغداد، عن الخيانة؟ - أبداً، كل ما قاله إنه يقاتل الأميركيين. لكن كيف قال: كيف تريدني أن أقاتل الأميركيين؟ - يعني هو شخصياً لكنه كان يريد من الآخرين أن يقاتلوا. هو يعتبر نفسه أنه رمز يجب أن يبتعد عن الخطر ويقود الأمة. وعندما تصل القضية الى نفسه لا يقاتل شخصياً. بعد الحوار وجد الأميركيون عند صدام أوراقاً عن مجموعات شكلها لمقاومة الأميركيين، كانت لديه سبع مجموعات في الكرخ وست في الروسان، ودوّن أسماءهم وتمويلهم وكما توقعنا، إذ كنا نتابع، كان قسم كبير منهم من حزب البعث لكن من درجة غير معروفة في الإعلام. هل تم ضبط هذه الشبكة؟ - أحضروها الينا. كنا نعرفهم ونريد اعتقالهم. كان الأميركيون يسألون عنهم. هم من حزب البعث ولا فاعلية كبيرة لهم، لكنهم اعتقلوهم كلهم، كانوا رؤساء الشبكة، لكن هذه ليست المقاومة التي حصلت. ما حصل تطور بشكل آخر، كانت حصلت قضية الزرقاوي و"القاعدة"وبداية ضربوا السفارة الأردنية، ثم قتلوا سرج دي ميلو من الأممالمتحدة ثم السيد محمد باقر الحكيم، هذا كله حصل تباعاً في الشهر الثامن عام 2003 وبدأت العمليات، يعني أن الجماعة التي شكلها صدام لم تكن لها علاقة حقيقية بالمسائل الكبيرة التي كانت تحصل، وأعضاء حزب البعث الذين كانوا موجودين لم يستجيبوا له. شكلوا تنظيمات واتصلوا ب"القاعدة"والإسلاميين ووضعوا خبراتهم في تصرف هؤلاء لفترة من الزمن. ماذا كان شعورك كعراقي وقد أتيت مع الأميركيين وأنت ترى رئيس العراق معتقلاً؟ - شعرت بالأسف على العراق. هذا الرجل دفع العراق الى هذه الظروف والشعب العراقي وصل الى هذه الدرجة من الخراب والدمار والحرمان والفرص الضائعة، وظل يحكم العراق 35 سنة. شعرت بالأسف الشديد وأنا أرى ما حل في العراق من خراب ودمار نتيجة حكمه وأقارنه بما حصل في الدول المجاورة للعراق. ماذا شعرت يوم إعدام صدام؟ - شخصياً أنا ضد الإعدام، لكن كثيرين من العراقيين شعروا بأنهم حصلوا على حقهم. طبعاً ليس كل العراقيين لكن الأكثرية. ماذا عن طريقة تنفيذ الاعدام؟ - كان يجب أن تحصل بشكل أفضل، لكن ليس هذا هو الموضوع. فصدام حصل على محاكمة امام خبراء قانونيين. وأنا حضرت أول جلسة من المحاكمة. وانتبه الي مرة، وتابعت المحاكمة ووجدت أنه كان له حق الدفاع عن نفسه، لكن فريق الدفاع عنه كان سيئاً جداً من الناحية القانونية. هل شعرت بالتشفي خلال محاكمته؟ - أبداً، أبداً، لا شعور مثل هذا عندي إطلاقاً، الموازنة بين الجريمة والعقاب منطقياً معقولة، لكن الإنسان يتأثر بالحال الموجودة أمامه، مثلما يتأثر بالجرائم التي ارتكبها صدام. لنعد الى لقاء صدام؟ - أحد الأميركيين التقط صورة لي مع صدام هل رأيتها؟ نشرت في جريدة"المؤتمر"على الصفحة الأولى. فغضب بريمر لنشرها، أنا لم يكن لي علم، جماعتنا أخذوها ونشروها وبعد ذلك أنا لم أشأ مقابلة صدام. هو يتحمل مسؤولية تاريخية عما تركه وراءه. فقد دخلت العراق أموال خلال حكم صدام كان يمكن أن يصير معها دولة بمستوى تركيا إن لم يكن بمستوى دولة أوروبية أخرى، لكن العراق الآن مدمر. نحن مطلعون على برنامج"النفط مقابل الغذاء". خلال السنوات السبع من تطبيق البرنامج لم يكن اهتمام الحكومة العراقية بزيادة الأموال لخدمة الشعب وإنما اهتمام الأساسي كان الحصول على أكبر كمية من الأموال بشكل غير شرعي، خارج قرارات الأممالمتحدة، لتعزيز أجهزة القمع والمخابرات والأسلحة. هل يمكن أن نتصور أن العراق في سنة 2002 يستورد أدوية ب6 ملايين دولار؟ انها إساءة لاستعمال الأموال. يعني لا أدوية؟ - طبعاً، لا أدوية، والناس وضعهم سيئ. يعني راتب المعلم العراقي 2.5 دولار شهرياً. نسبة الأمية ارتفعت. ماذا عن سقوط بغداد؟ - الجيش العراقي لم يقاتل بجدية عند وصول الأميركيين، حصلت عمليات غير نظامية. هل معركة المطار مضخمة؟ - لم يحصل شيء كبير، حصلت معركة لكن لم تكن كبيرة واستطاع الأميركيون نقل الفي قطعة مدرعة من الكويت الى بغداد على مسافة 500 كلم من دون مقاومة فعلية. الجيش العراقي لم يقاتل ولو قاتل كما حصل بعد الاحتلال لكان الأميركيون تكبدوا خسائر كبيرة. أذكر عندما التقينا مع رامسفيلد كمعارضة في الشهر الثامن من سنة 2002، كان همه الكبير، هو ومايرز، معرفة اذا كانت بغداد محصنة وهل سيقاوم سكانها الأميركيين في الشوارع؟ نحن كنا دائماً محقين بأن لا الجيش العراقي ولا الشعب العراقي سيدافعون عن صدام. هل كانت للأميركيين علاقات مع ضباط عراقيين؟ - أبداً. ماذا عن انهيار الجيش العراقي؟ - في يوم 9 نيسان لم تبق قاعدة واحدة للجيش العراقي، كلهم فروا. اعتقد الأميركيون انهم انتصروا في الحرب على العراق، لكن الشعب العراقي هو الذي اعتبر نفسه منتصراً. الأميركيون دخلوا على شعب غير مهزوم وإنما منتصر، وهم لم يعرفوا كيف يستغلون هذه القضية، والفرق كبير بين نفسية الشعب العراقي عام 2003 ونفسية الشعب الألماني سنة 1945، أو الشعب الياباني سنة 1945. الياباني اعتبر نفسه مهزوماً وكان يتقبل إطاعة الأميركيين مهما كان، لكن العراقي اعتبر نفسه منتصراً بسقوط صدام وشعر انه خُدع عندما أعلنت أميركا الاحتلال. فهو كان يرى ان الاميركيين جاءوا للتحرير. هذه النقطة لم يفهمها الأميركيون الى الآن، جاءوا وأعلنوا أنفسهم محتلين. في بداية الحرب. غادر نزار الخزرجي الدنمارك وذهب ضباط كثر الى هناك ليكتشفوا أن الأميركيين لم يتركوا لهم أي دور؟ - ليس الأميركيون، إنما هم لم يكن لهم اي دور، قاعدتهم التي كانوا يستندون اليها تفتتت مع تفكك الجيش العراقي، ذهبوا الى منازلهم. عندما صيغ قانون تحرير العراق كان هدفنا في العام 2000 تأسيس فرقة من الشرطة العراقية تساهم في تحرير العراق، وأول وظيفة هي التوجه الى القواعد العسكرية العراقية، يعني معسكرات الجيش العراقي والطلب من الجنود والضباط البقاء بعد تأمين الأموال والطعام والحماية لهم، ثم الحفاظ على هيكلية الجيش العراقي ومعسكراته، والتخلص من الجماعة التي ارتكبت أخطاء وجرائم، لكن الأميركيين رفضوا ذلك. لماذا؟ - كانوا مغرورين. ولم يريدوا إدخال أنفسهم في متاهات مع العراقيين. اعتقدوا انهم لا يحتاجون أحداً. كانوا يجهلون نفسية العراقيين وتراثهم وتاريخهم. رامسفيلد ذهب الى سد حديثة والتقى ضابطاً أميركياً من فيلق الهندسة الأميركي قال له: نحن نفتخر يا سيدي الوزير بأن الفرصة سنحت لنا للعمل في مجال السدود منذ 150 عاماً. تطلع رامسفيلد الى المهندس العراقي وسأله رأيه؟ أجابه: يا سيادة الوزير، نحن والفيلق الأميركي سنحت لنا الفرصة للعمل في السدود من 150 عاماً. كانت تصلنا أخبار ان الاميركيين والانكليز يسعون لاستصدار قرار مجلس الأمن الذي صار لاحقاً القرار 1483 لإعلان الاحتلال. تحمسنا كقيادة معارضة للموضوع وخصوصاً جلال طالباني وأنا، وأرسل رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مبعوثه الشخصي السير ديفيد مانينغ الذي اصبح في ما بعد سفيراً في واشنطن الى بغداد. دعوناه الى عشاء عمل وخلال العشاء انتقد الأستاذ جلال القرار الذي يريدون إصداره. كان باتريك تايلر من"نيويورك تايمز"موجوداً لالتقاط صورة لكن التلفزيون لم يبثها علماً أنها موجودة لديه. قلت لمانينغ: أنتم تريدون أن تعلنوا احتلال العراق. هناك 20 ألف شخص عراقي يحملون شهادة الدكتوراه وأنتم تريدون الاحتلال، ما مصلحتكم في ذلك؟ لماذا أرادوا الاحتلال؟ - اعتقد أن الذين أرادوا الاحتلال هم جماعة ال"سي آي أي"ووزارة الخارجية الأميركية والحكومة البريطانية. خافوا ان تحصل سيطرة من أطراف معينة على أي حكومة موقتة وكان هناك تخوف عربي من ذلك. عندما صدر القرار 1483 تم التصويت عليه بالإجماع في مجلس الأمن. حتى سورية وافقت عليه، وينص القرار على أن أميركا وبريطانيا يعلنان ممارسة حقهما حسب معاهدة جنيف باحتلال العراق ويعتبران نفسيهما قوة احتلال. وكان ذلك في الشهر الخامس من سنة 2003، أي بعد ستة أسابيع على سقوط صدام. وأنتم ماذا كان رأيكم؟ - كنا ضد ذلك بالمطلق. كنا ضد الاحتلال، ولم أخبرك عن خليل زاد. كان الأميركيون عينوا الجنرال غارنر على رأس منظمة إعمار العراق، وذلك قبل الاحتلال، وهذا الجنرال صديق ورجل كبير ولم يكن معروفاً اذا كان دوره في الإعمار أو السياسة. دعا القادة الأكراد للمجيء الى بغداد بعد سقوط صدام، ووصلوا الى بغداد في الأسبوع الرابع من نيسان. لم يكن بريمر قد عين بعد؟ - لم يكن أحد قد سمع به، وكان الاجتماع في مقر إقامة الأستاذ مسعود في فندق"قصر الحياة"، ونحن كنا في الفندق، وكان هو والسيد عبدالعزيز الحكيم والدكتور عادل عبدالمهدي والأستاذ جلال طالباني، ثم جاء الدكتور عدنان الباجه جي وأنا والدكتور إياد علاوي جاء أكثر من مرة، وعقدنا اجتماعات عدة وكنا حائرين فيما يريده الأميركيون. القادة الأكراد أخذوا فكرة من غارنر أن أميركا تريد حكومة موقتة، أنا قلت: هل تعرفون من لديه سلطة في العراق؟ استغربوا السؤال، قلت: أنتم تعرفون خليل زاد. هو ممثل الرئيس بوش، وتعرفون الجنرال جاي غارنر، وهناك شخص ثالث ربما لم تسمعوا باسمه الجنرال ديفيد مايكرنن وهو قائد في أفغانستان الآن. قلت لهم هذا أهم شخص في العراق الآن، ويعتبر نفسه مسؤولاً عن كل شيء. هذه هي المسائل العلنية أما السرية فتقوم بها ال"سي آي أي"وهناك"دي أي إي"وهي وكالة الاستخبارات في وزارة الدفاع، لكن لا تعرفون DF20. سألوا ما هذه؟ قلت:"دلتا". ولهم صلاحيات البحث عن صدام من دون أخذ موافقة أي قيادة. يدخلون، يضربون يقتلون ويدمرون. ولا تعرفون"الفا"، اي الفريق الأميركي المكلف البحث عن أسلحة الدمار الشامل. فقالوا: ماذا نفعل، هذا هو الوضع الذي نحن فيه. وكان هناك توجه لتشكيل حكومة موقتة لكن احداً لم يكن مستعداً لإعلان مثل هذه الحكومة. كان الناس اما خائفين من الاميركيين او يتوقعون منهم ان يشكلوها. الطرفان كانا سلبيين، وحصل انطباع ان غارنر ربما سيفرض هذا الأمر، لكن لا اعتقد ان هذا كان صحيحاً. الفرصة الحقيقية التي حصلت كانت في 2/5/2003 خلال اجتماع حصل في"قصر الحياة"وحضره قادة المعارضة والقادة العسكريون الاميركيون والجنرال غارنر وخليل زاد الذي كان يقود الطرف الأميركي. نظر الي وقال لي: يا أحمد، فكرتك عن تأسيس حكومة عراقية موقتة أصبحت طاغية وأنا سأذهب الى واشنطن وأعود بالموافقة بعد عشرة أيام. وأدلى بتصريحات بهذا المعنى للصحافيين. غادر خليل زاد وبعد عشرة أيام جاء بريمر، وفي اول اجتماع معه قلت له إن السفير زاد قال كذا فأجاب: ذهب خليل زاد وسياسته ذهبت معه وأنا المسؤول الأول والأخير في العراق الآن فتعاونوا معي. بريمر اعتبر نفسه نائب الملك، خليل زاد رجع سفيراً الى العراق في العام 2005 وكنت دعوته الى العشاء قبل مغادرته عام 2006 بعد تعيينه سفيراً في الأممالمتحدة. وكنت أعرفه منذ زمن، سألني: ماذا حصل في واشنطن في الاسبوع الثاني من الشهر الخامس عام 2003 . سألته عما يقصد؟ فقال: أنا اتفقت مع الرئيس بوش أن اعود الى بغداد بصفتي الممثل السياسي، وفي الشهر الثاني من الشهر الخامس قال الرئيس بوش ان بريمر سيذهب الى بغداد بصفته مسؤولاً عن الاعمار، وفجأة أعلنوا ان بريمر هو كل شيء. أنا لا أعرف ماذا حصل، ما هو التغيير الذي جرى في واشنطن. بريمر عينته اميركا وبريطانيا حاكماً مدنياً. اعتقد ان الذي حصل هو أن الأطراف التي كانت ضد تشكيل حكومة موقتة، مثل ال"سي آي أي"ووزارة الخارجية، اقنعت بوش بأن هذا الأمر خطر وضد مصلحة أميركا وحلفائها في المنطقة. وعندما وصل بريمر الى بغداد كان أول قرار اتخذه إعلان حل حزب البعث وفصل جميع البعثيين من مناصبهم الحكومية. * غداً حلقة ثالثة نشر في العدد: 16788 ت.م: 22-03-2009 ص: 14 ط: الرياض