قد يكون الانجاز الأكثر أهمية الذي شكله توقيع "اتفاق الخليل" في نظر الأطراف التي أيدته وعملت على التوصل اليه انه "أعاد الشق الفلسطيني - الاسرائيلي من العملية السلمية الى مساره السليم" على حد تعبير مصدر ديبلوماسي عربي تابع عن كثب المساعي التي سبقت ابرام هذا الاتفاق وشارك في مراحل منها. ووصف الديبلوماسي العربي الاتفاق بأنه "ليس نهاية المطاف بالنسبة الى المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، ولا يمكن ان يكون كذلك. فهو مجرد خطوة اخرى في عملية طويلة ومعقدة لكنه خطوة مهمة جداً لأنه ادى الى اخراج هذا المسار من النفق المسدود، وساهم في التخفيف من الاحتقان الذي سيطر عليه شهوراً عدة وكان كفيلاً بايصاله الى انفجار يهدد عملية السلام برمتها". وتوافق أوساط مؤيدي الاتفاق بالشكل الذي تم فيه على تقويم الديبلوماسي العربي معتبرة ان "ما تم احرازه في الخليل لم يكن كاملاً ولا مثالياً، لكنه كان أفضل من بقاء وضع يختزن عوامل انفجار خطير". وأشار المصدر الديبلوماسي العربي الى انه "من الخطأ انتقاد اتفاق الخليل لأنه لم يحقق للفلسطينيين جميع طموحاتهم، سواء على صعيد المدينة نفسها، أو بالنسبة الى العملية السلمية الأشمل. ففي عملية كهذه قائمة أساساً على المفاوضات تظل التسويات والحلول الوسط سيدة الموقف. ويكفي ان الفلسطينيين نجحوا في الحصول من حكومة اسرائيلية ليكودية يرأسها بنيامين نتانياهو على التزامات وتنازلات لا تقل كثيراً عن تلك التي توصلوا اليها مع الحكومة العمالية السابقة برئاسة شمعون بيريز وقبله اسحق رابين". وثمة اعتقاد عام في أوساط المؤيدين بأن "اتفاق الخليل" انطوى على "ايجابيات" جاءت في مجملها لمصلحة الجانب الفلسطيني في مقابل "تنازلات" لا تجب الاستهانة بها قدمها الجانب الاسرائيلي، وبالذات نتانياهو الذي "تراجع بمجرد توقيعه هذا الاتفاق عن مواقف مبدئية كان يفترض انها تشكل الأساس الايديولوجي لسياسته وسياسة حكومته والائتلاف الحزبي والديني الذي تقوم عليه". ولا يحاول أشد مؤيدي الاتفاق اخفاء مخاوفهم أو التقليل من حجم الصعوبات التي ستواجه المراحل اللاحقة من المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية. وعلى العكس، فإن الاقتناع السائد في صفوفهم هو ان هذه المراحل ستكون "أشد صعوبة وأكثر تعقيداً بما لا يقارن من المفاوضات التي أوصلت الى الخليل". ومثل هذه الواقعية في النظر الى مستقبل المسار الفلسطيني لها ما يبررها الى حد كبير. فإضافة الى النقاط الشائكة التي يتضمنها الاتفاق نفسه، والتي قد تثير مستقبلاً العديد من المشكلات على صعيد التطبيق، كالتعايش اليومي بين مواطني المدينة من الفلسطينيين والمستوطنين اليهود المعروفين بتطرفهم، واحتمالات حدوث عمليات ارهابية من شأنها اعادة التوتر الى المدينة وجوارها وعرقلة تنفيذ بنود الاتفاق، فإن المراحل المقبلة من المفاوضات على هذا المسار ستكون حاسمة في تقرير مصير التسوية الفلسطينية - الاسرائيلية برمتها. وتعبّر عن ذلك بوضوح مصادر السلطة الفلسطينية والحكومة الاسرائيلية على حدّ سواء، وتتفق معها الأوساط العربية والأميركية والأوروبية المعنية. فهذه المفاوضات ستتركز من الآن فصاعداً على تحديد أطر الانسحابات العسكرية الاسرائيلية التي نص "اتفاق الخليل" على ان تتم على ثلاث مراحل من مناطق الضفة الغربية الخارجة عن نطاق المدن والتجمعات السكانية الكبيرة. كما انها ستحدد مصير النقاط التي لا تزال عالقة، كاطلاق سراح المعتقلين والمعتقلات من السجون الاسرائيلية، وفتح "الممر الآمن" بين الضفة الغربية وقطاع غزة، والبدء في تشغيل مطار غزة ومرفأها، واستكمال نقل السلطات المدنية والادارية في المناطق المحررة الى الفلسطينيين. وهي مسائل ستشكل المدخل الى المرحلة الأكثر حيوية وحساسية في هذا المسار، وهي طبعاً المفاوضات الهادفة الى تحديد الوضع النهائي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشريف، ومصير المستوطنات اليهودية فيها، وصولاً الى الدولة المستقلة التي يأمل الفلسطينيون في اقامتها على هذه الأراضي بحلول الموعد النهائي لاستكمال التسوية على هذا المسار، أي العام 1999. وأهمية "اتفاق الخليل"، من وجهة النظر الفلسطينية، انه أعاد تثبيت مبدأ "المرحلتين" في المسار التفاوضي على أساس مبادلة الأرض بالسلام من جهة، وشكل "السابقة" التي كان لا بد منها لتحقيق الانسحابات الاسرائيلية من المناطق الفلسطينية، بما فيها تلك التي تعتبر "مقدسة" لدى اليهود والخليل هي ثاني المقدسات اليهودية بعد القدس، بما يفتح الباب أمام المفاوضات الشائكة على مستقبل القدس العربية، من جهة ثانية. ومهما حاولت المصادر الحكومية الاسرائيلية التخفيف من وقع هاتين الحقيقتين، فإن النقاش الدائر داخل الدولة العبرية حالياً بات كفيلاً باظهار عكس ذلك. فبمجرد ان وقعت حكومة ليكودية يرأسها نتانياهو، وبكل ما تمثله من خلفية ايديولوجية ودينية يمينية متشددة، على اتفاق يقضي بانسحاب القوات الاسرائيلية من أربعة أخماس مدينة كالخليل، ويربط ذلك بانسحابات لاحقة من أراضي الضفة الغربية قد تصل حسب التصورات الفلسطينية الى نحو 93 في المئة من هذه الأراضي لترسم بالتالي حدود الدولة الفلسطينية المنشودة، لم يعد هذا النقاش دائراً بين أنصار هذه الدولة والقابلين بها من جهة، وخصومها من جهة اخرى، بل أصبح التركيز بصورة أكثر واقعية على شروط قيام هذه الدولة وحدودها ومدى سيادتها على أراضيها وعلاقتها المستقبلية بالدولة الاسرائيلية المجاورة لها. العودة الى المسار السوري لكن العملية السلمية في الشرق الأوسط ليست مساراً فلسطينياً - اسرائيلياً فحسب، ومعايير نجاحها أو فشلها لا تقف عند حدود هذا المسار، بل انها مرتبطة حكماً بضرورات التوصل الى "التسوية التاريخية" بين العرب واسرائيل في اطارها الشامل والدائم الذي لا يمكن تحقيقه من دون ان يشتمل التقدم على المسار السوري ومعه اللبناني. وفي هذا السياق تبدي مصادر عربية ودولية تفهماً كبيراً للمخاوف التي أعربت عنها دمشق وبيروت في أعقاب توقىع "اتفاق الخليل" من ان يؤدي "تنفيس الاحتقان" على المسار الفلسطيني الى ضغوط متزايدة على المسارين السوري واللبناني اللذين يعانيان أصلاً من احتمالات تصعيدية تفاقمت بشكل ملحوظ خلال الأسابيع الماضية. والمعلومات التي توافرت لپ"الوسط" في دمشق من مصادر عدة تؤكد ان عودة التركيز على المسار التفاوضي السوري - الاسرائيلي صار مرتقباً في الأسابيع المقبلة بعد تجاهل كان سببه انشغال الراعي الأميركي بپ"اطفاء النار المشتعلة" على المسار الفلسطيني بعد "انتفاضة الأقصى" في أيلول سبتمبر الماضي، بل ان تباشير عودة المسارين السوري واللبناني الى دائرة الضوء بدأت فور انجاز اتفاق اعادة انتشار القوات الاسرائيلية في الخليل. وما ان أعلن ذاك الانجاز الذي كان انتقاد دمشق له يقتصر على انه "جزء من كل اسمه أوسلو"، حتى خفت لهجة التصعيد والتهديد باحتمال حصول المواجهة العسكرية الى أدنى مستوى لها منذ وصول زعيم تكتل ليكود الى الحكم، مع بقائها كخيار ليس مستحيلاً حصوله ولو بمستويات وأمكنة مختلفتين. اذ ان الأيام القليلة الماضية شهدت اجماعاً في تصريحات المسؤولين في سورية واسرائيل ومصر ولبنان، تستبعد الحرب بين سورية واسرائيل، في وقت برزت تطورات اخرى تدعم استبعاد ذلك الخيار حالياً أو الرغبة في ابعاده من الخطاب الاعلامي. ويأتي في مقدمها ان منسق الأنشطة الاسرائيلية في لبنان أوري لوبراني قال ان "الحل في جنوبلبنان سيكون سياسياً وبرضا سورية"، وعاد وزير الخارجية الاسرائيلي ديفيد ليفي وأضاف ان المفاوضات مع سورية تستند الى القرار الرقم 242. كما ان الرئيس حافظ الأسد أكد "ثقته باستمرار العمل مع الرئيس بيل كلينتون لتحقيق السلام العادل الشامل" في الشرق الأوسط، فيما استبعد رئيس الوزراء اللبناني السيد رفيق الحريري حصول المواجهة، وذلك بعدما اتخذت مواقف الرئيس حسني مبارك الاتجاه ذاته. وحصل تطور آخر يتعلق بالبعد الأميركي اذ ان اقتناع نتانياهو بتوقيع حكومته اتفاق الخليل، جاء عشية الاحتفال بتنصيب الرئيس كلينتون وموافقة الكونغرس الأميركي على تعيين مادلين أولبرايت وزيرة للخارجية الأمر الذي يعني ان الزخم انتقل الى محور دمشق - تل أبيب. وكانت سورية تبلغت من الادارة الأميركية ان عودة النشاط الى هذا المسار تتعلق أيضاً باستقرار الفريق الرئاسي الجديد في واشنطن وتعمق أولبرايت في عملية السلام، الأمر الذي دفع المسؤولين السوريين الى توقع تحريك الجهود الديبلوماسية في نهاية شهر شباط فبراير المقبل. ويضاف الى تلك العوامل، قيام المنسق الأوروبي ميغل انجل موراتينوس بزيارة العاصمة السورية. وربما أدى ذلك الى تسريع جهود واشنطن وتقديم موعدها المقرر في الاجندة الأميركية كما حصل في نيسان ابريل الماضي، عندما ساهم دخول وزير الخارجية الفرنسي هيرفيه دوشاريت على خط التوصل الى وقف لاطلاق النار في جنوبلبنان بعد حرب "عناقيد الغضب" في تعجيل جهود وزير الخارجية الأميركي السابق وارن كريستوفر وصولاً الى "تفاهم نيسان". ويبدو هذا الاحتمال اكثر حصولاً في ضوء الرغبة السورية في تكريس الدور الأوروبي في عملية السلام باعتباره الأقل انحيازاً الى اسرائيل من الدور الأميركي. "الانجاز الضائع" وعليه، فإن السؤال عن أرضية استئناف المفاوضات عاد الى الطرح بين الجانبين السوري والاسرائيلي وحول محوره الأساسي المتعلق بمصير ما تحقق في المحادثات في حقبتي رئيس الوزراء الراحل اسحق رابين وسلفه شمعون بيريز، والأهم الالتزام المتعلق بالانسحاب الكامل من هضبة الجولان السورية المحتلة العام 1967. وبدأ الجدال السياسي العلني باعلان صحيفة "هآرتس" ان الوزير كريستوفر بعث برسالة الى نتانياهو في ايلول سبتمبر الماضي مفادها ان تعهد رابين "لاغ وباطل" الذي يعني - في حال صدق رواية "هآرتس" - ان الانجاز الأساسي الذي تحقق طوال خمسة سنوات من التفاوض أصبح في مهب الريح. ورد السوريون على ذلك بنفي تسلمهم "أي شيء رسمي" في شأن رسالة كريستوفر، اضافة الى أن تعهد رئيس الوزراء الاسرائيلي العمالي "ليس ملكاً لكريستوفر كي يلغيه". بل ان المسؤولين السوريين أكدوا ان التعهد ملزم وأخذوا من التطورات الأخيرة فرصة لاعلان تفاصيل المفاوضات في السنوات الأخيرة، اذ ان السفير السوري في واشنطن السيد وليد المعلم قدم التفاصيل في مقابلة مع دورية "الدراسات الفلسطينية" كانت بمثابة الرد على المعلومات التي كتبها الصحافي أورلي ازولاي كاتز في كتابه عن بيريز الذي حمل عنوان "الرجل الذي لم ينتصر"، أو تأكيداً للنقاط الأخرى التي أعلنها كاتز في كتابه، اذ ان الطرفين اتفقا على فكرة وجود "التعهد" بالانسحاب الكامل من الجولان وعلى ان بيريز "أصيب بالذهول" و"فوجئ" به بعد اغتيال رابين الذي كان "شكاكاً الى حد لانهائي"، لكنه ما لبث ان أكد التزامه به للرئيس كلينتون. وتناول كاتز والمعلم ثلاث نقاط أساسية هي: التعهد بالانسحاب الكامل وطريقة حصوله، الترتيبات الأمنية، والتطورات التي سبقت عملية "عناقيد الغضب" وتقديم الانتخابات الاسرائيلية، ومدى الزام ما تحقق للجانبين. وجاء في كتاب "الرجل الذي لم ينتصر" ان رابين "قطع أمام كلينتون وعداً بالانسحاب من الجولان الى خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967، أي الى ما بعد الحدود الدولية للعام 1923 وذلك في مقابل سلام كامل مع سورية". وزاد ان الرئيس الأميركي اتفق ورابين "في لقاء منفرد ان يعرض الاقتراح على سورية كأنه مبادرة أميركية، ووعد رابين بأن يوافق، لكنه رفض عندما طلب كلينتون وثيقة منه بذلك". ويوضح السفير السوري ان "التعهد الاسرائيلي بالانسحاب لم يأت الا بعد جهود هائلة. منذ مدريد كان الموضوع الوحيد الذي كنا نقبل بمناقشته هو الانسحاب الكامل… عندما كان ليكود يتبع حرفياً تعليمات اسحق شامير القاضية باستمرار المفاوضات عشرة أعوام من دون التوصل الى نتيجة"، ويضيف المعلم "بعدما صار رابين رئيساً للحكومة في حزيران 1992، واصلنا في الاصرار على موضوع الانسحاب من دون غيره، وعندما أدرك رابين أخيراً ان السوريين لن يتقدموا خطوة واحدة في مناقشة أي من العناصر الأخرى للتسوية السلمية قبل ان يقتنعوا بنية اسرائيل الانسحاب الكامل، أقدم على كسر الطوق". ويلفت الى ان ذلك التعهد حصل في آب اغسطس 1993 والى ان الوفدين ناقشا عنصر الانسحاب الكامل والى خطوط حزيران 1967. وهذا فتح الطريق امام مناقشة العناصر الأخرى للاتفاق السلمي"التي كان رابين يسميها الأرجل الأربع للطاولة، وهي، اضافة الى الانسحاب، التطبيع والترتيبات الأمنية والجدول الزمني للتنفيذ". ويتابع ان الانجاز الأخير أدى الى ان "تبدأ في ايلول 1994 مناقشات مع رئيس الوفد الاسرائيلي السيد ايتامار رابينوفيتش في شأن العناصر الثلاثة الأخرى، وقدمنا رؤيتنا حيال كل منها". وبعدما "يفضل" المعلم ان لا يقول كيف تبلغت دمشق عرض الانسحاب، يشير الى انه "تكرر" في مفاوضات منتجع "واي بلانتيشن" في ولاية ماريلاند وانه قال للمنسق الأميركي لعملية السلام دنيس روس: "ارجو ان تسجل ما قاله الجانب الاسرائيلي". وبالنسبة الى عنصر ترتيبات الأمن الذي تحقق انجاز فيه تأكد لدى اعلان كريستوفر في ايار 1995 توصل الجانبين الى "مبادئ ترتيبات الأمن"، يشير كاتز الى ان "الوعد بالانسحاب الكامل" جاء بعدما نقل الأميركيون الى رئيس الوزراء الاسرائيلي "رسالة من الأسد، يعرب فيها للمرة الأولى عن استعداده لقبول جميع الترتيبات الأمنية التي يطلبها رابين وهو ما كان يرفضه في الماضي، اضافة الى ان الأميركيين حصلوا على الموافقة على لقاء ثلاثي" بين الأسد وكلينتون ورابين. ويضيف ان السوريين "تنازلوا عن مبدأ التبادلية، أي محطة انذار سورية في الجليل في مقابل نصب محطات انذار اسرائيلية في الجولان، والاستعداد لقبول جميع ترتيبات الأمن التي تطلبها اسرائيل". لكن رئيس الوفد التفاوضي السوري يقول: "ينبغي أولاً، ان أتحدث عن خلفية ورقة ترتيبات الأمن التي جاءت بعد فشل اجتماع رئيسي الأركان السوري العماد اول حكمت الشهابي والاسرائيلي السابق ايهود باراك. في كانون الأول ديسمبر 1994 . وفي كانون الثاني يناير 1995 استدعيت الى دمشق وبقيت شهرين هناك"، ويضيف ان الرئيس الأميركي بعث برسالتين الى الرئيس الأسد لپ"تجديد" محادثات رئيسي الأركان، وان الأسد اقترح بدلاً من ذلك ان يتفاوض الطرفان للوصول الى مبادئ وأهداف ترتيبات الأمن كاطار عام "كي لا يعود العسكريون للمبالغة في مطالبهم في المجال الأمني". وناقش الرئيس كلينتون ذلك مع رابين ووافقا على ان يقوم السفيران المعلم ورابينوفيتش بمناقشة ذلك. ويقول السفير السوري: "عدت الى واشنطن في آذار مارس وبدأت مع رابينوفيتش وروس مناقشة ما أصبح لاحقاً الورقة. وزار كريستوفر المنطقة مرتين لمناقشتها مع الأسد ورابين والاتفاق على بعض النقاط في شأنها". وناقش كلينتون الورقة مع رابين في 7 ايار 1995 ومع الشرع في 15 ايار الى ان اتفق الطرفان على صيغتها النهائية في 22 من الشهر نفسه، وأدت الى انعقاد لقاء ثان بين الشهابي ونظيره الاسرائيلي امنون شاحاك. ويوضح المعلم ان أهمية الورقة تكمن "في انها أقرت مبدأ ان أمن أحد الطرفين يجب الا يكون على حساب أمن الطرف الآخر ومبدأ المساواة والتبادلية وكون أي ترتيبات تقام على أحد الجانبين يجب ان تكون مساوية للترتيبات على الجانب الآخر" على عكس ما يعتقد كاتز وما أشيع من ان السوريين وافقوا على ان تكون مساحة الأرض المنزوعة من السلاح واحد في الجانب الاسرائيلي في مقابل تسعة في الجانب السوري أو ستة في مقابل عشرة، بل ان المعلم يذهب الى ان سورية رفضت اقامة أي محطة ارضية للانذار "وسنرفض ذلك حتى لو كان الأميركيون يديرون المحطة". ويشير الى ان موضوع التطبيع حال دون التقدم "اذ ان اسرائيل تعتقد بأنه يمكن ان تضغط على الزر فتحصل على سلام دافئ وتحول الموقف الشعبي السوري من حال الحرب الى حال السلام"، لكنه يؤكد ان سورية اتخذت عدداً من الخطوات لتحضر الناس لقبول السلام. لكن لماذا ضاعت "الفرصة السانحة"؟ يقول السفير السوري ان الأطراف المعنية اتفقت على "سد الثغرات الباقية في اتفاق السلام للوصول الى الاتفاق مع حلول حزيران 1996 ثم نرسل ما اتفقنا عليه الى لجنة خاصة تعد الصيغة النهائية للاتفاق. وكنا نتوقع ان يكون الاتفاق النهائي جاهزاً في ايلول 1996"، لكنه يضيف: "فوجئنا عندما دعا بيريز بعد ذلك بقليل الى انتخابات مبكرة … ولم تكن اخباراً سارة سواء لنا أو للأميركيين" لكن الطرفين اتفقا على استمرار المفاوضات بعدما طلب كريستوفر من المعلم نقل ذلك الى الرئيس الأسد، وحصل ذلك فعلاً في شباط فبراير 1996. اما بيريز فإنه - حسب كاتز - قرر "بدء المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها" على الرغم مما تحقق "من وراء ظهره"، فعين أوري سافير مديراً عاماً للخارجية مستبعداً رابينوفيتش كعقوبة له لأنه أخفى الكثير عن وزيره بيريز خلال حكومة رابين. ويشير الصحافي الاسرائيلي الى ان رئيس الوزراء السابق "كان واثقاً من انه سيواجه الانتخابات عندما تكون معاهدة السلام مع سورية في جيبه وقال: سنحقق السلام مع سورية خلال ستة أشهر". ويقول كاتز ان المصادر الأمنية لم تشاطر بيريز توقعاته في ضوء "برود زائد من سورية" مشيراً الى ان السبب يعود الى "وجود لاعبين اسرائيليين جدد على الساحة تصرفوا كأنهم لا يعرفون شيئاً عما حصل، الأمر الذي جعل السوريين يعتقدون بأنهم يتلاعبون بهم فتراجعوا ايضاً وعاد الموضوع الى جموده"، وهو الأمر الذي دفع بيريز للسير قدماً في تقديم الانتخابات للافادة من الزخم الداعم للسلام ولحزب العمل بعد اغتيال رابين، ولخوفه من تقلص الفارق بين ليكود والعمل مع مرور الأيام، ثم شنه الحرب في جنوبلبنان لتأكيد شخصيته القوية عسكرياً. ويوضح السفير السوري: "لم يعد أحد يتحدث عن السلام" بعد الاتفاق العسكري الاسرائيلي - الأميركي ومؤتمر شرم الشيخ رداً على عمليات "حركة المقاومة الاسلامية" حماس و"الجهاد الاسلامي" في شباط. فبيريز "كان في عجلة من أمره ويريد دخول الانتخابات حاملاً الاتفاق السوري، كان يريد ان يطير عالياً وسريعاً". ويحمل المعلم رئيس الوزراء الاسرائيلي مسؤولية ضياع الفرصة مع ان الأخير يحاول تحميل السوريين ذلك "بدلاً من القاء اللوم على نفسه بسبب دعوته الى انتخابات مبكرة". أي ان بيريز أراد "احراج" السوريين ودفعهم الى تقديم "تنازلات" تحت ضغط الانتخابات المبكرة، الأمر الذي أزعج دمشق وجعلها تغامر نسبياً بالتعهد بالانسحاب الكامل بدلاً من "المغامرة" في الدخول في لعبة الانتخابات الاسرائيلية غير المضمونة النتائج حسب اعتقادها، وبدلاً من القيام بپ"عملية تهيئة الرأي العام الاسرائيلي بدلاً منه"، الأمر الذي أدى ببيريز الى "تورطه" في الحرب في جنوبلبنان وتعرضه لپ"عقاب سياسي وتاريخي قوي". مرحلة جديدة! وتزامن اعلان المسؤولين السوريين عن مضمون المفاوضات مع الحديث عن احتمال استئناف الجهود الديبلوماسية على المسار السوري، الذي يكتسب أهمية لأنه يضع حداً لا يمكن للجانب السوري العودة عنه لدى استئناف المفاوضات ويوضح الزامية ما تحقق، كما انه يقدم صورة واضحة للجمهور في الجانبين عن الخطوط العريضة لاتفاق السلام أو ما يمكن حصوله على المسار السوري. فعملية السلام تقف حالياً أمام مفترق طرق حاسم بات التقدم فيه على مختلف المسارات مرتبطاً بالعودة الى الأسس التي قامت عليها هذه العملية منذ بداياتها الأولى. وينطبق هذا الواقع على المسار الفلسطيني، حيث سيتحدد مصير الوضع النهائي والدولة، قدر انطباقه على المسارين السوري واللبناني حيث لا يمكن الحديث عن أي تقدم من دون الانسحاب الاسرائيلي الكامل والشامل، وربما بات ممكناً القول الآن ان هذه العملية دخلت فعلاً مراحلها النهائية التي ستحدد اما فشلها بالكامل أو نجاحها بالكامل