تقول الحكومة التونسية ان خطة التخصيص التي تطبقها منذ العام 1986 تستهدف تقليص دور القطاع العام في النشاط الاقتصادي الى المستوى الذي بلغته الدول الصناعية، خصوصاً دول الاتحاد الاوروبي. وتشير التقديرات المتوافرة الى ان مساهمة الدولة التونسية في الناتج المحلي الاجمالي لا زالت تتجاوز حالياً 20 في المئة، في حين انها باتت بحدود 7 في المئة، في دول صناعية متقدمة، مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. وفي هذا السياق فإنه من المقدر ان يصل قطار التخصيص التونسي الى قطاعات اضافية في خلال السنوات الثلاث المقبلة، فإضافة إلى قطاع الفنادق الذي تسارعت وتيرة بيعه الى شركات خاصة، يتوقع ان يبدأ قريباً تخصيص قطاع توزيع المحروقات عن طريق بيع حصص متتالية في شركة توزيع مشتقات النفط عجيل، وان كان من المقرر الا تزيد الحصة الاولى المطروحة للبيع عن 30 في المئة. وكانت المرحلة الثانية من خطة التخصيص شملت طرح 60 شركة صناعية وسياحية للبيع بعدما شملت المرحلة الاولى بيع حوالي 50 شركة من الشركات المختلفة، الكيماوية وشركات النسيج والنقل. وتشير التقديرات، الى ان ايرادات التخصيص بلغت حتى الآن حوالي 300 مليون دولار، فيما يتوقع ان تزيد عن 4.1 مليار دولار عند استكمالها، خصوصاً مع طرح حصص اضافية للبيع في شركات كبيرة، مثل الخطوط الجوية التونسية التي لم تزد نسبة التخصيص فيها عن 20 في المئة، الى جانب 20 في المئة من "الشركة التونسية للملاحة". وكانت تونس اقرت اخيراً قوانين تسمح للرساميل الاجنبية بالتوظيف في بعض القطاعات المصنفة استراتيجية، مثل قطاع الكهرباء عن طريق السماح للقطاع الخاص بإنشاء محطات للتوليد لبيع انتاجها الى الحكومة. ومع ذلك، وعلى رغم الوتيرة المتزايدة لتنفيذ برنامج التخصيص، الا ان ثمة اعتقاداً متزايداً بأن هذا البرنامج لا يزال يصطدم ببعض القيود التي تحد من تدفق الاستثمارات، خصوصاً اذا ما اخذت في الاعتبار الخطط التي قررت الحكومة التونسية اعتمادها في السنوات الخمس المقبلة، وتستهدف جذب 19 مليار دولار لتوظيفها في البلاد. ويشير الخبراء الاقتصاديون الى القيود المفروضة على الاستثمار في قطاعين اساسيين: الاول، قطاع الكهرباء، اذ على رغم فتح الباب امام الرساميل الاجنبية فيه، الا انه يبدو، حسب وزير الصناعة صلاح الدين بوقرة، ان الحكومة وضعت سقفاً للحصة التي يمكن للاجانب ان يتملكوها، وهي 50.12 في المئة من اجمالي انتاج الكهرباء في البلاد، بما يقل بواقع النصف عن الهامش الاستراتيجي الذي يقدر بحوالي 25 في المئة. اما القطاع الثاني فهو قطاع المصارف التجارية التي تملكها الحكومة وتسيطر على الجزء الاهم من السوق المصرفية، بما يصل الى 70 في المئة من اجمالي النشاط المصرفي في البلاد، ومع ان كبار المسؤولين ينفون امكان تخصيص هذا القطاع مستقبلاً، الا انه ثمة اعتقاداً قوياً بأن خروج الدولة من ملكيتها في الوقت الحاضر، سيحد من فرص مساهمتها في خطة النهوض الاقتصادي التي بدأ تطبيقها حتى العام 2001، وحاجة الدولة الى توفير استثمارات لا تقل عن 18 مليار دولار، الى جانب التمويل الذي من المقدر ان يحتاجه بعض القطاعات الاساسية. وبحسب منتقدي هذا التوجه الحكومي، فإن ابقاء المصارف الكبرى في عهدة الدولة من شأنه ان يمس قواعد التنافسية مع مؤسسات القطاع الخاص، الى جانب مساسه اصلاً بمبدأ خروج الدولة من ملكية النشاطات الاقتصادية.