شقّت الاغنية الخليجية طريقها منذ الفترة التي سبقت "الطفرة النفطية". وقد كان ابرز فرسانها الموسيقار طارق عبدالحكيم والمطربون الكبار طلال مداح ومحمد عبده والدكتور عبدالرب ادريس وابو بكر سالم بلفقيه. وعندما جاءت الطفرة بالاموال والانفتاح، اشفق كثيرون على اغنية الخليج خشية ان تذوب تحت انامل عمالقة الفرق الموسيقية الكبرى في القاهرة وبيروت. غير انها تمسكت بطابعها وزخرفاتها الحَلْقِيَّة المميزة وجملها الموسيقية القصيرة، وايقاعاتها القديمة المتداخلة المتولدة من اختلاط شعوب المنطقة بالامم الاخرى التي تفد الى موانئ الجزيرة ومدنها بغية التجارة والمنافع المتبادلة. وشيئاً فشيئاً كبرت دائرة الضوء المنبثعة من فن الرواد الخليجيين، فانبثقت اصوات جديدة سرعان ما نمت شعبيتها وزادت شهرتها: عبدالمجيد عبدالله، عبادي الجوهر، خالد عبدالرحمن، علي عبدالستار، راشد الماجد، واصوات اخرى تشغل مسامع الناس في المشرق والمغرب. وعلى رغم زيادة فرص الاحتكاك بين الثقافة الموسيقية الخليجية وبقية الثقافات الموسيقية في الوطن العربي، بسبب التطور الهائل في الاجهزة الاعلامية وتوسع صناعة الكاسيت وازدهار موجة "الفيديو كليب"، فان النقاد العرب المشتغلين بهموم الفنون الغنائية لم تتح لهم فرصة للغوص في ثنايا هذه الظاهرة العربية المسماة "الاغنية الخليجية". يمثل هذا التحقيق مسعىً من جانب "الوسط" لتوفير المعلومات المطلوبة عن وضع الاغنية الحديثة في اقطار الخليج العربي، ودراسة لاتجاهات مبيعات التسجيلات الصوتية الكاسيت في اسواق المنطقة، والقاءً للضوء على المجهودات التي تبذلها البلدان الخليجية لضمان استمرار العناية بتراثها وقديمها ليبقى نابضاً جنباً الى جنب ابداعات الاجيال الجديدة. من النجاحات التي يحققها عبدالمجيد عبدالله، الى فوز المطربة الاماراتية احلام باحدى جوائز مهرجان الاغنية العربية الذي اقيم في دبي، وصولاً الى احدث البومات المطربين المنتمين الى بلدان عربية اخرى وقد اصر كل منهم على ان يتضمن شريطه اغنية "خليجية"… تسير هذه الاغنية من نجاح الى نجاح، وتحتل موقعاً مميزاً على خريطة الغناء العربي. لم تكن الحال كذلك قبل عقدين. ففي ذلك الوقت كان من الممكن لاغنيات من طراز "رهيب" و"تدري ليش ازعل عليك" و"احبك ليه انا ما ادري"، ان تمر على مسامع عشاق الغناء مرور الكرام وتعتبر مجرد ترف، او يعتبر الاستماع اليها مجرد "مسايرة" لمنطقة يحاول العرب ان يكتشفوها بالتدريج، اذ بعد ان اكتشفوا ثراءها بالنفط، وتوفيرها لفرص العمل، اكتشفوا ايضاً ان بامكانها ان تنتج صحافة جيدة، ثم شتى انواع الثقافات، وصولاً الى الاغنية. صحيح ان الاغنية الخليجية لم تكن غائبة تماماً قبل ذلك، بل كانت حاضرة، ولكن بشكل محدود. وقد احتاج هذا الشكل المحدود الى ثنائي طلال المداح ومحمد عبده لكي يفجره، ويخرج الاغنية الخليجية من عقالها. لكنه احتاج، اكثر من ذلك، الى اقامة ملايين العرب في بلدان خليجية يبحثون عن الرزق، ويتفاعلون، وان بحدود، مع مجتمعات ربما كان غناؤها اول ما أطل عليهم منها. وهكذا بالتدريج وبمواكبة الفورة النفطية، وجدت الاغنية الخليجية طريقها الى محطات الاذاعات والى مكاتب العائدين الى بلدانهم على شكل شرائط تشترى بالعشرات وتعود الاذواق العربية على ايقاعات كان اقل ما يقال فيها انها ايقاعات جديدة، تطرب وتخاطب الشعور، وترتبط بالطبيعة الحية للمناطق الخليجية بصلة نسب واضحة، على عكس الايقاعات العربية المشرقية التي كانت، كاستمرار لتراث محمد عبدالوهاب والاخوين رحباني، ترتبط بما هو آت من ايقاعات اجنبية ولا سيما اللاتينية - الاميركية. العلامة الفارقة هكذا فرضت الاغنية الخليجية حضورها، والى جانب ايقاعاتها الموسيقية الحية، اعتادت الأذن العربية على الكلمات التي سرعان ما صار استيعابها أيسر. وكان هذا كافياً لكي تقف الاغنية الخليجية في المقدمة الى جانب الاغنية المصرية التي سيطرت على الساحة العربية على مدى القرن العشرين، قبل ان تبدأ الاغنية اللبنانية بمشاركتها منذ الستينات. هنا لا بد من الاشارة الى التفريق الاساسي بين كون غناء ما سيداً في منطقة معينة، وكونه سيداً في شمولية العالم العربي كله. والواقع ان الغناء الخليجي كان موجوداً على الدوام، وكذلك حال الغناء السوري والتونسي والعراقي والمغربي والسوداني، غير ان وجوده اقتصر على منطقته الخليجية وحدها وعلى جمهوره المحدود. بل يمكننا ان نفترض ان الغناء البحريني كان موجودا بشكل مستقل، وكذلك العماني والقطريوالكويتي والسعودي. وبعد ذلك فقط بدأت تندمج الانواع، وبات من الصعب التفريق بين خليجي وخليجي، وخصوصاً حين دخلت انماط التوزيع الموسيقي الجديدة، وبدأ الكلام نفسه يُخَفّف لهجة ومعنى. ثم جاءت المرحلة الثالثة حين خرج الغناء الخليجي من خليجه واصبحت له صفته الشمولية العربية. وهنا لم يحدث فقط ان انتشر المغنون الخليجيون، بل ان الغناء الخليجي نفسه صار كما لو كان علامة فارقة بين المطربين. فالراحل عبدالحليم حافظ غنى غناء خليجياً يا هلي.. يا هلي، ووردة غنت غناء خليجياً مقادير واخيراً جداً غنت سميرة سعيد وغيرها غناء خليجياً، فاذا وصلنا الى المغنين الشبان، سنجد مغنية مثل ديانا حداد تصنع مكانتها عن طريق اغنية خليجية متميزة هي "ساكن" وكذلك سيقترب عاصي الحلاني من الغناء الخليجي كثيراً في وقت بات فيه من المستحيل ان يخلو شهر من اغنيات خليجية تظهر على حناجر مغنين من مصر او من لبنان او حتى من بلدان المغرب العربي. وفي المقابل راح المغنون الخليجيون انفسهم ينفتحون على الملحنين وكتاب الاغنية العرب نبيل شعيل، مثلا. فهل سينتهي هذا الامر بافتقاد الاغنية الخليجية اصالتها، ويسبر نحو نوع من الدمج، ام انه سيشكل اثراءً اضافياً لتلك الاغنية؟ غياب المعطيات العلمية أي جولة نقوم بها في بلدان الخليج العربي وتقودنا الى المكتبات الموسيقية الخاصة والبائعين، واسئلة نطرحها على بعض ابرز المهتمين بالغناء الخليجي، كفيلة بأن تضعنا امام حقائق قد تكون الآن غائبة عن البال وسط الفورة الغنائية الراهنة. ففي الكويت، مثلاً، سنفاجأ بأن المكانة الاولى لا تزال محفوظة للغناء الكويتي التقليدي عودة المهنا… بين آخرين، ولا سيما منذ انقضاء حرب الخليج التي ارجعت العديد من المستمعين الكويتيين الى نوع من الانغلاق على الذات وعلى النتاجات المحلية، غير ان هذا لا يمنع ام كلثوم وعبدالحليم حافظ وفيروز من احتلال اماكن متقدمة دائمة في لوائح الاشرطة الاكثر مبيعاً. وبشكل عام، يفيدنا بائع شرائط كويتي بأن الكويتيين، وعلى عكس ما قد يكون متوقعاً منهم، لا يقبلون كثيراً على الغناء الخليجي ان لم يكن كويتياً بحتاً. في مقابل هذا، نجد في البحرين انفتاحاً على كل ما هو خليجي، سواء اكان نبطياً سعودياً او شعبياً عمانياً. ومغنية مثل سمراء الامارات احلام، يكاد المستمع البحريني ان يكون مستمعها الاول. اما في السعودية فان المكانة الاولى لا تزال لطلال المداح ومحمد عبده اللذين كان لهما الفضل الاكبر في الفورة التي يشهدها الغناء الخليجي. مهما يكن، تظل كل هذه الاستنتاجات التي نوردها هنا، افتراضية لا تستند الى اية احصائيات او معطيات علمية، لكنها الوحيدة المتوفرة اضافة الى الاتصال المباشر بالمعنيين بالامر. هذا التحقيق يرسم لنا عديداً من الاشارات على طريق ظاهرة التسعينات: ظاهرة الغناء الخليجي. السعودية: الجيل الجديد يتجاوز محمد عبده في السعودية تربع محمد عبده على قمة الطرب السعودي سنوات طويلة مستفيداً من التريث الذي اتسم به منافسه الرائد طلال مداح. وفي المقابل لم تفرز الساحة اصواتاً جديدة فعبادي الجوهر وعلي عبدالكريم ومحمد عمر ظلوا مثل ابطال الصف الثاني ينسحبون حال ظهور الممثل الاول ليكونوا له كالجوقة. هكذا انفرد محمد بالساحة على المستوى الخليجي وكان يحتكر جميع القصائد الراقية. ولأنه فنان متميز، كانت ألحانه بالدرجة نفسها من الجودة، لذا كانت كل اغنية له تحدث صدى وتجد ذيوعاً وانتشاراً. لكن الصورة تغيرت الآن… محمد عبده الذي ارتكب غلطة استراتيجية بالانقطاع عن الغناء على المسرح خسر موقعه لصالح الاصوات الشابة المتحفزة والممتلئة طموحاً التي تسعى لأن ترسم خطواتها الذاتية، متمردة على عباءة محمد عبده الضافية. خلخل هذا الجيل الصدارة التي كان يحتكرها محمد عبده بسبب حدة التنافس بين المطربين. فعندما يتقدم راشد الماجد في اغنية يقدم عبدالمجيد عبدالله شريطاً يكتسح به السوق، ثم يجيء خالد عبدالرحمن ليسحب البساط من تحت الجميع، وفجأة يخرج رابح صقر باغنية تحظى بالقبول. لقد اصبح ذوق الجمهور كتلة جماعية فهو الذي يحدد مسار الاغنية ولم يعد للفنانين تقريباً شخصيات غنائية مستقلة او فلسفة تطريبية محددة ومهنية بل يتشابهون احياناً لدرجة التطابق ومع ذلك فان كلاً منهم يحصد حظه من النجاح والتوفيق، وتضيق بهم الساحة احياناً فتلفظ الضعفاء منهم لتفسح المجال لجيل جديد وهكذا. لم تكن بدايات الاغنية السعودية قوية بل بقيت فترة طويلة الى حد ما اسيرة رائد الاغنية في السعودية حجاب بن نحيت الذي كان يعتبر المؤسس الفعلي للطرب الحديث. اذ كان النجم الاوحد مع انه لم يكن يردد سوى ايقاعات بسيطة وشبه احادية ترتكز على آلة العود والايقاع بحيث لم يكن من السهل التفريق بين خصائص اللحن في اغنيته. كان الاطار اللحني آنذاك شديد المحدودية، ولم يكن اللحن المحلي قد انفتح بعد على التجربة العربية، بل لعل الاندماج اللحني بين مناطق السعودية لم يكن قد تحقق، فثقافة الملحنين والمطربين وغالباً ما يكون الفنان شاملاً فهو الشاعر والملحن والمطرب كانت متواضعة واولية، ولم يكونوا بالتالي قادرين على استيضاح القيم اللحنية في الفولكلور الشعبي هنا وهناك. الا ان الاهتمام بالعود اثمر تميزاً سعودياً فيه، حتى ان عبادي الجوهر ابدع في هذا العزف اكثر من كونه مطرباً. وحافظ على النمط الغنائي الشعبي الذي حدد ملامحه حجاب بن نحيت مجموعة من المطربين المحليين مثل الصريخ وفهد بن سعيد وبشير شنان والطيار و"فتى الشرقية" وآخرون. صحيح انهم لم يحققوا نجاحاً اعلامياً، لكنهم تغلغلوا في ذاكرة المجتمع، لصدق ادائهم وبساطته حتى ان جدران المنازل خاصة في الاحياء الشعبية تمتليء بكتابات عن بشير شنان ما بين الحب او الوداع او تسجيل بعض كلمات اغانيه، ولعل خالد عبدالرحمن هو الاقرب لهذا الجيل وان كان يتسم بالعصرية والانفتاح اللحني، لكن جذور الحانه تقوم على ذات الايقاع الشعبي المحلي والبسيط. اما مرحلة النمو فلم تبدأ الا متأخراً جداً وبعد ان انبتت الساحة ملحنين حقيقيين نجحوا في تغذية الجملة اللحنية وامدادها بزخم حيوي اسهم في تطوير الاداء الفني. والحق ان محمد عبده وسراج عمر وطارق عبدالحكيم ومحمد شفيق وعمر كدرس وسامي احسان وطلال مداح ساهموا في انعاش القدرة اللحنية المحلية ومن خلال ذلك نجحت الاغنية السعودية في اختراق الحاجز المحلي، وانتشرت خليجياً ثم عربياً عبر وسائط الاعلام المتمثلة اساساً في الحفلات الصيفية التي كانت النواة لابراز شموخ الاغنية السعودية، حتى ليوشك محمد عبده ان يكون نداً لعبدالحليم حافظ في الذاكرة العاطفية العربية عموماً باستثناء مصر. وهي ارضية مهمة يسرت النجاح للاجيال اللاحقة من المطربين التي وجدت اذناً تستعذب اللحن والكلمة السعودية. على المستوى السعودي تفاوتت ترجيحات محلات بيع الاشرطة بين راشد الماجد وخالد عبدالرحمن وعبدالمجيد عبدالله، غير ان محمد عبده يبقى قاسماً مشتركاً وان كان لا يحظى بذات الوهج. يتميز خالد عبدالرحمن بأنه المطرب الوحيد في الساحة الفنية السعودية الذي يجيد اللهجة النجدية دون اخطاء. وتعود اهمية هذه الاجادة لأن معظم القصائد تكتب باللهجة النجدية، ومعظم الشعراء من هذه المنطقة فهي عملياً لغة الشعر الغنائي والشعبي. وهذه اللهجة شديدة الحساسية تجاه اية خطأ في النطق اذ قد يتغير المعنى كلياً. اضافة الى ذلك فان خالد عبدالرحمن يقدم الحاناً مفعمة بالشجن، وهو نمط يفضله قطاع عريض من الجمهور، وتصعب اجادته على كثيرين. اما عبدالمجيد فيحظى بمحبة الشعراء، ويمدّونه بالنصوص الجيدة ليختار منها ما يشاء. ويلعب النص دوراً كبيراً في نجاح اي اغنية. ويرى معظم اصحاب محلات "الكاسيت" ان الاغاني القائمة على كلمات شاعر معروف تحقق نجاحاً افضل باعتبار ان اسم الشاعر، اضافة الى المطرب، يزيد الاقبال على الشراء. الذيوع الخليجي حققت الاغنية الخليجية انتشاراً كبيراً في الساحة العربية وتنامت هذه الخبرة منذ البدايات الاولى عندما غنت سيدة الغناء العربي ام كلثوم من كلمات الامير عبدالله الفيصل، وغنت وردة "مقادير" من تلحين طلال مداح، وكذلك اداء عبدالحليم حافظ لاغنية "يا هلي" لغريد الشاطئ، ثم اسهم التداخل الخليجي مع المجتمعات العربية في تعميق هذه العلاقة، سواء عن طريق الانفتاح المتمثل في السياحة والدراسة خارج الخليج او الانفتاح للداخل المتمثل في الجاليات العربية الكبيرة المقيمة في الخليج التي اصبحت مع الوقت طرفاً مستقبلاً لانماط الثقافة المحلية ومنها الاغنية. والحق ان الاسهام الاكبر كان للحفلات الصيفية التي يقيمها المطربون الخليجيون، تحديداً، في القاهرة ودمشق وبعض العواصم الاوربية. فقد كانت نافذة تواصل حقيقي اتاحت للسعوديين بشكل اساسي الهيمنة على الساحة الخليجية في دنيا الغناء وفنون الموسيقى. فرض الايقاع السعودي المتماسك سطوته اللحنية على الاغنية الخليجية. ودعم هذه السطوة كون المملكة العربية السعودية منبتاً للشعراء المؤثرين مثل الامير خالد الفيصل والامير بدر بن عبد المحسن اللذين قادا مسيرة التجديد في لغة الشعر الغنائي، خصوصاً الامير بدر الذي يعتبر ابرز صانعي اللغة الغنائية الجديدة في الخليج ومؤسس مدرسة شعرية حديثة مستنبطة من آليات الشعر الشعبي التقليدي. وجاء بعد ذلك شعراء كثر، منهم أسير الشوق ومساعد الرشيدي وبدر المليحي ومحمد القرني و"السامر"، ومساعد بن عبدالرحمن وسعد الخريجي وصالح الشادي و"منادي" وعبدالله الرشود وغيرهم. ويبدي الشاعر سعد الخريجي تفاؤلاً بمستقبل الاغنية السعودية. ويتوقع لها ان تهيمن على واقع الغناء العربي. ويشاركه هذا الرأي الملحن صالح الشهري الذي يعتقد ان الاغنية الخليجية عموماً في الصدارة لجودة كلماتها وتنوع صورها الفنية اضافة الى الامكانات الثقافية المساعدة. ويضيف الفنان رابح صقر سبباً آخر لنجاح الاغنية الخليجية بقوله "ان كل الدول العربية لا تتجاوز الوانها الفولكلورية سبعة او ثمانية، في حين ان الاغنية الخليجية لديها اضعاف من المخزون التراثي اضافة للالوان التي لم يتم التطرق اليها بعد". ويتساءل عن السبب الذي يمنع جيله الفني من فرض نمطه الغنائي على الذوق العربي، "وما دامت اختياراتنا موفقة فالحياة مليئة بالمتغيرات، وكما استطاع الجيل الذي سبقنا فرض فنه على الذوق العربي لانهم قدموا فناً حقيقياً، فنحن نملك رصيداً عمره 16 عاماً مليئة بالعطاء والجهد والتميز وبالتالي فنحن قادرون على فعل ذلك". وتنبغي الاشارة الى مساهمة المحطات الفضائية، اضافة الى محطة "ام.بي.سي - اف.ام" في تعزيز هذا الوجود وانتشاره، وفي الوقت نفسه زادت حدة التنافس اشتعالاً بين جميع المطربين، فالساحة مفتوحة للجميع لدرجة ان ديانا حداد في اغنيتها "ساكن" هيمنت على السوق السعودية فترة وتجاوزت كل المطربين السعوديين. وكذلك المطربة احلام في اغنيتها "تدري ليش". هذا التنافس مع محاولات الاحتكار الفنية حمل كثيراً من الفنانين على تكثيف نشاطاتهم لأن من يفشل في الحفاظ على موقعه سيسقط حتماً. ويصف المطرب اصيل ابو بكر بلفقيه ابناء جيله الفني بأنهم اصحاب تجربة جديدة، ويقول: "طالما كنّا نواكب العصر بافكار لا تشوه الاغنية بل تضفي عليها جمالاً، فسيقبل الجمهور بنا". وأكد نجل الفنان العربي الكبير ان الاغنية الخليجية منتشرة في جميع الدول العربية، "وهو ما تؤكده الحفلات وعليها اقبال عربي مع انها خليجية اللهجة وتعبر عن واقع المجتمعات الخليجية واحاسيسها العاطفية". ليس للاغنية في السعودية جمهور محدد، فهي ثقافة شاملة تخترق كل الطبقات والاعمار، غير ان لكل جيل اختياراته الغنائية، ومع ذلك فان الشريحة المؤثرة في مسار الاغنية هم الشباب، خصوصاً بين سن السابعة عشرة ودون الثلاثين بقليل، فهؤلاء فرضوا الايقاع السريع على معظم الاغاني، وتحولوا قوة ضغط على المطربين، فتشابهت الالحان كثيراً وضاعت، في بعض الاحيان، الخصائص الفنية لأي مطرب لأنه بات محكوماً بتوجه معين يحرص عليه، حتى لا يفقد الحضور والفاعلية، فالاغاني الراقصة هي الغالبة. ونادراً ما تنجح اغنية غير راقصة. ولعل الاستثناء الوحيد هو خالد عبدالرحمن علماً بأن الحانه غنية بايقاع "السامري" المحبوب اجتماعياً في المنطقة عموماً والمملكة بوجه خاص. والاعجاب باغنية ما ينتشر مثل العدوى بين آذان المستمعين يسهم في ذلك الكم الهائل من برامج "ما يطلبه المشاهدون او المستمعون"، ومحطات البث الغنائي التلفزيونية والاذاعية والحفلات الغنائية الحية. لكن هذا الغناء الحديث اصبح قصير العمر في الذاكرة، بسبب التدفق الهائل وكثرة الاغاني الجديدة والولادة اليومية لمطربين ومطربات جدد اضافة الى تعدد تقنيات الاخراج والتسجيل ولذا اصبح نجاح الفنان يتمثل في قدرته على البقاء حياً في الذاكرة ونشطاً في السوق اطول فترة ممكنة. ويعوّل الملحن صالح الشهري كثيراً على جمهوره اذ يجده الداعم والسند ومن ارشاداته يستمد القدرة على المواصلة. ويعتبر الفنان رابح صقر ان جمهوره ينتمي الى جميع الفئات العمرية من الجنسين "لتنوع الاختيارات في الكلام والالحان وهذا مالمسته من خلال الاتصالات والرسائل التي تصلني من جميع الفئات". ولكن غالبية جمهوره هم من جيل واحد، لأنه يعبر عن احاسيسهم وتطلعاتهم، وأكد انه خلال 15 عاماً كوّن جمهوراً عريضاً سعودياً وخليجياً. اما الشاعر سعد الخريجي فيقول ان جمهوره يحب الكلمة العاطفية والحزينة ويميل الى البساطة في الاغنية. واضاف انه في قصائده يتلمَّس هموم الناس ومحاولةعلاجها او تعريتها. ويوافقه الملحن خالد العليان الذي يرى ان خلو الكلمة او اللحن من العاطفة يمثل جفافاً. ويؤكد اصيل ابو بكر بلفقيه ان جمهوره عريض مستشهداً بشريطه الاخير الذي لاقى قبولاً شاملاً. الامارات...مال وشهرة تجد منتجات الكاسيت في دولة الامارات العربية المتحدة رواجاً شديداً. كما ان ثمة مجالاً كبيراً لاقامة الحفلات، خصوصاً في المواسم الشتوية والمناسبات والاعياد. ويأتي المطربون العرب على اختلاف لهجاتهم الى الامارات وينالون نصيبهم من المال والشهرة والاحتفاء ايضاً. وعلى رغم محاولة دولة الامارات الدوؤبة دعم اصواتها الوطنية الاماراتية الا ان حظ المطربين السعوديين والكويتيين افضل بكثير لجهة الرصيد الجماهيري والشعبي. وفي تاريخ الامارات الغنائي ثمة اسماء نالت حظها في الماضي وتكافح الآن لاسترجاع ما ذهب منه. والملفت ان الاصوات التي ظهرت في السبعينات اختفت في الثمانينات، مثلما هو الحال بالنسبة الى عبدالله بالخير وجابر جاسم وعلي بالروغة. بعضها اعتزل الغناء تماماً. وعاد بالخير للحضور وهو مُقل. وفي تاريخ الاصوات الغنائية النسائية مسألة تثير الحيرة، اذ اختفت سلمى الشارقية من الشارقة تماماً. ثم تلتها موزة سعيد من دبي التي توفيت ولم تعد اغانيها تذاع الا لماماً. وجاءت بعدها منى حمزة التي اعتزلت هي الاخرى بعد فترة وجيزة وها هي الاشاعات والاقاويل والحروب الفنية تحاصر المطربة "احلام" وهي احدث صوت نسائي في الامارات. وعلى رغم وجود عشرات الاصوات الغنائية الشابة حتى الآن الا ان جمهورها لا يوازي جمهور الاصوات الخليجية الاخرى. وان كان محمد المازم جاداً في ايجاد موقع خاص به على خريطة الغناء الخليجي، ويسبقه بكثير مطرب آخر يتربع على عرش الاغنية الاماراتية الخالصة الآن هو ميحد حمد الذي بدأ مطرباً شعبياً يختص بالغناء البدوي النبطي معتمداً على آلة العود وبعض الطبول الصغيرة المراويس. ويبدو محمد علامة فارقة لما تذيعه اذاعات الامارات بمعدل اغنية من اعماله صباح كل يوم. ويعزى نجاح الاغنية الخليجية عموماً واغنية الامارات خصوصاً الى القصائد النبطية المغناة والتي تحمل توقيع شعراء بارزين منهم رئيس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وهو شاعر نبطي مجيد. وكذلك الشيخ محمد بن راشد المكتوم ولي عهد دبي والدكتور مانع سعيد العتيبة وزير النفط السابق وغيرهم. والواقع ان الشعر النبطي في الامارات انقذ الاغنية من فقرها الضمني الذي تعانيه في دول عربية كثيرة. غير انه لم يصنع نجوماً على المستوى العربي، في حين نجحت الكلمات نفسها في الذيوع والانتشار عبر اصوات خليجية اخرى. ما هي الاغنيات الاكثر مبيعاً الآن في اسواق الامارات؟ الاجابة على هذاالسؤال مستحيلة في ظل مواسم وموضات وحملات ترويج تدفع ببعض الاسماء للصدارة وفي زمن قياسي لتعود بعدها للغياب تاركة الساحة لاغنيات واصوات اخرى. وفي الوقت الذي يكف فيه صوت وفنان متميز مثل خالد الشيخ من البحرين عن الغناء، بعد ان قدم محمود درويش وسميح القاسم ونزار قباني وعلي الشرقاوي في اجمل قصائدهم، وفيما يصارع القطري علي عبدالستار للاستمرار في ساحة المنافسة على رغم قلة انتاجه، فان الخليجيين مولعون بسماع الجديد وروية الجديد ويمنحون مرتبة الصدارة في كل مرحلة لاحد الاصوات، الا انهم لا يتوقفون عند انتاجه اكثر من بضعة اسابيع على ابعد تقدير. اما علاقة الاغنية بالواقع المحلي فهي علاقة خاصة، فالاغنية الخليجية عاطفية اولاً واخيراً حتى انها اضحت جسر العبور للجنس الآخر في منطقة لا يزال الغزل الصريح مثيراً للحساسية في مجتمعها. رسائل للمعاكسة وحديث المحبين يقول تاجر التسجيلات الغنائية الكاسيت محمد مبارك وهو يمني يدير محلاً كبيراً في الامارات: نتلقى اسبوعياً كثيراً من الاصدارات الجديدة من سائر انحاء الوطن العربي لكن الخليجي منها يتصدر قائمة المبيعات. ويبلغ حجم الشراء على مستوى الافراد، عشرة اشرطة اسبوعياً على الاقل، وربما اكثر. لكن الملفت ان الشباب من الجنسين، بين سن 18 و30 سنة هم زبائننا دائماً. ومن واقع احتكاكي بهم وتبادل الاحاديث معهم، أفاجأ باقبال الشباب من الذكور على شراء الاغاني لدوافع شخصية واجتماعية اكثر منه رغبة في سماع الاغاني والطرب ومتابعة ما يحدث على صعيد الموسيقى. فالشباب يحولون سياراتهم الى اذاعات خاصة تتنقل في الشوارع وبواسطة الهواتف النقالة يتصلون بالصديقات والخطيبات لبث الاشواق على ألسنة المطربين فالشاب يستنجد بالاغنية لتوصيل رسالة ما الى الطرف الآخر! وسألته "الوسط" عن نوع الاغاني الخليجية المرغوبة، فقال: "انهم يريدونها ذات ايقاع صاخب بعض الشيء. وهمهم منصب على الكلمات للسبب الذي ذكرته. وبعض الاغاني يضرب عالياً لأسباب غير مؤكدة مثلما هو الحال مع المطرب السعودي راشد الماجد في شريطه "المسافر" وقبله منذ سنوات كانت اغنية "سرك معي" في سيارة كل شاب. ويستدرك عمر: يحب العرب غير الخليجيين سماع عبدالمجيد عبدالله، ويفضلون الاغنية العراقية ولا تزال الاغنية اللبنانية، حسب معلوماتي، متصدرة قبل المصرية. ولا احد يطلب اغاني عمالقة الاغنية الخليجية السابقين مثل عوض الدوخي وحسين جاسم. كذلك الطلب قليل على عبادي الجوهر الذي يعتبر فنان النخبة "السميعة" وكذلك محمد عبده. اما الاصوات النسائية الخليجية على قلتها فان احلام الاماراتية مطلوبة جداً والمشترين معظمهم نساء. "المهم اذاعة كل جديد". هذا ما تقوله السيدة كرامة العبيدي المسؤولة في مكتبة اذاعة دبي التي اضافت: "الاولوية للاغنية الخليجية باعتبارنا اذاعة خليجية ونتلقى طلبات يومية كثيرة عبر الهاتف او الفاكس يطلب فيها المستمعون اغاني معينة، واذا لم تكن وصلت الى الاذاعة نقوم بشرائها بأسرع ما يمكن. وبعض العاملين في البرامج الجماهيرية في محطتنا يقوم باختيار الاغاني التي ستبث من خلال هذه البرنامج كل حسب متطلبات برنامجه، بعضها متصل بالموضوع المطروح في الحلقات او الجديد. وتضم ارفف مكتبة اذاعة دبي ما يزيد على 50 الف اغنية، معظمها انتج خلال العقدين الماضيين. وترى العبيدي ان الاغنية الخليجية تميزت بكلماتها، "فالقصائد المغناة هي لاسماء شعرية لامعة غالباً وعلى مستوى راق من اللغة والرقة والصور، حتى ان الكثير من المطربين العرب يتسابقون للحصول على حقوق غناء قصائد لبعض الشعراء البارزين في المنطقة، خصوصاً الشيخ محمد بن راشد المكتوم صاحب كلمات "اسمع صدى صوتك"، وان كنت شخصياً افضل سماعها من مطرب الكويت القدير عبدالكريم عبدالقادر اكثر من المطربة اصالة. كذلك اغنية "ليلى" التي غناها لطفي بوشناق التونسي و"اغسليني بالبَرَدْ" التي غناها كاظم الساهر. كذلك اغنيات محمد عبده المختارة من شعر الامير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبدالمحسن. انها اغنيات تبقى في الذاكرة لكن في المقابل هناك مواسم ايضاً، فلكل مطرب موسمه او لكل اغنية موسمها. واذكر على سبيل المثال اننا عشنا اخيراً موسم احلام الاماراتية واغنيتها "مع السلامة"، في حين كان للثنائي وائل كفوري ونوال الزغبي موسم كامل اذيعت فيه اغنيتهما "مين حبيبي انا" يومياً". وتكشف لنا كرامة العبيدي سراً عندما تخبرنا عن اكتشافها ان بعض الاغنيات مسجلة بصوت عدد كبير من المطربين، وذلك من خلال الكومبيوتر "كأن المسألة سباق رقمي بين المطربين وشح في سوق الكلمات". واعطتنا مثالاً على ذلك اغنية "اشقر على اشقر" من شعر الشيخ محمد بن راشد المكتوم التي اداها اكثر من صوت في موسم واحد. يعمل الفنان عبدالله حارب الذي اعتزل الغناء كلياً اوائل الثمانينات ليتفرغ للتلحين الآن مراقباً عاماً للموسيقى ومسؤول لجنة الاستماع في الاذاعة التي تتولى اختبار الاصوات الجيدة والسماح لها بالوصول الى اذان المستمع. ابدى حارب اسفه على الوضع الذي بلغته الاغنية الخليجية حالياً رغم تصدرها الاغاني العربية، "فكثرة الاصوات ليست دليل خير والاصوات التي تُطرب قليلةونادرة وفي كل موسم قد تنفرد اغنية بالساحة ولعل معظمها للاصوات الرائدة التي لا تنتج كثيراً قياساً لما تقدمه اصوات اخرى من التي تمتلك استديوهات خاصة للتسجيل وامكانات مالية كبيرة. في العقود الماضية كانت الاذاعة هي الهدف الاول للاصوات الغنائية ووسيلتها الارقى لبلوغ اسماع الجمهور. لكن الآن الاذاعات تكافح لمنافسة سوق الكاسيت والتلفزيون منهم الآن يقومون بطرح اغانيهم الجديدة عبر الفيديو كليب. ويكفي ان يكون السيناريو الخاص تصوير الاغنية لافتاً لتصبح الاغنية مطلباً دائماً ن الجمهور. لا تزال لنا بعض التحفظات على بعض ما يعرض علينا او يصلنا من شركات الانتاج معظمها يتعلق بالكلمات عندما تكون غير لائقة او غير متحفظة. فتقنية التسجيل الراقية اصبحت بمتناول الجميع وهي تساعد الكثير من الاصوات الضعيفة وغير السليمة في ان تكون مقبولة ولا تسألوا كيف؟ فكل انسان اصبح بامكانه ان يكون مطرباً!!". وعلمت "الوسط" ان اذاعة دبي منعت اذاعة اغنية "ساكن" لديانا حداد، اسوة بالسعودية، لاحتوائها على كلمات غير مقبولة اجتماعياً. كذلك منعت اغنية كاظم الساهر "ابوسك" للاسباب نفسها برغم وجود هذه الاغنيات في سوق الكاسيت وعلى شاشات القنوات الفضائية. الكويت..شلل فني أصيبت الساحة الغنائية في الكويت، مقارنة مع أوائل الثمانينات، ب "نكسة" فنية أدت الى شلل نصفي كما يطلق عليها بعض العاملين في الوسط الفني، فواقع الأغنية لا يختلف كثيراً عن وضع "البورصة"، فقد تهبط أسهم مطرب "عتيق" لترتفع أسهم آخر لم يمض على دخوله المجال الغنائي سوى أشهر عدة ومن دون مقدمات، ويبدو أن للحقيقة وجهاً آخر غير هذا الذي كشف عنه العاملون في الوسط الفني. اذ وفقاً لما يتردد همساً ان الأغنية الكويتية فقدت هويتها بعد انتشار ظاهرة سرقة الألحان العدنيَّة وكثرة اصدار الألبومات الغنائية التي تتضمن كلمات من دون معنى وألحاناً معادة ومكررة بطريقة أو بأخرى، وهذا ما أعطى المطربين الخليجيين ومطربي دول عربية أخرى فرصة للانتشار. اذ تأتي أصواتهم معبرة، وكلماتهم مؤثرة، وألحانهم أكثر ابداعاً وطرباً وكما يؤكد خبراء الشأن الفني ل "الوسط" فإن المطربين السعوديين فرضوا أنفسهم على الساحة الكويتية، خصوصاً الجيل الجديد منهم مثل راشد الماجد الذي اشتهر في أغنية المسافر وعبدالمجيد عبدالله صاحب أغنية رهيب وأصيل أبو بكر سالم صاحب أغنية "شمس بيني وبينك". ولا يمكن بأي حال ان يستغني الشباب من الجنسين عن الأغاني السريعة التي لا تتضمن معنى، فقد بلغت نسبة مبيعات أغنية "فيكم طرب فيكم وَنَاسة" لفرقة ميامي الى 95 في المئة - حسب سجلات مبيعات محلات الكاسيت، وهي أغنية يرددها الكبار والصغار في الشوارع والمقاهي والأماكن العامة، لأنها تحرّك فيهم مشاعر الفرح والرقص. الوضع الغنائي في الكويت ليس سيئاً، فالمطربة البحرينية "أحلام" التي اشتهرت في الكويت على يد الملحن أنور عبدالله في أغنية "أحبك موت" استطاعت أن تحلق في سماء الأغنية الكويتية، حتى وصل سعر حفلتها الى ثمانية آلاف دينار كويتي ما يعادل 24 ألف دولار أميركي، وبذلك اكتسحت المطربات الكويتيات نوال وفطُّومة والعنود التي قررت الاعتزال منذ ثلاث سنوات. ويصف عدد من النقاد المطربة أحلام بأنها صاحبة صوت قوي يتفاعل معه الجمهور على رغم الاشاعات التي ظهرت عنها والتي تؤكد انها ستختفي من الوسط الغنائي، لكن ألبومها "قول عيني" فنّد الادعاءات وكان صفعة قوية للمهاجمين والمعارضين. أما المطرب عبدالله رويشد الذي اشتهر في أغنية "رحلتي" فيعتبر من المطربين الذين يجددون باستمرار، على رغم اهتمامه بالتجارة، فقد عاد بقوة في أغنية "لمني بشوق" لكن ألبومه الأخير لم ينجح. وظل نشاط المطرب فيصل السعد مقتصراً على الحفلات الخاصة الأعراس والأفراح مع ان اغنية "يانواخذ" قفزت الى المرتبة الأولى منذ عامين. والكثير من المهتمين يتساءلون عن أسباب هبوط المستوى الفني للفنان عبدالكريم عبدالقادر الذي لم يحالفه النجاح في ألبوماته الغنائية الأخيرة مقارنة مع اغنياته التي حققت شعبية واسعة مثل "وداعية" و"الصوت الجريح" حتى وصل الى اغنية "راجع" التي تراجع فيها عن مستواه كثيراً، ولا يزال مصراً على البقاء في الساحة الغنائية. ضاع وسط الطريق أما بالنسبة الى المطرب نبيل شعيل الذي اشتهر في أغنية "أنا ما أنساك" فهو لم يتقدم خطوة واحدة على رغم فوزه في مهرجانات غنائية خارج الكويت. وفي المقابل استطاع المطرب الجديد سعد الفهد أن يحقق شهرة سريعة من أغنية واحدة هي "على عين الحسود" لكنه "ضاع وسط الطريق" في الألبوم الثاني. ويعتقد بعض النقاد ان المطرب محمد البلوشي سيعيد للساحة الغنائية أمجادها خصوصاً بعد أن حطمت اغنية "يا نار شبي" رقماً قياسياً في مبيعات الكاسيت لكنه لم ينجح في المهمة الصعبة. في تطور آخر اكتسحت بعض الأغاني العربية، من لبنان تحديداً، سوق الكاسيت في الكويت - لفترة محدودة - فقد ارتفعت أسهم المطربة ديانا حداد في أغنية "أهل العشق" ونجوى كرم في أغنية "أنا مفيّ" و"حكم القاضي"، ونوال الزغبي مع وائل كفوري في "مين حبيبي"، لكن الجمهور الكويتي أصيب بملل شديد لتكرار هذه الأغاني بشكل لافت للانتباه في الاذاعة والتلفزيون والمقاهي ولم يعد لها تأثير في الشارع الكويتي. كارثة غنائية ويحلل عبدالرحمن حسين وهو مسؤول في احدى شركات الانتاج الفني الوضع الغنائي بقوله: "أدى هبوط مستوى الكلمات والألحان الى كارثة غنائية، فالمطربون يريدون الوصول الى القمة وتحقيق ثروة سريعة في الوقت نفسه، وهنا تكمن المشكلة". ويزيد: "ذوق الشباب بالذات غير ثابت ومن الممكن أن تثيره أغنية هابطة". غير أن محمد العنزي وهو خبير في سوق الكاسيت يختلف معه، ويقول: "الوضع الفني مثل البورصة فأحياناً يزيد الاقبال على أشرطة رويشد وأحياناً يتهافت الناس على أشرطة فرقة ميامي التي خطفت المجد من مطربين كبار". ويمضي العنزي: أصبحت الأغاني الخليجية تنافس الأغاني الكويتية، فالغالبية يفضلون راشد الماجد ورابح صقر وعبدالمجيد عبدالله على مطربين كويتيين، ويضيف مستغرباً: "لم يتوقع الكثيرون أن تقفز أغنية "فيكم طرب فيكم وناسة" الى القمة خلال أيام معدودة خصوصاً أثناء توقيت صدور ألبوم غنائي للمطربة أحلام". ورأى سالم الدوسري 25 عاماً ان أصيل أبو بكر هو مطرب الشباب، لكن عبير أحمد "21 عاماً" طالبة جامعية تؤكد ان راشد الماجد هو مطرب الفتيات اللاتي يفضلن الوسامة على الطرب، وهذا عكس رأي صبيحة محمد التي قالت ان وائل كفوري أفضل مطرب من ناحية الصوت والمظهر. ويعترف ملحن كويتي - لم يكشف عن اسمه - بالسرقات الغنائية فيقول: نعم هناك سرقات في الكلمات والألحان "العدنية" لكنه يستدرك: "ماذا نعمل؟ فالجمهور هو السبب لأنه يفضل الأغاني "العدنية" ولا يوجد قانون يحد من هذه الظاهرة". الأغنية القطرية على رغم تطور فن الغناء في قطر ومواكبته التطورات التي شهدتها الأغنية الخليجية والعربية، فإن أكثر ما يميز عالم الطرب في قطر الاهتمام الملحوظ بالغناء الشعبي التراثي، إذ يكمن أبلغ تعبير عن ذلك في الاهتمام الرسمي ب "الفرق الشعبية" التي تؤدي ألواناً متعددة من الفنون البحرية والبرية التي تعكس تراثاً يكاد ينقرض في دول أخرى. وتحظى هذه الفرق الشعبية بدعم الدولة التي انشأت إدارة رسمية لهذه الفرق وتقدم إليها مختلف اشكال الدعم المادي والمعنوي. وأشار مسعود بشير السليطي رئيس وحدة الفنون الشعبية في إدارة الثقافة والفنون إلى بعض أبز رواد الفنون الشعبية في قطر، سعد بن عواد ملك الطبل في الخليج، وسليم جوهر النحاس وسليمان السودان، ورغم وفاة الرواد الأوائل، فإن الاهتمام الرسمي أدى للمحافظة على الفرق الشعبية، مما شكل ظاهرة مميزة في منطقة الخليج. وقال الدكتور عصام الملاح أستاذ علم موسيقى الشعوب في جامعة ميونيخ وخبير اليونسكو الذي زار قطر أخيراً ل "الوسط" انه وجد "شباباً قطريين لا يزالون يحافظون على الفنون الشعبية بشكل جيد على رغم أنهم لم يمارسوا هذه الفنون في مكانها الطبيعي كما كان يفعل الرواد في البحر مثلاً". وقال خليفة جمعان، ملحن ومؤلف ومسؤول النصوص في الاذاعة القطرية، ل "الوسط" إن الانطلاقة الفنية بدأت بالفرق الشعبية ثم الفرق الشبابية التي تكونت بجهود شخصية كالتي قام بها السيد عبدالعزيز ناصر المراقب العام للموسيقى والغناء في قطر حالياً، بتكوينه فرقة الاضواء مثلاً، ثم تكونت "فرقة الجزيرة"، وضمت هاتان الفرقتان غالبية الهواة الذين ينتمون إلى الحركة الغنائية في الدولة. وأضاف انه بوصول السيد تيسير عقيل سوري إلى قطر العام 1968 بدأ وضع لبنة أساسية للأغنية، إذ قام بتحديد الموهوبين واهتم بأصوات كانت منضمَّة أصلاً إلى الفرق الشعبية. وتكونت بعد ذلك أول فرقة موسيقية تابعة للاذاعة والتلفزيون، وبدأ التعامل مع مطربين مثل سالم التركي وفرج عبدالكريم وصقر صالح وادريس خيري وغيرهم. وأعقب ذلك وصول عازفين من مصر. و"بمرور الأيام بدأ المطرب القطري يبني شخصيته وكذلك المؤلف والملحن". ولمعت في عالم الطرب في قطر أسماء معروفة أبرزها علي عبدالستار والمرحوم فرج عبدالكريم وصقر صالح وناصر صالح ومحمد رشيد ومحمد الساعي وعبدالرحمن الماس. ولا تختلف الأغنية القطرية عن الأغنية الخليجية في الكلمة أو اللحن. واستطاعت الأغنية القطرية أن تتجاوز حدود الخليج إلى العالم العربي، إذ وصلت، كما يقول قطريون، إلى المغرب العربي. وهناك اجماع على أن علي عبدالستار هو أكثر المطربين دوراً في هذه الفترة في نشر الأغنية القطرية الحديثة خارج قطر. كما أن هناك أسماء أخرى منها الراحل فرج عبدالكريم وناصر صالح ومحمد رشيد، ولكن الأسماء التي انتشرت خارج حدود قطر محدودة بالمقارنة بدول خليجية أخرى. ويعزو قطريون ذلك إلى دور الاعلام وعدم وجود شركات انتاج متخصصة في نشر الأغنية القطرية. لكنهم يتوقعون انتشاراً أوسع للأغنية القطرية بعد إقرار قانون حقوق الملكية الفكرية. وترى الأوساط الفنية في الدوحة أن الأغنية القطرية تتميز بمضامين هادفة وجادة وأنها بعيدة عن "السوقية"، وشدد الملحن خليفة جمعات على أن الأغنية القطرية لا تعاني من ظاهرة سرقة الألحان كما في دول أخرى. وقال: "اما ان تكون الأغنية من الموروث الشعبي أو تكون قطرية حديثة 100 في المئة". وذكر مطربون ومهتمون بفن الغناء أن شعراء الأغنية في قطر يكتبون بفكر ووعي وإدراك، لكنهم دعوا إلى ان تتغير نظرة الناس إلى المطرب، وقالوا إن هذا ينطبق أيضاً على دول الخليج الأخرى. ويلاحظ أن جيل الشباب في قطر يحب "أغنية الساندويتش" حسب قول خليفة الجمعان، الذي قال إن "جيل الوسط" يحب الغناء الشعبي والأداء التقليدي، فيما يهوى الرعيل الأول الاستماع إلى الأغاني القديمة لمطربين عرب مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ووديع الصافي وفيروز أو لمطربين خليجيين رواد مثل عوض الدوخي. ويلاحظ حرص عشاق الأغاني في قطر على اقتناء أشرطة لمطربين عرب أكثر من اقتنائهم أشرطة لمطربين قطريين. ولا يتردد خليفة جمعان في القول إن الأغنية السعودية تأتي في المركز الأول، تليها الأغنية الكويتية في عملية الانتشار ثم البحرينية والإماراتية والقطرية في المركز الخامس ثم العُمانية .=