ينصب الجهد الديبلوماسي على مسار المفاوضات السورية - الاسرائيلية، بحيث تدعم عودة المفاوضين الى الطاولة ما تحقق على المسار الفلسطيني بعد توقيع اتفاق الخليل. وتتجه الانظار حالياً الى واشنطن، خصوصاً الى اللقاءين المقرر ان يعقدهما الرئيس بيل كلينتون مع كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس حسني مبارك، في وقت يكون المنسق الاوروبي ميغيل انخيل موراتينوس ابلغ نظيره الاميركي دنيس روس حصيلة جولاته المكوكية بين دمشق وتل أبيب. ومع الجمود المستمر على المسار السوري منذ حوالى العام فان العنصر الذي برز الى الآن هو مشاركة اوروبية فاعلة في هذه المفاوضات وذلك لتوافر عوامل عدة، في مقدمها نجاح الديبلوماسية الاوروبية في تحقيق الانجاز على المسار الفلسطيني وهذا ما أكده اكثر من مسؤول على اساس انه لولا رسالة الضمانات الاوروبية لما كان اتفاق الخليل وقع في اللحظة الاخيرة. ويضاف الى ذلك رغبة الجانب السوري في وجود اوروبي، واصراره منذ انطلاق المفاوضات على "دور اوروبي نشيط وفعال في عملية السلام". وزادت الامال السورية المعلقة على اوروبا بعد اقتناع دمشق تماماً بأن "تطور العلاقات مع واشنطن لن يسبق اتفاق السلام بل سيليه" وان "الانحياز الاميركي لاسرائيل لن يتراجع ابداً" وان "الدور الاوروبي يعطي نوعاً من التوازن بين الطرف السوري والاسرائيلي، خصوصاً بعد توافق الجانبين على أمور عدة، منها العلاقة السورية - اللبنانية". ويبدو العنصر الأهم ان واشنطن وتل ابيب لم تعترضا أبداً على دور اوروبي مع انهما اشترطتا ضمناً "التشاور" مع الاميركيين في الخطوات الديبلوماسية. وتراجعت معارضة الراعي الاميركي بعد ظهوره ب "حال العجز" ازاء نكران حكومة نتانياهو ما تحقق في المفاوضات خلال عهد حكومة حزب العمل، اذ ان واشنطن لم تعلن عدم وجود التزام الانسحاب الكامل الى ما وراء خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967 حسب الاعلان السوري، ولم تستطع الضغط على الجانب الاسرائيلي لدفع حكومة ليكود الى التزام تعهدات الحكومة السابقة مع اصرارها واشنطن على الاقرار بأن الدولة العبرية "الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" وان انتقال الحكومة الى اليمين اتى في اطار "الدستور والتعددية وتداول السلطة" الامر الذي يعني نظرياً متابعة الحكومة الجديدة خطوات سابقتها. كما ان فترة "فراغ السلطة الفعلية" في العاصمة الاميركية بين انتقال الادارة الى الطاقم الجديدة وتشكيله، ساهمت في ذلك. وما زاد من عدم المعارضة الكاملة لهذا النشاط هو "الديبلوماسية الدقيقة" التي يتبعها الاوروبيون، خصوصاً موراتينوس حيث انه يؤكد دائماً ان "الدور الاوروبي والاميركي مكملان لبعضهما بعضاً وهدفنا هو السلام وليس المنافسة"، كما ان المنسق الاوروبي يحاول التنسيق الدائم مع الاميركيين كي لا يثير انزعاجهم، وقال ل "الوسط" انهم "يظهرون تفهماً يوماً بعد يوم للدور الاوروبي". وازاء تحالف "الراعيين المنافسين" الاميركي والاوروبي تزداد الامال في احتمال توصل الجانبين الى "صيغة جديدة" تخرج المسار السوري من أزمته الصعبة منذ شباط فبراير العام الماضي، خصوصاً ان الاعتقاد بأن تحقيق الاختراق على المسار الفلسطيني سيسهل الوضع على المسار السوري، كان خاطئاً، اذ ان دمشق لم تغير موقفها العلني كما ان خطابها السياسي يتمسك ب "استئناف المفاوضات من حيث انتهت وليس من الصفر، والتزام مبدأ الارض في مقابل السلام ومرجعية قرارات مجلس الامن 242 و338 و425 بالنسبة الى الجنوباللبناني والاقرار بتلازم المسارين" وهي الامور التي اقرت بها الحكومة السابقة. بل ان دمشق اتخذت مساراً معاكساً في محتواه، حيث كلف الرئيس الأسد نائبه السيد عبدالحليم خدام ووزير الخارجية السيد فاروق الشرع نقل رسائل الى قادة دول "مجلس التعاون الخليجي" واليمن و"اتحاد المغرب العربي" ومصر تضمنت محوراً أساسياً هو "الحصول على دعم هذه الدول للموقف التفاوضي السوري". وتفصيلاً، فان الموقف الذي أراد السوريون الحصول على دعمه، يستند الى عدم تعامل الدول العربية مع اتفاق الخليل باعتباره "مؤشراً أكيداً لرغبة نتانياهو وحكومته في السلام، وان المؤشر هو التزامه استئناف المفاوضات من حيث توقفت والتزام تعهدات الحكومة السابقة"، اي طلب "عدم التطبيع واستئناف خطوات اقامة العلاقات مع الدولة العبرية، وتأجيل ذلك الى ما بعد تحرك المسار السوري". وجاءت اهمية هذا التوجه من كونه تزامن مع رغبة سورية ابلغها المسؤولون للمنسق الاوروبي باستئناف المفاوضات مع اسرائيل. ودعماً للموقف الاوروبي تعاملت دمشق مع موراتينوس ب "ترحيب بالغ"، اذ ان الرئيس الاسد استقبله كأول ديبلوماسي يلتقيه بعد انتهاء فترة النقاهة الطبية بعد جراحة غدة البروستات، كما ان خدام والشرع قطعا جولتهما الخليجية للقائه حيث اجرى موراتينوس في دمشق مفاوضات مطولة مع مسؤولين ومثقفين مستقلين. لكن الابرز ان الرئيس الأسد والوزير الشرع طلبا منه الحصول على "اشارة ايجابية واعلان حسن نية" من الحكومة الاسرائيلية وعلى "توضيحات" لمعنى اعلان وزير الخارجية الاسرائيلية ديفيد ليفي الاستعداد لاستئناف المفاوضات على المسار السوري على اساس القرار 242 وبأن يقدم الاسرائيليون تفسيرهم لهذا القرار، علماً ان السوريين والاوروبيين يفهمون بانه يدعو الى "انسحاب كامل من الاراضي التي احتلت في النزاع الاخير" العام 1967 وليس الى "انسحاب من أراض احتلت في النزاع الاخير" كما يفسره الاسرائيليون. ويعكس تكليف المسؤولين السوريين هذه المهمة، رغبة في اعطاء موراتينوس "ميزة دور الوسيط"، بحيث يحفز في الوقت نفسه واشنطن على التسريع في ارسال المنسق الاميركي روس أو وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت الى المنطقة. وعملياً فان "دور الوسيط" الذي يقوم به الاوروبي يفسح في المجال لعودة الحوار السوري - الاسرائيلي غير المباشر كمثبط للتوتر السياسي بينهما الذي وصل في وقت ما الى حد التهديد بالمواجهة العسكرية. وبين الرغبة السورية بدور اوروبي واقتناع الاسرائيليين والاميركيين بأن ذلك هو البديل الشرعي والواقعي لأزمة المسار السوري ولأزمة الثقة بين دمشق وتل أبيب وبين السوريين والاميركيين، ربما تتولد "صيغة جديدة" لاستئناف المفاوضات لا يزال الاوروبيون يركزون على انها "تنطلق من صيغة مدريد، اي مبدأ الارض في مقابل السلام ومرجعية القرار 242"، وبانها "تمثل ديناميكية جديدة" وليس "صيغة مختلفة تماماً" عن مؤتمر مدريد. وترى مصادر ديبلوماسية واخرى مقربة من موراتينوس بأن الصيغة البديلة قريبة من صيغة مدريد بحيث انها يجب ان تجيب على السؤال الاتي: "كيف يمكن جمع الطرفين الى طاولة المفاوضات مع اقتناع الاسرائيليين بانهم يتفاوضون وفق رؤية جديدة وصولاً الى حل يوفر الامن لهم، وتمسك السوريين بأن هذه المفاوضات استكمال لمفاوضاتهم مع الحكومة الاسرائيلية السابقة وستؤدي الى انسحاب اسرائيلي كامل من الجولان وتكفل أمن الجانبين؟". ويجمع الاوروبيون والاميركيون على ان المهم هو "جمع الطرفين لمرة واحدة على الطاولة"، ويرى بعضهم ان المخرج سيكون في رسالة ضمانات الى دمشق تؤكد "تأييد اوروبا الانسحاب الكامل من الجولان وبترتيبات أمنية على اساس ما اتفق عليه من مبادئ ترتيبات الامن" الذي أعلن في ايار مايو 1995، ورسالة اخرى الى الاسرائيليين تشدد على ان التسوية المرتقبة "تكفل أمن الجانبين وتمنع قيام أي منهما بهجمات مباغتة على الاخر وتؤدي الى نهاية الصراع العربي - الاسرائيلي". وربما تكون "الضمانة المهمة" لسورية حضور الاوروبيين جلسات المحادثات الى جانب الاميركيين، اي كما حصل على المسار الفلسطيني، سواء لجهة رسائل الضمانات والحضور المقتصر حالياً على المنسق روس بالنسبة الى المسار السوري، أو كما حصل لدى اصرار دمشق على دخول فرنسا كعضو في مجموعة مراقبة اتفاق وقف اطلاق النار في جنوبلبنان بعد عملية "عناقيد الغضب" في نيسان ابريل الماضي، وذلك على رغم قول موراتينوس ان الحديث عن الرسالة أو المشاركة "لا يزال باكراً". ويبدو ان التفكير يتركز الآن على الوصول الى صيغة يمكن ان تضم العناصر التي تهم الطرفين، وهي الأرض والامن والسلام، اي اقناع الطرفين بأن اتفاق السلام يعني ان "انسحاباً كاملاً وامناً شاملاً سيؤديان الى سلام كامل بحيث يكون الطرفان راضيين عن الاتفاق النهائي" وجاء هذا السعي الاوروبي كحل بين تركيز الاسرائيليين على عنصر الامن والسوريين على عنصر الانسحاب. وعلى رغم المؤشرات الاولية التي تترك التفاؤل قائماً، فان القيمين على جهود تسخين المفاوضات يقرون بأن الطريق طويلة. وقال المنسق الاوروبي: "انني جاهز لان أركض المسافات الطويلة وصولاً الى حل"