يُعتبر الباحث الفرنسي اوليفييه روا من ابرز المتخصصين في الشأن الافغاني فهو يتردد على هذا البلد منذ الاجتياح السوفياتي وزار مناطقه احياناً سيراً على الاقدام، ويعرف قادة المجاهدين. ويواصل ابحاثه حول هذه المنطقة في "المركز الوطني الفرنسي للبحوث" ويدلي بآرائه في مجلس المستشارين التابع لوزارة الخارجية الفرنسية. التقته "الوسط" في باريس وحاورته عن الازمة الافغانية. لماذا تصرّ حركة طالبان على حماية أسامة إبن لادن وتقديم الدعم له؟ هل تعتقد انها تستطيع الاستمرار في القطيعة مع الولاياتالمتحدة الاميركية ودول اخرى بسببه؟ - لا بد من الاشارة، اولاً، الى ان حركة طالبان ليست معادية للولايات المتحدة، ولا تسعى الى مواجهة مع واشنطن. هذا الامر ثابت ومعروف. لكنها، في المقابل لا تريد التخلي عن إبن لادن وهي تتمسك بالدفاع عنه لاسباب اساسية أود ان أشير الى ثلاثة منها. يتصل الاول بالتكوين الايديولوجي الراديكالي لهذه الحركة، وهو تكوين يجعلها تعتمد في سلوكها السياسي على قواعد ايديولوجية صارمة، ومن هذه القواعد انها، اي "طالبان"، تلتقي مع إبن لادن على فهم مشترك للشريعة الاسلامية وينتسبان معاً الى ثقافة اسلامية واحدة، فضلاً عن تجربتهما المشتركة في النضال ضد الاتحاد السوفياتي خلال احتلاله افغانستان. ويتصل السبب الثاني بالقرابة العائلية المستجدة، فقد تصاهر إبن لادن مع الملا محمد عمر زعيم الحركة، فجاءت العلاقة العائلية لتدعيم العلاقة الايديولوجية والسياسية الوثيقة. ويتعلق السبب الثالث بالضغط الاميركي الكثيف على "طالبان" وقصف احدى المناطق التي يعتقد ان إبن لادن كان يقيم فيها، وبما ان "طالبان" حركة ايديولوجية صارمة فإنها لا تستطيع ان تتخلى عنه فتظهر وكأنها تراجعت وتنازلت او انصاعت للولايات المتحدة. فمثل هذا الانطباع سيكون مردوده سلبياً لدى انصارها واعضائها. لهذه الاسباب مجتمعة تتمسك "طالبان" بالدفاع عن إبن لادن من دون ان تكون لديها نيّة في مواجهة مع اميركا. هذا يعني ان دعوتها الى تقديم أدلة على تورط إبن لادن في العمليات الارهابية الاخيرة لم تكن جدية. هل تعتقد انها ستحاكمه لو توافرت لها أدلة اميركية؟ - أرجح ان تكون فكرة محاكمة إبن لادن قد استخدمت من اجل ايجاد مخرج للازمة، فهي لا تقبل ان تحاكمه الولاياتالمتحدة، وفي الوقت نفسه كان عليها ان تبرر هذا الموقف، فاختارت المحاكمة. واظن انها كانت ستحاكمه على طريقتها، اي بتشكيل محكمة اسلامية تعمل وفق الشريعة الاسلامية وتشترك فيها اطراف اسلامية. لكن هذا الشكل من المحاكمة لن يرضي الاميركيين لذا لم يستجيبوا دعوتها. هل ترى فعلاً ان إبن لادن يتحمل مسؤولية شبكة دولية ارهابية اصولية؟ - قضية الاصولية والعنف والارهاب ليست بهذه البساطة. انها قضية معقدة. ويعرف هذا الامر كل الاشخاص المعنيين عن قرب بهذه الظاهرة. من جهتي لا اعتقد، ان هناك هيكلية دولية للارهاب تحمل شكلاً هرمياً يقف على رأسه شخص واحد. والقول ان إبن لادن مسؤول عن كل العمليات الارهابية غير صحيح. ربما كان مسؤولاً عن العمليات التي وقعت في شرق افريقيا اما دوره في الشرق الاوسط فهو مبالغ فيه كثيراً. الشريعة والملف النووي الكلام عن "طالبان" يقودنا بالضرورة الى باكستان، ما هي برأيك رهاناتها؟ وهل ستؤدي هذه الرهانات الى قطيعة مع واشنطن؟ - اعتقد ان السلطة الباكستانية تغامر وتقامر في هذه القضية، فهي تقامر بعلاقاتها الوثيقة جداً مع الولاياتالمتحدة. ويلاحظ ان اسلام آباد لا تختلف مع واشنطن على هذا الموضوع وحده، وانما على قضايا اخرى ايضاً منها الاعلان عن تطبيق الشريعة الاسلامية في مجالات الحياة وهو اعلان استفزازي، لأن باكستان تعرف انها لن تتحول كابول اخرى. هذا الموقف التصعيدي يثير حفيظة الاميركيين الذين انتقدوا هذا الاجراء. في السياق نفسه، يظل الملف النووي حاضراً ومصدراً للخلافات بين الطرفين، واذا أضفنا الى ذلك سياسة باكستان الافغانية فاننا نصل الى ان السلطة الباكستانية تقامر فعلاً. غير ان هذه المقامرة لا يمكن ان تقود الى قطيعة بين البلدين لان المصالح والثوابت التي تجمعهما اكبر واهم بكثير من حجم خلافاتهما. يُعتقد بأن باكستان تريد ان تسيطر على الطريق نحو آسيا الوسطى وتراهن على سيطرة "طالبان" على كامل الاراضي الافغانية لتحقيق هذه الغاية. هل تعتقد بأن هذا الرهان جدي؟ - في الواقع هذا ما تراه باكستان وما يُشاع في الاوساط النافذة فيها ويتحدث عدد من المحللين الباكستانيين عن هذا الرهان. لا استطيع ان اجزم بأنه رهان رسمي او واقعي. لكنني لا ارى ان مثل هذا الرهان يكتسب اهمية كبيرة في الظروف الراهنة، خصوصاً في المجال الاقتصادي، فالذين يتحدثون عن هذا الموضوع يؤكدون ان الغرض انشاء بنية تحتية لقطاع الطاقة تنطلق من آسيا الوسطى وتمر بأفغانستان. لكن انهيار اسعار النفط من شأنه ان يضعف كثيراً حماس الشركات الاميركية المدعوة الى الاستثمار في هذا المجال. هذه الشركات ليست متحمسة للاستثمار في منطقة متوترة وتشهد حروباً مستمرة. لكن ذلك لا يلغي هذا السيناريو الذي يبدو منطقياً على المدى الاستراتيجي اذا ما نظرنا الىه من منظور باكستاني. نُسب اليك القول ان ايران غير مستعدة للتورط في حرب جديدة في افغانستان… - هذا ما قلته مراراً منذ اندلاع الازمة بين الطرفين. ان التباحث الذي يتم بينهما هذه الايام من اجل تسوية الازمة يعكس تماماً الخيار الايراني، فطهران تدرك ان الحرب غير شعبية في البلاد، وانها لا تملك الوسائل الكافية لخوض هذه الحرب وتعرف انها لا تستطيع ان تستضيف ملايين الافغان اللاجئين في اراضيها وترغب في عودتهم سريعاً الى بلادهم، فضلاً عن ان النزاع الافغاني لا يشكل رهاناً مفيداً للايرانيين الذين يُركّزون اهتماماتهم على مناطق اخرى، لا سيما الشرق الاوسط. لهذا كله اقول ان ايران لا تريد حرباً في افغانستان ولا تملك الوسائل اللازمة لخوضها. لكن قضية الشيعة الافغان تبقى ماثلة. فكيف توفر ايران ضمانات لحمايتهم؟ - تنطوي المفاوضات بين الطرفين على تنازلات في هذا الشأن يمكن ان تقدمها حركة "طالبان" وبالتالي تتيح للايرانيين المخرج المشرف من الازمة. لكن التنازلات قد تطرأ في الجانب السياسي وليس الايديولوجي. وما يساعد "طالبان" على تقديم التنازلات ان احد قادة الشيعة الافغان السيد اكبري، انضم اليها اخيراً واعلن انه يريد حماية الشيعة من خلال علاقته ب "طالبان". اما المجالات التي لا تقبل "طالبان" البحث فيها فتتصل بالشؤون الدينية. فهم لا يرضون بأن يواصل الشيعة احتفالاتهم وطقوسهم في مزار الشريف وسبق لمجموعات من الحركة ان قمعت احتفالاً شيعياً في هذا المزار. عموماً، يمكن للطرفين التوصل الى تسوية للأزمة. لكن انصار حزب الله الايراني والمتشددين الايرانيين الآخرين يتحدثون علانية عن الحرب وينظمون نشاطات تعبوية لهذه الغاية. فهل سينجحون في حمل الحكومة الايرانية على تغيير قناعتها؟ - يحتفظ الراديكاليون في ايران بثقافة اسلامية متشددة تشبه ثقافة "طالبان"، وهم ليسوا متضررين من سيطرة "طالبان" على افغانستان على المدى البعيد، لكنهم يعرفون ان الحركة لا تحظى بشعبية في ايران وان بلدهم لا يمكن ان يتحمل نفقات حرب باهظة على الصعيدين البشري والاقتصادي. وهم ايضاً يمكن ان يتفاهموا مع السلطة حول ما يدور في افغانستان. والتوصل الى مساومة بين الطرفين ليس مستبعداً. قبل ظهور قضية إبن لادن، كان من المتوقع ان تسيطر "طالبان" على افغانستان. بعدها بدأ احمد شاه مسعود يظهر بوصفه صاحب المشروع الابرز في عرقلة هيمنة "طالبان" على البلاد. فهل يستطيع مسعود ان يعرقل المشروع الطالباني؟ - اعتقد بأن عناد "طالبان" في قضية إبن لادن صبّ الماء في طاحونة مسعود. فهم اغضبوا الولاياتالمتحدة واتاحوا فرصة ذهبية لمسعود الذي كان يحتاج الى دعم خارجي، ونجد الآن ان واشنطن التي لم تكن تحتفظ بعلاقات جيدة معه، بدأت تتعاطف مع فصيله الامر الذي من شأنه ان يضعف "طالبان" واذا واصلت "طالبان" عنادها، فإن ذلك من شأنه ان يضعفها ليقوّي سعود، وبالتالي يعيد خلط الاوراق في هذا البلد، علماً بأن واشنطن لا نعترف بسيطرة "طالبان" على البلاد، واظن أنها كانت متفاهمة معها على جوانب كثيرة. عودة مسعود ! اذا عاد مسعود مجدداً الى الحكم فما الجديد الذي يمكن ان يأتي به؟ - تبقى عودة مسعود الى السلطة مرهونة بما يريده اهل كابول. فهل يريدون الامن والانضباط الداخلي وبالتالي الالتزام بتطبيق متشدد للشريعة في كل مجالات الحياة، او العودة الى الفوضى السابقة والتمتع بحرية اكبر في ظل نظام كالنظام الذي فرضه مسعود من قبل؟ هذا السؤال سيظل مفتوحاً. تبدو فرنسا ومعها الاتحاد الاوروبي وكأنهما غائبان تماماً عن التطورات الافغانية، ويبدو ان دورها هامشي للغاية في هذه الازمة، فإلام يُعزى ذلك؟ - لا توجد لفرنسا مصالح مباشرة في هذه المنطقة، والمصالح الاوروبية ضئيلة هناك. لكن باريس والاتحاد الاوروبي يهتمان بحقوق الانسان وبتقديم الدعم عبر المنظمات الانسانية. ويهمّ فرنسا ان تعمل هذه المؤسسات الموجودة على الارض من دون عقبات، كما يهمها ان تنجح الاممالمتحدة في تسوية الازمة من خلال مبعوثها الخاص الاخضر الابراهيمي، وهي تدعمه بقوة. وتنتقد باريس بشدة تصلّب "طالبان" ولا تفوّت فرصة الا وتشير فيها الى حقوق الانسان، ويهمها دائماً ان تواصل المنظمات الانسانية عملها في هذا البلد لان دورها اساسي في حماية الناس وتقديم العون لهم. وعلى رغم انتقاداتها المتكررة ل "طالبان" لم تصل باريس الى حدّ الهجوم على الحركة بعنف، كما فعلت المفوضة الاوروبية لحقوق الانسان في بروكسيل التي زارت افغانستان وتعرضت لمضايقات من السلطات في كابول، فقد أُوقفت يوماً كاملاً في العاصمة الافغانية، الامر الذي جعلها تخرج بانطباع سيئ للغاية عن "طالبان". ولعل تصريحات المفوضة الاوروبية الشديدة اللهجة ضد "طالبان" احدثت توتراً في العلاقات بين بروكسيلوكابول، ظل محصوراً في المجال الاعلامي، لكنه يهدد عمل المنظمات الانسانية على الارض ويزيد صعوباتها. خلاصة القول ان فرنسا ومعها الدول الاوروبية ليست لاعباً اساسياً في هذه المنطقة، واهتمامها يقتصر على الجانب الانساني فحسب.