يتزايد الطموح الاسرائيلي جيلا وراء جيل. ويوما وراء يوم. بناء على خطة طويلة الامد منذ عهد داود عليه السلام، وجعله القدس عاصمة لدولته منذ ثلاثة آلاف عام. حتى اصبح شعار اليهودي عندما يقابل يهوديا آخر: "العام القادم في اورشليم". وقد توالت الاحداث على بني اسرائيل منذ انقسامها قسمين: اسرائيل في الشمال ويهوذا في الجنوب بعد سليمان الحكيم. ثم أتى بختنصر واخذ الاسرائيليين اسرى في بابل في القرن السابع قبل الميلاد مدة مائتي عام قبل عودتهم، وفلسطين مستعمرة رومانية. ولم تنفع ثورة المكابيين في القرن الثاني في خلاصهم حتى فتحها العرب في عهد عمر بن الخطاب. ولم تنجح الحروب الصليبية في انتزاع القدس من ايدي المسلمين، واستمر الحال كذلك حتى الاستيطان اليهودي ابان الاستعمار البريطاني وتسليم نصفها لليهود. ثم النصف الآخر بعد حرب حزيران 1967. وقد بدأت الصهيونية المعاصرة طموحها لانشاء دولة في فلسطين، منذ ان كانت صهيونية روحية في القرن التاسع عشر. حتى اصبحت صهيونية سياسية عبر عنها هرتزل في كتابه "الدولة اليهودية"، وتأسيس مؤتمر بازل في 1987. وتحتفل اسرائيل هذا العام بمرور مائة عام على انشائه، وتزهو فخرا بتحقيق الحلم. ويتزايد الطموح الاسرائيلي منذ اوائل هذا القرن وانشاء المستوطنات الاولى حتى وعد بلفور. ثم يتزايد الطموح بنهاية ثورة عز الدين القسام في 1936 ثم تأسيس دولة اسرائيل في 1948. ويتحول الطموح الى اطماع في الاستيلاء على كل النقب بعد هزيمة العرب وقرية ام الرشراش المصرية التي أصبحت ايلات، ومنذ عدوان 1956 وهي تمرح في خليج العقبة. ثم اتت هزيمة حزيران 1967 وتحول الطموح الى توسع بالاستيلاء على سيناء والجولان وباقي فلسطين: غزة والضفة، ثم زاد التوسع باحتلال جنوبلبنان. ومن الطموح الى التوسع الى الاستيطان الى اسرائيل الكبرى، بعد الهجرات السوفياتية ابان ضعف الاتحاد السوفياتي وقبل انهياره، تحولت اسرائيل الى اسطورة، القوة والرفاهية والنصر والتقدم والديموقراطية والحرية. والعرب محيطون بها من كل جانب على عكس ذلك وعلى النقيض منه. والاسطورة لا تفرق بين الواقع والخيال، ولا بين الممكن والمستحيل. ثم جاء زلزال اكتوبر الذي هز اسرائيل من دون ان يقلل من طموحاتها. واتاها السلام من العرب ففرضته عليهم اعترافا بوجودها بلا حدود. فحدود اسرائيل هي ما يستطيع جيش الدفاع الاسرائيلي ان يصل اليه، وما فتئ طموح اسرائيل بل تحول صلفاً وثقة زائدة بالنفس وبالمستقبل. ويصل الطموح الاسرائيلي في كل تحققاته التاريخية واحلامه الاسطورية الى حد تجاهل حقائق تاريخية اخرى تجعل اشد المتحمسين للمشروع الصهيوني التاريخي اقل حماسة واكثر تشككا بالنسبة الى المستقبل. والمؤشرات على ذلك كثيرة تخفيها الحرب والخطر الخارجي. ويكشفها السلام وبداية الخطر الداخلي. فالمجتمع الاسرائيلي ممزق بين العلمانيين والمتدينين، بين الاصلاحيين والارثوذكس حول هوية الدولة، مدنية ام دينية؟، والاقتتال صباح السبت في الشوارع يزداد يوما وراء يوم بين من يخرقون قوانين السبت وبين من يحافظون عليه. والصراع دائر بين الشرقيين والغربيين، بين السفرديم والاشكناز، بين اليهود العرب واليهود الغربيين، والشرقيون يكونون اكثر من 60 في المئة من سكان اسرائيل. ويكشف الصراع عن نزعة عنصرية مزدوجة عند اليهود الاوربيين، عنصرية يهودية مضافة الى عنصرية بيضاء، عنصرية المركزية الاوروبية، في مقابل عنصرية يهودية شرقية لم تستطع العروبة محوها عند اليهود العرب. والصراع دائر ايضا بين انصار السلام وانصارالحرب، بين اليسار واليمين الاسرائيليين، كلاهما يود الحفاظ على الدولة بتكلفة اقل في الارواح وبمنهج اسلم في التعامل مع المحيط العربي، وهو الصراع بين اسرائيل اللاصهيونية واسرائيل الصهيونية، انصار السلام الذين يتظاهرون مع الفلسطينيين ضد المستوطنات وانصار الحرب الذين يمثلون عقلية الاستعمارالقديم والقوة الاميركية الحديثة. والصراع دائر بين الفقراء والاغنياء. فالمشكلة الاجتماعية تزيد تفاقما، فلا يزال اليهود الغربيون هم الذين يملكون الاقتصاد ويسيطرون على السياسة، ويقودون الجيش. وتزيد مظاهر الفساد في الطبقة الحاكمة. إذ يصبح المال هو الباعث في غطاء من سيادة الدولة والحفاظ على الكيان. والسؤال العربي ما زال مطروحا: الزمن في صالح مَنْ؟ الطموح الاسرائيلي غير المحدود الذي يعتمد على الغرور التاريخي والانجازات الماضية عبر قرن من الزمان؟ ام الواقع الاسرائيلي والامكان العربي الذي يضع حدا لهذا الطموح؟. القوة العسكرية العربية ايضا متنامية مضافا اليها القوة الايرانية والدائرة الاسلامية الاوسع في الهند والصين وآسيا الوسطى اذا ما تعلق الموضوع بالقدس والمسجد الاقصى. وهناك المقاومة الاسلامية في جنوبلبنان وفي فلسطين التي تثبت كل يوم انها قادرة على التأثير في الدولة الصهيونية.. وهناك اطفال الحجارة الذين ما زالوا يثبتون استمرار الثورة الفلسطينية حتى النصر. وهناك مقاومة الشعوب العربية، خصوصاً في مصر والاردن لكل اشكال التطبيع. وهناك وحدة العرب التي تمثلت في مؤتمر القمة العربي العام الماضي، ولجان التنسيق بين مصر والاقطار العربية والسوق العربية المشتركة. وهناك يقظة مصر التي تدرك ان ماكسبته في الخمسينات والستينات كادت تخسره في السبعينات والثمانينات. فالطموح الاسرائيلي قد ينكسر على الواقع الاسرائيلي والامكان العربي، والتاريخ يشهد، والمستقبل مرهون .