انضمت 4 دول عربية هي السودان واليمن والصومال وموريتانيا الى لائحة الدول الفقيرة الاكثر مديونية في العالم، وهي لائحة يضعها البنك الدولي، سنوياً استناداً الى مؤشرات مختلفة من بينها نسبة الديون الخارجية الى الناتج المحلي الاجمالي وقيمة الصادرات ومستوى الدخل الفردي ومعدلات النمو الاقتصادي. وجاء انضمام الدول العربية الاربع الى هذه اللائحة نتيجة تدني ناتجها الاجمالي، وتراجع قيمة الصادرات، وتحول النمو فيها الى مستويات سلبية بفعل توقف الاستثمارات وانهيار اسعار المواد الاولية، وانخفاض معدلات الدخل الفردي، في مقابل ارتفاع خدمة الديون وتراكم المستحقات نتيجة العجز عن سدادها. ومع ذلك فإن انضمام الدول الاربع الى اللائحة، لا يعني ان دولاً عربية اخرى نجحت في تجاوز مشكلة مديونيتها الخارجية، على رغم التحسن الذي حققته في السنوات الاخيرة. وفي الواقع، وحسب التقديرات التي أعدها البنك الدولي اخيراً، بلغت قيمة الديون المترتبة على الدول العربية حتى نهاية العام 1994، ما يصل الى 155 مليار دولار، وهو رقم يمثل 7.5 في المئة من اجمالي الديون الخارجية في العالم، والتي ارتفعت في العام الماضي الى 1945 مليار دولار، بكلفة سنوية تبلغ 226.5 مليار دولار. وتتوزع الديون المستحقة على الدول العربية بصورة رئيسية وبنسبة 85 في المئة، على 5 دول، هي مصر والجزائر والسودان وسورية، مع الاشارة الى عدم احتساب الديون المتوجبة على العراق بسبب عدم توافر ما يكفي من المعلومات عنها، وتقدر بصورة تقريبية بحوالي 90 مليار دولار. واللافت ان غالبية الدول العربية المدينة لا تزال تعاني من ارتفاع كلفة خدمة الديون المترتبة عليها، بالمقارنة مع حجم الناتج المحلي الاجمالي، ومع قيمة الصادرات، اذ يصل معدل هذه الكلفة الى 143 في المئة في الاردن، والى 105 في المئة في مصر، و82 في المئة في المغرب، من اجمالي الناتج المحلي، في حين يرتفع هذا المعدل الى أرقام قياسية تصل الى 273 في المئة في السودان، بالمقارنة مع 10 في المئة من الصادرات، وهو المتوسط العالمي وفقاً لتقديرات الاممالمتحدة، يشار هنا الى أن دول الخليج وهي من الدول الدائنة، عمدت في السنوات الاربع الاخيرة، الى إسقاط حوالي 12 مليار دولار، معظمها على دول عربية، مثل مصر وسورية والمغرب، ما ساهم بصورة مباشرة في خفض فاتورة الالتزامات المتوجبة علىها. ويشير التقرير الاخير للبنك الدولي، وهو تحت عنوان "جداول ديون العالم" الى أنه على رغم التراجع الذي حققته المديونية العربية العام الماضي، إلاّ أن الدول الاكثر معاناة من المشكلة لم تستطع حتى الآن التوصل الى الآلية التي تكفل تقليص الاعباء بصورة كافية، معتبراً أن برامج التخصيص التي لجأ اليها بعض الدول، لم تحقق سوى نتائج محدودة، اذ لم تتجاوز حصيلتها النهائية 725 مليون دولار في العام 1993، بينما ظلت دون مستوى المليار دولار في العام الماضي. هل تعود ازمة الديون لترخي ظلالها على الاوضاع الاقتصادية للدول العربية في السنوات القليلة المقبلة؟ البنك الدولي يقلل من خطورة الازمة، إلاّ أنه يلاحظ مجموعة مؤشرات تدعو الى التفاؤل، في طليعتها ان الدول العربية التي تعاني من ازمة مديونية كبيرة، باشرت، أو أنها على الطريق لاصلاح اوضاعها الاقتصادية بصورة جذرية، بواسطة اطلاق قوى السوق، وفتح الباب امام زيادة مساهمة القطاع الخاص في خطط التنمية، الى جانب تحرير أسواقها المالية والتخلي عن مفهوم سيادة القطاع العام. وفي هذا الاطار يمتدح البنك الدولي الانجازات التي حققتها دول مثل المغرب والاردنتونس ومصر، على صعيد تقليص العجز في موازناتها وتحرير سوق القطع، واطلاق النشاط الاقتصادي بالحد الادنى من القيود، كما يشير الى أن دولاً عربية اخرى بدأت تسلك الاتجاه نفسه في اشارة غير مباشرة الى الجزائر وسورية اللتين باشرتا تطبيق اصلاحات اقتصادية واسعة، ولو أنها تحتاج الى الكثير من الوقت. المؤشر الثاني الذي يشير اليه التقرير الدولي يتصل بالزيادة التي حققتها حركة الاستثمارات الخاصة في المنطقة، والتي قدرت بحوالي 5 مليارات دولار العام الماضي، بعدما عمدت غالبية الدول العربية الى إطلاق حوافز واسعة لجذب الرساميل من الخارج، اضافة الى إعطائها أفضليات جمركية وضريبية لتشجيعها على التوسع. وطبقاً لمايك برونو نائب رئيس البنك الدولي، فإن الحوافز التي تقدمها الدول النامية ستشكل حافزاً اضافياً لدفع الاستثمارات من الدول الصناعية المتقدمة الى التركيز على أسواق جديدة يتوافر فيها الاستقرار السياسي والامني والعمالة الفنية الى الاطار القانوني الملائم. في منتصف الثمانينات ارتفعت الفوائد، لكن اسعار المواد الاولية هبطت، وهو ما اصاب اقتصادات معظم الدول النامية، ومن بينها عدد كبير من الدول العربية التي تعتمد في جزء مهم من صادراتها على المواد الاولية، لكن بعد 10 سنوات على الهزة الاقتصادية اصبحت اسعار السلع اكثر استقراراً، فيما أظهرت المواد الاولية تماسكاً مذهلاً، واستمرت الفوائد عند مستويات مقبولة، بينما تحسنت الادارة الاقتصادية في غالبية دول الشرق الاوسط. فهل دخلت قضية الديون مرحلة بداية النهاية؟