كان الهدف المعلن للزيارة التي قام بها الرئيس حافظ الأسد إلى طهران أخيراً تهنئة الرئيس الإيراني الجديد محمد خاتمي. لكنّ أبعاد هذه الزيارة تجاوزت ذلك لانها توجت توجهاً طبع العلاقات السورية الإيرانية في الفترة الاخيرة باتجاه تكريس التعاون التقليدي الوثيق بين البلدين، وارتقائه إلى مستوى التحالف الاستراتيجي. وعندما يضاف العامل الروسي إلى هذا التحالف، تصبح المعادلة المنبثقة عنه أوسع وأشمل. فالشرق الأوسط مقبل على تطورات حيوية، والتحالف الاستراتيجي الجديد بين دمشقوطهران، بدعم موسكو وتأييدها ولو غير المعلن، لا بد أن يشكل عاملاً رئيسياً في تحديد مسار هذه التطورات وصياغة نتائجها. خريطة التحالفات وتوازنات القوى العسكرية والاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط مرشحة لأن تشهد تطوراً مهماً خلال المرحلة المقبلة، اذا ثبتت صحة معلومات على جانب كبير من الأهمية عن قرب استئناف علاقات التعاون التسليحي بين سورية وروسيا على نطاق شامل، بعد انحسار شديد خلال السنوات الماضية لاعتبارات سياسية ومالية عدّة، ما ترك آثاراً سلبية لا يستهان فيها على الترسانة العسكرية السورية التي يتألف معظمها من معدات سوفياتية الصنع. واستناداً الى هذه المعلومات التي تتناقلها حالياً اوساط ديبلوماسية ودفاعية اميركية واسرائيلية، فان دمشقوموسكو تجريان منذ أشهر عدّة مفاوضات تتعلّق بأنواع محددة من الاسلحة الروسية الجديدة التي ترغب القوات السورية في الحصول عليها، وبأوجه اخرى من الدعم العسكري والتكنولوجي الذي تحتاجه هذه القوات للشروع في تنفيذ مجموعة من البرامج الهادفة الى تحديث اسلحة ومعدّات حصلت عليها في عهد الاتحاد السوفياتي السابق ولا تزال تشكّل حتى الآن جزءاً مهمّاً من تجهيزها. وتشير المعلومات الى ما تصفه ب "صفقة تسليحية رئيسية بات الجانبان على وشك ابرامها بعد ان بلغت المفاوضات في شأنها مراحلها النهائية". وفيما امتنعت المصادر السورية والروسية الرسمية عن التعليق على هذه المعلومات، فان مصادر دولية كشفت جانباً كبيراً من التفاصيل. وتحدّثت عما سمّته "الاطار السياسي والاستراتيجي" المحيط بهذه الخطوة. واعتبرت ان استئناف علاقات التعاون التسليحي بين موسكوودمشق "عملية شاملة تهدف الى اعادة رسم العلاقات التحالفية في المنطقة". وشدّدت مصادر اسرائيلية على النظر الى استئناف التعاون العسكري السوري - الروسي من زاوية كونه "حلقة ثنائية من تحالف ثلاثي" بدأ يتضح تدريجياً خلال الاشهر الماضية، ويجمع بين سورية وروسياوايران. وقالت المعلومات ان الأخيرة "لعبت دوراً أساسياً في تمكين الجانبين السوري والروسي من التوصل الى تسوية لازالة المعوقات التي تحول دون عودة العلاقات التسليحية بين البلدين". وتحدثت المصادر نفسها عن "دعم عربي للجهود السورية". ونقلت مصادر ديبلوماسية اميركية ان استئناف علاقات التعاون العسكري والتسليحي بين سورية وروسيا كان "على رأس جدول أعمال اللجنة السياسية والعسكرية الاميركية - الاسرائيلية المشتركة" خلال دورة اجتماعاتها الأخيرة التي عقدت في اسرائيل في 4 و5 حزيران يونيو الماضي. واضافت ان الجانب الاسرائيلي دعا خلال تلك الاجتماعات الولاياتالمتحدة الى ممارسة نفوذها على موسكو للامتناع عن تزويد دمشق الاسلحة الجديدة. وكان هذا الموضوع ايضاً في مقدّم المسائل التي اثارها في واشنطن عوزي أراد المستشار السياسي لرئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو خلال الزيارة التي قام بها للعاصمة الاميركية في تموز يوليو الماضي في معرض متابعة ما يسمَّى "الحوار الاستراتيجي" الذي يجريه الجانبان دورياً كلّ ستة أشهر في اطار اتفاقات التعاون العسكري والاستراتيجي بينهما. وفي تلك الزيارة، وجّه أراد ايضاً الى الادارة الاميركية طلباً رسمياً من جانب الحكومة الاسرائيلية للضغط على روسيا لعدم اتمام صفقة يقول الاسرائيليون ان موسكو ستزوّد طهران بموجبها تكنولوجيا خاصة بصواريخ باليستية استراتيجية ارض - ارض من طراز "س. س - 4". وترى اسرائيل ان حصول ايران على هذه التكنولوجيا سيمكّنها من انتاج الصواريخ التي يطلق عليها حلف شمال الاطلسي ناتو الاسم الرمزي "ساندال" ويصل مداها الى حوالي 3600 كلم، والبدء بنشرها خلال الفترة 2000 - 2002 بعد ان يتم تزويدها رؤوساً كيميائية وبيولوجية، على ان يعقب ذلك تزويدها رؤوساً نووية بحلول العام 2005. عوامل استراتيجية مشجّعة وعلى صعيد العلاقات التسليحية السورية - الروسية، تفيد المعلومات بأن "المفاوضات الجديّة" في شأنها بدأت في آذار مارس الماضي عندما قام الجنرال ميخائيل تيمكين النائب الأول لرئيس الوكالة الحكومية الروسية المركزية لتصدير الاسلحة "روسفوريجينيه"بزيارة رسمية الى دمشق بحث خلالها مع المسؤولين السوريين الخطط والبرامج التسليحية التي يعتزمون تنفيذها. ولفتت المصادر الى "العوامل التي أدّى توافرها الى جعل المفاوضات العسكرية بين دمشقوموسكو تتخذ منحى اكثر جديّة". وهذه العوامل مزيج من اعتبارات سياسية واستراتيجية ومالية يبدو انها ساهمت في اقناع دمشقوموسكو بأن مصالحهما المشتركة عادت الى الالتقاء، وان الحاجة اضحت ملحّة للبدء بتصحيح للخلل الذي تفاقم في موازين القوى في المنطقة لمصلحة الولاياتالمتحدة واسرائيل خلال الأعوام الماضية. وحددت تلك العوامل كالآتي: 1 - الجمود المستمر في عملية السلام وتفاقم المخاطر من احتمال ان يؤدي هذا الجمود الى تصعيد عسكري بين سورية واسرائيل في وقت تميل موازين القوى فيه بشدّة لمصلحة الأخيرة. 2 - بروز الحلف الاسرائيلي - التركي وتكريسه واقعاً استراتيجياً جديداً ومؤثّراً في المنطقة، وبشكل لا تقتصر انعكاساته السلبية المباشرة على امن سورية ومصالحها الحيوية فحسب، بل تمتدّ لتشمل ايران ودولاً عربية رئيسية. وتطاول في جانب منها المصالح الروسية الامنية والاستراتيجية الحيوية في المنطقة. 3 - الشعور المتنامي لدى دول عربية رئيسية عدة، لا سيما في الخليج، بأن المخاطر الكامنة في احتمال تدهور الوضع الى حدّ الانفجار العسكري، والمخاوف من انعكاسات التحالف الاسرائيلي - التركي، وتدخّل انقرة الواسع في شمال العراق، تجعل من الضروري والمطلوب حالياً تقديم العون الى دمشق وتمكينها من وضع البرامج الملحّة التي ترغب في تنفيذها لتعزيز قدراتها الدفاعية في مواجهة التفوق الاسرائيلي - التركي موضع التطبيق، حتى ولو كان ذلك سيتمّ من خلال تعاون سوري - ايراني - روسي لم تكن هذه الدول لتستسيغه في الظروف العادية. 4 - اقتناع الجانبين السوري والروسي بضرورة التوصل الى تسوية مرضية للعوائق المالية التي كانت تحول دون عودة تعاونهما العسكري والتسليحي، وهي عوائق تعود أصلاً الى العهد السوفياتي. الدور الايراني والدعم العربي وكان الدور الايراني، ومن ثمّ العربي، حاسماً في المساعدة على تجاوز هذه العوائق المالية. وتقول المصادر الاميركية والاسرائيلية ان دمشقوطهران توصّلتا في شباط فبراير الماضي الى اتفاق كان كفيلاً بتحويل العلاقة السياسية الوثيقة تقليدياً بينهما الى ما يشبه التحالف الاستراتيجي الشامل. وأضافت ان هذا التحالف الذي شكّل رداً سورياً - ايرانياً مباشراً على الحلف الاسرائيلي - التركي تضمّن تعهداً صريحاً من جانب طهران دعم جهود تعزيز القدرات العسكرية السورية، والمساعدة في تمكين دمشق من تنفيذ برامجها الدفاعية الملحة. اما الترجمة العملية لهذا التعهد الايراني فكانت من خلال تقديم التزام رسمي الى موسكو تتولّى بموجبه الحكومة الايرانية ضمان القروض المالية المترتبة على سورية من جراء صفقات الاسلحة الجديدة، في مقابل موافقة الجانب الروسي على اعادة جدولة الديون القديمة المستحقة على دمشق من صفقاتها العسكرية السابقة الموقّعة مع الاتحاد السوفياتي. ويذكر ان مسألة الديون العالقة شكّلت منذ سنوات العائق الرئيسي امام اي صفقات اسلحة جديدة. ويقدّر حجم الديون التي تطالب موسكودمشق بتسديدها بحوالى 12 بليون دولار. ويعني التوصّل الآن الى صيغة لحل هذه المشكلة ان المجال اصبح مفتوحاً امام التعاقد على اتفاقات تعاون تسليحي جديدة، خصوصاً ان التدخل لازالة هذا العائق المالي لم يكن مقتصراً على ايران، بل اتسع ليشمل خلال الأسابيع الماضية دولاً عربية خليجية في خطوة وصفتها المصادر الديبلوماسية الغربية بأنها تمثل "نجاحاً باهراً" للسياسة السورية في المنطقة. وتبدو الاوساط الاميركية والاسرائيلية على اقتناع تام بأن هذه التطورات مهّدت الطريق لانجاح المفاوضات العسكرية السورية - الروسية التي دارت خلال الأشهر الماضية، وبأن الجانبين يستعدّان لتوقيع صفقة ستكون الاضخم التي يتوصل اليها البلدان منذ ما يقارب عشر سنوات. وزادت انها ستشكل نقلة نوعية في علاقات التعاون العسكري بين دمشقوموسكو بالمقارنة مع المستوى الذي كانت تلك العلاقات وصلت اليه في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي، وإنها ستكون كفيلة باعادة العلاقات الى "العهد الذهبي" الذي شهدته في الثمانينات. وعلى صعيد الآثار التي ستنتج عن هذه الصفقة بالنسبة الى القدرات الدفاعية السورية، فيعتقد بأنها ستتيح لدمشق "تنفيذ برامج تعزيز وتطوير وتحديث تعتبرها ملحّة جداً" في سياق سعيها الهادف الى تضييق الهوة في موازين القوى العسكرية والاستراتيجية بين القدرات السورية والاسرائيلية خلال السنوات الماضية. ففي الفترة الماضية التي امتدّت اكثر من خمس سنوات استمرت اسرائيل في تنفيذ برامجها العسكرية، وحصلت على جميع حاجاتها القتالية والعملياتية من الاسلحة والمعدّات الجديدة التي لم يحل دون حصول قواتها عليها اي عائق سياسي او مالي او عسكري بفضل الدعم الاميركي الشامل، في حين حالت تلك العوائق دون تمكّن سورية من تنفيذ ايّ من برامجها الدفاعية الرئيسية، واقتصرت خطواتها على صفقات ثانوية محدودة الأثر حصلت بفضلها على دبابات وصواريخ وقطع غيار لطائراتها السوفياتية الأصل. الاولويات الدفاعية السورية غير ان هذا الوضع يبدو مرشحاً للتحوّل بشكل جذري، اذ يتوقع ان تصل قيمة الصفقة الشاملة المرتقبة بين دمشقوموسكو الى حوالى 3 بلايين دولار، وان تشمل المجالات الرئيسية الثلاثة التي تشكّل تقليدياً أولويات جهود التطوير الدفاعي السوري: القوات الجوية، وأنظمة الدفاع الجوّي، والوحدات المدرّعة. وتفيد المعلومات بأن القوات السورية ستحصل على ما يلي: تعزيز سلاح الجو السوري عن طريق الحصول على 3 أسراب اضافية من مقاتلات "ميغ - 29" المتعددة الأغراض نحو 48 طائرة تضاف الى عدد مماثل من هذه المقاتلات المتطورة تعمل حالياً لدى سلاح الجو السوري في ثلاثة أسراب. وتعتبر مقاتلات "ميغ - 29"، الموازية من حيث القدرات والمهمات لمقاتلات "ف - 16 فالكون" الاميركية العاملة لدى اسرائيل احدث المقاتلات العاملة في صفوف سلاح الجو السوري. ينتظر ايضاً ان تتضمن الاسلحة الجديدة التي ستحصل عليها سورية عدداً من مقاتلات "سوخوي - 27" الاعتراضية المتطورة يراوح بين 14 و24 طائرة تكفي لتشكيل سرب واحد أو سربين. وكانت معلومات غربية افادت العام الماضي ان دمشق حصلت على سرب من هذه المقاتلات يضم 14 طائرة. لكن ذلك لم يتأكد. وسيشكّل الحصول على مقاتلات "سوخوي - 27" خطوة نوعية مهمّة في قدرات سلاح الجو السوري. فالمتفق عليه في اوساط الخبراء الدوليين ان هذه المقاتلة هي الأفضل من نوعها في العالم حالياً، خصوصاً في مهمات الاعتراض والمطاردة والقتال الجوّي، وهي تتفوّق على مقاتلات "ف - 15 إيغل" الاميركية التي يستخدم سلاح الجو الاسرائيلي نحو 75 طائرة منها. اما في المجال الهجومي، فسيكون بمستطاع سلاح الجو السوري الاستمرار في الاعتماد على مقاتلاته القاذفة البعيدة المدى من طراز "سوخوي - 24" التي حصلت دمشق على 22 طائرة منها من الاتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات. وتشكّل هذه المقاتلات قوة هجومية جوية استراتيجية بعيدة المدى تتساوى من حيث القدرات والحمولة والمدى والمهمات القتالية مع مقاتلات "ف - 15 إي سترايك ايغل" الاميركية الهجومية التي سيبدأ سلاح الجو الاسرائيلي الحصول عليها هذا العام لتشكيل سرب قوامه 25 طائرة. تحديث الدفاعات الجوية السورية وتطوير قدراتها، عن طريق الحصول على انواع جديدة من الصواريخ الروسية ارض - جو المضادة للطائرات، خصوصاً النظام "سام - 11" بوك المعدّ للحلول مكان صواريخ "سام - 6" التي تشكّل عماد نظام الدفاع الجوي السوري منذ السبعينات، والمخصصة للعمل ضد الطائرات المحلّقة على ارتفاعات متوسطة. لكن الأهم من ذلك سيكون حصول سورية على النظام الصاروخي الجديد "سام - 12" المضاد للطائرات وللصواريخ. فهذا النظام الاستراتيجي، الذي يحمل الاسم الروسي "س - 300 ب. م. يو"، والمطوّر عن النظام "سام - 10" س - 300، يعتبر السلاح الافضل ضد الطائرات والصواريخ الباليستية، اذ يتفوّق على النظام الاميركي "باتريوت" الذي ذاع صيته ابان حرب الخليج حين استخدمته القوات الاميركية فيها ضد الصواريخ الباليستية العراقية. وتعتقد المصادر الغربية بأن فاعلية هذا النظام الروسي ضد الصواريخ الباليستية تصل الى حوالى 3 أو 4 أضعاف فاعلية صواريخ "باتريوت" الاميركية، ويصل مداه الفعّال ضد الطائرات الى حوالى 100 كلم، في حين يصل مداه ضد الصواريخ الى حوالي 40 كلم. وفي المعلومات ان سورية تعتزم الحصول على صواريخ "سام - 12" لاحلالها مكان صواريخ "سام - 5" التي حصلت عليها من الاتحاد السوفياتي اثر الغزو الاسرائيلي للبنان العام 1982، واعتمدت عليها منذ ذلك الحين نظام دفاع جوي استراتيجياً بعيد المدى. وشددت مصادر اسرائيلية على ما سمته "التحوّل الجذري" الذي سيحدثه حصول سورية على هذه الصواريخ. وأشارت بقدر كبير من القلق الى "القيود المحتملة التي سيفرضها وجود هذه الصواريخ على عمليات القوات الجوية الاسرائيلية وأساليبها القتالية" في اي مواجهة عسكرية. تنفيذ البرنامج الشامل الذي كانت دمشق عقدت العزم منذ مدّة على تنفيذه لتحديث دبابات "ت - 72" العاملة في صفوف قواتها المدرّعة، والذي كانت تأمل في التعاقد على بنوده مع جنوب افريقيا بموجب اتفاق قدّرت قيمته بحوالى 650 مليون دولار، قبل ان يؤدي الضغط الاميركي والاسرائيلي الى تراجع جنوب افريقيا. وتستخدم القوات السورية حالياً نحو 1500 دبابة من طراز "ت - 72"، حصلت على معظمها خلال السبعينات والثمانينات من الاتحاد السوفياتي، وعلى قسم منها خلال التسعينات من سلوفاكيا. ولا تزال هذه الدبابات تشكّل طرازاً قتالياً فعّالاً بالمقارنة مع طرازات الدبابات القتالية العاملة لدى الجيش الاسرائيلي والجيوش العالمية الرئيسية، لكنها تحتاج الى تعديلات وتحسينات تتعلّق بنواح مختلفة من أدائها القتالي، لا سيما اجهزة الرماية والتصوىب والرؤية والملاحة الليلية، واخرى تتعلّق بأنظمة المحرك والتعليق والتحويل حتى تظل قادرة على الاحتفاظ بقدرات قتالية متقدمة بما يتلاءم ومتطلبات العمل في ميادين القتال في السنوات المقبلة. لكن القوات السورية تخطّط في الوقت نفسه للحصول على دبابات من طراز جديد اكثر قدرة وفاعلية لاحلاله مستقبلاً مكان الطرازات الأقدم من الدبابات العاملة لديها مثل "ت - 62" و"ت - 54/ 55". ولهذا، تبدي دمشق اهتماماً بالحصول على الدبابة الروسية الجديدة "ت - 80". وستكون الصفقة المرتقبة بين دمشقوموسكو فرصة لتزويد القوات المدرعة السورية دفعة أولى من هذه الدبابات الجديدة تشتمل على نحو 300 دبابة كافية لتشكيل فرقة مدرعة واحدة منها. الآثار على موازين القوى وفيما نقلت مصادر في واشنطن عن مسؤولين اميركيين واسرائيليين شاركوا في دورة اجتماعات اللجنة السياسية والعسكرية المشتركة الأخيرة في حزيران يونيو الماضي قولهم ان الجانبين كانا متفقين على اعتبار استئناف شحن الاسلحة الروسية وعودة علاقات التعاون العسكري عموماً بين موسكودمشق تحوّلاً مهماً وتطوراً استراتيجياً اساسياً في المنطقة، خصوصاً اذا ما اضيف اليه البعد الايراني والتأييد العربي الخليجي، فإن هذه المصادر تحدّثت في المقابل عن تباين في وجهات النظر في شأن الآثار المترتبة على موازين القوى العسكرية نتيجة الصفقة المرتقبة. واضافت ان الجانب الاسرائيلي "سارع، كعادته في مثل هذه الظروف، الى قرع اجراس الانذار والتحذير من المخاطر التي ستنتج عن حصول سورية على الاسلحة الروسية الجديدة وما قد يؤدي اليه ذلك من تحولات في موازين القوى الاقليمية وتصاعد في حجم التهديد العسكري الموجّه الى اسرائيل". اما الموقف الاميركي، فوصفته المصادر بأنه كان اكثر هدوءاً، اذ اعتبر الاميركيون انه فيما "يشكّل اي تصعيد في سباق التسلّح الاقليمي وتسارع في وتيرته مصدر تهديد محتمل للاستقرار في المنطقة، فان مجرّد توصّل سورية وروسيا الى هذه الصفقة او تلك لن يكون مؤشراً الى تحوّل في ميزان القوى العسكري والاستراتيجي ضد اسرائيل". وذكرت مصادر ل "الوسط" في واشنطن ان هذا التقويم الاميركي انطلق مما تدركه واشنطن جيداً عن حجم التفوّق العسكري الاسرائيلي الذي تنامى كثيراً خلال السنوات الماضية، والذي لم يكن ممكناً من دون المشاركة والدعم الاميركيين، في حين ان أي جهود سورية حالية لن تكون اكثر من محاولة لتعويض ما فاتها في السنوات الماضية لتقليص هامش التفوّق الاسرائيلي الذي تضمنه السياسة الاميركية في المنطقة صراحة وتلتزم المحافظة عليه واستمراره. لكن الاميركيين يقرّون، في المقابل، بأن التقويم الاسرائيلي "سليم" في ما يتعلّق بالقلق حيال حصول سورية على اسلحة روسية متقدمة جديدة، خصوصاً مقاتلات "سوخوي - 27" وصواريخ "سام - 12" لأن من شأن وجود مثل هذه الاسلحة لدى القوات والدفاعات الجوية السورية ان "يحدّ بشكل ملموس من حرية الحركة التي كان سلاح الجو الاسرائيلي يتمتّع بها" خلال السنوات الماضية. كما ان الحصول على المزيد من هذه الاسلحة المتطورة مستقبلاً سيؤدي الى فرض قيود اضافية على هامش التفوّق الجوي الذي حرصت اسرائيل تقليدياً على الاحتفاظ به في المنطقة. اما الجانب الآخر الذي اتفق التقويم الاميركي والاسرائيلي على قراءته في هذه المسألة فكان اوسع نطاقاً من الاطار التسليحي والعسكري البحت، وتناول مجمل الوضع السياسي والاستراتيجي الاقليمي الناشئ عن عودة موسكو الى لعب دورها التقليدي السابق مصدراً رئيسياً للسلاح الى الطرف العربي، وتحديداً السوري، في الصراع. فقد اعتبر المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون ان صفقة الاسلحة الجديدة بين موسكوودمشق هي "ترجمة عملية لوضع جديد في الشرق الأوسط يعود الآن في هيئة تحالف سياسي واستراتيجي سوري - ايراني يحظى بمباركة الدول العربية الرئيسية المؤثرة ودعمها، ويرتبط في الوقت نفسه بدعم روسيا وتأييدها، خصوصاً في وقت يبدو فيه اتجاه موسكو ورغبتها في لعب دورها واستعادة بعض من نفوذها الذي افتقدته في المنطقة عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. ومثل هذا الوضع لا بد ان يطرح تحديات استراتيجية جديدة امام السياسة الاميركية والاسرائيلية ومصالحهما السياسية والامنية في الشرق الأوسط". والواضح الآن ان مثل هذه التحديات التي كانت الولاياتالمتحدة واسرائيل تعتقدان بأنهما تخلّصتا منها خلال السنوات الماضية التي اعقبت حرب الخليج عادت من جديد، وباتت مرشحة للعب دور اكثر تأثيراً وحيوية في رسم مجريات الاوضاع وتطوراتها الاقليمية المحتملة.