في ملاعب كرة القدم المصرية تشكيلة من اللاعبين الافارقة - نحو 15 لاعباً - يحملون جنسيات متنوعة ويحلمون بالانتقال إلى أوروبا. ويشكل هؤلاء اللاعبون ظاهرة تثير جدلاً في الأوساط الكروية، خصوصاً أن هروبهم المتكرر إلى بلدانهم أصبح عادة موسمية، ومشاكلهم الحالية مع الأندية أصبحت الزاد اليومي للصحف الرياضية، وأحياناً كثيرة يتم تصدير هذه المشاكل إلى الاتحاد الدولي. في الأهلي لا تزال مشكلة اللاعب الغاني يعقوب تراوح مكانها، فاللاعب عاد إلى بلاده، وكل محاولات اعادته من جانب إدارة النادي باءت بالفشل، واتحاد الكرة المصري أحال المشكلة برمتها إلى الاتحاد الدولي. أما الزمالك - منافس الأهلي التقليدي - فقد تجاوز مشكلة لاعبه المالي الجنسية كوليبالي مرحلياً بتوقيع عقوبة مالية عشرة آلاف جنيه مصري تحسم من راتبه لسفره الى بلاده من دون إذن الإدارة، وكانت إدارة نادي الزمالك فقدت أثره تماماً، إلا أن كوليبالي عاد مختاراً ويعقوب مُصرّ على عدم العودة. ويسعى النادي المصري البورسعيدي، أحد أندية منطقة القناة، جدياً لاستعادة لاعبيه الغانيين أدولف منساو وإيمانويل أبولا بعد أن وصلت المفاوضات بين الفريقين إلى طريق مسدود، وكان الاتحاد الغاني أرسل في استدعائهما بعد أن رفض النادي البورسعيدي اعطاءهما مستحقاتهما المالية حتى الآن. والقضية مرشحة للتفاعل والتصعيد واحالتها إلى الاتحاد الدولي أيضاً. وقد قرر اتحاد الكرة التدخل لإنهاء تعاقد اللاعب السيراليوني أميدو كريم مع نادي جمهورية شبين الهابط إلى الدرجة الثاني، على أن يدفع الأخير لجمهورية شبين 38 ألف جنيه كتعويض عن تركه النادي. مشاكل وإيدز وإضافة إلى المشاكل المالية والأخرى الخاصة بتبخر أحلام الاحتراف العالمي لعجز الدوري المصري عن جذب انتباه السماسرة العالميين، فإن هناك كثيراً من الشائعات تلاحق هؤلاء، خاصة أنهم يفدون إلى القاهرة من دول ينتشر فيها الإيدز وغيره من الأمراض المعدية، وبالفعل تم ترحيل عمر يوسف لاعب نادي الأولمبي السكندري قبل عامين بعد اكتشاف اصابته بالايدز. واضطرت إدارة النادي لإجراء فحوص طبية دقيقة لكل لاعبي الفريق للتأكد من عدم اصابتهم بالمرض الذي انتقل إلى يوسف من شقيقته. الشكوى ذاتها طاردت حارس مرمى نادي المنصورة أحد أندية القمة الكروية في مصر ابراهيم كمارا سيراليون إلا أن الفحوص الطبية أثبتت سلامته. إن ظاهرة اللاعبين الأفارقة بحلوها ومرها وحكاياتها المثيرة تسيطر على أجواء الملاعب المصرية الآن، خاصة أن الجماهير المصرية تعودت على سمر الوجوه منذ الزحف السوداني ونجومه عمر النور وشطة. احمد عباس الحاج المحامي أحد أكبر سماسرة لاعبي افريقيا توقع أنه لن يمر عام أو اثنان على الأكثر إلا وستكون الأندية المصرية استكملت حصتها من هؤلاء الأفارقة اللائحة تنص على قيد أربعة لاعبين أجانب، اثنان من الكبار واثنان من الناشئين تحت السن. ويضيف الحاج ان هناك تلاقي رغبات على الجانبين، الأندية المصرية ترغب في المزيد من هؤلاء ولا سيما صغار السن لأنها تتعاقد معهم بأسعار زهيدة كنوع من الاستثمار المستقبلي قبل تجهيزهم للبيع في أوروبا، وهؤلاء يفضلون القاهرة بأي سعر ويعتبرونها محطة "ترانزيت" في طريقهم إلى أوروبا، وعندما يفشلون في تحقيق الحلم تبدأ مشاكلهم في الظهور. أول لاعب افريقي لمع في القاهرة كان الغاني عبد الرزاق كريم الحاصل على لقب أحسن لاعب في افريقيا سنة 1980، جاء إلى القاهرة كبير السن، وشكل مع صديقه الكاميروني انطوان بل ثنائياً كان له شأن كروي كبير، إذ مكن فريق المقاولين العرب من الحصول على بطولة الدوري المصري وعلى بطولتين في كأس افريقيا للأندية أبطال الكؤوس. انطوان بل انطلق من القاهرة إلى "موناكو" الفرنسي، وحرس مرمى "أسود الكاميرون" في كأس العالم مرتين، واختير في منتخب العالم غير مرة. أما عبدالرزاق فعاد إلى بلاده ليعتزل هناك. وهناك الآن لاعبان من نيجيريا في طريقهما إلى القاهرة، الأول يدعى كسمير من نادي جورج يونايتد بطل الدوري النيجيري. واوتاكا 19 سنة الذي يلعب في الدرجة الثانية، وكلاهما حزم حقائبه إلى القاهرة لعل وعسى. أحلام أوتاكا وكسمير لا تقل عن أحلام نجم نيجيريا الأول أمانويل أمونيكي الذي لعب للزمالك القاهري لعامين حقق خلالهما نجومية طاغية، واستكمل لمعانه في كأس العالم الماضية بالولايات المتحدة الاميركية ضمن فريق "نسور نيجيريا"، ومنها إلى نادي سبورتنغ لشبونة البرتغالي مقابل مليون ونصف المليون دولار له شخصياً و900 ألف دولار للزمالك في أكبر مكسب لناد مصري من صفقة افريقية. ويفضل لاعبو غاناالقاهرة الناطقة بالإنكليزية على بقية دول شمالي افريقيا الناطقة بالفرنسية التي يقبل عليها لاعبو السنغال وموريتانيا وساحل العاج. ويعتبر أحمد فيليكس لاعب الأهلي، أكثر هؤلاء الغانيين استقراراً وشعبية. وعقد فيليكس قيمته 100 ألف دولار أميركي سنوياً لثلاث سنوات سيكمل مع الأهلي بقية هذا القرن، وراتبه الشهري 1500 دولار فضلاً عن مكافآت الفوز والبطولة. وقد اعتنق فيليكس الإسلام في القاهرة ويتردد أن نادي تشلسي الانكليزي عرض عليه 750 ألف دولار ليلعب له، إلا أنه فضل البقاء في الأهلي انتظاراً لفرصة أفضل، أو ربما تمسك به الأهلي حتى نهاية التعاقد. ويحاول فيليكس جاهداً حل مشكلة مواطنه يعقوب مع النادي الأهلي خاصة أن الأخير جاء من غانا ليلعب إلى جوار فيليكس في خط هجوم الأهلي بوصفه أكبر اندية القارة الافريقية، إلا أن مدرب الفريق هولمان قبل تركه الأهلي لم يفكر في ضم يعقوب إلى قائمة الفريق الأول، وكان هناك تفكير في إعارته لنادي دمياط في الدرجة الثانية، ما دفع يعقوب إلى الهرب. فرز ثالث وتشهد القاهرة زحفاً من لاعبي سيراليون ومالي، وقد يكون مرد ذلك إلى أن مدرب منتخب سيراليون لمدة طويلة كان مصرياً يدعى مصطفى عبدالعال، كما درب منتخب مالي مصري آخر يدعى أيمن اليمني. أبرز لاعبي سيراليون في القاهرة تشرينو لاعب نادي القناة الاسماعيلية وعقده لا يتجاوز 25 ألف دولار وقد حاول نادي بريمن الألماني شراءه بنصف مليون دولار، إلا أن الصفقة لم تتم في حينها عندما كان نادي القناة مهدداً بالهبوط إلى الدرجة الثانية وكان في حاجة لجهود هدافه تشرينو، المتخصص في هز شباك أندية المقدمة الأهلي والزمالك. ويعد كوليبالي لاعب منتخب مالي الأبرز حالياً بين مواطنيه بعد تجاوزه مشاكله مع نادي الزمالك وهروبه لتمثيل بلاده دولياً لقاء غرامة مالية فقط. وهناك لاعبون أقل شهرة ومشاكل في اندية الشمس والألومنيوم واسوان. ولاعبو افريقيا يصلون إلى القاهرة إما عن طريق المدربين المصريين أثناء رحلاتهم إلى افريقيا مثل اوتشيري الغاني الذي أحضره محمود الجوهري مدرب المنتخب القومي حالياً لمصلحة نادي الزمالك. وويليام الكيني الذي احضره محمود سعد المدرب السابق لنادي الزمالك لمصلحة الزمالك أيضاً، أو عن طريق مواطنيهم اللاعبين كما فعل أمانويل مع مواطنه اكي الذي لعب لفترة مع نادي الزمالك. أما الجزء الأعظم من الصفقات فيتم على أيدي السماسرة. أيمن اليمني يرى أن امكانات الاندية المصرية المادية متواضعة، ولذا تركز على الناشئين واحتمال هؤلاء للغربة أقل ومشاكلهم كثيرة. ويتوقع اليمني مزيداً من اللاعبين الأفارقة في الفترة المقبلة، خاصة مع نجاح بعض الصفقات لدى الأندية المصرية. الكابتن عبده صالح الوحش رئيس اللجنة الفنية في الاتحاد الإفريقي يرى أن اللاعبين الذين يصلون إلى مصر من "الفرز الثالث"، ويقصد أنهم ليسوا من نجوم الصف الأول أو الثاني. وبالتالي أسعارهم منخفضة وامكاناتهم ضعيفة أو محدودة، والأندية المصرية تلجأ إلى دول شرق افريقيا وهي غالباً دول ضعيفة كروياً، والمنافسة على هؤلاء المحترفين بين الأندية المصرية والأندية الأوروبية هي في مصلحة الأخيرة، والدليل أن لاعب جنوب افريقيا بنديكت ماكارثي عرض عليه النادي الأهلي عبر مندوبه 40 ألف دولار واشتراه إياكس الهولندي ب 800 ألف دولار، وهو يلعب أساسياً الآن في إياكس. وعن تجربة اللاعبين الذين وصلوا بالفعل إلى القاهرة قال إن مستواهم ضعيف باستثناء بعض الفلتات، ويذكر أن امانويل اللاعب النيجيري كان ابرزهم وكان وراء فوز الزمالك بالدوري وظل الرقم 1 في الزمالك حتى وصل إلى أوروبا. كما أن احسن مهاجم في الأهلي حالياً هو أحمد فيليكس الغاني. وعن فشل لاعبي افريقيا في مصر قال أولا ان الاختيار ليس صحيحاً من البداية، لأنه لم يتم اختيار لاعبين أكفاء، لضعف الامكانات المادية، أما مشاكل اللغة فليست ذات بال على الإطلاق لأن لغة الكرة لغة عالمية، وعموماً يعتبر لاعبو افريقيا القاهرة محطة ترانزيت لهم في طريقهم إلى أوروبا. مصر محطة إلى أوروبا أحمد فيليكس الغاني الجنسية ولاعب النادي الأهلي قال ل "الوسط": "أنا تجربتي ناجحة في الأهلي المصري، وهدفي تكوين مجموعة خبرات وبطولات استطيع أن أنطلق منها إلى أوروبا، لأن القاهرة بالنسبة لي خطوة أولى على الطريق"، واضاف أن سوق الاحتراف في أوروبا صعب ويحتاج إلى خبرات كثيرة يمكن الحصول عليها في القاهرة، لأن هدف الافارقة هو أوروبا في نهاية المطاف. وأكد أن الكرة في مصر أفضل من بقية دول افريقيا، كما أن القاهرة مشهورة ولها سمعة في القارة الافريقية ولها طابع خاص، كما أنها عاصمة ناطقة بالإنكليزية، وهذا يوفر أجواء مناسبة للاعب الافريقي. وأكد أن مشاكل الأفارقة في مصر لن تعرقل زحفهم إليها، وأنا أعرف شخصياً عشرات اللاعبين في طريقهم إلى القاهرة أو يحاولون الوصول اليها، وأنا أؤيد هذا الزحف وأساعدهم على ذلك لأني أرى أن مستوى الكرة في مصر عال، أنا شخصياً فضلت الاستمرار لعامين آخرين حتى أكون على مستوى يناسب أوروبا. وقال تشرينو لاعب القناة السيراليوني الجنسية ل "الوسط" انه استفاد كثيراً من تجربته في مصر وأن فرص الاحتراف الأوروبي التي عرضت عليه سواء في بريمن أو هانز رستوك سنحت له وهو في نادي القناة وقد التحق بمنتخب بلاده وهو في مصر، وبالتالي فإن تجربته ناجحة بكل المقاييس، ويرى تشرينو أنه لا بد من التغيير تغيير دماء اللاعبين بحيث لا يستمر الافريقي سوى ثلاثة أعوام على الأكثر في القاهرة. وعليه أن يجد ملاعب اخرى في أوروبا حتى يرتقي بمستواه لأنه لو استمر هنا سيتجمد. وأكد أنه في انتظار فرصة أفضل في المستقبل لأن القاهرة بالنسبة له محطة أولى ولن يستمر فيها طويلاً، وهو يحب القاهرة ويحب أن يرى زملاءه الافارقة فيها ولكن عينه على أوروبا.