وقع اختيار صندوق النقد والبنك الدوليين على اليمن وموريتانيا كأول دولتين عربيتين تستطيعان الافادة من برنامج خفض الديون على الدول الاكثر فقراً في العالم، ويصل عددها الى 41 دولة، معظمها في افريقيا وآسيا، وبدرجة أقل في اميركا اللاتينية. ويعني اختيار اليمن وموريتانيا ان المنظمتين الدوليتين قررتا، أقله في الوقت الحاضر، استبعاد دولتين عربيتين اخريين، تعانيان من المشكلة نفسها، وربما بصورة اكثر حدة، السودان والصومال. وتتمثل المبادرة لمساعدة الدول الاكثر فقراً، كما أقرها صندوق النقد والبنك الدوليان العام الماضي، بقيام الجهات الدائنة، في اطار نادي باريس، باعفاء الدول الاكثر فقراً من جزء كبير من الديون المترتبة عليها. لكن المبادرة تشترط في المقابل التزام الدول المستفيدة برنامجاً اختيارياً في خلال فترة زمنية، وعلى مرحلتين: الاولى تسبق الافادة من اسقاط الديون، لكنها تمهد لها، وتصل مدتها الى 3 سنوات، تقوم الجهات الدولية في اثنائها بالتأكد مما اذا كانت الدولة المرشحة للافادة من المبادرة قد حققت فعلاً الاهداف المطلوبة منها . اما في المرحلة الثانية، ومدتها 3 سنوات، فيتوجب على الدولة المرشحة للافادة استكمال تطبيق البرنامج المقرر، وصولاً الى نقطة انجازه. ويقول مسؤولو صندوق النقد انه تم اختيار الدول ال 41 على أساس اعتبارين: الاول، حجم الديون المترتبة على هذه الدولة، ثم قدرتها على السداد بالمقارنة مع امكاناتها الاقتصادية والمالية. ويبدو ان استبعاد السودان والصومال لم يتم لاعتبارات اقتصادية، ومالية، بل لأسباب سياسية واعتبارات تتصل بعلاقات هاتين الدولتين مع صندوق النقد والبنك الدوليين، الى جانب علاقتهما بالقوى والجهات المؤثرة في قرارات المنظمتين الدوليتين، وهي علاقة لا تشجع على الكثير من التفاؤل بالنسبة الى البلدين. وفي الواقع يعتبر السودان، كما الصومال، من اكثر الدول عجزاً عن سداد الديون الخارجية المتوجبة عليها، وقد أدى هذا العجز الى خسارة المساعدات والقروض الميسرة التي كان من الممكن لهما الحصول عليها، اسوة بالدول الاخرى التي تعاني من اوضاع مماثلة. ومع ذلك فإن استبعاد السودان والصومال لا يعني انه سيكون بوسع اليمن وموريتانيا الافادة الفورية من المبادرة، نظراً الى فترة الاختبار التي سيتوجب عليهما اجتيازها، وحسب مسؤولي صندوق النقد، يتوجب على موريتانيا التي يصل اجمالي ديونها الخارجية الى 5،2 مليار دولار، الانتظار حتى أوائل العام المقبل لطلب الافادة من البرنامج، في حين سيكون على اليمن الانتظار حتى العام 1999 لتقديم طلب الانضمام الى المبادرة، ومن ثم الانتظار فترة السنوات الست. وتبلغ قيمة الديون الخارجية المتوجبة على اليمن حوالي 5،8 - 9 مليارات دولار، من بينها حوالي 6 مليارات دولار لروسيا الاتحادية عن الديون التي ورثتها عن الاتحاد السوفياتي السابق. وعلى رغم التعاطف الذي يحظى به اليمن من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين، ومن قبل الدول صاحبة القرار في هاتين المؤسستين، فإن ثمة شكوكاً في ان تستطيع صنعاء الافادة من المبادرة، لسببين على الاقل: ان نسبة الديون الى الصادرات ستصل الى حوالي 90 - 29 في المئة في غضون السنوات الثلاث الاولى من برنامج التسهيلات الخاصة بتعديل البنى الاقتصادية، في حين سيتراجع العجز في الموازنة العامة الى أقل من 3 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، علماً ان نسبة 200 في المئة من الديون في مقابل الصادرات اعتبرت الحد الادنى المطلوب. ويقول خبراء في الصندوق ان هذه النسب ستقلل من فرص حصول اليمن على التسهيلات التي توفرها مبادرة اسقاط الديون على الدول الاكثر فقراً، على اعتبار انه يكون قد تجاوز المواصفات التي حددها الصندوق والبنك الدوليان للدول العاجزة عن سداد التزاماتها الخارجية. اما السبب الثاني فيتصل بالمفاوضات الدائرة بين روسيا ونادي باريس للانضمام اليه، واذا ما توصل الطرفان الى تفاهم، فإن موسكو ستكون ملتزمة حينها اسقاط 80 في المئة من الديون المتوجبة على صنعاء. وفي المقابل، فإن موريتانيا التي يصل اجمالي ديونها الخارجية الى 5،2 مليار دولار، اكثر من ثلثها تقريباً للمؤسسات الدولية والاقليمية، تبدو اكثر تأهلاً للافادة من المبادرة الجديدة، اذ تصل نسبة الديون الى الصادرات الى 242 في المئة، وهي نسبة تفوق كثيراً ما تم اعتماده بالنسبة الى دول أخرى افادت من المبادرة، مثل اوغندا وساحل العاج، فيما تصل نسبة خدمة الديون الى الايرادات الحكومية الى 340 في المئة. وحسب التقديرات الاولية التي وضعها مسؤولو الصندوق الدولي، سيكون متاحاً امام موريتانيا ان تحظى بالموافقة على الافادة من المبادرة الدولية، بدءاً من العام 2004، اذا ما تم قبول طلبها اعتباراً من مطلع العام المقبل، ثم نجحت في فترة الاختبار التي تستمر 6 سنوات. هل تساعد المبادرة الدول الاكثر فقراً على حل جذري لمشكلة ديونها الخارجية؟ مسؤولو المؤسستين الدوليتين يعتبرون انها بداية جديدة للمساعدة على تسوية احدى أكبر الازمات التي تواجهها الدول الفقيرة، الاّ أنهم يربطون بين نجاحها الكامل، وبين اقبال الدول الصناعية الكبرى على المساهمة فيها، عن طريق اسقاط الجزء الاهم من ديونها هي الاخرى، كما تقول مؤسسة "اوكسغام" الاميركية، الى جانب الابتعاد ما امكن عن الاعتبارات السياسية التي تضغط لمصلحة هذه الدولة او تلك، من دون النظر في مدى احتياجاتها الفعلية .