عادت القوات التركية صبيحة يوم 24 أيلول سبتمبر الماضي الى اجتياح شمال العراق من جديد بعد حوالي خمسة أشهر على آخر حملاتها الكبيرة في أيار مايو الماضي. لكن قوات حزب العمال الكردستاني أبدت مقاومة عنيفة في الدفاع عن بعض قواعدها ومواقعها الرئيسية في الجبال الكردية العراقية، بعدما كانت في الجولات السابقة تنسحب نحو الحدود الايرانية من دون ابداء مقاومة فعلية، إلا في حالات الاضطرار. ولا يستبعد أن يكون هذا التطور السبب الرئيسي في ارتفاع عدد القتلى والمصابين في صفوف الجيش التركي مقارنة بالمرات السابقة، اذ اعلنت مصادر تركية ان عدد الضحايا من الجنود وصل في الاسبوع الأول من بدء الاجتياح الى 252 قتيلاً وأن أفراد حزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله اوجلان أخذوا يستخدمون في مقاومتهم أسلحة ثقيلة كمدافع الهاون 120 ملم و122 ملم وصواريخ مضادة للطائرات من نوع "سام 7" المحمولة على الاكتاف، ومعدات للاستكشاف الليلي والألغام المتطورة ومضادات الدروع. فيما تحاول قوات مسعود بارزاني تطويق مقاتلي اوجلان لقطع طرق انسحابهم. وأثار الاجتياح التركي مع اتساع رقعته وتوقيته الزمني، مخاوف حقيقية عند الأطراف الاقليمية المعنية بالحرب في شمال العراق. فإيران التي تجري مناورات عسكرية برية ضخمة بالقرب من حدودها مع العراق، أخرجت الكثير من فرقها من ساحة المناورات ونشرتها في شريط حدودي ممتد من مدينة سردشت الى بيران شهر وآشنويه شمالاً. اما الحكومة العراقية التي تقول مصادر عليمة انها نسقت مع أنقرة بعد زيارة مفاجئة قام بها وكيل وزارة الخارجية التركية اينور اويمان الى بغداد قبل اسبوعين، فقد حشدت قوات كبيرة على طول المنطقة الممتدة من مدينة مخمور جنوب اربيل الى شمال الموصل. وعلى صعيد آخر، شهدت الجبهة التي تسيطر عليها قوات جلال طالباني حشودات كبيرة على خطوط التماس مع قوات بارزاني. وعلى رغم محاولات السلام الجارية، وآخرها توصية من بارزاني الى طالباني تؤكد استعداده لعقد اجتماع مشترك بينهما في اربيل أو صلاح الدين أو شقلاوة، وموافقته على عقد اجتماع على مستوى المكتب السياسي للحزبين برعاية اميركية - بريطانية في لندن، فإن التوترات التي عكستها العملية التركية، تؤشر الى تجدد الاشتباكات بين الفصيلين الكرديين العراقيين، وما يزيد الاحتمالات في هذا الخصوص ان تركيا وبارزاني يتهمان طالباني بمساعدة مقاتلي اوجلان. فيما يشن طالباني حملة اعلامية ضد العملية التركية، وأصدر في اليوم الثاني للاجتياح بياناً قال فيه ان "على الحكومة التركية ان تدرك حقيقة ان كردستان العراق ليست ضيعة تابعة لقيادة بارزاني تبيعها لمن تشاء".