سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أول مقابلة للصحافة العربية مع الطبيب الأميركي الذي سيقوم باستنساخ الأطفال . الخبراء يؤكدون : استنساخ البشر غير ممكن في ضوء الصعوبات التقنية والأخطار الصحية
لم تتطلب الزوبعة الإعلامية العالمية الأخيرة التي أثيرت حول موضوع استنساخ البشر سوى كلمات معدودة من باحث أميركي أو "عالم مجنون" كما وصفته وزيرة الصحة الأميركية - اللبنانية الأصل دونا شلالا، إذ حال اعلان الدكتور ريتشارد سيد عزمه افتتاح عيادة لاستنساخ الأطفال لمن هو بحاجة اليهم من الأزواج العاجزين عن الانجاب في مدينة شيكاغو، تحولت أنظار العالم بأسره اليه والى المخاطر والعواقب المترتبة على استنساخ البشر. وعلى رغم ان امكانات الدكتور سيد المادية ومؤهلاته وخبرته المهنية في هذا المجال، حسب رأي الخبراء، تشير الى احتمال فشله في هذا المشروع، فإن ذلك لن يمنع علماء وباحثين آخرين أكثر قدرة وكفاءة من العمل في الخفاء لمتابعة طموحات وأحلام مماثلة، قد تكون أكثر خطورة، ضاربين بعرض الحائط كل الاعتراضات الأخلاقية والدينية والاجتماعية. غير آبهين للتشريعات القانونية الآنية أو المستقبلية. على اثر اعلان الدكتور ريتشارد سيد عزمه القيام باستنساخ البشر، تعالت صيحات الاستنكار من العلماء والحكومات. وسارعت 19 دولة أوروبية في التوقيع على اتفاق مهم في باريس يحظر استنساخ البشر أو تكوين كائنات بشرية مطابقة وراثياً لكائنات أخرى حية كانت أم ميتة وأياً تكن التقنية المستخدمة. وسيصبح هذا البروتوكول ساري المفعول بمجرد اقراره من قبل 5 برلمانات من دول فرنسا وايطاليا واسبانيا والدنمارك والسويد وفنلندا والنروج والبرتغال ورومانيا وايسلندا ولوكسمبورغ واليونان وتركيا ومقدونيا ولاتفيا واستونيا ومولدافيا وسلوفينيا وسان مارينو. ومن المنتظر ان توقع بلجيكا على الاتفاق قريباً. أما بريطانيا التي يحظر قانونها نسخ البشر، وألمانيا التي يعتبر تشريعها الوطني في مجال الاستنساخ أكثر تشدداً من البروتوكول اياه، فانهما لم يوقعا على الاتفاق لأسباب فنية. وأعربت وزيرة العدل الفرنسية عن ارتياحها لتوقيع البروتوكول الجديد لأنه يمنع استنساخ البشر قانوناً ويحول دون تحديد المواصفات الوراثية للأطفال وما يمكن أن ينتج عنها من انتقاء للنسل. بينما حذر الأمين العام للمجلس الأوروبي من التهديد الذي يجسده الاستنساخ لهوية الانسان. من جهة أخرى دعا الرئيس بيل كلينتون الكونغرس الأميركي الى فرض حظر مدته 5 سنوات على الأبحاث المتعلقة باستنساخ البشر في الولاياتالمتحدة. بينما اعتبرت وزيرة الصحة الأميركية شلالا أن الدكتور ريتشارد سيد "عالم مجنون" يجب وقف تجاربه ومنعها بسرعة وبحزم. وأضافت ان الرئيس الأميركي وأعضاء ادارته يعارضون استنساخ البشر ويسعون الى سن قوانين تحول دون تمكين الدكتور سيد أو غيره من تحقيق ذلك فوق كامل التراب الأميركي. وكان العالم الاسكتلندي الذي استنسخ النعجة "دوللي" الدكتور إيان ويلموت في طليعة المستنكرين لفكرة استنساخ الأطفال التي طرحها الباحث الأميركي ريتشارد سيد. خصوصاً ان تجاربه التي أدت الى استنساخ "دوللي" فشلت في الغالبية الساحقة منها. إذ ماتت النعاج الأخرى التي تم استنساخها خلال أيام معدودة من اكتمال عملية النسخ. وهذا ينطبق على عمليات نسخ البشر واحتمال موت الأطفال المستنسخين بعد أيام من ولادتهم. وأشار الدكتور هاري غريفين المدير المساعد لمعهد روزلن في أدنبره حيث استنسخت النعجة "دوللي" الى أن عملية استنساخها تطلبت 277 محاولة لم تنج منها سوى "دوللي"، بينما نفقت بقية النعاج من أمراض القلب والتشوهات الخلقية الأخرى. مما يعني ان استنساخ البشر ينطوي على مخاطر عدة كالوفاة المبكرة في مراحل الحمل الأخيرة أو مباشرة بعد الولادة. لذا فإن مجرد التفكير في اعتماد تقنية استنساخ النعجة "دوللي" لاستنساخ البشر أمر مرفوض علمياً وأخلاقياً وصحياً ومنطقياً ولا يمكن السكوت عنه. وأعلن الدكتور غريفين ان النعجة "دوللي" حامل وأنها ستلد خلال الأشهر المقبلة. وفي ولاية أوريغون الأميركية صرح الدكتور دون وولف من مركز البحوث المتعلقة بالقرود في بيغرتون، انه نجح وفريقه العلمي في استنساخ قردين بعد 166 محاولة. وأكد انه لا ينوي تطبيق تقنية النقل النووي لاستنساخ البشر، خصوصاً ان معاهد الصحة القومية التابعة للحكومة الأميركية هي التي تدعم أبحاثه مادياً للمساعدة في تقنين الأبحاث المتعلقة بمرض الايدز والأمراض الوراثية. وحذر اللورد روبرت وينستون، استاذ دراسات الخصوبة في كلية طب رويال بوستفراديويت اللندنية، وأحد رواد عمليات الاخصاب وأطفال الأنابيب من خطورة تصريحات الدكتور ريتشارد سيد وعزمه استنساخ الأطفال في أكثر من 20 عيادة داخل الولاياتالمتحدة الأميركية وفي 6 عيادات أخرى خارجها. خصوصاً أن الدكتور سيد - على حد تعبيره - يقحم نفسه في تقنية علمية معقدة لا يملك الخبرة الكافية لتنفيذها واتقانها. حتى ان الطبيب المؤهل الذي أعلن سيد أنه سيساعده في انجاز مشروعه هذا لن يتورط في العمل أو يباشر فيه ما لم يحصل على موافقة الجمعية الأميركية لطب التوالد، علماً بأن هذه الجمعية أعلنت معارضتها لنسخ البشر. القوانين لن تمنع المغامرين ولفت البروفسور ونستون الى ان ما يبدو للعامة أنه تقدم وتطور سريع جداً في تطبيق عمليات النسخ قد استغرق في الواقع عشرات السنين. فالدكتور ايان ويلموت وفريقه العلمي لم يتمكنوا من نسخ النعجة "دوللي" إلا بعد 20 عاماً من التجارب والأبحاث. كما أن تطبيق تقنية التخصيب المخبري على الانسان استغرق 80 عاماً، ونظراً للصعوبة البالغة في تحقيق عمليات ناجحة في النسخ الحيواني، فإن نجاح عمليات نسخ البشر يبدو غير ممكن حالياً أو في المستقبل القريب. كما أن الخوف من التعرض للدعاوى القضائية المكلفة في حال نسخ أطفال مشوهين أو معلولين وعلى وشك الموت نتيجة خلل التركيب الجيني داخلهم، سيمنع الأطباء والباحثين المغامرين من المجازفة بمستقبلهم المهني. غير أن ذلك لن يمنع البعض الآخر من متابعة طموحاته المجنونة أياً كانت العواقب. ان حظر استنساخ البشر في معظم الدول الأوروبية ومحاولة سن قوانين لحظره في الولاياتالمتحدة الأميركية لن يحول دون تفاني المغامرين من علماء وباحثين في السعي من أجل تطبيق هذه التقنية غير المتكاملة سراً داخل تلك الدول أو علناً خارجها. فطموح الانسان لا يعرف حدوداً أو قوانين ولا يحترم مشاعر الآخرين ولا يخشى لومة لائم. كما ان غريزة الانسان في استطلاع المحظور قادرة على جلب الدمار والخراب لبني البشر عبر عمليات الاستنساخ. ولا عجب أن يصرح الدكتور باتريك ديكسون مؤلف كتاب "ثورة الجينات" بأن مئات العيادات الطبية داخل الولاياتالمتحدة الأميركية قد تكون في طور الإعداد والتحضير للقيام باستنساخ البشر. وأن عشرات المواطنين اتصلوا به شخصياً لمعرفة الأماكن التي يمكنها القيام باستنساخهم، مما دفعه للمطالبة بحظر عالمي شامل لكل ما له علاقة بهذا الكابوس العلمي المخيف. ولم تساعد الاشارات المتناقضة والمتشابكة التي أطلقها وزراء في حكومة العمال البريطانية عندما أعلنوا معارضتهم لاستنساخ البشر دون أن يغلقوا الباب تماماً في وجه التجارب المرتبطة بها. إذ اعلنت الحكومة البريطانية انها لا تعارض المبادئ التي تستند اليها تقنيات الاستنساخ الهادفة للكشف عن الأمراض الوراثية الخطيرة. وطالبت الهيئة الاستشارية المختصة بالجينات البشرية بتزويدها بتقرير مفصل عن ايجابيات الأبحاث المتعلقة باستنساخ البشر بحلول فصل الصيف. وإذا ما كانت المعلومات الواردة في التقرير مشجعة وحازت على التأييد العلمي والشرعي المطلوب فإن الحكومة قد تسمح بمتابعة تجارب الاستنساخ على البشر في العام المقبل. المخاطر والفوائد مما لا شك فيه ان عملية استنساخ البشر فيها امتهان لكرامة الانسان وارباك للهيكل الاجتماعي وضياع للأنساب وتقويض لمفهوم الأسرة وكيانها. وفيه تحقير لدور المرأة وقطع لصلة الأرحام واعتداء على ذاتية الفرد والغاء لمفهوم الزواج القائم على مشاركة الرجل والمرأة في عملية التناسل والتكاثر. كما ان تغيير خلق الله يتعارض مع سنة الله في خلقه ويؤدي الى تغيير المنهج والسلوك والنظام الاجتماعي والى شيوع الفوضى والعجز عن تحديد المسؤولية القانونية والجنائية لمرتكبي الجرائم نظراً للتشابه بينهم. وقد أجمع أطباء عرب في ندوة علمية عقدت مؤخراً في امارة الشارقة على أن استنساخ البشر يخالف القوانين الطبيعية ويتعارض مع فطرة الله في خلقه. وأكدوا ان الاستنساخ حرام قطعاً سواء أكان جزئياً أو كلياً. كما حذروا من عواقب التقنية العلمية الجديدة التي تفوق في مخاطرها الثورتين الصناعية والمعلوماتية. وسبق أن عقدت عدة ندوات علمية حول موضوع الاستنساخ في كل من الدار البيضاء والقاهرة وجدة والكويت والدوحة خلال الصيف الماضي شارك فيها خبراء وعلماء وأطباء وفقهاء بارزون، ونوقشت الجوانب السلبية والايجابية لعمليات الاستنساخ بعد الاعلان عن ولادة النعجة "دوللي". ومن المتوقع أن تعقد ندوات مماثلة قريباً في مختلف الدول العربية لما يشكله هذا الموضوع من أخطار جسيمة يمكن أن تهدد مستقبل البشرية جمعاء. فاحتمال استنساخ كبار المجرمين والمهربين والنازيين والديكتاتوريين وعصابات القتلة والارهابيين وارد، اذا ما نجحت التقنية بشكل تام في المستقبل. إلا أن الخوف من احتمال استنساخ البشر يجب أن لا يحجب النواحي الايجابية لعمليات الاستنساخ الحيواني التي يمكن استغلالها والاستفادة منها لخير الانسان. فالتقنية المتطورة تساعد على انتاج أدوية مهمة كعوامل تجلط الدم التي يصعب تحضيرها بكميات كافية لأنه لا بد من استخراجها من بروتينات بشرية. وأدوية علاجية لأمراض مستعصية كالسرطان والأمراض الوراثية. كما أنها تتيح للعلماء انتاج ماشية مهندسة وراثياً تعطي اعضاء متوافقة مع الأعضاء البشرية جينياً لاستخدامها في عمليات زراعة الأعضاء. وتساعد تقنية الاستنساخ الحيواني على كشف أسرار الأعطاب الوراثية وكيفية تراكمها كلما تقدم الانسان في السن. مما يمكن الأطباء من فهم حقائق الشيخوخة وكيفية بروز الأمراض التي ترافقها. وتتيح هذه التقنية أيضاً فرصة فهم طريقة عمل الجينات وكيفية تطورها وتخصصها وتميزها بما يساعد على اكتشاف سبل جديدة لانتاج مخ العظام لاستخدامه في علاج مرض اللوكيميا، وفي تنمية أنسجة الجلد لعلاج المصابين بحروق بالغة. كما يمكن الاستفادة منها لاكتشاف وسائل علاجية فعّالة للأمراض العصبية الانحلالية. أما استنساخ النبات فهو ذو فوائد اقتصادية هائلة لما يوفره من منتوجات زراعية مميزة، بكميات كبيرة وأسعار زهيدة، اضافة الى ما يمكن أن يوفره الاستنساخ الحيواني من لحوم وألبان ومنتجات حيوانية ضرورية بكميات وأسعار تخدم المحتاج والميسور. يبقى أن يتصرف العلماء بأمانة ونزاهة فيمتنعون عن التلاعب بالخلق ويحرصون على سلامة البشر قبل فوات الاوان وقبل أن تقودهم طموحاتهم الى ما لا تحمد عقباه.