يجمع خبراء صندوق النقد والبنك الدوليين على الاعتراف بأهمية الاجراءات التي طبقتها الحكومة المصرية حتى الآن، في اطار برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي بدأ تنفيذه اعتباراً من العام 1991. ومن النتائج التي امكن تحقيقها الاستقرار الذي تنعم به سوق القطع المصرية، والذي افتقدته طوال العقود الاربعة الماضية، الى جانب ارتفاع الاحتياط من العملات الاجنبية الى حوالي 5.18 مليار دولار، وهو رقم يكفي لتغطية واردات البلاد لأكثر من 15 شهراً تقريباً، ونجاح البنك المركزي في خفض اسعار الفوائد الى مستويات اقل بكثير مما كانت عليه قبل 5 سنوات، من دون ان ينعكس هذا الخفض على جاذبية الاستثمار في الجنيه. واضافة الى ذلك استطاعت الحكومة المصرية تحقيق تقدم واسع على صعيد تحرير مبادلاتها التجارية مع الخارج، سواء من خلال خفض سقوف الرسوم الجمركية على السلع المستوردة ام من خلال الغاء اللائحة السلبية التي تشتمل على السلع التي يحظر استيرادها بحجة وجود مثيل وطني لها، الامر الذي رفع الواردات المصرية الى حوالي 15 مليار دولار في العام المالي الاخير 1996 - 1997، فيما زادت الصادرات الى اكثر من 11 مليار دولار، بما فيها عائدات الخدمات التي تصدرها مصر، مثل عائدات المرور في قناة السويس وايرادات الحركة السياحية التي باتت تزيد حالياً عن 8.5 مليار دولار، لكن من دون احتساب قيمة التحويلات من العاملين في الخارج التي بلغت العام الماضي حوالي 4 مليارات دولار، ما ساهم في تحقيق فائض في الحساب الجاري، على رغم العجز الذي يعاني منه الميزان التجاري. ومن الانجازات التي يقول صندوق النقد الدولي ان الحكومة المصرية نجحت في تحقيقها، ما يتصل منها بتراجع العجز في الموازنة العامة للدولة الى حدود واحد في المئة من اجمالي الناتج المحلي الذي بلغ العام الماضي ما يساوي 45 مليار دولار، وهو رقم وضع الاقتصاد المصري في المرتبة الثالثة في الشرق الاوسط، بعد السعودية واسرائيل، وساعد في تحسين مداخيل الفرد المصري الى ما يزيد عما هي عليه هذه المداخيل في دول نامية كبرى، مثل الهند والصين، على رغم ان الدخل الفردي لا يزال يقل عن 1150 دولاراً في السنة. وساهم التوسع في تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي، في تقليص نسبة الدين الخارجي من 73 في المئة من الناتج المحلي في العام 1990 - 1991 الى 43 في المئة حالياً، في حين هبطت نسبة الدين العام الداخلي من 62 الى 59 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العام الماضي. وحقق برنامج الاصلاح الهيكلي خطوات اساسية في مجال تخصيص القطاعات الانتاجية، وانهاء الدولة لسيطرتها شبه الشاملة على النشاط الاقتصادي. ففي مجال الزراعة حررت الحكومة معظم المحاصيل الاساسية من السيطرة التي كانت تفرضها عليها عن طريق التدخل في تحديد اسعارها، مثل محاصيل القطن والرز، حيث اوقفت سياسة تحديد الاسعار وقنوات التسويق وحصص الانتاج، كما باشرت الخروج من السيطرة على القطاع الصناعي، عن طريق بيع الشركات التي تملكها للقطاع الخاص، وفتح الباب امام القطاع الخاص لتولي ادارة بعض الشركات الصناعية بهدف زيادة انتاجيتها، وتحسين كفاءتها التنافسية، وإلزامها اعتماد قاعدة الربحية كأساس للاستمرار. وفي القطاع المالي والمصرفي، خرجت الدولة من ملكية معظم المصارف المشتركة، عن طريق بيع الحصص التي تملكها في هذه المصارف الى مساهمين من القطاع الخاص، المحلي والاجنبي، ويتردد ان هناك اتجاهاً للانتقال الى مرحلة تخصيص المصارف المملوكة كلياً من الدولة 4 مصارف عن طريق تحويل احدها الى شركة مساهمة يفتح الباب امام الرساميل الخاصة للتوظيف فيها. وجاء تحرير جزء مهم من قطاعات الزراعة والصناعة والمصارف في الوقت الذي كان برنامج تخصيص قطاع السياحة في مراحله الاخيرة، بعدما باعت الدولة ما تملكه في الفنادق والمنتجعات السياحية الى شركات خاصة وطنية وأجنبية، ليقتصر دورها على اعادة ترتيب الاستثمار في القطاع الفندقي، وتوجيهه نحو قطاعات ومناطق جديدة لإنمائها. ومع ذلك، فإن الاعتقاد السائد لدى مسؤولي صندوق النقد والمؤسسات المالية العالمية، هو ان القطاع العام في مصر لا يزال مسيطراً على قسم كبير من النشاط الاقتصادي، اذ على رغم تحرير النشاط الزراعي في معظم مراحله، لا تزال الدولة تسيطر على مصانع الغزل والنسيج في جزئها المهم. اما في قطاع الصناعة، وعلى رغم انجاز عمليات بيع حوالي 85 شركة بصورة كلية او جزئية، من بينها 20 شركة في النصف الاول من العام الحالي، فإن القيمة التقديرية للشركات التي لا زالت في عهدة الدولة قد تصل الى اكثر من 10 مليارات دولار، وتعتبر الشركات المصنفة استراتيجية في طليعة الشركات التي تحتفظ الحكومة بملكيتها. ومن ابرز الشركات المستمرة حكومية حتى اشعار آخر، الشركات العاملة في قطاع النفط، خصوصاً في مجال التكرير والتوزيع، الى جانب السيطرة الواضحة للدولة في قطاع انتاج النفط الخام والغاز. ومن القطاعات الاساسية التي لا تزال الدولة تضع يدها عليها، قطاعات الخدمات الاساسية، مثل الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل، على رغم مبادرة الحكومة قبل فترة الى فتح الباب امام الشركات الخاصة لتمويل انشاء واستثمار محطات توليد الطاقة، وتطوير واستثمار بعض المطارات. كما ينظر الى موضوع استمرار ملكية الدولة لمؤسسات كبيرة، مثل مؤسسة "مصر للطيران" و"هيئة قناة السويس"، على انه مؤشر الى استمرار نية الحكومة في الابقاء على تدخلها القوي في النشاط الاقتصادي. الى ذلك، فان تأخر الدولة في الخروج من ملكية المصارف التجارية الاربعة الكبرى يخالف القواعد التنافسية التي يتوجب تطبيقها في اقتصاد مثل الاقتصاد المصري، كما يخالف التوجه الاساسي للسياسة الاقتصادية التي تقول الحكومة المصرية انها تعتمدها منذ مطلع العقد الحالي، على رغم التقدم الذي احرزته حالياً حكومة كمال الجنزوري، التي يقول خبراء دوليون ان من اسباب تعيينها الامكانات التي تملكها لتسريع وتيرة الاصلاح .