يختلف الوجود الفلسطيني في لبنان عما يماثله في دول الشتات، لما يترتب عليه من مضاعفات تتجاوز التعاطي مع الفلسطينيين على انهم لاجئون، الى ايجاد حل للمشاكل الأمنية والسياسية التي تطرأ من حين الى آخر، على رغم ان هذا الوجود خضع منذ التهجير الى لبنان من جراء نكبة فلسطين عام 1948، لقوانين الأجانب غير المقيمين، وبرز ذلك في قرارات وزارة الداخلية، من خلال المديرية العامة للأمن العام. وظل التعامل مع الوجود الفلسطيني على انه يخضع للقوانين المطبقة على الأجانب، الى ان استحدثت في مطلع الستينات مديرية شؤون اللاجئين الفلسطينيين التابعة لوزارة الداخلية التي اخذت تتعامل معه باعتباره مسألة أمنية. وتولت اصدار وثائق السفر والأوراق الثبوتية وتحديد اماكن السكن من دون ان تتطور لتشمل المسألة الإجتماعية. وعام 1965، صدر عن جامعة الدول العربية بروتوكول خاص عرف باسم "بروتوكول الدار البيضاء"، نص على ضرورة معاملة الفلسطينيين في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة الرعايا العرب في اقامتهم وسفرهم وتوفير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بجنسيتهم الفلسطينية. وكلفت لجنة سياسية متابعة تنفيذ البروتوكول، اضافة الى توليها النظر في أي مخالفة تتعارض ومضمونه، وأودعت الحكومة اللبنانية في حينه البروتوكول موقعاً في 3/8/1966 مع تحفظات ابرزها: "ان الفلسطينيين المقيمين حالياً في اراضي الجمهورية اللبنانية يعطون الحق في العمل والاستخدام بمقدار ما تسمح به احوال البلاد مع اشتراط الحصول مسبقاً على سمة دخول من السلطات اللبنانية المختصة". إلا ان تسارع الأحداث في لبنان أدى الى حصول فوضى حالت دون تطبيق القوانين وشلّت القدرة على مراقبة حركة الدخول والخروج، حتى اصدرت وزارة الداخلية في 22/9/1995 القرار الرقم 478 الذي يفرض بموجبه على الفلسطيني الحصول على سمة للخروج والعودة على وثائق السفر الصادرة من لبنان. وفي اول رد فعل فلسطيني على القرار الذي اتخذته احدى حكومات الرئيس رفيق الحريري في عهد رئيس الجمهورية السابق الياس الهراوي، اعتبرت الفصائل الموجودة في لبنان، انه "يمنع العودة من الخارج وأن هدفه دفع الفلسطينيين الى البقاء حيث هم، في مقابل التفسير الذي تقدمت به الحكومة والقاضي بمنع الفلسطينيين المقيمين في طرابلس الغرب من المجيء الى بيروت بعد قرار الترحيل الذي اتخذه الرئىس الليبي معمر القذافي". وتردد في ذلك الحين ان القذافي كان على وشك ترحيل 35 ألف فلسطيني الى بيروت، بينهم نحو خمسة آلاف يحملون وثائق سفر لبنانية. واستجابت دمشق، على حد قول مصادر فلسطينية ل"الحياة"، الرغبة اللبنانية، ومنعت اي فلسطيني من دخول بيروت، عبر ما يسمى الخط العسكري عند نقطة الحدود اللبنانية - السورية. حتى ان السلطات اللبنانية أعطت مسؤولي الفصائل الفلسطينية لدى مراجعتها تفسيرات غير التفسير المعلن، وهي ان الحكومة مضطرة الى ضبط جوازات سفر لبنانية اعطيت لفلسطينيين في عهد رئىس الجمهورية السابق أمين الجميّل، اضافة الى ان الظروف الاقتصادية التي يمر فيها لبنان لا تسمح باستقبال دفعة كبيرة من اللاجئين، في وقت يلجأ اللبناني الى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش. وقبل ان تعود حكومة الرئيس سليم الحص في عهد رئيس الجمهورية اميل لحود عن القرار الذي سرى مفعوله اكثر من 4 سنوات، كان لمسؤولين في الحكومة اللبنانية السابقة تبرير جديد يتلخص في انه "تدبير وقائي خوفاً من تدفق الفلسطينيين غير المشمولين بقرار العودة الى غزة والضفة الغربية". واللافت، بحسب اوساط في "الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين" بزعامة نايف حواتمه، ان اشتراط الحصول على سمة دخول للفلسطينيين الذين يحملون وثائق سفر لبنانية ادى الى تقدم العدد الأكبر منهم من الدول التي يعيشون فيها بطلبات للحصول على جنسية او اقامة دائمة، واضطروا الى سحب عائلاتهم من بيروت. وكشفت الأوساط ان التعداد النهائي للفلسطينيين في لبنان في آخر إحصاء صادر عن وكالة غوث اللاجئين اونروا بلغ نحو 362 ألفاً، وأن هذا الرقم موجود لدى المفوض العام لشؤون اللاجئين "لكننا نعتقد ان عدد المقيمين في صورة دائمة يقترب من 230 ألفاً". وأضافت "ان طريقة احتساب العدد بالنسبة الى المقيمين تتم من خلال عملية إنجاز المعاملات عبر "اونروا"، سواء كانت للولادات او للوفيات"، مشيرة الى "ان الذين لا يتقدمون بطلبات لإنجاز معاملاتهم هم الآن خارج البلاد، ويقيمون ربما دائماً في الدول التي انتقلوا اليها". وأوضحت "ان هناك سهولة في تعداد عدد المقيمين، من جانب مديرية اللاجئين التي تشترط على من يود الحصول على هوية جديدة ان يرفق هويته القديمة بالطلب". وقالت "في حال فقد هويته عليه، كشرط للحصول على بديل منها ان ينجز المعاملات بواسطة اقرب مخفر لقوى الأمن الداخلي الذي يسلمه محضراً يحمله الى السلطات المعنية، لتسلّمه هي الهوية الجديدة". واستغربت مصادر فلسطينية حجم الأرقام التي تتناقلها قوى سياسية لبنانية من ان 60 ألف فلسطيني تمكنوا من الحصول على الجنسية اللبنانية مستفيدين من مرسوم الجنسية الصادر عام 1994. وقالت "ان هذا الرقم يحمل الكثير من المبالغة والتحريض"، معترفة بأن "نحو خمسة آلاف او ما يزيد بقليل حصلوا على الجنسية من خلال ملفات تقدموا بها على انهم من القرى السبع او المزارع المجاورة لها". ونفت "ان تكون مجموعات فلسطينية استفادت من المرسوم بطريقة اخرى، اي بذريعة ان افرادها مكتومو القيد". وقالت "اذا كان من حالات على هذا الصعيد فهي فردية وقليلة جداً". وأكدت "ان الفلسطينيين الذين كانوا مقيمين في لبنان وهاجروا الى الخارج وحصلوا على جنسيات مختلفة، شطبوا من لوائح الأمن العام اللبناني، إذ أن السفارات اللبنانية هناك حصلت على لوائح بهم، وقدر عددهم بنحو 30 الفاً". وقالت "ان الامن العام يبلغ مديرية شؤون اللاجئين باللوائح لتتولى بدورها شطبهم، على خلاف "اونروا" التي لا تزال تحتفظ باللوائح الاصلية لضبط قيود اللاجئين في دول الشتات". ولفتت الى "ان كثراً من الفلسطينيين في لبنان ممن اضطروا الى الهجرة لم يتقدموا بطلبات للحصول على الجنسية، خوفاً من حرمانهم حق التعويض". وبعدما ثمّنت المصادر الفلسطينية عودة حكومة الحص عن التدبير الذي اتخذته سالفتها، قالت "ان نزع القيود عن السفر أدى الى انعاش اوضاع بعض الفلسطينيين الذين يعملون في الخارج ويأتون الى لبنان لشراء منازل تقع خارج نطاق المخيمات". وتوقفت امام النشاط الذي بلغته الحركة العقارية في وقت من الاوقات في لبنان، وقالت "كان للفلسطينيين دور في تنشيطها بسبب مغادرتهم المخيمات للإقامة خارجها، وهذا ما حصل في وادي الزينة الشوف وفي برالياس وسعدنايل البقاع"، مشيرة الى "ان عدد سكان المخيمات انخفض وأن المقيمين في شقق مستقلة اقترب من نصف مجموع عدد الفلسطينيين في لبنان". وعن تعامل الدول الغربية مع الفلسطينيين في لبنان لجهة منحهم سمات دخول، قالت المصادر "انها اوقفت الهجرة إليها منذ انتهاء الحرب في لبنان". وعزت السبب الى "انها اصبحت مضطرة الى استيعاب هجرة جديدة من نوع آخر تتعلق بالمهاجرين من دول أوروبا الشرقية، كأنها تفضل العنصر السلافي على العنصر السامي". وأكدت "ان الخروج الوحيد عن قاعدة عدم السماح بهجرة الفلسطينيين الى الدول الأوروبية يكمن في السماح للفلسطينيين، ممن يحملون جوازات سفر إسرائيلية، رغبة منها في الحد من تزايد عدد السكان الفلسطينيين في مقر اقامتهم الاصلية". وتحدثت المصادر عن الصعوبات التي يواجهها الفلسطيني المقيم في لبنان في الحصول على سمة دخول الى بلد اوروبي، بناء على دعوة يتلقاها للاشتراك في مؤتمرات تعقد هناك. ولفتت الى "ما يعانيه الوجود الفلسطيني من مشاكل تحول دون إيجاد فرص عمل للفلسطينيين الذين يخضعون للشروط نفسها التي يخضع لها الأجانب على رغم وجود اتفاق بين لبنانوفلسطين، قبل اغتصابها، يقوم على التبادلية، اضافة الى عدم السماح لهم بمزاولة المهن الفنية، ورفض الحكومة اللبنانية اي مساهمة في مجالات الصحة، مع ان القانون يسمح للمستشفيات بتقديم الطبابة الى الفقراء". ولم توفر المصادر الفلسطينية "اونروا" من تحميلها مسؤولية عن تدهور الأوضاع الصحية والاجتماعية للاجئين. وقالت "ان موازنتها السنوية في لبنان لا تزال على حالها منذ سبع سنوات، مع ان معدلات التناسل لدى الفلسطينيين تقترب سنوياً من نحو ثلاثة ونصف في المئة وفقاً لتقرير وكالة الغوث". وأوضحت "ان مساهمة الدول المانحة للفلسطينيين بعد اتفاق اوسلو، لا تشمل اللاجئين في الشتات بل هي مخصصة في معظمها للضفة والقطاع، باستثناء نحو عشرة في المئة ترصد لإقامة مشاريع طويلة الأمد في اماكن اقامة اللاجئين، بدلاً من ان تصرف لتحسين اوضاعهم الصحية والاجتماعية". ورأت في تقليص الخدمات من خلال تخصيص 48 مليون دولار للوكالة في لبنان محاولة لتصفيتها، مشيرة الى غياب الحوار الدائم بين الفلسطينيين والحكومة اللبنانية. وقالت ان الاسباب ما زالت مجهولة ولا تتعلق حصراً بغياب المرجعية الفلسطينية نظراً الى التباين الحاصل في مواقف الفصائل الفلسطينية وانقسامها في ما بينها. وأكدت ان التعامل مع الفلسطينيين يتم على انهم اجانب يخضعون للقانون، فضلاً عن ان مكتب منظمة التحرير اغلق منذ العام 1982 الاجتياح الإسرائيلي للبنان ولم يفتح حتى الساعة. وقالت "اذا كانت هناك من علاقة، فإنها محصورة بعلاقات ديبلوماسية مع فاروق القدومي أبو اللطف الذي يتردد من حين الى آخر على بيروت". وأضافت "ان الفلسطينيين يعارضون التوطين، وان تضافر الجهود على هذا الصعيد يقوي الموقف التفاوضي العربي عموماً واللبناني خصوصاً"، مشيرة الى "ان اعلان سيادة الدولة الفلسطينية يعني حق كل فلسطيني في الحصول على وثيقة السفر الرسمية، وهو يختلف عن تطبيق حق العودة الى ارضنا". وتحدثت عن "ان الموقف من رفض التوطين لا يقتصر على الشتات الفلسطيني وإنما يشمل الفلسطينيين الذين يقيمون في مناطق السلطة الوطنية، وهم في الأساس ينتمون الى مدن وقرى داخل إسرائيل، وممنوعون من الإنتقال إليها". وسألت "هل عودة السيادة كاملة الى السلطة الوطنية تجيز لها استقبال من تشاء من الفلسطينيين في الشتات ام ان هؤلاء في حاجة الى موافقة اسرائيلية خصوصاً ان ما يظهر الى العلن يؤكد ان حرية الانتقال مشروطة وهي موضع مراقبة اسرائيلية؟". وعن العلاقة القانونية بين الدولة اللبنانيةوالفلسطينيين علمت "الحياة" من مصادر فلسطينية، وتحديداً من "الجبهة الديموقراطية"، ان وزير شؤون اللاجئين في السلطة الوطنية أسعد عبدالرحمن حاول في زيارته لبيروت إقناع الحكومة بأهمية تشكيل لجنة مشتركة، لكن المساعي لم تستكمل ربما بسبب استمرار الخلاف الفلسطيني - الفلسطيني الذي يمنع التوصل الى قيام مرجعية موحدة. وعلمت "الحياة" ايضاً ان وفداً من لجنة المتابعة الفلسطينية المنبثقة من التحالف الفلسطيني الذي يتخذ من دمشق مقراً له، طرح امكان تشكيل لجنة مشتركة، وأن خالد الفاهوم رعى شخصياً هذه المحاولة التي لم يكتب لها النجاح. وتردد ايضاً ان الفلسطينيين عقب دخول الجيش اللبناني الى صيدا عام 1991، حاولوا التوصل الى تشكيل لجنة مشتركة وتقدموا لهذا الغرض بمذكرة من السلطات اللبنانية. وعليه، يمكن القول ان قضية الفلسطينيين في لبنان موضوعة على لائحة الانتظار، وأن السماح لهم بالسفر لم يخفف من وطأة المشاكل التي يعيشونها. فلا وكالة الغوث في وارد زيادة مساهمتها من اجل مساعدتهم للتغلب على اوضاعهم المعيشية والاجتماعية، لا بل هي تتبع سياسة تقطير المساعدات، اضافة الى ان الرئيس الفلسطيني الذي عاد اخيراً عن قراره بخفض المساعدات يحاول الآن تخصيصها او بالأحرى توظيفها لإعادة ترميم "البيت الفتحاوي" بهدف الإمساك بزمام المبادرة داخل المخيمات، على امل ان يختزل الفصائل الفلسطينية التي تقف في منتصف الطريق بين "فتح - اللجنة المركزية" و"عصبة الأنصار" بزعامة احمد عبدالكريم السعدي ابو محجن الملاحق من القضاء اللبناني في جريمة اغتيال الرئيس السابق لجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية الأحباش الشيخ نزار الحلبي. ويحاول عرفات اتباع سياسة إلغاء الآخرين من خلال إحداث فرز سياسي على الأقل في مخيم عين الحلوة، وصولاً الى فرض انقسام بين "فتح" والمتشددين، يدفع بالآخرين الى الانضواء تحت جناحه لمعارضتهم السياسية التي تتبعها "عصبة الأنصار". وبسؤال مسؤولين فلسطينيين عن صحة ما يتردد عن مخطط لتوطينهم في لبنان بعد خفض عددهم، خصوصاً ان عشرات الألوف منهم اضطروا الى مغادرة لبنان والإقامة الدائمة في الخارج، يجيبون "نحن لسنا في حاجة الى التذكير بمواقفنا المناهضة للتوطين، ونرفض ان نتحول عدداً يسهم في زيادة تعداد هذه الطائفة او تلك، لكن رفضنا يبقى صوتاً إعلامياً سياسياً ولن يتحول قوة فاعلة ما لم تتوصل الدول العربية الى وضع خطة عنوانها حق العودة وتقرير المصير". ويتناقل الفلسطينيون معلومات تتردد من حين الى آخر على لسان ديبلوماسيين غربيين تنطلق من "ان الدول الغربية والولايات المتحدة تحاول إيجاد "تسوية" ليست سوى جوائز ترضية ل"ترويض" أهلنا في الشتات عبر إقناع الدول العربية المضيفة بأن تمنحنا، وإنما بعد خفض العدد، بعض التسهيلات المتمثلة في الدرجة الأولى، في حقنا في الإقامة الدائمة، والتمتع في لبنان، مثلاً، بحقوق العمل والتنقل، وتقديم مساعدات مالية إلينا تسهم في إنهاء "الكيانات" التي تعتبر شكلاً من اشكال الاستقلال الذاتي للفلسطينيين، والمقصود بها المخيمات التي لا بد من ان تلغى في مقابل تأمين العيش لهم في المدن".