في وقت تتراجع عملية بناء الاتحاد المغاربي، تحاول تونس تمتين علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع كل دولة من دول الاتحاد. وقد ظهرت بوادر ذلك بين تونس وليبيا، نظراً الى المعطيات الآتية: - تكامل بين البلدين في مجالات تبادل السلع والخدمات، خصوصاً انهما لا يتنافسان في هذا المجال. وبدلاً من أن تستورد تونس الحديد من اوكرانيا أخذت تستورده من ليبيا التي تملك طاقة انتاجية كبيرة وغير مستغلة بكاملها. - وجود إرادة سياسية لدى البلدين لتطوير تعاونهما. - اضافة الى رفع المبادلات من حدود متدنية بين البلدين الى معدل 300 مليون دولار في السنة من الجهتين يجري العمل على مضاعفتها فإنه تم تحديد عدد من مجالات التعاون الأخرى مثل ربط شبكات الكهرباء والاستعمال المشترك للطاقة الانتاجية في الجهتين من الحدود ما يمكن من تحسين استعمال هذه الطاقة وضغط كلفة الانتاج وأيضاً البدء بتنفيذ مشروع مد خط التكاليف للسكة الحديد بين مدينة قابس في الجنوب التونسيوطرابلس، على أساس تقاسم التكاليف المالية على رغم أن المسافة داخل تونس أطول بكثير من المسافة داخل الأراضي الليبية. غير أن المشروع الرئيسي في هذا التعاون بعد تطوير المبادلات التجارية الذي حرك النشاط الاقتصادي يتمثل في الاستغلال المشترك لحقل 7 نوفمبر البترولي الذي لا يزال في طور الاستكشاف، الا أنه حقل واعد. وبعدما تولت مؤسسة مشتركة تونسية - ليبية التنقيب وأنفقت ما لا يقل عن 14 مليون دولار تم الاتفاق على اجراء مناقصة دولية فازت بها مؤسسة سعودية - ماليزية ستقوم بعمليات التنقيب البحرية بتكنولوجيا متقدمة في منطقة تؤكد كل المؤشرات أنها تبشر باحتمالات العثور على البترول. كما سيتم اطلاق مناقصة دولية أخرى لتكليف المؤسسة نفسها أو غيرها القيام بعمليات الحفر والتنقيب على امتداد هذا الحقل البحري على الأرض. وكانت الشركة التونسية الليبية التي باشرت بعمليات التنقيب الأولى وهي "شركة الاستكشاف والاستغلال المشترك والخدمات النفطية التونسية الليبية" وقعت اتفاقاً بين مجموعة شركات تتكون من شركة "نمر" السعودية وشركة "بتروناس" الماليزية للمباشرة بمسح زلزالي وحفر آبار استكشافية في منطقة على الحدود المشتركة للجرف القاري التونسي - الليبي نصفها في تونس والنصف الآخر في ليبيا سميت "قطعة السابع من نوفمبر" وتقع على مساحة 3 آلاف كيلومتر على بعد 120 كيلومتراً شرق مدينة صفاقسالتونسية و150 كيلومتراً شمال طرابلس. وستقوم الشركة السعودية - الماليزية بانفاق 40 مليون دولار خلال فترة 5 سنوات تنقيباً عن النفط. وإذا تم اكتشاف ايجابي وهو أمر مأمول جداً نظراً الى طبيعة المنطقة فإنه سيتم استثمار 800 مليون دولار لجعل هذا الحقل منتجاً في حدود 150 ألف برميل يومياً حوالي 10 ملايين طن في السنة. وسيتم البدء في المسح الزلزالي في شهر تشرين الثاني نوفمبر المقبل لتحديد موقع الآبار الاستكشافية في انتظار منح امتياز التنقيب عن النفط في الجهة المقابلة على البر سواء للشركة السعودية الماليزية أو غيرها للتنقيب عن اليابسة في منطقة يعتقد أنها تزخر بثروة نفطية مهمة، في وقت يتضاءل انتاج البترول التونسي ويتزايد استهلاكه مع مشتقاته. وأبرزت الأرقام للأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي أن انتاج النفط في تونس تقلص بنسبة 4.4 في المئة قياساً الى الفترة نفسها من العام الماضي، لكن في الوقت نفسه ارتفع انتاج الغاز بصورة ملموسة بعدما دخل حقل "ميسقار" في عرض البحر قبالة صفاقس الذي طورته وتستغله شركة "بريتيش غاز" البريطانية - مرحلة الانتاج، مما أدى الى تراجع استيراد تونس الغاز الجزائري بنسبة كبيرة. ويبدو أن هناك حرصاً شديداً من قبل الطرفين التونسي والليبي على إنجاح هذا التعاون المتقدم مغاربياً وعربياً، فقد عقدت اجتماعات مكثفة في تونس أخيراً بين رئيسي الحكومتين في البلدين انتهت الى تأكيد اتفاقات سابقة وتوفير الفرصة لتسريع نسق تنفيذها ودفع التعاون الى أقصى مداه بين البلدين .