تجمع التقديرات المتداولة على ان الايرادات الاضافية التي ستحققها السعودية هذا العام نتيجة تجاوز اسعار النفط مستوى 14 دولاراً للبرميل الذي كانت المملكة اعتمدته لتقدير عائداتها من صادرات النفط، قد تتجاوز بسهولة 5.10 مليارات دولار في العام الحالي. ومن المعروف ان السعودية تحافظ على مستوى تصديري يصل الى حوالي 7 ملايين برميل يومياً، من اصل 8 ملايين برميل حجم الانتاج، من بينها مليون برميل تقريباً لتلبية الطلب المحلي، وتوفير احتياجات المصافي الوطنية. وكانت الحكومة قدرت ايرادات النفط للعام الحالي بواقع 88 مليار ريال، على أساس 14 دولاراً للبرميل، في حين تشير الارقام التي تحققت في خلال الاشهر الثمانية الاولى من هذا العام الى أن متوسط الاسعار بلغ فعلياً 50،18 دولاراً، بزيادة 5،4 دولارات للبرميل الواحد، وهو فارق من المتوقع ارتفاعه في الربع الاخير من العام نتيجة استمرار الاسعار العالمية عند معدلاتها المرتفعة، وتجاوزها اواسط تشرين الاول أكتوبر الماضي مستوى 25 دولاراً، وهو أعلى مستوى تسجله منذ العام 1990، بعد الغزو العراقي للكويت، والتطورات العسكرية التي اعقبته. وما يشجع على اعتماد مثل هذه التوقعات المتفائلة بالنسبة الى الدول المصدرة للنفط، وفي طليعتها السعودية، استمرار الخلافات في شأن تطبيق القرار الرقم 986 النفط في مقابل الغذاء، وتوقع تأخر تنفيذه الى ما بعد مطلع العام المقبل، وربما الى موعد أبعد، من دون النظر في انعكاسات مشكلة أخرى، تمثلت في التطورات العسكرية والسياسية التي شهدها شمال العراق في الفترة الاخيرة، ومخاوف احتمال تطورها الى تجدد الحرب الايرانية - العراقية. وتشير تقديرات غير رسمية الى أن النمو الذي يتوقع ان يحققه قطاع النفط السعودي هذا العام قد يصل الى مستوى قياسي بواقع 12 في المئة، بالمقارنة مع ما كان عليه العام الماضي، عندما سجل نمواً بنسبة 2.9 في المئة، بعد التراجع الذي تحقق في العام 1994، ووصل الى 2.2 في المئة. ووفق هذه التقديرات فإن ايرادات السعودية من عائدات النفط ستتجاوز بسهولة في العام 1996 مستوى 125 مليار ريال، وهو رقم يزيد بنسبة 42 في المئة تقريباً عما هو مقّدر لها في الموازنة العامة للدولة. ومن الاشارات الواضحة الى أن الحكومة السعودية باشرت توظيف الفائض في ايرادات النفط، ارتفاع وتيرة سداد المستحقات المالية المتأخرة عليها لمصلحة شركات المقاولات وموردي الادوية والمزارعين، وكانت الحكومة اصدرت اوائل العام الحالي شهادات دفع للمزارعين بقيمة تبلغ حوالي 3.9 مليارات ريال، كما افادت شركات المقاولات من سندات خاصة بقيمة 6 مليارات ريال، في حين حصل موردو الادوية على 5.7 مليارات ريال مقسطة على 5 سنوات، بواقع 20 في المئة سنوياً. ويسود اعتقاد قوي بأن الحكومة تتجه الى اقفال الديون المتأخرة عليها قبل نهاية العام الحالي، وربما قبل نهاية آذار مارس المقبل، سواء عن طريق السداد الفوري لاصحاب هذه الديون، ام عن طريق اعادة جدولتها لفترة زمنية محدودة، بما يقفل ملف الديون الداخلية بصورة نهائية. الى ذلك من الاشارات الى أن فائض ايرادات النفط بدأ ينعكس بصورة ايجابية على القطاعات الاخرى، الارتفاع الذي حققه المركز المالي العام للمملكة هذا العام، وتالياً ارتفاع الاحتياط من العملات الاجنبية الى 10 مليارات دولار في نهاية حزيران يونيو الماضي، بزيادة نسبتها 2.16 في المئة، بالمقارنة مع ما كان عليه نهاية العام الماضي، ما يعني ان احتياط العملات الاجنبية بات يغطي واردات البلاد لفترة 6 أشهر. وبعدما كان العجز في الميزان التجاري قد وصل الى 9 مليارات دولار في العام 1994، ثم تراجع الى 6 مليارات دولار العام الماضي، فإنه من المقدر الاّ يزيد عن 3 مليارات دولار هذا العام، اذا ما أخذ في الاعتبار استمرار تحويلات العاملين في المملكة عند المستوى الذي بلغه العام الماضي، وهو 15 مليار دولار. وتشير التقديرات المتداولة الى أن العجز في الميزان التجاري الذي سيتراجع بنسبة 50 في المئة، قد تتم تغطيته من خلال توسع المستثمرين من القطاع الخاص في الاعتماد على الاحتياطات التي يملكونها في الخارج، الى جانب تغطية جزء منه بواسطة الرساميل الاجنبية التي يتوقع ان تدخل المملكة لتمويل المشاريع المشتركة فيها. كذلك من المؤشرات التي ساهم فائض ايرادات النفط في تحقيقها، ارتفاع فائض الميزان التجاري الى حوالي 2.27 مليار دولار، بعدما بلغ 3.23 ملياراً في العام الماضي و5.20 ملياراً في العام 1994. ومع ذلك يرجح الخبراء أن لا تعمد الحكومة السعودية الى توظيف فائض ايرادات النفط للعودة عن سياسة ترشيد الانفاق العام التي باشرت تطبيقها قبل حوالي 3 سنوات، والتركيز على زيادة مساهمة الرساميل الخاصة في الدورة الاقتصادية، والتوسع في برنامج التخصيص. ويبرر الخبراء ذلك بمجموعة اعتبارات، ابرزها ان الحكومة السعودية تركز في الوقت الحاضر على انهاء جميع الالتزامات المتوجبة عليها، او تلك التي يمكن ان تترتب عليها في خلال العامين المقبلين، في مجال الدفاع والامن، وتحديث اسطول مؤسسة الخطوط الجوية السعودية، الى جانب السعي لتقليص حجم الدين الداخلي. كذلك من الاعتبارات التي تدفع الحكومة الى الابقاء على سياستها المالية المحافظة، عدم وضوح مستقبل اسعار النفط في الاسواق العالمية للعام المقبل، مع ظهور مخاطر عودة هذه الاسعار الى مستويات أقل من مستوياتها الحالية بسبب الاحتمالات المتزايدة لعودة النفط العراقي الى الاسواق العالمية، واستمرار مستويات الانتاج في الدول من خارج "أوبك"، ثم المخاطر الناتجة عن تراجع مستويات النمو الاقتصادي في الدول الصناعية، خصوصاً في اوروبا الغربية والولايات المتحدة. ومع ان ثمة اعتقاداً بأن الموازنة العامة السعودية قد تنجح في تحقيق فائض ولو محدود هذا العام بفعل ارتفاع ايرادات النفط، الاّ أن الخبراء الاقتصاديين يتوقعون ان يعاود العجز الظهور العام المقبل، ولو بنسبة أدنى، استناداً الى توقع تراجع الايرادات النفطية بنسبة 1.6 في المئة تقريباً من 5.44 الى 8.14 مليار دولار في مقابل زيادة أقل للايرادات غير النفطية التي لا تزيد حصتها في الوقت الحاضر عن 33 في المئة من اجمالي الايرادات العامة للدولة