بقينا نقول "ما كل ما يلمع ذهب" حتى جاء يوم لم يعد الذهب نفسه يلمع. باختصار الذهب فقد بريقه، ولم يعد استثماراً جىداً، وكانت الخضة التي تعرضت لها البورصات العالمية الشهر الماضي دليلاً آخر، ان كان ثمة حاجة الى دليل، على تراجع الذهب، فقد هبطت البورصات من اميركا الى اوروبا الغربية والشرق الأقصى وبدل ان يرتفع سعر الذهب، كالعادة عندما تهبط البورصة، اذ به يسقط مع اسعار الاسهم والسندات. ويعني هذا الكلام ان القارئ الذي قرر ان يتزوج امرأة لانه رأى الأساور الذهبية في يديها حتى المعصم، عليه ان يفكّر مرة ثانية فربما كانت الاستدانة من البنك أرخص له. اليوم الذهب في حدود ادنى سعر له منذ 14 سنة، والمسؤول الاول هو الحكومة السويسرية، فهي اعلنت في اواخر تشرين الاول اكتوبر خطة لبيع حوالى 1.400 طن من الذهب الذي تحتفظ به كاحتياطي لعملتها. ومع ان القانون يفرض عليها ان تنظم استفتاء قبل بيع اي ذهب، فإن النتيجة ليست موضع شك، خصوصاً ان هناك دولاً اخرى تفكر في بيع ما عندها من ذهب. وقد اصدر أميركيان هما ديل هندرسون من بنك الاحتياطي الفدرالي وستيفن سالانت من جامعة ميشيغان دراسة مشتركة تقترح على البنوك المركزية حول العالم بيع ذهبها. فاذا زدنا الى ما سبق ان البنك الاوروبي القادم لا يعتزم ربط العملة الاوروبية "يورو" سنة 1999 بالذهب، فإن حال الذي تزوج امرأة لثرائها هو ما عبّر عنه المثل القائل "يا واخد القرد على مالو، يروح المال ويبقى القرد على حالو". طبعاً هذا الكلام لا يعني نعياً للذهب، فهو موجود منذ اكثر من ثلاثة آلاف سنة، وربما بقي ثلاثة آلاف سنة اخرى. وقناع وجه توت عنخ آمون من الذهب الخالص، وهو يعود الى سنة 1352 قبل الميلاد. وترك لنا الاغريق القدامى اسطورة الملك ميداس الذي حقق طلبه بأن يتحول كل شيء يلمسه الى ذهب، وهو اكتشف سريعاً ان طعامه ايضاً يتحول الى ذهب، وندم على طلبه هذا. اليوم أنصح المستثمر العربي بترك الذهب كاستثمار، فسندات اي خزينة في بلد غربي افضل منه. وكنت نصحت بترك الذهب في الستينات ولم يستمع لي الاصدقاء. وكررت النصيحة في السبعينات ولم أجد أذناً صاغية مرة اخرى، فلعل "الثالثة ثابتة" هذه المرة. في الستينات كنت اعرف رجلاً يحوّل كل ما يجمع من مال الى ليرات ذهبية انكليزية، وجاءت سنة 1968 فألغي السعر البنكي المحدد بخمسة وثلاثين دولاراً للأونصة. وقرر الرجل انه اغتنى فباع كل ما يملك من ذهب، الا ان المعدن الثمين بقي يرتفع مع ذلك، ويرتفع ضغط الرجل حتى كاد يموت قهراً. وهو عاد الى شراء الذهب في السبعينات، وجاءت فورة النفط فوصل سعر الذهب مرة اخرى الى حوالى ألف دولار للأونصة، الا انه تراجع تدريجياً بعد ذلك، ولم تقم له قائمة حتى الآن، وخسر المستثمرون فيه في وقت كانت البورصات ترتفع باطراد، وبورصة نيويورك ضاعفت قيمتها الدفترية في السنوات الثلاث الماضية فقط. وسقوط الذهب يعني مشكلة فاذا كانت الفلوس لا تشتري السعادة، فان الفقر لا يشتريها بالتأكيد. وهي اذا لم تشتر السعادة فإنها تجعلك قادراً على المساومة من موقع قوة. ولا ادري اذا كان يحق لي ان أنصح رجلاً يملك ذهباً بالأونصات، وربما الكيلوغرامات، كيف يتصرف بماله وليس عندي سن ذهبية او مذهّبة، فإنني مع ذلك اعتقد انني أقرأ اكثر منه لو كان عندي ذهب لما احتجت ان أقرأ او اكتب، واعرف من قراءتي بالتالي ان زمن الذهب كاستثمار مضى الى غير رجعة. وكانت زازا غابور قالت مرة انها لم تكره في حياتها رجلاً الى درجة ان تعيد اليه المجوهرات التي أهداها لها. ويبدو ان نساء كثيرات يعرفن هذا من دون ان يتزوجن ثماني مرات، وجارتنا تزوجت مرة واحدة وطلّقت، وهي اعادت الى مطلقها بطاقات المعايدة وباقات الورد وكتاب الشعر الغزلي، الا انها احتفظت بالمجوهرات بسبب قيمتها "العاطفية". وكنت توقعت مثل هذه النتيجة، فقد احبته كما هو: ثرياً، وتزوجا عند مدقّق حسابات بدل المأذون، لذلك عندما فقد الذهب لمعانه فقد الزوج بريقه معه .