تُعدّ الكلى، اكثر اعضاء الجسم التي تستبدل في العالم. اذ تجرى اكثر من 10 آلاف عملية زرع كلى سنوياً في الولاياتالمتحدة وحدها. ويعيش في اميركا اكثر من 60 ألف مريض ممن زرعت لهم كلى بصورة شبه طبيعية. إلا أن المشكلة الأساسية تتمثل دوماً في النقص الكبير في عدد المتبرعين، مما يؤدي الى وفاة الآلاف سنوياً ممن هم على لائحة الانتظار. فمعدل فترة الانتظار يتجاوز عامين أحياناً، ولا يقتصر ذلك على الدول الغربية فحسب، بل هو موجود في دولنا العربية ايضاً. اما اكثر المتبرعين بهذه الاعضاء فهم الاقارب، يليهم الغرباء الذين تتوافق فصائل دمهم مع المرضى، او الاشخاص الذين يتعرضون لحوادث مفاجئة تودي بحياتهم. وقد بلغت نسبة هؤلاء المتبرعين 37 في المئة من اصل العدد الاجمالي للمتبرعين في الولاياتالمتحدة العام الماضي. وساعد الانخفاض الكبير في عمليات رفض الجسم للأعضاء البشرية المزروعة، نتيجة استخدام الأدوية الصادّة للمناعة، على ارتفاع نسبة نجاح عمليات زرع الكلى. الا ان استخدام هذه الأدوية يضعف جهاز المناعة غالباً ويعرض المرضى للاصابة بعدوى الامراض الجرثومية، مما يدفع الاطباء الى اعطاء مرضى زراعة الكلى مضادات حيوية قوية لتدارك هذا الخطر. ومن الحقائق العلمية الحديثة في مجال الطب ان نسبة الاصابة بمرض الفشل الكلوي تختلف من مكان لآخر، كما ان لون البشرة له علاقة بها، والمرأة اكثر تعرضاً للفشل الكلوي من الرجل. والحياة التي يعيشها مرضى الفشل الكلوي حياة معلقة على الانتظار، انتظار التطورات العلمية لعلها تأتي بفرج جديد، وانتظار موت متبرع بكليتيه، وخلاف ذلك مما يدفع الموسرين للحصول على الكلى عن طريق الشراء من الفقراء في دول العالم الثالث، وهذا امر له محاذيره وعواقبه. وقد تحدثت "الوسط" الى الدكتور محمود تارسين استشاري جراحة وزراعة الكلى في وحدة الكلى في مستشفى الرياض المركزي عن اسباب الاصابة بمرض الكلى، خصوصاً ما يتعلق بعوامل بيئية او عادات اجتماعية، وآفاق العلاج لمرضى الفشل الكلوي، فقال عن موضوع الاستنساخ الذي شغل العالم وأثار جدلاً حول مشروعيته وحقيقته، وبنى عليه بعض العلماء آمالاً بعلاج مرضى الكلى عن طريق استنساخ اعضاء معينة مثل الكلية من المريض نفسه لزرعها بدل الكلية المصابة: "الحقيقة انه عندما يتم استنساخ انسان آخر جديد يصبح هذا الآخر كائناً مستقلاً بذاته ولا يمكن التصرف فيه الا بارادته، وأعرف ان هناك ابحاثاً تجرى منذ اكثر من 30 عاماً لمجرد زراعة شيء جزئي وليس استنساخاً، مثلاً مرض السكر، وهو مرض قديم، وجدوا ان حقن المرضى بالأنسولين وخصوصاً الاطفال، عملية مرهقة فحاولوا من خلال البحوث المتعددة ان يضعوا جزءاً من انسجة البنكرياس في جسم مريض السكر ليقوم بإفراز الانسولين بدلاً من البنكرياس المتوقف عن الإفراز. ومع هذا لم يتمكنوا حتى الآن من زراعة الانسجة او استنساخ البنكرياس، لذلك فإن الاعضاء المنفردة من جسم الانسان او الحيوان لا يمكن استنساخها في الوقت الحاضر على الأقل، وأستبعد حدوث هذا الشيء، فاستخدام هذه النسخ - كقطع غيار بشرية - ليس بالأمر المقبول من الناحية الشرعية الاسلامية، حتى لو كانت بعض الاشياء التي جاء بها العلم، ولم تقبلها المجتمعات الغربية والكنيسة على وجه التحديد كأطفال الأنابيب وزراعة الأجنة قد قبلها الاسلام ضمن اخلاقياته العامة". وعن تطور جراحة وزراعة الكلى في السعودية قال الدكتور تارسين: "للحقيقة اقول ان القطاع الصحي والعلاج في السعودية يشهد تقدماً كبيراً جداً منذ سنين، وفي مجال تخصصي وهو زراعة الكلى فان التقدم قد يفوق مثيله في البلاد المتقدمة، فهي في الواقع الأولى من حيث الكوادر الطبية البشرية والتقنية في الشرق الأوسط". وأشار الى نسبة المصابين بالفشل الكلوي في السعودية فقال: "في العالم العربي عموماً وفي السعودية خصوصاً نجد ان نسبة المصابين بالفشل الكلوي عالية، فمثلاً هناك ما يزيد على 4600 مريض ينتظرون على قائمة الزراعة، وهذا الرقم مخيف ويمثل عبئاً كبيراً على المجتمع السعودي، فهذا المريض طرف في الأسرة سواء كان أباً او أماً او إبناً تشترك معه الأسرة في المعاناة والإرهاق الاجتماعي والنفسي والمادي، مما ينعكس على المجتمع ككل". وأضاف: "في الدول الزراعية كمصر تمثل البلهارسيا اهم المشاكل الصحية المسببة للفشل الكلوي والمؤثرة على الصحة العامة ومن ثم على الاقتصاد القومي، ولكن هناك اسباباً اخرى غير البلهارسيا تؤدي الى الفشل الكلوي، ففي مجتمعات المناطق الحارة كالسعودية مثلاً يفقد الانسان سوائل كثيرة من جسمه، مع محدودية امكان الوصول الى السوائل، ومن ثم يكون البول مركزاً مما يؤدي الى ترسب الاملاح او البلورات بالجهاز البولي، وفي النهاية يؤدي الى تكوين حصوات. ايضاً هناك الالتهابات، فهي موجودة هنا، والعيوب الخلقية موجودة ايضاً، وكذلك ارتفاع ضغط الدم والسكر، وكل هذه الامور تعتبر من مسببات الفشل الكلوي". وأشار الدكتور تارسين الى اسباب الإصابة بمرض السكر في السعودية، وذكر "ان نسبة كبيرة من مرضى السكر اصيبوا نتيجة العادة الشائعة عند الناس في أكل التمور بإسراف شديد، وبالتالي فإن هناك عدداً لا بأس به ممن اصيبوا بالفشل الكلوي نتيجة لمرض السكر، حيث يؤدي الى تلف الحويصلات المكونة للكلية ومن ثم الفشل. اما ارتفاع ضغط الدم خصوصاً في مناطق الجنوب كجازان جنوب غرب السعودية وغيرها ... وأعتقد ان هذا المرض له اصل وراثي. وضغط الدم العالي يؤثر على الكلية ومن ثم يتلفها وهكذا تبدأ عملية الدائرة المغلقة". وأوضح ان العيوب الخلقية في الجهاز البولي التي تظهر في مراحل مبكرة تؤدي في بعض الاحيان الى الفشل الكلوي، وهناك جانب آخر مهم وهو عدم وجود مسح صحي للمواطنين لمعرفة حالتهم الصحية العامة والمساعدة على اكتشاف الخلل في مرحلة مبكرة وعلاجه قبل تطوره الى فشل كلوي". وذكر الدكتور تارسين ان النساء في المجتمع السعودي اكثر عرضة للفشل الكلوي من الرجال، وعزا ذلك الى "ان طبيعة الواقع الاجتماعي والحياة تفرض عليهن التخفيف من شكواهن الصحية اضافة الى ان حمل المرأة يؤدي الى ضغط الرحم على الحالبين ومن ثم يبطئ عملية الافراز البولي من الكلى الى المثانة مما يجعل المرأة الحامل اكثر قابلية للالتهابات البولية من الرجل وبعدم المتابعة الصحية لها خلال الحمل وبعده تؤدي الى فشل كلوي". لكن ما هي مصادر الكلى؟ وما حجم التبرع بها في السعودية؟ اجاب الدكتور تارسين: "ان اكبر مصدر لزراعة الكلى في السعودية الوفاة الدماغية، اما التبرع فقليل على رغم ان هناك من يشجع على التبرع ولكن صاحب القرار هو رب الأسرة الذي قد يرفض. ومن الظواهر المضحكة المبكية التي عايشتها في السعودية والتي تؤكد مدى التضحية الكبيرة التي تقدمها المرأة السعودية انها اذا مرض زوجها بفشل كلوي تبرعت له بإحدى كليتيها، وإذا مرضت المرأة قد لا يتبرع لها زوجها بل قد يتزوج عليها. وأؤكد هنا أهمية ان يعي الناس فائدة التبرع بأعضاء المتوفى دماغياً وأجزم لك انه لو حدث هذا الوعي فإنه خلال خمس سنوات فقط لن يكون هناك منتظرون على قائمة زراعة الكلى". وسألته "الوسط": هل صحيح ان هناك فشلاً في بعض حالات زراعة الكلى؟ فأجاب: "هذا يحدث في بعض الحالات، فالعالم الحديث يفترض اجراء مجموعة من الفحوص الطبية على المُستقبل لضمان نتائج طيبة، ولكن قد يكون من اسباب الفشل ان الاختبارات كانت غير صحيحة او لا يوجد تشابه او تطابق بين المتبرع والمستقبِل الى حد كبير، او قد يكون احد اسبابه تأخير عملية الزراعة لوقت طويل. فالغسيل اليومي يرهق المريض على المدى البعيد كما ان هناك حالات تسمى الرفض الحاد، فعلى رغم اجراء كل الفحوصات نجد هذا الرفض في الوقت الذي نجري فيه العملية وقد يحدث هذا حتى في حالة التوأم اي من انسان الى انسان مشابه له تماماً وهي نادرة". وينصح الدكتور تارسين من يسافر الى خارج السعودية لزراعة الكلى بأن الامكانات المتوافرة في السعودية افضل بكثير من مثيلاتها في تلك الدول الغربية. اما من يسافر الى احدى دول العالم الثالث لشراء كلية له وزراعتها في تلك الدولة سراً، فانه يعرض نفسه لمشاكل خطيرة لأن هناك تحريماً عاماً في كل العالم لشراء الاعضاء البشرية، ولكن على رغم هذا فهناك طرق للتحايل على هذا القانون، فنجد مثلاً حينما يذهب المريض الى الخارج، خصوصاً الى دول العالم الثالث، وتتم زراعة الكلية له بطريقة سرية وفي اماكن سرية وبيد غير متخصصة اضافة الى الاستعجال وعدم الدقة، الى جانب الامراض الوبائية المنتشرة في تلك الدول، وقد قابلتني نماذج كثيرة فشلت عندهم هذه الزراعة. لذا انصح من يفكر في السفر لإجراء زراعة كلى بمثل هذه الطريقة بالامتناع عن هذه التجربة لأن الزراعة يجب ان تتم من قبل اطباء اكفاء لهم خبرة طويلة في هذا المجال". تجدر الاشارة الى ان السلطات الهندية، على سبيل المثال، كانت شنت حملة اعتقالات واسعة ضد بعض الاطباء والمراكز الصحية التي تجرى فيها عمليات زراعة الكلى. وشملت الاجراءات الاجانب القادمين لهذا الغرض ومن ضمنهم مواطنون عرب، وذلك اثر اكتشاف تورط بعض الاطباء في سرقة اعضاء المرضى وبيعها للمصابين بالفشل الكلوي. وقد حذرت وزارة الصحة السعودية مرضاها في اكثر من مناسبة ونصحتهم بعدم السفر الى الهند بغرض زراعة الكلى. كما نصحت الاطباء بتشجيع التبرع من الاقارب الاحياء تفادياً للمتاعب الناجمة عن السفر الى الخارج والمضاعفات الصحية التي يمكن ان يتعرض لها المرضى. ومن المنتظر ان تساهم التطورات الحديثة للتكنولوجيا الطبية في توفير بدائل اصطناعية يمكن استخدامها بصورة موقتة او بصفة دائمة الى حين حصول المرضى على اعضاء طبيعية من المتبرعين. ويسعى علماء الهندسة الوراثية الى انتاج اعضاء يمكن استئصالها من حيوانات يتوافق تركيبها "الجيني" وفصيلة دمها مع المرضى الذين ينتظرون متبرعين مناسبين للحصول على اعضائها المطلوبة. غير ان هذه الوسائل ما زالت في بدايتها .