إنطفأ سعد الله ونّوس في مستشفى الشامي في دمشق ليل الأربعاء - الخميس الماضي، تاركاً الحداد يلفّ الحياة الثقافية التي زرعها منارات مضيئة بالأمل، حتّى في أحلك لحظات وجوده. رحل صاحب "حفلة سمر..." بعد صراع شجاع مع المرض امتدّ قرابة خمس سنوات، مخلّفاً بصماته الذهبيّة على سجلّ الحركة المسرحيّة العربيّة التي كتب بعض أهمّ صفحاتها منذ أواسط الستينات. وونّوس الذي خاض معاركه الجماليّة باسم الخصوصيّة، وبحث عن أشكال احتفاليّة تتلاءم مع الموروث العربي، لم ينقطع يوماً عن زمنه وعصره، بل تطوّرت مشاغله النظريّة ونضجت بشكل يستحقّ الدراسة المتمهّلة. كما بقي الكاتب السوري منسجماً مع الصرخة التي أطلقها بعد النكسة باسم جيل كامل. وكان تكليفه بكتابة كلمة اليوم العالمي للمسرح قبل عام ونيّف، تتويجاً لمسيرة خصبة ولفتة اعتراف بالمسرح العربي بأسره. لمسنا يومها كيف يتقاطع صراع الرجل من أجل الحياة مع صراع الفنّان الملتزم بقضايا مجتمعه. وسمعنا ذلك الصوت العربي، في لحظة قاتمة من تاريخنا، يذكّر العالم أجمع أننا، نحن البشر، "محكومون بالأمل. وما يحدث لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ". هذه المكابرة، هذا الاحتيال على اليأس، والاصرار على التفاؤل، نجدهما في مؤلّفاته الأخيرة التي انهالت في سنوات المرض بغزارة مدهشة، بعد مرحلة صمت وانقطاع عن الكتابة خلال عقد الثمانينات. في آخر مسرحيّاته المنشورة "الأيام المخمورة" نقرأ: "وحين تعلّم الانسان كيف يحوّل مصائبه إلى حكايات، تتقاسمها الآذان والرياح والأزمان، كان يكتشف بلسماً سحريّاً للجروح والآلام". عندما رشّحه "مجمع اللغة العربية" لنيل جائزة نوبل للآداب قبل أيّام، كان ونّوس الذي عاشر موته طويلاً كصديق لدود، وكتب أحد أجمل النصوص العربيّة عن الموت، كان يعد العدّة لرحلته الأخيرة. في الأهداء الذي يتصدّر أعماله الكاملة الصادرة قبل فترة قصيرة عن "دار الأهالي" الدمشقيّة، يعترف الكاتب لابنته ديما ولجيلها والاجيال اللاحقة أن "لا المغفرة مهمة ولا الادانة، لكن ما يعمق الأسى في الروح هو أننا ندفعكم قبل الأوان كي تبدأوا العمل فى تاريخ وأرض لا يقدمان إلا الاحباط والمصاعب". ها هو ونّوس يرحل، ويترك لنا حمل سيزيف، وقرناً مقبلاً بلا كبار، ولا يقين. شهوة حارقة تودّ اصلاح العالم، وحزن عميق على عالم يرفض الاصلاح ويستمر كما كان. عنوانان كبيران يلازمان مسرح سعدالله ونوس. في مسرحيته "مأساة بائع الدبس الفقير" ينتهي الفقير الذي عبثت به الايام إلى "لطخ سائل مصفرّ يبقع الاسفلت"، وفي احدى مسرحياته الأخيرة "يوم من زماننا" يُنهي الانسان المخذول حياته صارخاً: "ما أشد وحشة هذا العالم". وبين المسرحيتين ربع قرن من الزمان وما يزيد، كأن العالم عصي على التغيير، وكأن ونوس لا يغيّر من افكاره النبيلة شيئاً. وسعدالله ونوس مبدع مسرحي بامتياز. غير أن هذا التعريف لا ينصفه تماماً. فما قدّمه يحتضن المسرح ويمسّ الثقافة في وجوهها الأساسية. فقد كان كاتب النص المسرحي الذي يثير الفضول، والناقد المسرحي المكتمل الأدوات، والمثقف النقدي المشغول بالتاريخ والسياسة ومحاورة الأفكار المعاصرة. وفي شمولية قوامها العمق والرصانة، يبدو ونوس قائماً في زمانه وفي كل زمان يحتفل بالابداع وبمسؤولية الكلمات، كأنه، على الرغم من كل شحوب الوجه وهشاشة البنية، يحلم بعالم سويّ متحرر من الوهن ومتخلص من الأمراض جميعها، ويقاتل من أجله. ليس من السهل النفاذ إلى عالم ونوس المسرحي، من دون التعرّف إلى معنى الكتابة والثقافة لديه. فالكتابة رسالة تحمل إلى القارئ قولاً مفيداً، والمثقف هو ذاك الذي يتأمل أحوال البشر التعيسة قبل ان يفتش عن الاشكال الفنية وجماليات اللغة، وهو ذاك الذي يزيح الغبار عن الحقائق المطموسة. وفي هاتين الصفتين يكون المثقف ما يجب أن يكونه واضحاً في القول، وأخلاقياً في الفعل والغاية. ولعل عبء الرسالة وثقلها يدفعان بونّوس إلى حرارة العمل، وإلى أسى شفيف لا يفارقه لحظة واحدة. حلم سعدالله ونّوس بمسرح متحرر من القيود يزحزح العلاقات الظالمة من مواقعها. فالنص واهي الاهمية في ذاته، ولا يحقق رسالته إلا بواسطة المتفرج الذي يتسلم الرسالة ويحوّل الكلمات المكتوبة إلى وقائع حية ونابضة. وغاية الكاتب، للوهلة الاولى، بسيطة ولا تعقيد فيها، وسائلها النص والمتفرج وجوقة الفنانين الضرورية وقليل من الاعلان. غير أن البساطة الظاهرية سرعان ما تكشف عن علاقات معقّدة، إذا تأمّلنا المشروع المسرحي عند ونوس والشروط التي يحتاجها. فالهدف المنشود بعيد عن تسلية بسيطة وعن قهقهة قوامها لعبة الكلمات. لأنّه مسرح الفعل أو المسرح - الفعل الذي يتطلع إلى تحويل وعي البشر كي يقوموا بتحويل واقعهم. إن لم يكن مسرح اليقظة والايقاظ الذي لا يفصل بين الامتاع الفني والمشاغل السياسية. ومسرح كهذا لا يجد كفايته في صالة وثيرة المقاعد وفي فنان موهوب وشباك تذاكر. فهو يحتاج إلى العمل الجماعي الطليق، وإلى متفرج صان ذائقته الجمالية من أثر العروض المبتذلة. إنّه مسرح سياسي، مشروع فكري - اجتماعي يرى في المسرح احدى الادوات الاساسية لزحزحة واقع، توهن قيوده النص والمتفرج والمجتمع بأسره. أليس المسرح "الفن الذي ينمو ويتفتّح في فترات الحيوية السياسية"؟ بحثاً عن المتفرّج المحتمل دعا ونوس إلى مسرح سياسي، وفتّش عن السياسة في مواطنها الحقيقية. إنّها تتجلى في صمت المواطن الرهيب وفي تماسك المجتمع، أو في تداعي البشر وأسباب الهزائم المتواترة. والسياسة، كما فهمها المبدع الراحل، تقوم على مستويين: العلاقة بين "المتفرج" والسلطة المسيطرة التي تحدد طبائعه، فهذا الانسان الذي يُقبل على المسرح الجاد أو يهرب منه، مرآة لأشكال التربية الفنية والأخلاقية والثقافية التي تلقاها في حياته اليومية. والبحث عن "المتفرج الآخر" الذي يتبنّى رسالة العرض المسرحي، ويترجمها إلى وقائع عملية. هكذا يبدأ معنى السياسة وينتهي في مسرح ونوس بموضوع المتفرج، وبإمكان نقله من وضعيّة السلب والغَفْلة إلى وضعيّة الفعل واليقظة. فهناك "المتفرج الموجود" الذي قولبته القيم السائدة، و"المتفرج المحتمل" الذي يفتش عن نصّ آخر، ويرى فيه نصيراً وحليفاً. فكأن السياسة، في معناها العميق، تحويل للطبائع والعلاقات: تحوّل الانسان إلى آلة صماء، أو تحوله إلى ابداع متواتر. عبّر ونوس في سن مبكرة، عن تصوره للعمل المسرحي في ارتباطه العضوي بالهمّ السياسي. كان ذلك في مسرحية "حفلة سفر من اجل 5 حزيران" 1968. وظهر ذلك العنوان الفرعي الذي تحمله المسرحية وهو: "يشرك فيها الجمهور والتاريخ والرسميين، وإضافة إليهم ممثلين محترفين". وإذا كان العنوان الاول يشير إلى السياق الذي كتبت فيه المسرحية، هزيمة حزيران يونيو الشهيرة، فإن العنوان الفرعي يشير إلى الواقع الفعلي، الذي يمدّ العمل المسرحي بالوقائع والاحداث، كما لو كان النص امتداداً للحياة المعيشة، أو كما لو كانت الحياة هي النص المسرحي، بشكل اكثر اتساعاً وتعقيداً. "حفلة سمر...": معايير فنية جديدة تتضمن "حفلة سمر..." رجل السلطة الرسمي، ومتفرجها المرغوب، وفنانها الذي يحجب الواقع ويطرده، مثلما تتضمن أحلاماً سياسية بديلة، وفناناً همشته الهزيمة، ومتفرجاً معوّقاً لا يتلمّس اليقظة الا ليعود إلى الصمت القديم. تبني المسرحية قولها السياسي على مفهوم "السببية الاجتماعية" في معناه المزدوج، حيث قمع السلطة سبب لتلعثم واستبداد "الفنان السلطوي" وحجب الواقع وتوسيع الهزيمة، وحيث اللقاء بين الفن الحقيقي والمتفرج المحزون يظل مؤجلاً، لأن السلطة تحتل المكان. إن المسرح لدى ونّوس لا يكون إلا سياسياً. مارس كاتبنا المسرح في واقع عربي أملى عليه نظريّة "مسرح التسييس": "إننا نطرح المشكلة السياسية من خلال قوانينها العميقة وعلاقاتها المترابطة والمتشابكة داخل بنية المجتمع الاقتصادية والسياسية، يقول ونّوس. وإننا نحاول في الوقت نفسه استشفاف أفق تقدمي لحل هذه المشاكل". والقول المسرحي يتوجّه هنا إلى "الطبقات الشعبية" ليكشف لها عن وعيها الزائف ويأخذ بيدها نحو وعي جديد. ولا بدّ من التوقّف عند "الجانب الجمالي في مسرح التسييس"، أي بالأدوات الفنية التي تنقل السؤال السياسي إلى "الطبقات الشعبية"، كما لو كانت هذه الادوات تحمل رسالة سياسية وفنية في آن. شغف بالتاريخ لا شفاء منه وإذا كان جبرا ابراهيم جبرا، في سيرته الذاتية "البئر الاولى"، يبحث عن الرجل "في الطفل الذي كانه"، كما لو أن الطفل أب للرجل الذي سيكونه، فإن سعدالله ونوس يبحث عن معنى السلطة في رموزها ومؤسساتها وطقوسها. ويذهب في بحثه إلى التاريخ الذي فرض الرمز والمؤسسة، كما لو كان هذا التاريخ متحفاً يتسع لهيئات السلطات الغابرة والحاضرة معاً. لكنّّه، في ذهابه إلى التاريخ البعيد، لا يفتش عن "حكاية" ولا ينقّب عن قناع، إنما ينشد تأمل العناصر التي كوّنت السلطة القائمة في الحاضر، بقدر ما يهدف إلى مقارنة هذه السلطة بسلطات مماثلة لها في الماضي. والرجوع إلى أعمال ونّوس يعطي صورة عن شغف بالتاريخ لا شفاء منه. فشيء من هذا التاريخ موجود في أعمال الشباب، كما هو الحال في مسرحية "الفيل يا ملك الزمان" 1969 حيث رخاوة الشعب تزيد من يباس السلطة، و"رأس المملوك جابر" 1970 التي تدلّل على "تسييس السلطة وهشاشة "الوعي الشعبي" الذي يفضي بحامله إلى الهلاك. غير أن مسرحية "الملك هو الملك"، التي كُتبت سنة 1977، تشكّل تحولاً نوعياً في تعامل ونوس مع المواد التاريخية. ففي المسرحيتين السابقتين، اكتفى سعدالله باعادة بناء الحكاية من وجهة نظر الوظيفة المسرحية القائمة على الاقلاق والتحريض. أما في المسرحية الاخيرة فإن ونوس يكثّف التاريخ ويثبّته في لحظة معينة، كي يقرأ فيه الصفات النموذجية للسلطة التقليدية في الأزمنة كلها. فهو لا ينطلق من الحاضر ولا يعود إلى الماضي، بقدر ما يحاول النفاذ إلى زمن السلطة في شكلها النموذجي، هذا الزمن الذي تشتق منه أزمنة السلطات المحتملة كلها. تحولات المثقف المخذول بعد "الملك هو الملك"، دخل سعدالله ونوس حالة شبيهة بالصمت. غير أن هذا الصمت الزائف هو صمت المثقف المسؤول: "فالزمان حالك ولا شيء يسعف الروح". مثلما انه صمت المثقف الوطني الذي ادرك، ومن خلال التجربة وتأمل الواقع، ان عليه ان يجدد اسئلته وأن يعاين طويلاً الاجابات القديمة. وبعد هذا "الصمت الفاعل"، رجع ونوس إلى رحاب التاريخ مرة أخرى، طارحاً عليه بعض أسئلة الحاضر، ومستمداً منه بعض الاجابات. كان ذلك في "منمنمات تاريخية" 1994 التي حملت في ثناياها تحولات المثقف المخذول، وتحولات الواقع العربي العاصفة. إنتقل الكاتب هنا، ربما، من تحريض الفكر إلى "تحريض الروح"، كأن شيئاً انكسر وتهاوى. فالأشياء صغيرة والواقع مزيج من التعب والرثاء، ونهر الحياة يتابع الجريان موهناً، وقد "تكاثرت الضفادع فيه كثرة فاحشة". تبدأ "المنمنمات" بعنوان "الهزيمة الكبيرة"، تحدث عن مدينة لم تحسن الدفاع عن نفسها فأغرقها الخراب. يتحول التاريخ من جديد، وكما كان الحال في "الملك هو الملك"، إلى مجال للتأمل العميق، كأنما الكاتب يبحث عن المعرفة الخالصة بعد أن خذله التحريض. فبعد تأمل أحوال السلطة النموذجية، ها هو يجتاز صحراء الغربة ويقف أمام الهزيمة النموذجية التي أُخبر عنها في زمن سبق، والتي بإمكانه أن يشير إليها في زمن مقبل. ثمّ تابع سعدالله تأمّله في "طقوس الاشارات والتحولات" 1994 فأعطى نصاً مسرحياً بالغ العمق والجمال والرهافة. ما الذي يجعله يذهب إلى صفحات التاريخ؟ يجيب ونّوس بلا ارتباك: "إن الاديب يستدرك تخاذل المؤرخ، ويساعدنا على تلمّس وعي تاريخي، هو وحده الكفيل بإنتشالنا من الاشكاليات الزائفة التي تسدّ الطريق إلى المستقبل". وما الحديث عن سلطة نموذجية في "الملك هو الملك" وعن هزيمة نموذجية في "المنمنمات"، إلا حديث عن الحاضر وصفاته واحتمالاته المتعددة. فالتاريخ لا يطلب لذاته بل لدوره في تفسير الحاضر وانارته، وهذا ما يفصل بين مفهومي التاريخ والتراث. وبإمكان القارئ العجول ان يقسم مسرح سعدالله ونوس إلى قسمين: الأول يذهب إلى الماضي، ويمتدّ من "الفيل يا ملك الزمان" إلى "منمنمات تاريخية"، والثاني يتعامل مع الحاضر ويكتفي به، ويضمّ أعمالاً ك "فصد الدم"، "مأساة بائع الدبس الفقير"، "رحلة حنظلة"، "الاغتصاب"، "يوم من زماننا"، "أحلام شقية". غير ان هذه القسمة لا معنى لها، لأن سعدالله يجعل الماضي راهناً، ولانه يستخلص من الماضي والحاضر معاً القضايا الانسانية الاساسية. واذا كان نقد الراهن أعطى "المسرح السياسي" عند ونوس، فان القضايا الكبرى التي عالجها جعلت منه مسرحاً انسانياً بامتياز. كأن سعدالله يعيد كتابة "القضية الكبيرة" بأشكال مختلفة، مؤكداً ان زمن المسرحية الخارجي لا أهمية له. فمسرحية "مغامرة رأس المملوك جابر" المستوحاة من "حكاية قديمة" هي كتابة اخرى، بمعنى ما، لمسرحية "بائع الدبس الفقير" التي تنتمي إلى الحاضر. إنّهما ترصدان نهاية الانسان المستلب، فبائع الدبس تدوسه الاقدام اللاهية والمملوك جابر يعطي رأسه إلى السيّاف الهائج. وربما تشكّل مسرحية "رحلة حنظلة" 1978 المأخوذة عن نص لبيتر فايس كتابة أخرى للمسرحيتين السابقتين، حيث النهاية تختلف باختلاف وعي الانسان الذي عاش الغفلة طويلاً قبل أن يرتقي إلى مرحلة اليقظة. ولا يختلف الامر كثيراً في مسرحية "الاغتصاب" 1990، التي استفاد المؤلف فيها من عمل الكاتب الاسباني بويرو باييخو "القصة المزدوجة للدكتور بالمي". ومع أن المسرحية تدور حول الصراع العربي - الاسرائيلي، استطاع المؤلف ان يدرجها في منظوره الفكري العام، الذي يحكم أعماله كلها بعيداً عن الصراع والخطابة. فبعد أن كشف عن مؤسسة اسرائيلية مسيطرة، حدودها القمع والاكراه، عاد ورفع القضية إلى مقام التجريد النزيه، مؤكداً أن الاكراه لا يرتبط بسلطة من دون أخرى، وان التنديد بالعسف يكون كلياً او لا يكون. إختار ونّوس لمسرحيته "ملحمة السراب"، نهاية فاجعة. إذ يرحل صاحب البصيرة تاركاً خلفه مجموعة بشرية تنحدر إلى الهاوية من دون أن تدري، أو تمشي نحو الكارثة بقرار مكتمل. والمبدع السوري عادل في تشاؤمه، فاحلام الشباب انطفأت مسرعة، مخلفة الرماد وتعب الروح. فلا المبدع عثر على متفرجه الذي يترحم الفكرة، ولا الفكرة التقت بالمجموع الفني الذي تبحث عنه، ولا البحث الفردي والجماعي التقيا بالدروب الصحيحة. كأن على الكاتب الذي استنهض النيام يوماً أن يطوي أحلامه، وأن ينتقل من تعاليم اليقظة إلى أقاليم الرثاء. وعلى الرغم من التعب المتكاثر فإن سعدالله ونوس كتب بلا انقطاع، وردّد دائماً: "في الكتابة نقاوم الموت وندافع عن الحياة". فالكتابة والحياة يستمران حتى خفقة الروح الاخيرة سيرة - ولد سعد الله ونّوس سنة 1941 في قرية حصين البحر، محافظة طرطوس، في سورية. حصل على الشهادة الابتدائية في مدرسة القرية، ثم تابع الدراسة في ثانويّة طرطوس حتّى البكالوريا. كان أوّل كتاب اقتناه وهو في الثانية عشرة من عمره، "دمعة وابتسامة" لجبران. ثم نمت مجموعته وتنوّعت: طه حسين، ميخائيل نعيمة، نجيب محفوظ، يوسف السباعي، احسان عبدالقدوس، إلخ" من كتابه "بيانات لمسرح عربي جديد". - 1959: حصل على الثانويّة العامة، وسافر إلى القاهرة في بعثة دراسية، للحصول على ليسانس صحافة من كليّة الآداب، جامعة القاهرة. - 1961: تحت تأثير انفصال الوحدة بين سوريا ومصر، كتب مسرحيّته الطويلة الأولى "الحياة أبداً" التي لم تنشر حتّى الآن. - 1963: الحصول على الليسانس. دراسة نقديّة عن رواية مورافيا "السأم" "الآداب". مسرحيّة "ميدوزا تحدّق في الحياة" "الآداب". العودة إلى دمشق حيث عمل موظّفاً في وزارة الثقافة. - 1964: "فصد الدم" "الآداب"، "جثّة على الرصيف" "الموقف العربي"، "مأساة بائع الدبس الفقير" "الآداب". مقالات ودراسات نقديّة متفرّقة، أبرزها واحدة بعنوان "توفيق الحكيم ومسرح اللامعقول". 1965: مسؤول عن قسم النقد في مجلّة "المعرفة". "الجراد"، "لعبة الدبابيس"، "الرسول المجهول في مأتم أنتيغونا". صدور أوّل مجموعة مسرحيات قصيرة عن وزارة الثقافة بعنوان "حكايا جوقة التماثيل" - 1966: السفر إلى باريس في اجازة دراسيّة. - 1968: "حفلة سمر من أجل 5 حزيران". العودة إلى دمشق. - 1969: "الفيل يا ملك الزمان". شارك في اطلاق مهرجان دمشق المسرحي الأوّل، حيث قدّم علاء الدين كوكش "الفيل..."، ورفيق الصبّان "مأساة بائع الدبس الفقير". - 1970: حوار مع الناقد البارز برنار دورت، وحوار آخر مع المخرج جان - ماري سيرو "المعرفة". "بيانات لمسرح عربي جديد" "المعرفة". "مغامرة رأس المملوك جابر" "العرفة". - 1971: تجربة سينمائية مع عمر أميرالاي: "الحياة اليوميّة في قرية سورية". العرض الأوّل ل "حفلة سمر..." في دمشق. - 1973/1976: اقامة في فرنسا. ترجمة كتاب فيلار "حول التقاليد المسرحيّة". إعداد توراندوت عن مسرحيّة بريخت. ادارة المسرح التجريبي في "مسرح القبّاني". - 1977: "الملك هو الملك". "لماذا وقفت الرجعيّة ضدّ أبي خليل القبّاني". "يوميّات مجنون" لغوغول من اخراج الراحل فوّاز الساجر. - 1978: "رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة" اعادة تأليف انطلاقاً من مسرحيّة بيتر فايس "موكنبوت"، قدّمها فواز الساجر. العمل على اصدار "الحياة المسرحيّة". - 1982: ادارة القسم الثقافي ل "السفير البيروتية"، بعد تجربة أولى عشيّة الحرب الأهليّْة اللبنانيّة 1975. نشر في مجلّّة "الكرمل" حواراً استثنائيّاً مع جان جينيه. - 1988: جمع كتابااته النقديّة خلال السبعيناات في "بيانات لمسرح عربي جديد" دار الفكر الجديد. - 1990: عودة إلى التأليف بعد صمت مع "الاغتصاب". - 1992: "هوامش ثقافيّة" "دار الآداب". جائزة العويس. بداية الصراع مع المرض الخبيث. - 1994: "منمنمات تاريخيّة"، "طقوس الاشارات والتحوّلات" قدّمتها نضال الأشقر خلال هذا الموسم، وستتجوّل بها على العالم العربي وأوروبا. - 1995: "يوم من زماننا"، "أحلام شقيّة". - 1996: "ملحمة السراب". كلمة يوم المسرح العالمي. - 1997: "الذاكرة من الورم إلى الموت" يتضمّن مجموعة مقالات نقديّة، نظريّة وتأملات، بينها مقالته "رحلة في مجاهل موت عابر". أصدرت "دار الأهالي" أعماله الكاملة في ثلاثة مجلّدات 2200 صفحة، ورسم غلافها الفنّان السوري أحمد معلاّ. شيّع جثمانه في مسقط رأسه حصين البحر يوم الجمعة 16 أيّار مايو الماضي.