جاء اعلان الرئيس زين العابدين بن علي تفاصيل الآلية التي ستتبع لضمان تعدد المترشحين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني نوفمبر 1999نأكيداً لما كان قد أعلنه قبل عام . وكانت الارادة السياسية دفعت في اتجاه تحقيق حضور معارض في البرلمان، واعتمدت منذ انتخابات 1994 التشريعية طريقة انتخابية تضمن انتخاب عدد من مرشحي المعارضة مهما كانت نسبة الاصوات التي حصلوا عليها. غير ان تلك الارادة السياسية لم تكتف بذلك، بل ان حرصها على مواصلة ترسيخ الديموقراطية في الحياة السياسية بصورة تدريجية وحذرة دفعها الى تصور الطرق الكفيلة بضمان ترشح اكثر من مرشح واحد في الانتخابات الرئاسية لتوفير الفرصة لمنافسة الرئيس بن علي. على ان هذا الحرص صاحبته ضوابط معينة لعدم السقوط في اي مظاهر مغامرة وللدفع الديموقراطي بعيداً عن الترشحات غير المسؤولة وغير الجدية. ولذلك قال الرئيس التونسي: "وإذ اكدت ان التقدم بمسار التعددية في البلاد يحتل صدارة اهتماماتنا الشخصية، واننا سنسعى الى ايجاد صيغة ولو في مرحلة انتقالية لكي تتعدد الترشيحات لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فاننا سنبادر بمشروع قانون دستوري يمكّن من ان يترشح لرئاسة الجمهورية بالنسبة لانتخابات 1999 المسؤول الأول عن كل حزب سياسي، سواء أكان رئيساً او اميناً عاماً لحزبه، شريطة ان يكون مباشراً لهذه المسؤولية منذ مدة لا تقل عن خمس سنوات متتالية يوم تقديم ترشحه. وذلك استثناء لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 40 من الدستور التي تشترط تقديم المترشح من قبل عدد معين من المنتخبين". وكان الدستور والقانون الانتخابي قد نصا على ان الترشح لرئاسة الجمهورية يستوجب، الى جانب شروط اخرى، تزكية المترشح من قبل عدد من المنتخبين سواء أكانوا نواباً في البرلمان او رؤساء بلديات. وبالنظر الى ان كل عدد نواب المعارضة في البرلمان لا يتجاوز 19 حالياً، ينتسبون الى احزاب مختلفة قد يصعب التوفيق بينها. وبالنظر الى انه لا يوجد رئيس بلدية من المعارضة، فإن توفير هذا الشرط يبدو مستحيلاً في الوقت الحاضر مما كان يدعو الى احد امرين: - اما ان يتطوع عدد من نواب او رؤساء البلديات من المنتمين الى الحزب الحاكم بتقديم تزكيتهم لمرشح معارض لاعطائه فرصة الترشح في انتخابات الرئاسة، وهو حل غير منطقي، لتعارض ذلك مع الالتزام الحزبي وظهوره بمظهر معارضة رئيس الجمهورية داخل صفوف حزبه. - واما ان يعلق شرط التزكية بصورة موقتة والى حد ما انتقائية لبعض من يكونون محل ثقة ويملكون اجهزة حزبية مستقلة. وقد اختير الحل الثاني، على ما يبدو، لمسايرته لمنطق الاشياء وطبيعتها وعدم تعارضه مع المنطق الدستوري القانوني والسياسي. وهكذا احدثت الآلية التي اعتبرتها اوساط المراقبين مُثلى لادخال التعددية في الترشيح لانتخابات الرئاسة، بحيث يمكن ان تجري للمرة الأولى في ظل التعددية. ومن الناحية النظرية والى جانب الرئيس بن علي نفسه الذي اقر ترشيحه بالاجماع المؤتمر العام الاخير للتجمع الدستوري الديموقراطي الحاكم في آب اغسطس الماضي، فانه يحق لخمسة من بين ستة زعماء لأحزاب المعارضة ان يقدموا ترشيحهم للرئاسة التي تجري في تونس بالاقتراع العام وفي دورة واحدة. ويبدو من القراءة الأولى للآلية الجديدة ان حق الترشح سينطبق على: محمد الحاج عمر زعيم حزب الحركة الشعبية يساري، ومحمد حرمل زعيم حزب التجديد الشيوعي سابقا، وعبدالرحمن التليلي زعيم الاتحاد الديموقراطي الوحدوي قومي، واحمد نجيب الشابي زعيم التجمع التقدمي يساري قومي، ومنير الباجي زعيم حزب الاحرار قريب من رجال الاعمال. ويستثنى من حق الترشح زعيم حركة الديموقراطيين الاشتراكيين وهو حزب قانوني كان حصل في الانتخابات التشريعية السابقة 1994 على المرتبة الأولى بپ10 مقاعد من اصل 19 حصلت عليها المعارضة، الا ان الحزب شهد انشقاقات متعددة، وغيّر زعيمه السابق محمد مواعدة بعد دخوله السجن وصدور احكام ضده، مما يجعل زعيمه الحالي اسماعيل بولحية غير قادر، ولو نظرياً، على الترشح، باعتبار انه لا تتوافر فيه شروط معينة في ان يكون زعيم الحزب منذ 5 سنوات من دون انقطاع. على ان المراقبين لا يتوقعون ان تسجل ترشيحات بالجملة لكل زعماء الاحزاب في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكانت احزاب المعارضة اعتبرت بن علي مرشحها في الانتخابات الرئاسية التي اجريت العام 1994. ويفترض ان يتفق بعض الاحزاب المعارضة الستة، ان لم تكن كلها، على مرشح واحد، وإن كان بعض المراقبين يعتقد بأن بعضها قد يختار بن علي نفسه. ومن جهة اخرى، فان مرشح او مرشحي المعارضة لا يتمتع او لا يتمتعون بأي حظوظ للنجاح، باعتبار "الكاريزما" التي يتمتع بها الرئيس التونسي، وكذلك الشرعية المحاطة به باعتباره قائد تغيير السابع من نوفمبر، وكذلك لما تحقق منذ ذلك التاريخ من مظاهر التقدم والتطور في البلاد الى درجة ارتفاع معدل الدخل الفردي الى حدود 2500 دولار سنوياً. غير ان التعددية في الترشح للانتخابات الرئاسية تعتبر خطوة على طريق تطوير الحياة السياسية وبناء دولة القانون والمؤسسات والتقدم بخطوات جديدة في المسيرة الديموقراطية. وليست العبرة في هذه المرحلة بقيام منافسة حقيقية ولكن التعوّد على الممارسة التعددية ايذاناً بتطورات مقبلة يشتد فيها عود الاحزاب المعارضة ويتعاظم دورها، وهو امر قد يتطلب سنوات طويلة لا بد من الاعداد لها بپ"ثبات" و"حذر" وتعتبر تعددية الترشح لانتخابات الرئاسة احدى الخطوات اللازمة لذلك. كما يجب ان يكون المترشح يوم تقديم ترشيحه بالغاً من العمر 40 سنة على الأقل و70 سنة على الأكثر، ومتمتعاً بجميع حقوقه المدنية والسياسية