سئل رجل وهو يخرج من مسرح شاهد فيه عرضاً لمسرحية شكسبير «هاملت» كيف كانت المسرحية. وردّ: كانت مأساة. ولم أفهم هل هو يشير هنا إلى المسرحية نفسها، أم إلى الإخراج والتمثيل. كنت سأكتب مسرحيات قصّر عن مثلها شكسبير، وكنت سأخط روايات تنسي القارئ نجيب محفوظ، غير أنني حسّاس جداً للنقد، وأخشى أن أقرأ نقداً سلبياً ساخراً لمؤلفاتي ولا أستطيع الانتحار لأنني جبان. في قلب كل واحد منا وعقله رواية لم تكتب ولم تنشر، وأنا لم أكتب رواية بعد لسببين، الأول أن العرب لا يقرأون، والثاني أنني كسول. وقد لازمني يوماً سيناريو خلاصته أنني كتبت رواية وذهبت إلى الناشر وسألته: ماذا سيحدث إذا بِعتَ جميع نسخ روايتي؟ وهو يرد: أطبع عشر نسخ أخرى منها. أكتب ساخراً من دون أن أبتعد كثيراً عن الحقيقة، فالكل يعرف أن العرب أقل الشعوب إقبالاً على القراءة، حتى ان أفضل الكتب مبيعاً عندنا هو الذي يبيع عشرة آلاف نسخة أو نحوها، في حين أن الكتاب الذي يبيع 20 ألف نسخة بالإنكليزية أو الفرنسية يعتبر فاشلاً. طبعاً هناك استثناءات إلا أنني أتحدث عن القاعدة العامة، وهي مع الكسل الذي أعترف به تنفرني من الرغبة في كتابة رواية، فأكتفي بالعمل الصحافي، لأن الإنسان قد ينجح فيه من دون أن تكون عنده أي أفكار عظيمة أو إبداع، فكل ما عند الصحافي هو توافر وسيلة للنشر فينشر من دون أن يمنعه الجهل من إزعاج الناس. وكنت يوماً اكتشفت أن ثمة روائياً سيئاً إلى درجة التخلف ومع ذلك فلكتبه رواج بين القراء، وسألت الناشر الصديق أن يفسّر لي هذا السر فقال إن غالبية القراء من مستوى المؤلف جهلاً. حتى إشعار آخر جهدي الروائي اليومي يستقي إلهامه من صور الحياة اليومية. ومثلاً أنا في مطعم وهناك رجل يأكل مع ولدين صغيرين من الواضح أنه ابوهما. وأفكر في رواية عن زوجين ودخْل المرأة من عملها أعلى كثيراً من دخل الرجل، فيترك هو العمل للعناية بالابنين في حين تعمل هي. وإذا طال الغداء فقد أزيد أن جو البيت انتهى بتوتر وخلاف ينذر بالطلاق، فالرجل يشك في أن لزوجته علاقة مع رئيس العمل، في حين أن شكوكه سببها عُقَده وأنه لا يستطيع أن يقبل أن زوجته أكثر قدرة منه. وينتهي الغداء وأنا أكتب في ذهني فصلاً عن وقوفهماً معاً في محكمة الطلاق، والولدان في زاوية يبكيان. هذه الرواية تأخذ تأخذ شكلاً مختلفا تماماً إذا رأيت رجلاً وولديه في مطعم في نهاية الأسبوع، فأنا أنظر إليهم وأقرر أن الرجل مطلق فعلاً، وقد سمحت له المحكمة برؤية الولدين في نهاية الأسبوع فقط، لذلك فهو يأخذهما إلى أفضل المطاعم، ويشتري الهدايا ليستميلهما إليه ضد أمهما. وأخرج من المطعم وأنا أفكر في فصل عن حياة الزوجين السابقة، وكانت هانئة حتى عادت من العمل مبكّرة يوماً لإصابتها بصداع ووجدته في السرير مع الخادمة، أو الجارة، أو شقراء من أوروبا الشرقية. وإذا شئت أن اكتب الرواية بالإنكليزية فهي تجده في السرير، ويا للهول، مع رجل آخر. وأحاول جهدي في رواياتي غير المكتوبة أن أبتعد عن العنصرية، فإذا رأيت شاباً أسود يقود فيراري أحاول ألا أكتب رواية عنه وعن عمله في الموسيقى أو كرة القدم، وإذا كان عربياً ثرياً فهو ليس بالضرورة تاجر سلاح، أو يهودياً فهو قد يكون عمله غير الربا، وإيطالياً فهو قد لا يكون من المافيا وقد جاء إلى لندن ليقتل رجل مصارف سرق أموال العصابة وفر. وأشعر بأنني وصلت إلى نهاية الطريق، ورواياتي الباهرة لن تكتب ولن تنشر، وأفكر في مهنة بديلة، مع قرب وفاة الصحافة الورقية، وعندي حتى الآن احتمالان عمليان الأول أن أصبح شاعراً حديثاً فأكتب ولا يفهم عليّ أحد، أو أصبح فناناً تشكيلياً لأن لا أحد يستطيع أن يكذبني. أفكر في هذا وذاك ثم أعود إلى الكتابة، فهي الأسهل، وكل ما أحتاج إليه هو ورق أبيض وقلم حبر ناشف كأفكاري الروائية. [email protected]