في لبنان أكثر من 250 ألف لاجىء فلسطيني يعيش معظمهم في المخيمات في ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية سيئة، مردها الى قانون العمل اللبناني الذي يقفل في وجههم الكثير من المهن منذ سنوات، والى قرار السفر والعودة المتشدد منذ أيلول سبتمبر 1995، والى ملاحقة مخالفي قرار عدم البناء ، وتقليص خدمات "الاونروا"، وعدم الاعتراف بمرجعية فلسطينية... فضلاً عن ذيول اتفاق اوسلو وانعكاساته على النازحين. في ضوء هذا الواقع الجديد ما هو موقف الفلسطينيين في المخيمات وخارجها؟ ما هي اوضاعهم؟ ما رأيهم في التجنيس والتوطين والدولة الفلسطينية؟ وهل من خريطة جديدة للاجئين يستكمل رسمها مرحلياً كجزء من قرار دولي، بعدما بدأت خطوطها تتضح ابان الحرب اللبنانية بضرب المخيمات، مروراً بمرسوم التجنيس الاخير وبالضجة التي رافقت شراء منطقة القريعة لتوطين الفلسطينيين، وصولاً الى ملحق التجنيس الذي سيصدر قريباً؟ هذه الأسئلة طرحتها "الوسط" على الفلسطينيين في لبنان وعادت بهذا التحقيق . يختلف وضع سكان المخيمات في لبنان عن وضع المقيمين خارجها، وان كان يجمعهم الهم الفلسطيني وحلم العودة. ولأن اتفاق اوسلو خيب آمالهم، خصوصاً أهل الشتات حوالي أربعة ملايين لأن البند 94 حدد عودة خمسة آلاف نازح سنوياً، فمن الطبيعي أن تسمع الفلسطينيين في لبنان يرددون بمرارة: "يحتاج ابناء 1967 الى حوالي 160 سنة للعودة، وأبناء 1948 الى سنوات مماثلة!" ويكاد الذين تلتقيهم داخل المخيمات أو خارجها، أن ينفجروا أثناء الحوار معهم من شدة احتقانهم لأن عمرهم ذهب هباء بين حصار وحصار، وبين تنازل وآخر. وثمة هوة عميقة بين أوضاع المقيمين في المخيمات واولئك المقيمين خارجها لأن هؤلاء يمارسون حياة شبه طبيعية، ولا سيما المتجنسين منهم منذ سنوات. وقد تجد بين هؤلاء من لا يعرف عن أحوال أهله داخل المخيمات الاّ عبر الصحف. وهناك عائلات تجنس عدد من أفرادها، وحرم آخرون من الجنسية. وتصادف حملة شهادات لا يعملون في مجالات تخصصهم، أو يعملون في مجالاتهم برواتب متدنية عبر التحايل على قانون وزارة العمل اللبناني الذي يحظر على الفلسطيني العمل في حوالي 65 مهنة، بدءاً بالطب مروراً بالهندسة والمحاماة وانتهاء بقيادة سيارات الأجرة. ويتعرض المخالفون للملاحقة والسجن او الغرامة. وأوقف اثنا عشر طبيباً يعملون في مستشفى لبناني في منطقة البقاع. يقول هادي العكاوي، المولود في لبنان والمتخصص في ادارة الاعمال والمسؤول عن عمال في منطقة سبلين: "تصل كلفة اجازة العمل الى 500 دولار، أي أكثر من الحد الادنى للاجور! واذا استحصلت أي مؤسسة على اجازة عمل مسموح به يعمل عدد كبير حراساً او عمال بناء فإن نسبة تقتطع من راتب العامل لصندوق الضمان الاجتماعي من دون أن يفيد من تقديمات الصندوق، فضلاً عن صرفه من العمل من دون تعويضه نهاية الخدمة اذا عمل في مجال تخصصه بالتحايل على القانون كما حصل مع أخي الطبيب في أحد مستشفيات بيروت". ويقول جمال، الحائز اجازة في الادب الانكليزي من الجامعة الاميركية في بيروت ويعمل منذ سنوات في احدى مدارس وكالة "الاونروا" في العاصمة ويقبض راتباً لا يتجاوز مئتي دولار: "قلصت الاونروا خدماتها في مجالات التعليم والطبابة والخدمات الاجتماعية مساعدات واعمال بنى تحتية بسبب العجز الذي بلغ 60 مليون دولار خلال السنتين المنصرمتين". بدعة التأشيرة ويروي أبو محمد، العامل في أحد مستشفيات الهلال في بيروت: "أعمل منذ أكثر من عشر سنين براتب لا يتجاوز مئة دولار. أعيش وعائلتي في ذل وفقر ولا يأبه لنا أحد فالكل مهتمون بعملية السلام!" وعن المضايقات الاخرى، قال محسن: "عانيت القهر والذل عند صدور القرار المتعلق بسفر الفلسطينيين وعودتهم. كنت حينذاك في احدى دول الخليج في زيارة لأخي، بقيت شهراً للاستحصال على تأشيرة عودة الى لبنان هذا القرار ضيق علينا الحصار، وعلى الفلسطيني الذي يريد السفر وليست لديه واسطة ولم يلجأ الى الرشوة أن ينتظر اسبوعين على الاقل للحصول على اذن بالسفر وان كانت دواعي السفر طارئة. اما في الخارج فيحتاج الى ثلاثة اشهر. واذا اراد المقيم في الخارج تجديد جوازه فقد تستغرق العملية سنة". وتضيف زوجته هالة: "ان السبب الليبي أبعدت ليبيا بعد اتفاق اوسلوفلسطينيين بحجة انها تريد إرسالهم إلى الأرض المحررة لتضغط على السلطة الفلسطينية وإسرائيل... ففرض لبنان تأشيرات على الفلسطينيين خوفاً من دخول المبعدين أراضيه الذي صدر على إثره القرار اللبناني لم يعد قائماً، فما الذي يخشاه الحكم اللبناني اذا كانت الرقابة موجودة؟ الا يعرف الامن العام بأن جواز السفر صادر في لبنان؟ هل المسألة مسألة رسوم اضافية الاذن بالسفر تراوح كلفته بين 35 و75 دولار؟ اذا كان الأمر كذلك يمكن اضافة هذه الرسوم الى معاملات جواز السفر. اما اذا كان الهدف اخراج الفلسطينيين من لبنان، فهذا يتم تلقائياً إذ يسعى كثيرون الى الهجرة عندما تسنح لهم الفرصة". هل الحل يكمن في التجنيس او في دولة فلسطين؟ قال احدهم، وهو من الجليل: "نحن لن نقتنع بأن غزة هي فلسطين، وانما هي دولة عنصرية. انها دولة فلسطينيي 1967، اي الضفة التي يعتقد أهلها بأنهم أطلقوا الثورة، وهم الذين جاؤوا الى لبنان وخربوه وأساؤوا الى فلسطينيي 1948 وانتقلوا الى غزة واريحا ليقيموا ما يسمى دولتهم حيث البطالة تقارب 70 في المئة ويعمل الفلسطيني تحت رحمة الاسرائيلي، وحيث لا أمان واستقرار ولا احترام لحقوق الانسان". وعن التجنيس يقول هؤلاء: "لم يحصل فلسطينيو 1948 على الجنسية اللبنانية، اما المرسوم الاخير فلحظ تجنيس فلسطينيين من شيعة وسنة وقليل من المسيحيين لاغراض سياسية. لا خطة واضحة للتجنيس، ولم يشر وزير الداخلية الى هذا الموضوع في الملحق المنتظر صدوره قريباً. لكن هناك حالات تجنيس تتم كمنحة من دون مرسوم او في مقابل اموال طائلة، او بالمواربة إذ يتقدم فلسطينيون يحملون جنسيات اخرى بطلبات للتجنس وقد جُنِّس كثيرون بموجب المرسوم السابق. وتلعب المحاكم الشرعية دوراً في تجنيس عدد منهم شرط تغيير مذهبهم في مقابل دفع ألف دولار أو ما يزيد". تجنيس سياسي وطائفي على أي حال ترفض المؤسسات طلبات الفلسطينيين للحصول على الجنسية، لكن تغيير المذهب حالة قائمة، وقالت سيدة من الروم الارثوذكس انها توجهت عند طرح ملحق للمرسوم الى أحد المراكز التابعة لها دينياً قدمت طلبات الملحق الاخيرة في الاديرة والكنائس بعدما ارتفعت أصوات مسيحية ضد المرسوم بذريعة انه لم يحافظ على التوازن الطائفي في التجنيس فرفض المركز طلبها، ونصحها بعضهم بالتوجه الى مؤسسة سريانية قبلت طلبها شرط تغيير طائفة أولادها. وهكذا فعلت، واضافت: "ما الذي أفعله بثلاثة شبان سيتخرجون من الجامعات هذا العام ولن يجدوا عملاً لانهم فلسطينيون من دون جنسية"؟ وتحدث آخر عن طلب تقدم به بعدما غير مذهبه في المحكمة الجعفرية "على رغم رفض المجلس الشيعي الاعلى طلبه". وتروج في لبنان نكات عن تجنيس الفلسطينيين فيروي من هم خارج المخيم ان الغوارنة أصلهم من غور الاردن وهم مهجرون ايضاً في حي الغوارنة شرق العاصمة وكذلك النبطية، وقد جنس معظمهم والاكثرية تسكن مخيمي البرج الشمالي وعين الحلوة توجهوا الى الرئيس الياس الهراوي طلباً للجنسية فخالهم موارنة، وقال: "جنسوهم!" اما في مخيم الرشيدية فيقول أمين سر حركة "فتح" العقيد سلطان ابو العينين أن الفلسطيني بات مرفوضاً عندما يتقدم بطلب الزواج من فلسطينية تجنست، ويعيّره اهلها: "لا نعطي ابنتنا لفلسطيني!" وعندما انخرط بعض المجنسين في خدمة العلم أحاط بعضهم بدبابة لبنانية أثناء التدريبات العسكرية وقالوا بلهجتهم المحكية: "هادي حصتنا!" ويستصعب الفلسطينيون في مخيم عين الحلوة محاولة المجنسين تغيير لهجتهم، وطلب رئيس الفصيل المنشّق العقيد منير المقدح اثناء جولتنا في المخيم أن اسأل أطفالاً يلعبون في احدى الساحات عن جنسيتهم، وأضاف قبل أن يجيبوا: "لِبناني"! بكسر اللام. داخل المخيم أوضاع الفلسطينيين خارج المخيمات ليست كأوضاعهم داخلها، فكل المهن المحرمة في الخارج مسموح بها بتواضع في الداخل من مؤسسات دينية واجتماعية وتجارية وطبية وصولاً الى حمل السلاح. وتبدو المخيمات مزدحمة نهاراً، لكنها حركة بلا بركة، كما لو كان الناس يتحركون لتضييع الوقت أو للدلالة على أنهم ما زالوا على قيد الحياة. وهذا المناخ سائد في الرشيدية كما في عين الحلوة، مع ان للاول مدخلاً واحداً ويسيطر عليه المؤيدون للرئيس ياسر عرفات وللآخر مداخل عدة، وفيه الفصائل المعارضة. وغالبية المقيمين في المخيمين باتت تتأثر بالتيارات الدينية. المشهد نفسه، والاحباط نفسه، ووسائل الرزق نفسها، مع أن مخيم عين الحلوة يبدو اكثر ازدحاماً. ويمكن رؤية عشرات العاطلين عن العمل والمنتشرين في الازقة، وبعضهم ببدلات عسكرية لأنهم يعملون مرافقين أو حراساً لمقرات الفصائل.. ويمكن أيضاً رؤية لبنانيين جاؤوا لشراء الخضر التي تباع بأسعار رخيصة. من السوق خارج المخيم وبين عين الحلوة الفوقا والتحتا ملتحون ومساجد تتجاوز السبعة كما عد احد المرافقين على أصابع يديه. الاّ أن المخيم الذي يأوي سكانه الى بيوتهم عند السادسة، ويلتزم كثيرون عدم مغادرته الاّ نادراً منذ التشديد عليه اثر اتهام ابو محجن وعدد من مناصريه باغتيال الشيخ نزار الحلبي، ينقطع عنه التيار الكهربائي أكثر مما يصل، وتتراجع خدمات "الاونروا" فيه. وهذا جلي على مستوى المدارس والمستشفيات والمستوصفات والطرق. ويتحدث سكانه عن حركات مشبوهة بحلول الظلام، كان آخرها تعطيل انفجار عبوة تزن عشرين كيلوغراماً وضعت امام منزل ابو محجن لو انفجرت لقتلت العشرات. وللمخيم خاصية ديموغرافية، إذ خصصت الدولة اللبنانية لمهجري 1976 من الفلسطينيين الغوارنة مجمعاً سكنياً عند احد اطرافه يشمل 13 مبنى ويستوعب 118 عائلة غالبية أفرادها حصلت على الجنسية تسكن غرفاً كعلب السردين مما جعل منه مساحة متمايزة عن غير المجنسين المجاورين. لكن المجمع الذي ألصقت على جدرانه صور نواب لبنانيين، يضم غير مجنسين قال احدهم وهو من الخالصة ويعمل سائق تاكسي بالتحايل لكسب رزقه: "قدم أحد عشر ألف مهجر فلسطيني من السكة والقشلة والنبطية وشرق العاصمة طلبات للحصول على الجنسية، ومنح مرسوم 1995 الغالبية حق الجنسية وبقي حوالي 30 ألف طلب قدمت عبر مكاتب النواب لتفيد من الملحق القادم للمرسوم. ودفع بعضهم مبلغاً من المال في مقابل قبول طلبه تراوح بين 700 ألف ليرة لبنانية ومليون ليرة. وهناك لجان أحياء في المخيم تتابع الطلبات، وأفدنا أن بعضها رفض لأنه لا يستوفي الشروط أو يتضمن اخطاء. وما زلنا ننتظر. نحن نتمسك بالجنسية هذه الايام لتحسين أوضاعنا نظراً الى ظروفنا الصعبة". أطباء بلا عمل وليس وضع حملة الشهادات داخل المخيم أفضل من خارجه، فهؤلاء يقولون بمرارة انهم تابعوا تحصيلهم واختاروا مهناً لا يسمح لهم بمزاولتها أملاً بتحسين وضع شعبهم ومخيماتهم. هكذا فعل الدكتور باسم شريدي مدير المستشفى الطبي "القدس" التابع ل "مؤسسة الشهيد" التي تمولها ايران، فهو يعمل منذ 13 سنة ويتقاضى أجراً شهرياً لا يتجاوز مئتي دولار. قال: "هناك أطباء متطوعون وحملة شهادات يعملون في غير تخصصهم. وهناك أطباء في منازلهم لعدم توافر مجالات العمل. اما الرواتب فمتدنية وتتراوح بين 75 و200 دولار". اما الدكتور اشرف ماضي الذي درس في فرانكفورت وحاز شهادة الماجستير للعمل في مختبر طبي في لبنان، فلم يكن يتوقع ان يتقاضى مئة دولار شهرياً في مقابل عمله، إذ لا يكفيه هذا المبلغ لتغطية نفقات عائلته المكونة من ثلاثة افراد، لذا فضل العمل في محطة بنزين داخل المخيم قائلاً: "حتى العمل في محطة لبنانية خارج المخيم ممنوع علينا"! المسؤولون في المخيمات لهم وجهات نظر بينها مؤيد لعرفات وبعضها الآخر معارض، لكنهم يتفقون على الخطوط العريضة للوضع الاقتصادي والحقوق المدنية والسياسية. يقول امين سر حركة "فتح" المقدم سلطان أبو العينين: "على رغم كل النداءات واللقاءات مع المراجع السياسية والدينية، بقيت هذه المعضلة بلا حل، فهاجس من هم في موقع القرار يعتبر أن تحسين واقع الفلسطينيين واعطاءهم هذه الحقوق، يمنحانهم حق التوطين، وهذا مغاير للحقيقة فالفلسطيني يبقى متمسكاً بانتمائه الوطني وان حصل على الجنسية، كحال مليوني لبناني ولدوا في البرازيل ويحافظون على هويتهم اللبنانية". ويضيف أبو العينين: "ومما زاد الطين بلة، فرض بدعة تأشيرة الدخول والخروج تحت ذرائع وثائق مزورة منذ عهد الرئيس امين الجميل، وقد ازداد الوضع تعقيداً اثر ترحيل ليبيا الفلسطينيين، وهي بدعة الحقت الاذى المادي والمعنوي بهم وبالاقتصاد اللبناني الذي يشهد حالياً حالة عمرانية، ويحتاج الى استثمار الاموال الاجنبية. وبدل الافادة من الطبقة الثرية الفلسطينية دفعها هذا القرار الى تخفيف تحويلاتها إلى لبنان وإلى الاستثمار خارجه. ويخشى أن يكون هذا القرار وسيلة لارغام الفلسطيني على مغادرة لبنان. فضلاً عن التفاصيل الفنية والادارية التي يتعرض لها الفلسطيني في كل معاملاته وتكاد لا تصدق ما يواجهه من ابتزاز مالي لاصدار جواز سفر او للاستحصال على أوراقه الثبوتية او تأشيرة الدخول والخروج أو اثناء المراجعة في شأنها. وآخر بدعة ابتدعتها الحكومة قبل شهرين حرمان اهلنا في الجنوب من استخدام مواد الاعمار والبناء أو الترميم، فانقطع رزق عمال البناء وانعكس الأمر سلباً على السوق اللبناني". مدريد... و"العصابة" اما زعيم الفصيل المنشّق عن حركة "فتح" في مخيم عين الحلوة العقيد منير المقدح فاعتبر أن المعاناة بدأت مع مفاوضات مدريد حيث تقلصت الخدمات على ثلاثة محاور. ولاحظ ان الدولة اللبنانية، اضافة الى ممنوعات العمل وملاحقة كل من يحمل كيس ترابة، الى عدم الاعتراف بمرجعية المخيمات تتعاطى مع الفلسطينيين كقطيع بلا راع. ونشهد يومياً عشرات مذكرات الجلب بحجة الانتماء الى "عصابة مسلحة". ومنذ العام 1993 ولغاية الآن هناك حوالي خمسة آلاف مذكرة جلب ويمنع على الفلسطيني حق الاستئناف. وتحال معظم القضايا على المحاكم العسكرية. فضلاً عن موقوفين كثيرين ليس من يدافع عنهم بسبب فقرهم. وهناك التدقيق الذي يشمل كل داخل الى المخيم أو خارج منه وتسجيل رقم كل سيارة تدخل المخيم بعد السابعة مساء، اضافة الى ما نشهده من اغتيالات. ولعل التأشيرة هي أصعب ما وصلنا اليه فاذا كان القرار صدر ضد من كان في ليبيا، فهو قد وصل ودخل رسمياً من مطار لبنان، ويستطيع المسؤولون معرفة عدد تأشيرات الدخول الممنوحة إما بترتيب معين أو في مقابل مبلغ دفع للسماسرة. هل يعقل ان يصل الابتزاز الى حدود سبعة آلاف دولار ثمن تأشيرة لادخال جثة ودفنها لدى الاقرباء في لبنان؟ وأنا أتوجه الى المسؤولين: هل تحترم الدولة وثيقة السفر التي اصدرتها أم لا؟ نحن ناشدنا المسؤولين ولا نزال فتح الملف الفلسطيني ومناقشة تفاصيله لكنهم وضعوا الملف في الثلاجة". وتساءل المقدح عن مسائل كثيرة تفرض على الفلسطيني ابرزها مرسوم التجنيس: "نشر المرسوم فجأة، ونال بعض الفلسطينيين الجنسية التي شملت 27 قرية من بينها الخالصة بحجة القرى السبع، وضمّ المرسوم30 ألف فلسطيني. ويحكى حالياً عن ملف بعدما أثير موضوع التوازن الطائفي، وليس معروفاً بعد من سيشمله الملحق، وان كانت هناك دراسة للقرى الفلسطينية والتوازن الطائفي، ولعل القرعة ستشمل البصة وسعسع من قرى الجليل ولاجئي 1948 من المسيحيين". ومن التفاصيل رداً على سؤال قال المقدح: "حوالي 90 في المئة من اهالي مخيم البرج الشمالي نالوا الجنسية، اما مخيمات صور كالبص والرشيدية والقاسمية وتجمع البرغلية فان التجنيس شمل عدداً من عائلاتها، وحوالي مئتي عائلة في عين الحلوة وهي المعروفة بمجمع الغوارنة من قرى سهل الحولة وهناك حالياً حوالي ثلاثين شاباً هم احتياطيون في خدمة العلم في الجيش اللبناني". أما ابو العينين فاعتبر أن المحافظة على الشعب الفلسطيني تتحقق في تحسين وضعه وليس في تجنيسه من اجل الانتخابات النيابية التي حصلت، واصر على أن المستفيدين من مرسوم التجنيس بلغوا 46 ألف فلسطيني، وهناك ثمانية آلاف على قائمة التجنيس ارضاء للمسيحيين في لبنان الذين نقموا على تجنيس أعداد كبيرة من المسلمين. فضلاً عن الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين الاثرياء الذين حازوا الجنسية في الخمسينات". وأضاف: "ان الشعب الفلسطيني لا يختار في النهاية الاّ فلسطين، فإذا حلت مشاكله فأهلاً، ولكن لا بديل من جنسيته وعلى حساب جواز السفر الفلسطيني". وعن التوطين والوفد الفلسطيني الذي زار لبنان أخيراً برئاسة أبو اللطف، قال أبو العينين: "التقينا الوفد لتحسين أوضاع الفلسطينيين، لم يطرح موضوع التوطين معنا، اسألوا وفد المجموعة الاوروبية الاقتصادية التي زارت احد الرؤساء قبل أشهر وسلم وزيرها شيكاً بقيمة 50 ألف دولار تقريباً لحساب ارض القريعة التي اعتبرت أرضاً لتوطين الفلسطينيين فاسترد بذلك المصرف المركزي اللبناني القيمة التي دفعها للارض آنذاك!" وأشار المقدح الى أن مؤسسات منظمة التحرير التربوية والصحية والاجتماعية "أقفلت في مخيم عين الحلوة بعدما أوقفت مساعداتها التي تقارب شهرياً ثلاثة ملايين دولار. كما تقلصت خدمات الاونروا بنسبة 60 في المئة، وتبرر الوكالة ذلك بتوقف الولايات المتحدة عن دفع مبلغ التزمته وهو 47مليون دولار، وامتناع الدول المانحة الاخرى التي تعد ولا تفي، عن الدفع... صحيح أن مركز الاونروا انتقل الى غزة لكن الشعب الفلسطيني لم ينتقل!" أما أبو العينين فاعتبر "ان المنظمة وحدها تقدم المساعدات من دون ادعاء لتغطية كل الخدمات، وتغطية نفقات حوالي الف موظف في 11 مستشفى، وقد ارتفعت رواتب الموظفين مئة في المئة وبلغت حوالي مئتي دولار. وعلى مستوى المستشفيات، سنعتمد مستشفى في الجنوب لاجراء العمليات الصعبة بديلاً من اوتيل ديو. وكذلك سيباشر مستشفى حمود في صيدا استقبال مرضانا. واتفق على هذا بعد لقاءات عقدت مع المفوض العام لوكالة الاونروا ومديرها في بيروت، وتصل موازنة الوكالة الى حدود 180 الف دولار ولم تقلصها الاّ أن هموم الشعب الفلسطيني زادت من دون أن تزيد الوكالة خدماتها. وستباشر العمل في البنى التحتية لاثني عشر مخيماً بمبلغ مرصود تصل قيمته الى 11 مليون دولار وذلك بدءاً من شهر حزيران يونيو المقبل. فضلاً عن افتتاح ثانوية لنا في صيدا في العام المقبل ستكون مفخرتنا على غرار ثانويتنا في صور التي حققت نتائج باهرة في الشهادات الرسمية ونجاحاً بلغت نسبته 86 في المئة". وأفادنا أحد المسؤولين في "الاونروا" أن نقل مركز الوكالة من فيينا الى غزة انتقل من بيروت العام 1975 "لا يعني انهاء خدماتنا في بيروت، وان تقلصت على مستوى التعليم والطبابة. وعلى سبيل المثال تغطي الوكالة مستشفى واحداً في كل منطقة في لبنان. علماً ان اسرائيل تطالب في كل لقاءاتها وفي مفاوضات السلام بانهاء دور الاونروا، مما يعني وقف دور الامم المتحدة مع اللاجئين الفلسطينيين كي يصبحوا كأي لاجئين تابعين لمفوضية شؤون اللاجئين في العالم". مشاريع غير مقبولة هكذا يرى المسؤولون في المخيمات المشكلة وحلها، فما هو رأي من هم خارجها؟ يرى الدكتور أنيس الصايغ عضو منظمة التحرير ورئيس مركز الابحاث الفلسطيني سابقاً وصاحب كثير من المؤلفات اضافة الى اهتمامه اليوم بلقاء ثقافي فلسطيني دوري نفى عنه صفة المرجعية احتمالات عدة قائلاً: "البحث عن حل للفلسطيني كالبحث عن قشة في كومة تبن، والمشاريع والمقترحات المطروحة حالياً هي اما غير مقبولة وإما غير معقولة. فالابقاء على وضع الفلسطيني كما كان عليه منذ العام 1949 داخل المخيمات عمل غير انساني وغير مقبول. ومقولة ما دام كل فلسطيني يريد العودة فعليه العودة الى بلده غير معقولة، لأن الحل ليس عملياً خصوصاً بعد توقيع عرفات اتفاق أوسلو الذي حرم الفلسطينيين من حق العودة، أي فلسطينيي 1948 250 ألفاً في لبنان، وفلسطينيي الضفة حوالي مليون لأن الاتفاق ينص على البحث في موضوع هؤلاء في وقت لاحق ضمن لجان، وبالطبع لن توافق اسرائيل على عودتهم. اما حل تهجيرهم الى خارج لبنان فهو ذو شقين: الأول تهجيرهم الى أوروبا وهو قائم منذ السبعينات عندما هاجر آلاف الفلسطينيين الى شمال أوروبا السويد، الدنمارك، كندا، المانيا الغربية وأميركا الشمالية واستراليا، وبحكم قوانين البلاد باتوا مواطنين بعد اقامتهم سنتين او اكثر، والاغراءات ما زالت قائمة لكنها لا تستوعب 250 ألف فلسطيني. أما الشق الثاني فيتمثل في تهجيرهم الى بلد عربي العراقوالاردن، ويحكى عن صفقة شاملة لاعادة العراق الى أحضان الشرعية الدولية من ابرز شروطها توطين عدد من الفلسطينيين في أراضيه بدعم مالي كبير، علماً ان العراق بحاجة الى أيد عاملة بديلة من الأيدي العاملة المصرية التي غادرته ابان الحرب العراقية - الكويتية، وهي متوافرة لدى الفلسطينيين. أما تهجيرهم الى الاردن فلا اعتقد بأنه احتمال يمكن تحقيقه كونه مشروعاً يهدد التوازن الديموغرافي في البلاد. فإذا كان المقصود اخراج 250 ألف فلسطيني من لبنان لعدم الاخلال بالتوازن الطائفي، ففي الاردن 60 في المئة من أهله فلسطينيون من حملة الجوازات... اما الاحتمال الاخير المتعلق بتوزع الفلسطينيين وبقاء عدد منهم في لبنان واعطائهم الجنسية، فهو مطروح، لكن ذلك يقتضي اولاً اعلان دولة فلسطين، واعترافاً دولياً بالجواز الفلسطيني، وحينئذ يحصل الفلسطيني على جواز سفر وتوفر له القوانين حقوقه كأية جالية مقيمة على الاراضي اللبنانية. ان احتمال اعطاء الفلسطيني الجنسية كما حصل في المرسوم الاخير وقبل ذلك في الخمسينات، وما نسمعه اليوم من مصادر حكومية عن اعلان ملحق يراعي التوازن الطائفي، يعني انه سيتناول الآلاف، كما يعني ازدواجية تعدد المشاريع مع تنشيط عملية الهجرة أخيراً الى الخارج حسب مواصفات معينة وتحديداً الى كل من استرالياوكندا اللتين ما زالتا مستعدتين لاستيعاب فلسطينيين". ويعتقد الصايغ بأنه "ستكون هناك مشاريع عدة، منعاً لحدوث مشاكل في بلد ما، وعند الحديث عن صفقة فانها قد تقبل وقد ترفض علماً أن الفلسطينيواللبناني يرفضان التوطين، كما ان وثيقة الطائف ضد التوطين في احد نصوصها، لكن الصفقة قد تتم اذا اتفقت عليها كل الاطراف، بمعنى الاجماع العربي والموافقة اللبنانية والمباركة الدولية". مخطط دولي ويرى "أن كل ما يحصل منذ العام 1990 ولغاية اليوم، من شق طريق الى تشييد فندق، يتم كله ضمن وضع دولي معين وخريطة عالمية تتصور كل شيء. حتى طرد الفلسطيني من ليبيا قد يكون جزءاً من المخطط الدولي، فلماذا لا يراعي لبنان المخطط الدولي ويضع ملحقاً ثانياً وثالثاً لاستيعاب عدد اكبر من الفلسطينيين، ويتوجه عدد آخر الى العراق ضمن صفقة مع استمرار الهجرة الى الخارج وان خفت، لتفتش بعد عشر سنوات عن فلسطيني؟ هل ضرب مخيمات بيروت ومنع البناء والاعمار في مخيمات الجنوب مجرد مصادفات؟ نحن ننفذ تصورات غيرنا اعتقاداً منا بأنها لمصلحتنا، ولا بد ان هناك مساعدات مالية للبنانيينوالعراقيين في مقابل الموافقة على هذا المخطط!" وعن نواحي القوة والضعف في حمل الجنسية الفلسطينية وكذلك اللبنانية، يقول الصايغ: "قد تحقق الجنسية الفلسطينية تسهيلات العمل في لبنان ومبدأ الحفاظ على الهوية الوطنية، وقد تدعم الدولة الفلسطينية وتقويها، وان كان نصف الفلسطينيين يعيشون خارجها كما هي حال لبنان. أما نقاط ضعفها فتكمن في أن الدولة اللبنانية ستضحي امام حامل الجواز بممارسة مهن قد تؤثر سلباً او ايجاباً اجتماعياً واقتصادياً. اما بالنسبة الى الجنسية اللبنانية فهي تفقد الفلسطيني هويته اضافة الى امكان حدوث خلل في توازن المجتمع اللبناني". وعن الخطوات التي يقوم بها الفلسطينيون خارج المخيمات لتحسين اوضاع اهلهم داخلها، يقول الصايغ: "يؤسفني القول ان ثمة هوة ما بين الفلسطينيين داخل المخيم وخارجه، والمسؤولية تقع على المتنعم خارجه وكثيرون لا يعرفون شيئاً عن المخيمات واوضاع الناس فيها الاّ عبر الصحف. وقد جرت محاولات جادة لكنها فشلت كلها مع المسؤولين اللبنانيين وغير اللبنانيين لحل بعض مشاكل اهلنا المتعلقة بأذونات السفر، فقيل لنا اقلبوا الصفحة، أو برخص العمل فقيل لنا الحل صعب قانونياً على رغم التجاوب من حيث الممارسة بالنسبة الى الخدمات الصحية تحديداً. أرض بلا شعب واعتبرت الدكتورة بيان نويهض الحوت مشاريع توطين الفلسطينيين كثيرة وان كانت اختفت ابان الثورة وولادة قيادة منظمة التحرير، ويعود الفضل في ذلك الى ابناء المخيمات الرافضين التوطين، وقد ارتفعت النغمة مجدداً بعد اتفاق اوسلو وما ترتب عليه من بنود مؤجلة ابرزها غياب بارقة الامل بعودة النازحين، مما يزيد في مأساتهم. ويتخذ حالياً موضوع تحسين وضع الفلسطينيين اشكالاً عدة، منها ان سفارات عدد من الدول الاوروبية لم تفتح ابوابها امام الفلسطينيين، كما نفعل اليوم ومنذ الثمانينات تسهيلاً لهجرتهم، بهدف امتصاص عدد معين منهم، ويغيب عن بال بعضهم ان هذه القضية تعني اسرائيل بمنطقها المساوم "لاجئون في مقابل لاجئين" وان مقابل ثلاثة ارباع مليون فلسطيني لاجىء هناك العدد نفسه من اليهود في دول عربية عملت اسرائيل على اعادتهم، انها الفلسفة الاسرائيلية القائمة منذ ايام هرتزل على منطق "ان لا شعب عربياً على أرض فلسطين". وهو الاسلوب الذي اعتمده المستشرقون والرحالة منذ القرن السابع عشر قبل الصهاينة، وكتبوا عن المنطقة كأن فلسطين بلا شعب، وهذه كانت حجة البريطانيين ايضاً لتدعيم مشروعهم السياسي وسيطرتهم من خلال محاولتهم اثبات اماكن توراتية بواسطة صندوق استكشاف اسرائيل الذي رأسه جنرالات بريطانيون. لذا عملت اسرائيل على تفريغ فلسطين من العرب مع الاحتفاظ بعدد منهم في قمقم وعدم زيادة عددهم لان من مصلحتها أن تبدو ديموقراطية امام العالم. ولذلك فإن العودة حتى الى الضفة وغزة مقيدة، والوضع أسوأ في القدس لانهم يريدونها خالية من سكانها العرب. شارون يسكن هناك، ومكتب المفتي اقفل، وعدد السكان اليهود في القسم العربي يبلغ 170 ألف يهودي أي أكثر من السكان العرب نحو 150 ألف عربي. وبالتالي فنحن نفقد حقنا في القدس عملياً". ورأت الدكتورة الحوت: "أن عرفات أضاع أكثر من فرصة في ما يتعلق بانشاء حكومة فلسطينية في المنفى، بموافقة الدول العربية، تمنح الفلسطينيين جوازات سفر، وتحديداً اثر خروج المقاومة عام 1982 وكذلك عام 1988 مع اعلان دولة فلسطين الذي بقي حبراً على ورق. علماً أنها لم تكن التجربة الاولى، فقد كانت هناك تجربة حكومة عموم فلسطين التي أنشئت في خريف 1948 في غزة، ورأس المجلس الوطني فيها المفتي الحسيني واحمد حلمي عبد الباقي حكومتها التي اعطت جوازات سفر وعاشت بضع سنوات وماتت تدريجاً حتى اواسط الخمسينات، بسبب رضوخ الحكومات العربية للمؤامرات الدولية التي تختصر بأن الضفة الغربية للاردن وقطاع غزة تحت الادارة المصرية ومنطقة الحمة شمال فلسطين التي بقيت مع سورية حتى العام 1967 بعدما ابتلعت اسرائيل كل المناطق نهائياً".